(١٣) الضرورة قاضية بتكذيب مدّعي السفارة الخاصة
الضرورة قاضية بتكذيب مدّعي السفارة الخاصة
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
قيام الضرورة عند الطائفة الحقّة على انقطاع النيابة والسفارة والتمثيل في نقل الأحكام الشرعية عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مباشرة إلى الناس مما لا شك فيه، وهذه الضرورة تصاغ في كثير من الاحيان كدليل مستقل على انقطاع النيابة وتصاغ في أحيان أخرى كشاهد يقوّي الأدلة التي ذكرت في مقام الاستدلال على انقطاع النيابة ومنها توقيع السمري.
فالتفصيل في ذكر أنّ للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) غيبتين يستدعي أنْ تكون هناك خصوصية، وليست هي إلاّ انعدام التمثيل المباشر عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
ومن الأدّلة الأخرى التي تصاغ على لسان العلماء في إبطال ادعاء النيابة الخاصة عنه (عجّل الله فرجه) عدم انعكاس (فيما لو كانت النيابة الخاصة في الغيبة الكبرى ممكنة) ذلك إلينا بأدلة عن أهل البيت (عليهم السلام) وهو بحد ذاته يشكل دليلاً على انقطاع النيابة والسفارة الخاصة عنه (عجّل الله فرجه).
ونحن سوف نحاول في جولات لاحقة أن نسلط الضوء ونتحدث في الأدّلة التي ذكرت سواءً على لسان روايات أهل البيت (عليهم السلام) مباشرةً أو على لسان العلماء فيما استفادوه من سيرة أهل البيت (عليهم السلام) وألسنة رواياتهم (عليهم السلام).
إلاّ إنّنا وفي هذا القول نريد أنْ نتحدث عن دليل الضرورة القائم على انقطاع النيابة عن الإمام (عليه السلام) وهذا الدليل له صياغات متعددة ونحاول أن نصيغ هذا الدليل بصياغة تتناسب واذواق جمهور الشيعة حتى نستفيد من هذا الدليل في دحض دعوى من يدعي الارتباط المباشر بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من ثم التمثيل عنه للناس.
لابدّ لنا أنْ نذكر ابتداءً أنّ فقهائنا المتقدمين قد كفّروا من ادعى السفارة والنيابة الخاصة كما ذكر ذلك الشيخ الطوسي حاكياً فتوى بن قولويه في صفحة 421 تحت الرقم 385 وهذا نص ابن قولويه صاحب كتاب (كامل الزيارات) المتوفى سنة 368 هـ، أخذنا منه محل الشاهد (قال: لأنّ عندنا إنّ كل من ادّعى الأمر بعد السمري (رضي الله عنه) فهو كافر منمّس ضال مضل) وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ الكفر المراد به في كلام بن قولويه (رضي الله عنه) هو المقابل للإيمان لا المقابل للإسلام لدخوله في مطويات بحث الإمامة.
نعود إلى تقرير دليل الضرورة القائم عند الطائفة الحقة على انقطاع النيابة الخاصة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
إنّ اتفاق الفقهاء المأمونين على الدين يشكّل بحد ذاته وضوحاً على موضوع الاتفاق وهو انقطاع النيابة الخاصة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فإنّ هؤلاء الفقهاء سواء من كان منهم عاصر أواخر الغيبة الصغرى، أو من كان في بدايات الغيبة الكبرى، والذين لا نشك في تدينهم بل أنّ أغلب ما ورد إلينا عن أهل البيت (عليهم السلام) هو عن طريق مجموعة محدودة من هؤلاء الفقهاء، فالتشكيك في وثاقة هؤلاء ينعكس سلباً على موروثنا الديني وهذا مما لا يمكن التمسك به فضلاً عن أنّ وثاقتهم وتدينهم وعدالتهم وتورعهم قد وصل إلينا على مستويات عدة، سواء منها ما كان على نحو التوثيق في كتب التراجم أو ما كان منها على نحو الوضوح الذي يعد بحد ذاته دليلاً على الموضوع بل إن دليليته تشكل عنصراً أوسع من أي دليل آخر يقام على إثبات الموضوع وهو توثيق هؤلاء الثلة من العلماء والذين نقصد بهم من عاصروا أواخر الغيبة الصغرى ومن كانوا في أوائل وبدايات الغيبة الكبرى.
