(١٦) رواية (من ظهري) تكذب دعوى اليماني المزعوم
رواية (من ظهري) تكذب دعوى اليماني المزعوم
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
وردت هذه الرواية في مصادر عديدة منها (الكافي) و(كمال الدين) و(الغيبتين) و(الارشاد) و(الاختصاص) و(دلائل الإمامة) و(الهداية الكبرى) وغيرها.
يستدل بهذه الرواية جماعة المدعو أحمد كاطع على أنّه ابن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مستندين إلى هذا المقطع: (ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي) والرواية التي يستدلون بها تروى بطريقين وبثلاثة متون، أما من جهة الطريقين فينتهي كل منهما إلى ثعلبة بن ميمون عن مالك الجهني عن الحارث بن المغيرة النصري عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين.
أولاً: المتن الأول وروي بلفظ (ولكن فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون) روى هذا المتن كل من:
1 - ابن بابويه القمي، في (الإمامة والتبصرة) في باب الغيبة ص120.
2 - الشيخ الكليني، في الكافي في الجزء الاول في باب الغيبة ص238.
3 - الشيخ الصدوق، في كتاب كمال الدين في ص289 باب ما اخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام) من وقوع الغيبة، الحديث الأول.
4 - الشيخ محمد بن ابراهيم النعماني، في كتاب (الغيبة)، الباب الرابع، الحديث الرابع، باب ما روي في أن الأئمة اثنا عشر إماماً.
ثانياً: المتن الثاني وروى الحديث بمتن (ولكن فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون) كل من:
1 - الشيخ المفيد، في (الاختصاص) ص209 باب إثبات إمامة الاثني عشر.
2 - الشيخ الطوسي، في (الغيبة) ص65 تحت الرقم 127 وفي ص336 تحت الرقم 282، وكذلك في (الهداية الكبرى).
ثالثاً: المتن الثالث وروى بلفظ (فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي بها آخرون)
محمد بن جرير الطبري في (دلائل الإمامة) ص530 الحديث 504/108 باب معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة.
الأبحاث حول هذا الحديث:
البحث الأول: السندي.
البحث الثاني: الزيادة والنقصان عند اختلاف النسخ وما هو الأصل المعتمد في هذه المسألة.
البحث الثالث: البحث الدلالي.
البحث الأول: السندي.
حيث أن المراد إثباته من خلال هذا الحديث حسب ما يدعي هؤلاء هو انتساب أحمد كاطع إلى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مباشرةً أي أنه من صلبه فلابد أن تكون الأدلة التي يعتمدها هؤلاء أدلة من سنخ ما يعتمد في أصول الدين (لأنهم يقولون إنّ هذه المفردة من أصول الدين) بمعنى أن تكون الأدلة قطعية لا ظنية لأنّ (الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا).
وهذا الحديث فضلاً عن أنه ليس متواتراً أي ليس قطعي الصدور فهو ضعيف سنداً إذ أنّ في طريقه مالك الجهني ولم تثبت وثاقته.
البحث الثاني: الزيادة والنقصان عند اختلاف النسخ وما هو الأصل المعتمد؟
الأصل في الكلام الواصل إلينا أنّ من كتبه ودونه ملتفت إلى ما يكتب ويدون وانه لا يسهو ولا يغفل ولا ينسى بناءً على أصالة العقلاء القاضية بأنّ الأصل عدم الغفلة والخطأ والنسيان, فجريان العقلاء على الأخذ بما ينقل اليهم مبتنين فيه على أنّ الناقل عندما ينقل أو يكتب ما نقل إليه يكتب ذلك وينقله لا عن غفلة ولا عن خطأ ولا عن نسيان، لذلك يقول العلماء في مقام التعارض بين الزيادة والنقيصة كان بناء أهل الحديث والدراية على تقديم (أصالة عدم الزيادة) على (أصالة عدم النقيصة) والحكم بأن الكلام الزائد هو من أصل الرواية وليس زيادة من الراوي لأنه بعيد غاية البعد أن يزيد الراوي من عند نفسه على ما سمعه من المعصوم، وهذا بخلاف سقوط الحرف أو الكلمة فانه ليس بتلك المثابة من البعد.
ولمزيد من البيان والتفصيل يراجع تقريرات بحث النائيني للخونساري ج3، ص363، وغيرها من الأبحاث الأصولية والقواعد الفقهية والرجالية الأخرى.
