تمهيدنا
لماذا لا نقتنع في تأثيره؟
رئيس التحرير
سؤال كبير..
* نعيش مع الكثير من الحالات التي تشعرنا بحقانية الدين وأنه لمصلحة الإنسان وندرك ذلك في أعماق وجداننا مهما حاولنا استبعاد ذلك.
* إننا ومع هذا الوجدان العميق لا نقتنع، أو لا نريد أن نقتنع بحقانية بعض المفاهيم والمعارف الدينية.
* رغم أننا لو أجرينا مقارنة صادقة وعادلة مع المفاهيم المقارنة سننتهي إلى ضرورية رجحان المفاهيم الدينية.
لماذا لا نقتنع؟
* هل الشيطان يمنعنا؟
* وهل له القدرة في السيطرة على أفكارنا وتغيير المفاهيم، بل إيجاد أرضية الانقلاب عليها؟
هل فعلاً له ذلك؟
أو أننا جعلنا الشيطان شماعة نعلق عليه عدم قناعتنا، تغطية على شيء ما لعلنا لا نفهمه إلى الآن، ولا نريد أن نقف عنده!
وكلما وصلنا إلى هذه المنطقة نتحرج فنتجاوزها سريعاً.
* من بين تلكم المفاهيم الكثيرة والكبيرة التي نحاول عدم الاقتناع بها:
تأثير الإمام (عجَّل الله فرجه) الغائب عن حواسنا الظاهرية في حياتنا.
* في العادة لا نحسب ولا نترك له (عجَّل الله فرجه) أدنى مساحة للتأثير على مجريات حياتنا.
لا في بناء مفاهيمنا وما نخطط له.
ولا في ممارساتنا وما نريد أن نعمله.
* يكاد يخلو (عجَّل الله فرجه) فعلا ًمن حياتنا..
* رغم علمنا أنه يؤثر في كل شيء.
* رغم الكم الهائل من النصوص على ذلك.
* رغم تجارب الكبار من الرجال الإلهيين الخُلَّص الذين نحِنُّ إليهم بعد فقدهم.
ونحن - مع الأسف - حذفناه من معادلة حياتنا وتأثيره فيها.
* نظير الموت فهو من أقرب الأشياء إلينا ويسير معنا، وكل يوم يذكرنا بنفسه لكننا ننكره ونشمئز ممن يذكرنا به.
قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ (آل عمران: ١٨٥).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما رأيت إيماناً مع يقين أشبه منه بشك إلّا هذا الإنسان إنه كل يوم يودع، وإلى القبور يشيع، وإلى غرور الدنيا يرجع، وعن الشهوات واللذات لا يقلع، فلو لم يكن لابن آدم المسكين ذنب يتوقعه، ولا حساب يوقف عليه إلّا موت يبدد شمله ويفرق جمعه ويؤتم ولده، لكان ينبغي له أن يحاذر ما هو فيه بأشد التعب، ولقد غفلنا عن الموت غفلة أقوام غير نازل بهم، وركنا إلى الدنيا وشهواتها ركون أقوام لا يرجون حساباً ولا يخافون عقاباً»(١).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «ما خلق الله (عزَّ وجلَّ) يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت»(٢).
* هل يعقل أننا على وعي بما نقوم به وندرك حقيقة الأمر!
لنرجع إلى قرارة أنفسنا ونستعين بما عندنا لنبدد واحدة من أهم المغالطات: (أن ما نقوم به هو من الشيطان).
نتعرف على قدرات الشيطان علينا.
لنتخلص من واحدة من أكبر الأوهام العالقة في أذهننا.
والتي تمنع التقدم خطوة، بل خطوات، تجاه حل هذه العقدة المستعصية إلى حدٍ ما.
فبعد أن منَّ الله تعالى علينا ولأسباب كثيرة أن نكون أعضاء الأسرة الربانية المباركة أسرة محمد وآل محمد.
نرجع معاً...
لنقرأ القرآن الكريم حيث نجده يتحدث لنا وبشكل جزمي وقطعي أن عمل الشيطان وتأثيره علينا ضعيف، قال تعالى: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً﴾ (النساء: ٧٦).
فإذا كان تأثيره من الأصل هو ضعيف، فلماذا نعطيه مساحة أكبر ونمكّنه من أنفسنا ونسلّطه على أفكارنا وعقائدنا ليقول لنا:
* هل يعقل أن يكون المهدي موجوداً وله كل هذا التأثير في حياتكم؟
* لو كان موجوداً وله هذه القدرة، فلماذا لا يقوم بدوره؟
وأمثال هذه المقولات الشيطانية.
* نحن نعلم جيداً أن الشيطان لا يملك أدنى مراتب الوفاء لأتباعه ومن يعبده ﴿لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ﴾ (مريم: ٤٤)، فالله تعالى يقول عنه: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ﴾ (الحشر: ١٦).
* ندرك أيضاً أنه في ساعة الجد وانكشاف الأمور سيتخلى عنا ويبين حقيقة فعله معنا، وهذا نص كلامه ينقله لنا أصدق كتاب: ﴿وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ (إبراهيم: ٢٢).
* فهو يصرح أنه ليس له علينا سلطان!
* فقط دعانا فاستجبنا له!
نعم هو يعدنا ويمنّينا ولكن وعوده لنا ما هي إلّا غرور وسراب، كما يقول تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً﴾ (النساء: ١٢٠).
