(٩) الدعوى المهدوية ودعاوى ابن كاطع
الدعوى المهدوية ودعاوى ابن كاطع
السيد ضياء الخباز
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
إن هذا المدعي استدل بأدلة واهية على دعوته المزعومة ألا وهي دليل الرؤى والمنامات، ودليل الاستخارة، وأنّ كلا الدليلين لا ينهض لإثبات منصب كمنصب الإمامة.
إنّ ابن كاطع استدل لإثبات دعوته هذه المرة بدليل آخر وهو إقامة المعجزة، وإنّه غير ناهض أيضاً ولا يقوم دليلاً لإثبات هذه الدعوى الباطلة وذلك من خلال المحاور التالية.
1- المعجزة من سنخ الأدلة البرهانية.
2- شرط الاعجاز أنْ يكون خارقاً للعادة.
3- عدم القدرة على الإتيان بمثله، أي من قبل غير المدعي.
4- إمكان دعوى صاحب المعجز عقلاً وشرعاً.
5- أنْ يكون صدور الفعل الخارق في وقت التحدي.
6- ما صدر من الفعل الخارق قبل الدعوى لا يقال له معجز.
7- تطابق الفعل الخارق للعادة مع دعوى صاحبه.
1- المعجزة من سنخ الأدلة البرهانية:
الأدلة اقناعية وبرهانية، وان المعجزة من سنخ الأدلة البرهانية، وليست من سنخ الأدلة الاقناعية بمعنى أن المعجزة تكون دليلاً معتمداً على مقدمات عقلية مسلّمة الثبوت عند من يريد أنْ يستدل بدليل المعجزة. فكيف تكون المعجزة دليلاً برهانياً؟
ومن قبيل الأدلة البرهانية هو جواب الإمام علي (عليه السلام) عندما سأله سائل: هل يستطيع ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة؟
أجاب (عليه السلام) فقال: ربنا لا يوصف بالعجز ولكن الذي سألت عنه لا يكون.
وفي نفس المسألة أجاب الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال: ...ألك حواس؟ قال بلى، قال (عليه السلام) ما أصغرها؟ قال: النظر، قال (عليه السلام) كم مقدارها؟ قال بمقدار العدسة أو أقل من ذلك. قال (عليه السلام) ...فانظر فوقك وأمامك ماذا ترى؟ قال: أرى سماءً وأرضاً وبيوتاً وقصوراً ورمالاً. قال (عليه السلام) إنّ الذي قدر أن يدخل الجبال والسماء والأرض والقصور والبيوت في هذه العدسة لهو قادر أن يدخل الدنيا في بيضة...
نجد جواب أمير المؤمنين (عليه السلام) هو من سنخ الأدلة البرهانية، بينما أن جواب الإمام الصادق (عليه السلام) هو من قبيل الأدلة الاقناعية.
إنّ الله تعالى عندما أرسل الأنبياء وبعث الرسل ونصب الأئمة، له غرض من ذلك لأنّ أفعال الله معللة بالأغراض ولا يمكن أن يتهم الباري بالعبث. فالهدف من بعث كل هؤلاء هو أنْ يكونوا مبشرين ومنذرين، وقد أرسلوا من أجل هداية الناس فالناس يأخذون من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عندما تثبت نبوته عندهم، ويأخذون من الرسول عندما تثبت رسالته، فكيف يثبتها إذن. ذلك من خلال المعجزة التي تظهر على يده، فلمّا يظهر المعجزة يثبت بذلك نبوته وانّه متصل بالسماء. فلو أظهر الله تعالى المعجزة على يد الكاذب وسمح بظهور المعجز على يد المدعي للنبوة، وإن كان كاذباً، كذلك مدّعي الإمامة لكان ناقضاً لفرضه (عزَّ وجل) لأنّه لم يبق ما يميز به بين النبي ومدعي النبوة، وبالتالي لا يتحقق الغرض الإلهي، ويكون إرسال الأنبياء (عليهم السلام) عبثاً.
فمن اجل أنْ يحافظ الباري على غرضه ولا تتهم ساحته بالعبث يجب أن يحصر المعجزة بالصادق حتى ينسدّ باب الأدعياء ويتميز الرسول عن غيره، كذلك ويميز الإمام.
إذن هناك مقدمات عقلية موجودة، فعندما تظهر المعجزة من شخص، فإنّ هذه المعجزة هي دليل ارتباطه بالله.
فالمعجزة لو ظهرت من الكاذب لأوجبت عدم تمييز الرسل من غيره، وعدم التمييز يوجب نقص الغرض، ونقص الغرض لا يمكن أنْ يتحقق من الله، إذن فالمعجزة لا تصدر إلاّ من الصادق، ومتى ما صدرت تثبت اتصاله بالله، فالمعجزة دليل برهاني وليست دليلاً اقناعياً.
2- شرط الإعجاز أنْ يكون خارقاً للعادة:
كما أنّه ولأجل أن يكون الفعل خارقاً للعادة، أي إعجازاً فلابد من توفر شروط ستة، أولها هو أن يكون خارقاً للعادة.