وفي كلامنا فإن الأصل يكون هو رواية (من ظهري) حيث أنّه من البعيد أنْ تكون الياء قد جيء بها زائدة من قبل النساخ، لأن هذا نادر الوقوع جداً بخلاف ما لو سقطت الياء من بعض النساخ فإنه في مقام التعارض بين الأخذ برواية (من ظهري) أو برواية (من ظهر) علينا أنْ نأخذ بما اشتمل على الزيادة دون النقيصة وهذا ما جرت عليه سيرة العقلاء.
البحث الثالث: البحث الدلالي.
يقع الكلام فيه حول هذه الرواية ضمن محاور:
المحور الأول: والحديث فيه مبني على اعتمادنا لرواية (من ظهري) فبناءً على هذه الرواية يكون المعنى هكذا فكّرت (أي أمير المؤمنين (عليه السلام)) في مولود يكون من ظهري وهو الحادي عشر من ولدي وهو الإمام المهدي (عليه السلام) وحيث أنّ أولاد أمير المؤمنين من المعصومين (عليهم السلام) هم أحد عشر فيكون المقصود بالحديث مباشرة هو الإمام المهدي، والقرينة الخاصة المتصلة على ذلك من نفس الحديث قوله (عليه السلام) هو المهدي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، فهذه القرينة المتصلة تبين ما هو المراد من هذا المولود الذي فكر فيه أمير المؤمنين، وهي تدل بصراحة على أنّ فكر أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المولود وهو المهدي الذي يتحقق على يده الوعد الإلهي.
وعلى هذا الوجه لا نحتاج إلى كثير مؤونة في بيان أن الذي فكر فيه أمير المؤمنين والذي يكون من ظهره هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) خاصةً لا غير.
المحور الثاني: والحديث فيه مبنيٌ على ما إذا اعتمدنا رواية (من ظهري) وبناءً على هذا الوجه نرى أنّ الحديث لا يُقصد به إلّا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لوجوه عديدة منها:
1- إنّ الحديث صريح في أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يتحدث عن غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إذ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً تكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون.
فأمير المؤمنين (عليه السلام) لا يتحدث في هذا المقطع عن ولد يكون للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تكون لهذا الولد حيرة وغيبة وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً إذ أنّ ما لا ريب فيه أنّ من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً وإن الذي له غيبة هو خصوص الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فقط.
2- إنّ قوله (عليه السلام) (من ولدي) تكون صفةً لـ(مولود) لا أنّه متعلق بالحادي عشر، بمعنى مولود من ولدي من ظهر الحادي عشر من الأئمة (عليهم السلام) أي من ظهر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الذي هو حادي عشر أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
3- إنّ مرجع كلمة (الحادي عشر) في الحديث هو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) إذ أنّ روايات الاثني عشر ومن الفريقين منصرفة إلى خصوص الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
المحور الثالث: الكلام المتقدم كله مبتنٍ على ما إذا اعتمدنا واحداً من المتنين الأوليين، أما إذا اعتمدنا المتن الثالث المروي عن دلائل الإمامة بلفظ (فكّرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر هو المهدي) فإنّ دلالة النص في هذا الخبر على أنّ المراد من الحادي عشر هو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وأنّ المولود الذي يكون من ظهره هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لا يختلجها ريب ولا شك ولا يحتاج معها إلى زيادة بيان.
إنّ مما ينبغي أنْ يلتفت إليه أنّ هؤلاء يدعون عصمة أحمد السلمي ويعتقدون أنّ الأبحاث التي ترتبط حول ما يدعي لا بد أنْ تثبت من سنخ ما تثبت به مسائل أصول الدين، وبدورنا نسأل منهم ما هو الموجب لترككم العشرات من الروايات التي تحصر الأئمة بالاثني عشر وأنّ الحادي عشر منهم هو الإمام العسكري (عليه السلام) والثاني عشر هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الذي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وتمسككم برواية واحدة وإنْ سلّمنا صحة سندها فهي تدل على أن هذا المولود هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والقرينة عليه متصلة وهي (هو المهدي) إلاّ أنّ ما تقدم من بحث يثبت إجمالها من حيث تعدد متونها وإجمال مداليل ألفاظها كما سيتضح ذلك أكثر في التتميم.
فعليه على أقل تقدير تكون هذه الرواية من المتشابهات التي لا بد فيها من الرجوع إلى محكمات الأحاديث والروايات والتي تنص على أنّ من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لا غير، ومعه لا نرى موجباً للتمسّك بالاستدلال بهذه الرواية على ما يدّعي هؤلاء إلّا إتباع الهوى والانجرار خلف إرادة الاستكبار الشيطاني في محاولة تشويه صورة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) من خلال العقيدة المهدوية بحيويتها وجاذبيتها.
