الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
حتى يتضح الجواب لابد أن نبين مسألة وهي: أن الدين الإسلامي فيه فروع وفيه أصول:
أمّا الفروع فقد قَبِل منا الدين أن نتبع فيها أشخاصاً إذا توفرت فيهم صفات خاصة، وهم المجتهدون.
وأمّا أصول الدين، فإن الله تعالى لم يرضَ من العبد الظنّ فيها، بل لابدّ عليه من تحصيل العلم واليقين فيها، ولذلك لا يجزي التقليد فيها.
نعم، إن التقليد على نحوين: فمنه ما يُعبّر عنه بالتقليد غير المقيد بالنظر والاستدلال بمعنى أخذ الفتوى أو الحكم من المجتهد من دون أن يُكَلَّف الفرد بالبحث عن الدليل الذي استنبط منه المجتهد ذلك الحكم الشرعي.
ومنه ما قد يعبر عنه بالتقليد المقيّد بالنظر في الدليل بمعنى أن يأخذ المكلف العقيدة ممن استدل عليها وينظر في دليله ويتأمله، فإمّا أن يقتنع به بعد التأمل، وإمّا أن يضيف عليه ما يقويه، وإمّا أن يرفضه، ففي حالة القبول يكون مقلداً لذلك الآخر.
ولكنه قلّده عن بصيرة وتأمل في الدليل.
والتقليد المطلق غير مقبول أصلاً في أصول الدين، أمّا التقليد المقيد بالنظر في الدين فمقبول فيها، لأنه بالتالي يؤدي إلى العلم واليقين بالمسألة الاعتقادية.
ومعه، فمرجع التقليد -إذا بيّن مسألة فقيهة- لزم الأخذ بها بالنسبة إلى مقلديه وإذا بيّن مسألة اعتقادية لزم الأخذ بها على كل من نظر في كيفية استدلاله عليها واقتنع بالمقدمات التي أقامها والنتائج التي وصل إليها.
وهذا يعني أن لزوم الأخذ برأيه لا يتوقف عند حدود مقلديه، بل يجوز ذلك لكل من اعتقد بدليله.
ومنه يتبين أن مسألة معرفة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، هي وإن كانت من المسائل الاعتقادية لا الفقهية، ولكن يمكن الرجوع فيها إلى العلماء والفقهاء من باب الرجوع إلى أهل الخبرة في هذا الفن، فإنهم العارفون بكيفية الاستدلال وطرقه المختلفة، لكن لابد في هذا من مطالعة الدليل الذي يقيمه الفقيه.
على أن كثيراً من المسائل المتعلقة بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وقضيته هي مرتبطة بالروايات خصوصاً ما يتعلق بعلامات الظهور وملامح عصر الظهور والأحداث التي تقع فيه، وهذا يعني ضرورة الرجوع إلى العالم في فهم الروايات وبيان إسنادها وتوضيح المراد منها ومعالجة ما يوهم التعارض فيها، ومعرفة ما صدر منها لبيان أمر واقعي وما صدر تقيةً مثلاً وغيرها من أحوال الروايات التي لابد من الرجوع فيها إلى أهل الخبرة والاختصاص.
والخلاصة في نقاط:
١) إن أصل معرفة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأنه الإمام الثاني عشر، هذا من المسائل الاعتقادية التي يلزم البحث فيها والوصول إلى العلم فيها ولو من خلال ما استدل به العلماء على ذلك.
٢) المعرفة النظرية بالإمام (عجّل الله فرجه) زمن الغيبة، من معرفة ما يلزم على المنتظِر فيه ومعرفة علامات الظهور وما يتعلق بعصر الظهور، ينبغي الرجوع فيها إلى العلماء أيضاً، لأنهم أهل الخبرة في مجال الاستفادة من الروايات رغم أن معرفة خصوصيات وجزئيات هذه الأمور غير واجبة شرعاً، ولكن من أراد التعرف عليها فينبغي عليه الرجوع إلى أهل الاختصاص، فإن الروايات كثيرة، وفيها الغث وفيها السمين، وقد تكثرت إلى الحد الذي يخفى على غير أهل الخبرة أخذ معنىً محدد منها.
على أنه ينبغي الالتفات إلى أن معرفة بعض تلك الأمور أمر مهم جداً، كمعرفة العلامات الحتمية الخمسة.
٣) معرفة الإمام (عجّل الله فرجه) إبّان ظهوره، وهذه لا نحتاج فيها إلى أكثر مما يقيمه الإمام (عجّل الله فرجه) من كرامات ومعجزات وأن أمره أبْيَنُ من الشمس، فإن ما يقيمه من آيات ومعجزات سيكون شاملاً وعاماً للجميع من دون اختصاص بفئة دون أخرى، على أن الاستئناس برأي العلماء الذين اطمأن الناس إليهم وائتمنهم الناس على أمور دينهم مما لا ينبغي تركه كما هو واضح.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)