(٦) حجية الرؤيا
حجية الرؤيا
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
قبل البدء بمناقشة حجية الرؤيا من عدمها أو حدود حجية الرؤيا (فيما إذا قلنا بحجيتها)، لا بد أن ننتهي مسبقاً من مسألة في غاية الأهمية وهي أن من يدعي إثبات مسألة معينة من خلال الرؤيا لا بد أن يقف:
أولاً على أن ما يراد إثباته من هذا المدعي هل هو من أصول الدين أم من فروعه؟
وحيث أننا بعد أن تتبعنا كلمات هؤلاء وجدنا أنهم يدعون حجية الرؤيا بقولٍ مطلق في أصول الدين، (أما لو فرض وأن قال أنها من فروع الدين فإننا سوف نتحاكم معها إلى الأدلة القائمة في الفقه وأصول الفقه والمناط فيها حجية قول المتخصص وهم المجتهدون) فلا بد أن تكون حجية الرؤيا وحدود حجيتها ثابتة مسبقاً بما تثبت به مسائل أصول الدين، إذ لا معنى أن يقال أننا نثبّت حجية الرؤيا وإطلاق حدود حجيتها بأدلة فروع الدين أو بأدلة ومناهج معدّة سلفاً لإثبات مسائل تأريخية ومن ثم نحتج بها على مسائل من أصول الدين.
ننتهي إلى هنا إلى أن حجية الرؤيا والمنامات وحدود حجيتها لا بد أن تثبت بأدلة من سنخ ما تثبت به أدلة أصول الدين، وحيث أن أدلة أصول الدين منحصرة بما هو قطعي ويقيني فتكون الأدلة على النحو التالي:
أولاً: أدلة عقلية، والجدير بالأهمية أن يشار هنا إلى أن الأدلة العقلية لا بد أن تكون خاضعة لمنهجية البحث العقلي دون السفسطة، وإلا كان بإمكان أي متزندق أن يركّب صغرى وكبرى ويستدل بها على إلوهيته ولزوم عبودية الخلق له، وحيث أن الأدلة العقلية لإثبات المسائل الأصولية العقائدية قد قررت في محلها وأُحكمت وفُصّلت منذ الصدر الأول إلى يومنا هذا، فمع عدم وجود دليل يؤكد مضمون ما يراد أن يستدل عليه يُفهم من ذلك أن لا دليل عقلي على حجية الرؤيا والمنامات في أصول الدين وعلى من يدعي حجيتها فيها أن ينقل لنا أقوال جملة من العلماء يُعتد بقولهم على ذلك.
ومن أهم ما يرد على ما يدعيه البعض من حجية الأحلام في أصول الدين بالدليل العقلي هو:
1- إن تقسيم الأحلام إلى صادقة وكاذبة وأضغاث أحلام يخرم كلية تصديق الأحلام إذا تنزّلنا وقلنا أنها حجة في أصول الدين.
2- إن هذه الأحلام التي يدّعيها البعض أنها حجة تحتاج إلى تفسير، وحيث أن التفاسير للأحلام تختلف فما يدرينا أن التفسير الذي فسره هؤلاء هو فعلاً المراد (الواقعي) بالحلم والرؤيا، هذا إذا سلمّنا مسبقاً بصدق ما يخبرنا به هذا المفسر.
إذ من يقول أن المعنى الذي ادعاه المدعي هو المعنى المراد، ومن يقول أنه صادق في إخباره وهو يجر النار إلى قرصه.
3- إن الدليل العقلي حجة لأنه ينتهي إلى القطع واليقين ولا يوجد في محتوى الدليل العقلي ما هو ظنٌ أو ينتهي إلى الظن، لذلك فهو حجة لأنه لا يخالجه الاحتمال والظن والتشكيك فكل دليل يحتضن مقدّمة ظنية أو أن فيها احتمال الترديد فهو لا يرقى إلى صف الأدلة العقلية اليقينية التي تكون نتائجها حجة لذاتها لأن القطع واليقين حجةٌ لذاته وحيث أن من يدعي أن الأحلام والمنامات حجة في أصول الدين ينقل لنا شخصياً مضمون ما رآه وحيث أن ما رآه لا يكون إلا عبارة عن مضمونٍ منقولٍ إلينا على شكل خبر الآحاد لأن الناقل له فرد واحد فيكون ما يعتقده هذا البعض دليلاً قطعياً هو في الحقيقة خبر آحاد ودليل ظني إذا سلّمنا صحة صدوره وعدم معارضته فهو حجة في الفروع وحيث أن الأمرين الأخيرين متعسران فيمن يدعي الأحلام والرؤى فهو لا يُثبت حكماً شرعياً فضلاً عن أن يُثبت حكماً أصولياً عقائدياً
ثانياً: الأدلة النقلية القطعية، وتنقسم بطبيعتها إلى قسمين:
الأدلة القرآنية فحيث أنها قطعية الصدور إلا أنها ظنية الدلالة فلا بد أن يكون تفسيرها أو تطبيقها بأخبار متواترة.
الأخبار التي تواترت عن أهل البيت (عليهم السلام) وأثبتت مضموناً حجية الرؤيا في أصول الدين بقول صريح.
وحيث أنه لا يوجد من هذا النحو بشقيه ما يُثبت حجية الرؤيا في أصول الدين فيثبت عدمه، ومن يدعي ثبوته عليه أن يثبت بالدليل.
ثالثاً: الإجماع المحصل كما قرر في إثبات بعض مسائل أصول الدين كحجية البحث وضرورته أو غيرها من مسائل النبوة أو الإمامة أو ما شاكل وحيث أنه لا يوجد بيدنا إجماع محصل بل ولا منقول على حجية الرؤيا والمنامات في أصول الدين فيثبت عدم الحجية.
إذن لا يوجد أي نحو من أنحاء الأدلة يقول بحجية الأحلام والمنام في مسائل أصول الدين.
ما هي حدود حجية الرؤيا إذا قيل بحجيتها؟
لو كانت الرؤيا والأطياف والأحلام وما يراه الناس في المنام تشكل مفردةً ينقح بها الأحكام الشرعية ويُستنبط من خلالها الأحكام كاستنباطنا للأحكام من القرآن والسنة والإجماع والعقل لذكر العلماء أن مدارك الأحكام الشرعية خمسة وليست أربعة بل لو تنزلنا عن ذلك وقلنا أن لها نوعاً من الحجية في استنباط الأحكام الشرعية دون أن تصل إلى مستوى حجية القرآن أو السنة لذكر الفقهاء ذلك في كتب الأصول.
إن عدم وصول أدلة من القرآن بعد استثناء منامات المعصومون التي وردت في القرآن إذ هي وحي لا يمسه الشيطان أو من روايات أهل البيت (عليهم السلام) أو من كلام العلماء تثبت أن المنامات والأحلام حجة في استنباط الأحكام الشرعية أو تأسيس القواعد الأصولية في العقائديات يعكس لنا عدم حجية الأحلام في ذلك وأنها لا تعدو -في حال صدقها- كونها مبشرات نفسية ذات حدود شخصية كما أشارت جملة من روايات أهل البيت (عليهم السلام) إلى ذلك.