بقي شيءٌ في غاية الأهمية لا بد لنا من الالتفات إليه في كل دعوى سواء كان مدّعيها صادقاً أو كاذباً وهو أن يقدّم دليلاً قطعياً يثبت به أنّ الأوصاف المحكية في الرواية تنطبق عليه خارجاً وتنحصر به، وحيث أنّ هذا غير متحقق في أحمد الحسن حتى على نحو الاحتمال فيثبت بطلان ما يذهب إليه من أنه المقصود بهذه الرواية.
بقي لتتميم البحث أمور:
الأمر الأول: في علاج ما يظهر من وجود تنافٍ بين غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) وبين ما ورد في رواية الأصبغ مما هذا لفظه (يا مولاي فكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال (عليه السلام): ستة أيام أو ستة أشهر أو ستة سنين) فإن هذا يتنافى مع غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) التي حصلت على نحوين صغرى ودامت قرابة سبعين سنة، وكبرى ولا زلنا نعيش أيامها, هذا بناءً على الروايات التي ذكرت هذا القول أي (ستة أيام أو ستة أشهر أو ستة سنين) أما بناءً على المصادر الأخرى التي ذكرت الرواية ولم تذكر هذا المقطع وهي (الاختصاص) للمفيد و(الغيبة) للطوسي في إحدى الروايتين و(الإمامة والتبصرة) و(كمال الدين) و(الغيبة) للنعماني و(دلائل الإمامة) فإنه لا يتأتى القول بوجود تنافٍ.
وفي مقام الجواب عن هذا التنافي توجد عدة وجوه يرفع بها التنافي المتوهم:
الوجه الأول: بعد وضوح أنّ المراد به من الولد هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بقرينة تصريح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك فإنه يحتمل أنْ يكون (عليه السلام) قد أشار من خلال المقطع الذي ذكر فيه مدة الغيبة مردداً، أشار إلى قانون البداء وخضوع كل ما عدى نفس ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لهذا القانون والقرينة المنفصلة هي الرواية التي ذكرت البداء حتى في العلامات الحتمية واستثنت نفس الإمام (عجّل الله فرجه), ففي كتاب الغيبة للنعماني في الباب18 الرواية تحت الرقم 10 عند داوود بن القاسم الجعفري قال: كنا عند ابي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم فقلت لأبي جعفر: هل يبدو لله في المحتوم؟. قال: نعم. قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم. فقال (عليه السلام): إنّ القائم من الميعاد, والله لا يخلف الميعاد.
الوجه الثاني: يحتمل أنْ يكون الترديد في الرواية من جهة الأيام إشارة إلى خروج فعلي للإمام (عجّل الله فرجه) إذا تحققت شرائط ذلك كما حصل مع الإمام الصادق (عليه السلام) إذ قال: كان هذا الأمر فيَّ فأخره الله ويفعل بعد في ذريتي ما يشاء. [بحار الأنوار: ج52، ص106، رواية رقم 12], وفي رواية أخرى قال أبو جعفر (عليه السلام): يا ثابت إن الله تعالى كان وقت هذا الأمر في السبعين فلما قتل الحسين اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائةً فحدثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر فأخره الله ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً عندنا ويمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. [بحار الأنوار: ج52، ص105], فمجرد ذكر الأيام مرددة على لسان أمير المؤمنين لا يعني حتمية ذلك كما لا يخفى.
الوجه الثالث: يحتمل أن يكون الترديد في هذا الحديث مراداً به خصوص الغيبة الصغرى فقط لذلك قال (عليه السلام) له غيبة أي أن الإمام علي (عليه السلام) يتحدث عن أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سوف يغيب بعد موت أبيه هذه الفترة فإذا توفرت له شروط الخروج خرج وإلا استمرت الغيبة إلى أمدها المحدد عند الله سبحانه وتعالى.
