محاضرة مختارة:
المسار
العربية » المكتبة المهدوية » دعوى اليماني » مقالات الرد على دعوى اليماني
مقالات الرد على دعوى اليماني

(١٨) هل يوجد مهديّون؟ وهل أحمد بن كاطع منهم؟

هل يوجد مهديّون؟ وهل أحمد بن كاطع منهم؟

السيّد محمّد حسين العميدي

لا شكَّ أنَّ من المتعارف في تاريخ الأديان جميعها أن يتمَّ ذكر النبوءات من قِبَل أنبياء الله ورسله والأئمَّة المعصومين (عليهم السلام) عمَّا سيحدث مستقبلاً، وخصوصاً وظهور الشخصيات التي سيكون لها تأثير مهمّ في مسار المجتمع البشري من الناحية الدينية، سواء كان هذا التأثير سلبياً أو إيجابياً، ونذكر في هذا الصدد مجموعة من الأمثلة، ومن الصنفين الأخيار والأشرار، مع توخّي الاختصار.
أمثلة الصنف الأوّل:
آدم (عليه السلام)، فقد أخبر الله تعالى ملائكته بخلق آدم (عليه السلام) قبل خلقه فقال للملائكة: ﴿إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30].
إبراهيم (عليه السلام)، فقد كان الناس يترقَّبون ظهوره، بل ولادته، حتَّى أعدائه كانوا يترصَّدون ولادته، فقام النمرود بقتل الأطفال حديثي الولادة في سنة ولادة إبراهيم (عليه السلام) حتَّى أنَّ أُمّه اضطرَّت أن تجعله في كهف خوفاً عليه، ووردت الروايات في ذلك(1).
موسى (عليه السلام)، وقصَّته معروفة في القرآن مشهورة، وكان فرعون يطلب قتله.
عيسى (عليه السلام)، وكان اليهود يترقَّبون ظهور المسيح المنقذ، وقام الحاكم الروماني هيرودس بقتل الأطفال في سنة ولادة عيسى(2).
محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقد كان أهل الكتاب يترقَّبون ظهوره في الجزيرة العربية، وكانوا يتمنَّون أن يكون منهم(3).
أوصياء النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، واحداً بعد الآخر (عليهم السلام)، فكان الناس محبّين وموالين مبغضين مخالفين يترقَّبون ظهورهم الواحد تلو الآخر.
المهدي (عليه السلام)، فكلُّ المسلمين يترقَّبون ظهوره الشريف، سواء من آمن بولادته، كأتباع أهل البيت (عليهم السلام) أو من لم يؤمن بولادته كباقي المسلمين.
أمثلة الصنف الثاني:
فقد أخبر المسيح (عليه السلام) أنَّه سيأتي من بعده أنبياء كَذَبة، وحذَّر أتباعه منهم، كما أخبرهم بمجيء خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ومجيء المنقذ في آخر الزمان، وهو المهدي (عليه السلام).
وقد أخبرنا النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بمجيء أنبياء كَذَبة، وأنَّ علينا أن نحذر منهم، وبمجيء من يدَّعي الخلافة زوراً وبهتاناً، وأخبرنا عن الشجرة الملعونة المذكورة في القرآن، مثلما أخبرنا عن مجيء أئمَّة الحقِّ والهدى ومهدي آخر الزمان (عليه السلام).
وأخبرنا الإمام علي (عليه السلام) عن ظهور الحجّاج وفساده، وعن عاقبة بعض من تخلَّف عن بيعته، وعن مروان أبي الأكباش، وعن غيرهم.
وأخبرنا أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) عن ظهور السفياني، كما أخبرونا عن ظهور اليماني والخراساني وذي النفس الزكيَّة وغيرهم.
واستفاضت عنهم الأخبار عن منتحلي صفة المهدي ومن ينتسب له، وحذَّرونا من ذلك.
إذن فوجود النبوءات كثير ومتعارف في تراث جميع الأديان بما يخصُّ ظهور الأشخاص بما لا شكَّ فيه.
وهذه النبوءات لها ضوابط ومواصفات وليست هي مجرَّد إخبار عن الغيب وقراءة عن المستقبل.
ومن هذه الضوابط:
أوَّلاً:
كثرة النصوص والأدلَّة على وجود هذه الشخصيات بحيث تصل إلى حدِّ القطع بها لإفادتها العلم، ولهذا فإنَّ ظهور الدجّال من المسلَّم به عند جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وكذلك ظهور المهدي (عليه السلام) متواتر إلى درجة أنَّ المخالفين أذعنوا بظهوره رغم عدم إيمانهم بالإمامة أصلاً، وهكذا كان ظهور إبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) بحيث كان الجميع يترقَّب ظهورهم حتَّى أعداءهم الذين لا يؤمنون بالله أصلاً كالنمرود وفرعون.