* بل إنه يطلب منا أن لا نلومه على ما حصل وأن نلوم أنفسنا لأنه في الحقيقة لا يؤمن بما قمنا به ويتبرأ منه!
* حقاً أن هذه الآية عجيبة وتوضح لنا بشكل جلي قيمة أنفسنا وحقيقة المغالطة الكبيرة التي نعيشها.
* نحمّل الشيطان مسؤولية ما نقوم به وهو لم يقم بأفعالنا نيابة عنا ولم يجبرنا على تبني فكرة أو عقيدة أو فعل، هو فقط دعانا ونحن هرولنا إليه وسخرنا كل ما نملك في سبيل خدمته.
* وجودنا مع الشيطان وجود اختياري، وتأثيره علينا ضعيف ومحدد في دائرة ضيقة فهو لا يؤثر في أفعالنا ولا يوجدها، هو فقط يوجِد في أذهاننا التصورات والأفكار الخاطئة، وسرعان ما يخنس ويتراجع إذا كانت لدينا الإرادة الصلبة والحقيقة في طرد وسوسته، بمجرد التذكر يصمت ولا يعود يمارس دوره الخبيث والضعيف معنا، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ (الأعراف: ٢٠١).
* فلماذا نجعل للشيطان مساحة وقدرة هو بنفسه يصرح بعدم امتلاكها؟
* فالمغالطة من هنا تبدأ ولابد أن تنتهي هنا...
أن نعرف حجم الشيطان وأنه لا يؤثر إلّا في دائرة محدودة وهي خلق الأفكار التشكيكية في الحقائق الثابتة، وفي نفس هذه الدائرة هو ضعيف وأدنى تذكر والتفات ينعدم تأثيره نهائياً.
* فما نقوم به ليس من الشيطان كما ندّعي في العادة! لنصارح أنفسنا، ونعرف المشكلة والمرض لكي يسهل علينا علاجه.
* لنرجع مرة أخرى ونتعرف على تأثير الإمام (عجَّل الله فرجه) وآثاره في الكون وعلينا، فبعد أن عرفنا أن دور الشيطان في بناء الأفكار الخاطئة محدود وضعيف، وصار من السهل علينا السيطرة عليه.
* نندفع الآن باتجاه سد الثغرات التي يمكن أن ينفذ من خلالها في حالات الغفلة والفتور ولنتذكر قوله لنا: هل يعقل أن له تأثيراً كبيراً علينا؟ أين هو؟ ولنخاطبه بصوت عالٍ:
إن تأثيره (عجَّل الله فرجه) كبير وملموس وهذه النصوص الشريفة تتحدث نيابة عنا لإسكات صوت الشيطان الضعيف، فتقول:
١ - بالإمام (عجَّل الله فرجه) نعرف الله تعالى ونوحده، وبه تتحقق كرامة الإنسان، قال أبو جعفر (عليه السلام): «فنحن أول خلق الله، وأول خلق عبد الله وسبحه، ونحن سبب خلق الخلق وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والآدميين، فبنا عرف الله وبنا وحد الله وبنا عبد الله، وبنا أكرم الله من أكرم من جميع خلقه»(٣).
٢ - الإمام (عجَّل الله فرجه) أمان لأهل الأرض ولنشر الرحمة: فعن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: «نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة، ويخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها»(٤).
٣ - وعنه (عجَّل الله فرجه) في توقيع صادر منه يصرح فيه بأنه الإمام ويجب على الناس الإذعان به وترك الشكوك التي تثار حول إمامته: «... أنه أنهي إلي ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمورهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا، لأن الله معنا ولا فاقة بنا إلى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنائع ربنا، والخلق بعد صنائعنا.
يا هؤلاء! ما لكم في الريب تترددون، وفي الحيرة تنعكسون؟ أو ما سمعتم الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]؟ أوَما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم عن الماضين والباقين منهم (عليهم السلام)؟ أوَما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي (عليه السلام)، كلما غاب عَلَمٌ بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم؟ فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله تعالى أبطل دينه، وقطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة، ويظهر أمر الله سبحانه وهم كارهون...»(٥).
٤ - معرفته (عجَّل الله فرجه) شرط في قبول الأعمال:
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَللهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠]، قال: «نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلَّا بمعرفتنا»(٦).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «... بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجِّ والجهاد...»(٧).
٥ - وجوده (عجَّل الله فرجه) لدفع البلاء وخروج البركات:
فعن أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام): «يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام)، ولا يخليها إلى أنْ تقوم الساعة من حجَّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه يُنزل الغيث، وبه يُخرج بركات الأرض»(٨).
هل رأينا كيف أنه (عجَّل الله فرجه) مؤثر، فلماذا لا نقتنع؟
الهوامش:
(١) دعائم الإسلام للمغربي: ج١، ص٢٢٢.
(٢) من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق: ج١، ص١٩٤.
(٣) بحار الأنوار: ج٢٥، ص٢٠.
(٤) بحار الأنوار: ج٢٣، ص٦.
(٥) الغيبة للشيخ الطوسي: ص٢٨٥-٢٨٦.
(٦) الكافي (ج ١/ ص ١٤٣ و١٤٤/ باب النوادر/ ح ٤).
(٧) معاني الأخبار (ص ٩٧ و٩٨/ باب معنى الإمام المبين/ ح ٢).
(٨) كمال الدِّين (ص ٣٨٤/ باب ٣٨/ ح ١).