الوجه الرابع: إن الإمام علي (عليه السلام) يتحدث في هذا المقطع حول غيبة ليست هي بالمعنى الاصطلاحي المتعارف عندنا لأن الغيبة حسب المشهور وقعت بعد شهادة الإمام العسكري (عليه السلام) وحسب هذا الوجه فإنه (عليه السلام) يريد أن يتحدث عن فترة ما قبل وقوع الغيبة (الصغرى والكبرى)، بعبارة يريد (عليه السلام) أن يحدّث (عليه السلام) عن غيبةٍ ستحصل للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بعد ولادته مباشرةً، وتستمر هذه الغيبة إلى استشهاد أبيه (عليه السلام)، واستمرارية هذه الغيبة مردد بين الستة أيام أو الستة أشهر أو الست سنين، ثم بعد انتهاء هذه الفترة يتسلم الإمام (عجّل الله فرجه) مهام إمامته ويغيب غيبته الاصطلاحية والمتعارفة عندنا، بعبارة أخرى إن الإمام يتحدث عن حصول غيبة له قبل تسلمه مهام إمامته، وملخص ما نريد أن نقوله في هذا الوجه أن حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الترديد الحاصل يقع في زمن ما بين ولادته (عجّل الله فرجه) وبين تسلمه لمهام إمامته (عجّل الله فرجه).
الوجه الخامس: من المحتمل أن يكون الترديد إشارة إلى الغيبة الصغرى إذا لاحظنا هذه الرواية المروية عن الإمام السجاد (عليه السلام)، والتي يرويها كمال الدين في الباب الحادي والثلاثين ص323: وإن للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى, أما الأولى فستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين، أما الأخرى فيطول أمدها... .
الوجه السادس: إنه بناءً على رواية النعماني في الباب الرابع تحت الحديث 4ص69 التي تقول: فقلت يا أمير المؤمنين فكم تكون تلك الحيرة والغيبة؟. فقال: سبت من الدهر.
أي مدة من الدهر لم يبينها أو يحددها أمير المؤمنين (عليه السلام).
فإن قيل هذا ينسجم مع غيبة واحدة لا غيبتين؟
قلنا: حديث أهل البيت (عليهم السلام) عن الغيبة تارة يكون بنحو بيان الغيبة مع خصوصية معيّنة وتارة يكون بمعزلٍ عن ذكر أي خصوصية تتبيّن بها نحو الغيبة فإذا كان الحديث منهم (عليهم السلام) عن الغيبة وبما يرتبط بأحوال السفراء وأحداث أوائل الغيبة كان الحديث عن خصوص الغيبة الصغرى، وإذا كان الحديث عن أحوال ما بعد هذه الغيبة إلى زمن الظهور فهو حديثٌ عن الغيبة الكبرى وتارة يكون الحديث عن الغيبة بما هي غيبة دون بيان أي خصوصية أو تفصيل سواء كان للغيبتين معاً أو لغيبة معينة، وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) التي تحدثوا فيها عن الغيبة مطلقاً كثيرة ولا يلزم منها أن للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) غيبةً واحدةً فقط ومن هذه الأحاديث هذه الرواية التي رواها الشيخ الصدوق في كمال الدين ص139: ...وإنه المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً, وانه تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي آخرون.
الأمر الثاني: إنْ قيل إنّ كلمة (من ولدي) الواردة في الرواية يختل بها معنى الحديث إنْ عددنا الحادي عشر هو الإمام العسكري (عليه السلام)، بعبارة أخرى إنّ تفسير الحديث بعدم إرادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من الحادي عشر يلزم منه اختلال التركيب؟
قلنا لا يختل المعنى في حديث الأصبغ وذلك لعدة وجوه:
الوجه الأول: إنّ كلمة الاثني عشر منصرفة عند الفريقين إلى خصوص الأئمة الاثني عشر من أهل البيت الذين أولهم علي وآخرهم المهدي (عليهم السلام) جميعاً دون أنْ يكون أدنى شك في إرادة غيرهم.
الوجه الثاني: إنّ هذا الأمر متداول ومعروف وهو من باب التغليب فإنّ إطلاق الاثني عشر على الأئمة بلفظ من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام) أو من ولد الزهراء (عليها السلام) أو من ولد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) جميعاً متداول ومألوف في الروايات، ففي حديث اللوح روى الكافي في ج1 ص532: عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم (عليه السلام)... .
وفي (الكافي) ج1، ص533، باب ما جاء في الاثني عشر: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: الاثنا عشر الإمام من آل محمد (عليهم السلام) كلهم محدث من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وولد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) هما الوالدان.
وفي (البحار) ج27، الباب التاسع، الحديث 19، عن الحسن بن علي (عليهما السلام): والله لقد عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة.
فإننا نفهم من خلال هذه الجملة من الأحاديث وغيرهما أن الأئمة يطلقون الاثني عشر حتى وإنْ صرحوا بأنّهم من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام).
وختاماً نريد من أتباع هذا الضال المنمّس أنْ يأتينا برواية واحدة تذكر أنّ ابن الإمام المهدي هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً كما يدعون.