إذن الشرط الأوَّل أن تكون النصوص مفيدة للعلم والقطع على ظهور هذه الشخصيات، وخاصَّة التي تظهر في آخر الزمان.
ثانياً: أن تكون العلامات الدالّة عليهم واضحة بيِّنة جليَّة ظاهرة، وهذا لغرضين:
الأوَّل: سهولة تعرّف أتباعهم وأوليائهم عليهم.
الثاني: الحذر ممَّن يدَّعي مقامهم، وهو كثير في التاريخ.
وبالتالي فقد ذكرت أوصافاً لهذه الشخصيات بحيث صار من السهولة التعرّف عليهم في زمان ظهورهم، حتَّى يتحقَّق الغرض من التنبّؤ بهم، وهو اتِّباعهم.
هذا وقد تكون الأخبار التي تصلنا عن النبوءات الماضية مختصرة ومجملة، لأنَّها حدثت وانتهت، ولكن لا شكَّ أنَّ التفاصيل قبل ظهورها كانت كثيرة، ونضرب لذلك مثالاً:
يُخبِرنا الله تعالى أنَّه قال للملائكة: ﴿إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]، ولا يذكر تفاصيل هذا المخلوق، حتَّى أنَّه أورد كلمة (خليفة) بصيغة النكرة، فقال: (خَلِيفَةً)، وهذا الإخبار لنا الآن بعد حدوث الأمر، أمَّا عندما أخبر الملائكة فلا شكَّ أنَّه أخبرهم بتفاصيل أُخرى حدَّدت مواصفات لهذا المخلوق الجديد، لذا بعد أن تعرَّفوا على تلك المواصفات تساءلوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ﴾ [البقرة: 30].
وهكذا في جميع النبوءات تُذكر تفاصيل كثيرة تُحدِّد الشخصية بشكل واضح، وفي زماننا فهنالك عشرات الآلاف ممَّن اسمه أحمد ومحمّد وعبد الله، ولذا لم يقتصر في الإخبار عن ظهور المهدي (عجّل الله فرجه) على الاسم فقط، بل ذُكِرت له عشرات الصفات والعلامات، لشيوع الاسم في زمن ولادته وظهوره كذلك.
ثالثاً: لأنَّ انتحال صفات وعناوين أولياء الله تعالى شائع ومتعارف في تاريخ البشرية لتوظيف تلك العناوين واستغلالها لتحصيل حطام الدنيا وخداع المغرَّر بهم والبسطاء والسُّذَّج من قِبَل أصحاب المصالح والمطامع، فقد بيَّنت التنبّؤات دائماً الحذر من المزيَّفين، فقد حذَّرت من أدعياء الأُلوهية كالنمرود وفرعون، وأدعياء النبوَّة كمسيلمة الكذّاب، وأدعياء الإمامة كحُكّام الجور والضلال، وأدعياء المهدوية كعشرات ظهروا في التاريخ، وأدعياء العلاقة بالمهدي والوكالة عنه كالشلمغاني وكالبابية والبهائية وهكذا...
رابعاً: أن يكون في ظهور الشخصيات من الأخيار فائدة ومنفعة عظيمة ومهمَّة، كظهور إبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام)، وظهور خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وظهور أوصيائه وظهور المهدي عليهم السلام.
خامساً: النبوءة تارةً تتحدَّث عن ولادة، وتارةً تتحدَّث عن ظهور.
فإن كانت النبوءة تتحدَّث عن ولادة فقط، فلا تكليف للمؤمنين إلَّا الإيمان بوجود هذه الشخصية، لا اتِّباعها.
وإن كانت تتحدَّث عن ظهورها، فإنَّها تُلزِم المؤمنين باتِّباعها وطاعة أوامرها المباشرة.
ولا بدَّ أن يكون ظهورها علنيَّاً شائعاً للجميع، ويمكن الوصول إليه والاتِّصال به، لتتمَّ الهداية وتمكن الطاعة، أمَّا بخلاف ذلك فيكون غير ظاهر، وما زال في مرحلة الخفاء، ولا بدَّ من الرجوع إلى نوّابه أو وكلائه أو من يُعيِّنهم بدلاء عنه.
سادساً: من سنن الله تعالى في أوليائه وبغضِّ النظر عن اختلاف مقاماتهم أن يُسلِّم المتقدِّمُ منهم في الزمان الولايةَ للمتأخِّر ويُخبِر عنه ويوصي الناس به.
أمثلة:
عيسى (عليه السلام) أوصى الناس باتِّباع النبيِّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، لأنَّ عيسى المتقدِّم في زمن ظهوره على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، مع أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أعلى رتبةً ومقاماً من عيسى عليه السلام(4).
النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أوصى الناس باتِّباع علي (عليه السلام)، والنبيُّ أعلى رتبةً من علي عليه السلام(5).
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، لأنَّه الحجَّة على الناس أوصى الناس باتِّباع ولده من بعده، وهو الحجَّة المهدي (عجّل الله فرجه)، وإن كان المهدي (عجّل الله فرجه) أعلى رتبةً ومقاماً(6).
إذن القاعدة أن يوصي المتقدِّم في الزمان - لأنَّه صار معروفاً لدى الناس واعترفوا بأنَّه حجَّة عليهم - للمتأخِّر، ويوصي الناس باتِّباعه وإن كان المتأخِّر أعلى منه رتبةً وقاماً.
بعد أن انتهينا من المقدّمة نأتي لبيان أمرين مهمّين، وهما:
أوَّلاً: ذكر النبوءة المدَّعاة من قِبَل ابن گاطع في وجود المهديين بعد الأئمَّة المعصومين الاثني عشر، وأنَّ هذه النبوءة ذات مواصفات خاصَّة.
ثانياً: انطباق النبوءة (على فرض وجودها) على أحمد بن گاطع ممَّا يقتضي طاعة الناس له.
مناقشة الدعوى الأُولى، وهو ادِّعاء وجود نبوءة معيَّنة من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذات مواصفات خاصَّة:
الشقّ الأوّل:
النبوءة المعيِّنة، وهذه النبوءة فيها أركان، وهي:
أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أخبر عليَّاً وأنبأه بما يلي:
أوَّلاً: سيكون بعد النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر إماماً.
ثانياً: من بعد الأئمَّة الاثني عشر سيكون اثنا عشر مهدياً.
ثالثاً: إذا حضرت الإمام الثاني عشر الوفاةُ فليُسلِّمْها (الولاية) إلى ابنه.
رابعاً: ابن الإمام الثاني عشر هو أوَّل المقرَّبين.
خامساً: ابن الإمام الثاني عشر له ثلاثة أسماء:
الأوَّل: كاسم النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم).
الثاني: عبد الله.
الثالث: المهدي.
سادساً: وهذا المهدي هو أوَّل المؤمنين.
سابعاً: أنَّ الإمام الثاني عشر متزوِّج منذ زمن، وله أولاد، ولأولاده أولاد، ولأولادهم أولاد، وهكذا.
دليل دعوى ابن كاطع:
روى الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة في جملة الأحاديث التي رواها من طريق المخالفين في النصِّ على الأئمَّة (عليهم السلام)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد البصري، عن عمِّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيِّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السلام: «يا أبا الحسن، أحضر دواةً وصحيفةً»، فأملى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وصيَّته حتَّى انتهى إلى هذا الموضع:
فقال: «يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أوَّل الاثني عشر إماماً...»، وذكر النصَّ عليهم بأسمائهم وألقابهم إلى أن انتهى إلى الحسن العسكري (عليه السلام) فقال: «فإذا حضرته الوفاة فليُسلِّمْها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد (عليهم السلام)، فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليُسلِّمْها إلى ابنه أوَّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي، واسم كاسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أوَّل المؤمنين»(7).
مناقشة جميع ذلك:
طبعاً مثل هذه الدعوى المهمَّة الخطيرة وحسب ما بيَّناه في المقدّمة تحتاج لإثباتها إلى ما يلي:
1 - وجود نصوص صحيحة أو معتبرة كثيرة يحصل بها التواتر لإثبات هذه الدعوى بأركانها المذكورة.
2 - أن تكون النصوص قطعية أو مفيدة للعلم عند جميع طوائف المسلمين؛ لأنَّها مرتبطة بالمهدي (عجّل الله فرجه) وأحداث آخر الزمان، وهذه ليست من مختصّات الشيعة أو السُّنَّة لينفردوا بها.
3 - التحديد بوضوح: هل النبوءة تُخبِرنا بولادة المهديين ووجودهم في المستقبل، فتطلب منّا الإيمان بهم فقط، أم بظهورهم وبسط يدهم وتأمرنا بطاعتهم؟
4 - إذا كانت تأمرنا بالإيمان بهم، ومن لم يؤمن بهم مات ضالَّاً ميتة جاهلية، فيجب الحكم على جميع أتباع أهل البيت إلى زماننا هذا بالضلالة والجاهلية، لأنَّه لم يؤمنوا بهذه القضيَّة.
٥ - أمَّا إذا كانت تأمرنا بطاعتهم واتِّباعهم، فالنبوءة فيها أحد أمرين:
أ) إمَّا أن تُبيِّن لنا مواصفاتهم بالتفصيل، ليتسنّى لنا التعرّف عليهم واتِّباعهم.