فعلماء الكلام يقولون إنّ اوّل شرط لتحقيق الإعجاز هو أنْ يكون الفعل خارقاً للعادة، أي عدم القدرة على الإتيان بمثله، ومن هنا يمكننا أن نميّز بين السحر والمعجزة، نعم إنّ السحر خارق للعادة ولكن يمكن الإتيان بمثله.
فكيف آمن السحرة بالنبي موسى (عليه السلام) مع أنّهم كانت عندهم أفعال خارقة للعادة، وكانوا هم أساتذة في مهنهم، ولكن لما ظهر الفعل الخارق للعادة من موسى (عليه السلام) وعلموا أنهم لا يمكن الإتيان بمثله علموا أنها معجزة لا يمكن أن يهدى بها إلاّ من اتّصل بالسماء، لذا آمنوا برب موسى (عليه السلام).
3- عدم القدرة على الإتيان بمثله:
المحالات على قسمين، عادية وعقلية، فالعقلية أمور مستحيلة بحكم العقل، مثل اجتماع النقيضين كأن يكون الشخص إنساناً ولا إنسان في الوقت نفسه.
والمحالات العادية، هي التي لا يمنع العقل من تحققها، ولكن العادة تمنع من ذلك، فكأن يعرج بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس، ومنها إلى السماوات ثم يرجع في نفس الليلة، فهذا بحكم العقل غير ممتنع لكن العادة تمنعه.
4- إمكان دعوى صاحب المعجز عقلاً وشرعاً:
وهو الشرط الثاني، والذي إذا تحقق في الفعل فإنّه يكون إعجازاً، أي أنّ الذي يدّعي أنّه صاحب منصب إلهي، رسالة أو إمامة ثم يأتي بفعل خارق - أي المعجزة - نقول له إنّ هذا ممتنع في الشرع وذلك لقيام الأدلة القطعية على أنّ النبوات قد ختمت بخاتم الرسل (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا كانت الدعوى ممتنعة عقلاً أو شرعاً، فالفعل الصادر من صاحبها لا يعبر عنه بالمعجزة وإنّما يعبر عنه بالفعل الغريب.
5- صدور الفعل الخارق في وقت التحدي:
وهو الشرط الثالث، فكلّما صدر المعجز من صاحب الدعوى في وقت التحدي فهو معجزة، وأمّا ما صدر منه في غير هذا الوقت بحسب الاصطلاح الكلامي فلا يعبر عنه بالمعجزة وإنّما يعبر عنه بالكرامة أي بحسب الدقة العلمية لا يعبر عما يصدر في غير وقت التحدي بالمعجزة.
6- ما صدر قبل زمن الدعوى لا يقال له معجز:
إنّ تصدع إيوان كسرى عند ولادة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وانشقاق جدار الكعبة قبل ولادة الإمام علي (عليه السلام)، لا تعتبر معاجز وإن كانت خارقة للعادة، ولكنها تقدّمت زمن الدعوى، لذا تسمى هنا إرهاصات أو علامات.
7- تطابق الفعل الخارق للعادة مع دعوى صاحبه:
ثمّة أمر آخر أو شرط آخر لقبول الفعل الخارق للعادة لمن ادعى، وهو أنْ يكون هذا الفعل مطابقاً لدعوى صاحبه، ومثال ذلك ما إذا ادعى شخص أنه يمكن أن يفعل فعلاً خارقاً للعادة، وذلك كما ادعى مسيلمة الكذاب بأنه يستطيع أن يبصق في بئر فيفور ماؤها.
ونقول هنا إن هذه الفعل ليس بمعجزة ولكنه لو قال إن هذه البئر التي نقص ماؤها أنا أقدر بمجرد أن أبصق فيها يرجع ماؤها، فهذا متطابق.
إنّ ما يدعيه ابن كاطع لنفسه ويروّج له ادعياؤه وأتباعه وهو أنه يعرف قبر الزهراء (عليها السلام).
فإن نقول له لنطبق ما جئت به على معايير المعجزة ولنرى هل انّ ما تقوله معجزة أوّلاً.؟
ولكن قبل كلّ ذلك وحتى لو جئت بشيء غيبي فما يدرينا أنك صادق في إخبارك هذا فبإمكان أي شخص أن يقول إنني أعرف ذلك وإنّ ادعاءك لا هو بفعل خارق للعادة، من جهة، ولا هو أمر لا يمكن الإتيان بمثله.
كذلك نقول إن (معجزتك) هذه على فرض صحتها فهي ليست بصحيحة ولا تفيد شيئاً لأنّها ممتنعة شرعاً.
إنّ ما ادعيته يا ابن كاطع من أنك ابن الإمام وصاحب الأمر وبأنك اليماني، دعوى باطلة فقد قام الدليل على امتناع الذرية والولد.
ونحن نقول لهذا المدعي إن كنت صادقاً في دعواك أن تقوم بمعجزة حقيقية كالمعاجز التي قام بها الأئمة (عليهم السلام)، فشق القمر إلى نصفين، أو يكفينا في ذلك رد الشمس بعد مغيبها، أسمعنا أصواتاً من بين السماء والأرض، يسمعها جميع أهل الدنيا في وقت واحد، تقول إنك حجة الله، فإن لم تستطع فنقول لك:
إنّ الإمامة التي لا دليل عليها ساقطة لا قيمة لها ومزيّف من إدّعاها.