إنّ اتفاق هؤلاء العلماء وانعكاس هذا الاتفاق سواءً على مستوى الفتوى أو على مستوى تقرير من أفتى واتفاقهم على انقطاع الغيبة الصغرى وذلك بانقطاع النيابة الخاصة والتمثيل المباشر للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يشكّل وضوحاً على بطلان من يدعي السفارة والنيابة الخاصة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فضلاً عن من يدعي إطاراً أوسع من ذلك.
ويمكن أنْ نقرّب هذا الدليل بصياغات أخرى كما أشرنا ولنأخذ تقريباً من هذه التقريبات.
فإنّه ينبغي منا أنْ نسأل ممن يدعي التمثيل المباشر والنيابة الخاصة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فنقول:
أمّا أنّ من يدعي السفارة والنيابة الخاصة، يقول بانقطاعها (أي السفارة الخاصة) أو لا يقول بانقطاعها، فإنْ كان ممن لا يقول بانقطاعها فيجب عليه أنْ يذكر لنا أسماء السفراء عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من السفير الرابع إلى أنْ تمثلت السفارة بشخصه.
وإما إنْ كان يقول بانقطاعها بعد السفير الرابع ثم ابتدأت السفارة به مباشرةً فإنّ هذا الشخص يبطل مضمون دعواه بنفسه إذ يدعي أنّ السفارة قد انقطعت بعد السفير الرابع وهذا ما نريد أنْ نثبته نحن فإنّه بمجرد أن يعترف هذا القائل بانّ السفارة الخاصة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قد انقطعت نلزمه بهذا الاعتراف ثم نبتدئ الكلام معه مجدداً في أنْ يثبت لنا سفارته الخاصة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بعد اعترافه مسبقاً بانقطاعها وحيث أنه قد اعترف بانقطاعها وهذا يشكل دليلاً بحد ذاته عليه فلابد عليه أن يقدم لنا عندما يريد أن يدعي انه سفير عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) دليلاً بأحد وجوه ثلاثة على نيابته الخاصة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهو:
1- إمّا أنْ يأتي لنا بنص صريح يعين فيه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بهذا الشخص باسمه نائباً عنه، وحيث أنه لم يرد في كتب أتباع أهل البيت (عليهم السلام) التي رووا فيها ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من قبيل هذا النص فإنه لا سبيل لصاحب هذه الدعوى أن يقيم دليلاً عليها من هذه الجهة.
2- وأما أن ينص عليه أحد السفراء المتقدمين والذين كانت سفارتهم الخاصة في زمن الغيبة الصغرى كما هو المتعارف بين السفراء أن ينص كل سفير سابق على السفير اللاحق بأمر من الإمام (عجّل الله فرجه)، كما هو حال هذا النص الذي روي عن جعفر بن أحمد بن متيل، إذ قال: لما حضرت أبا جعفر بن عثمان العمري (رحمه الله) الوفاة كنت جالساً عند رأسه، اسأله وأحدّثه، وأبو القاسم بن روح عند رجليه، فالتفت إلي ثم قال:
أمرت أنْ أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح) فإنّ هذا النص قد روي عن السفراء وهو يبين كيفية تعيين السفير اللاحق من قبل السفير السابق، وحيث أنّه لا سبيل إلى من يدعي السفارة الخاصة والتمثيل المباشر عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بدليل من هذا القبيل فلابد له أن يأتينا بدليل على النحو الثالث وهو: أنْ يقيم لنا معجزة [ولا نقصد بالمعجزة ها هنا المعجزة بمعناها الاصطلاحي] يثبت من خلالها أنه ممثل تمثيلاً مباشراً عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وهذا ما لم نجده عند كل من ادعى السفارة أو التمثيل المباشر عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
بل إن الذي وجدناه من خلال تتبعنا لما يعرضه أدعياء السفارة والمهدوية أنهم يدّعون هذه الدعوى دون أن يقيموا عليها دليلاً واضحاً بيناً حتى يذعن لهم الآخرون ويصدقوا به.
هذا كله إذا قلنا إن هناك إمكانية لقبول دعوى من يدعي السفارة قبل الصيحة، وهذا محل كلام طويل.