ب) وإمَّا تركت تشخيصهم إلى الإمام الثاني عشر بعد ظهوره.
6 - المتبادر من قرينة المقام أنَّ المقصود بالابن هو الابن المباشر وليس الحفيد، فهذا هو المتبادر من الإمام علي (عليه السلام) إلى الإمام الثاني عشر. والخروج عن المتبادر من السياق والمقام من الابن المباشر إلى حفيد الحفيد واختصاصه بحفيد معيَّن دون من قبله ولا من بعده يحتاج إلى قرينة.
7 - لم يُحدِّد المدَّعي أيّ من أسماء النبيِّ هو اسم المهدي الأوَّل، لأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) له أسماء كثيرة جدَّاً، ولا بدَّ من التحديد، حتَّى لا يكون الأمر مبهماً، لأنَّه يعلم بالتأكيد أنَّ أتباعه ومحبّيه من المسلمين سيُكثِرون التسمية بأسمائه المختلفة، ونحتاج إلى تحديد أكثر.
طبعاً لا يقاس الموضوع بالإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه)، وأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: «اسمه كاسمي»، فلا حجَّة في ذلك؛ لأنَّ اسمه (محمّد)، فالمفروض أن يكون اسم المهدي الأوَّل محمّد أيضاً لا غيره من الأسماء، هذا أوَّلاً.
وثانياً أنَّ تحديد اسم الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) وهو محمّد قد جاءت به نصوص كثيرة من المعصومين خصَّصت كلام النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في أنَّ اسم الإمام الثاني عشر كاسمه، وإلَّا بقي كلام النبيِّ مجملاً.
8 - هل الإمام الثاني عشر هو المهدي (عجّل الله فرجه) أم ابنه هو المهدي (عجّل الله فرجه)؟
فإن كان هو المهدي فابنه ليس هو أوَّل المهديين، لأنَّ نفس الإمام صار هو أوَّلهم. وإن لم يكن الإمام الثاني عشر هو المهدي، فهذا خلاف التواتر الناصّ على أنَّه هو المهدي.
9 - هذه الدعوى بحاجة إلى إثبات أنَّ الإمام الثاني عشر في زماننا هذا متزوِّج وله ذرّية ولذرّيته ذرّية ولذرّيته ذرّية ولذرّيته ذرّية، وليس لذرّيته بعد ذرّية، (لأنَّ ابن گاطع يدَّعي أنَّه من هذه الرتبة من الذرّية)، وأنَّ المهدي الأوَّل من هذه الرتبة من الذرّية بالتحديد، وليس من ذرّية من ستأتي في مستقبل الأيّام.
10 - هل المهدي الأوَّل هو الذي سيُمهِّد للإمام الثاني عشر ويُعرِّف الناس به، أم أنَّ الإمام الثاني عشر سيُمهِّد للمهدي الأوَّل ويوصي الناس باتِّباعه؟ يجب التحديد أوَّلاً من سيُمهِّد لمن، وإثبات ذلك بالدليل.
11 - كما بيَّنا في المقدّمة أنَّ من سنن النبوءات أن يتمَّ التحذير من المنتحلين المزوَّرين، فنحتاج إلى نصوص تُحذِّر الناس ممَّن سينتحل صفة المهدي الأوَّل، وتُبيِّن كذب المنتحلين وصفاتهم.
مناقشة الدليل:
1 - الرواية ضعيفة جدَّاً لوجود المجاهيل (أي المجهولين) فيها. فلا يوجد تواتر، بل ولا روايات صحيحة أو معتبرة بهذا المضمون، بل الروايات الصحيحة الكثيرة الواردة بشأن الأئمَّة الاثني عشر خالية من هذه التتمَّة.
2 - لم يُجمِع المسلمون ولا اتَّفقوا على وجود المهديين، مع أنَّهم أجمعوا على وجود المهدي.
3 - لا يوجد إخبار في الرواية أو النبوءة (على فرض صحَّتها) عن ولادة المهدي الأوَّل ابن الإمام الثاني عشر في زمن معيَّن مثلاً، قبل ظهور الإمام الثاني عشر أو بعد ظهوره، ولا فيها إخبار عن ظهور هذا المهدي الأوَّل بعد خفاء مثلاً، وإنَّما تذكر فقط أنَّ الإمام الثاني عشر سيُسلِّمه الأمر بعده، فلا تفاصيل فيها من هذه الجهة.
4 - لا توجد مواصفات واضحة بيِّنة للمهدي الأوَّل عدا ذكر أسمائه، وحتَّى هذه الصفة وهي الأسماء مبهمة كما سيأتي. لذا لم يؤمن بهذه العقيدة من الشيعة في الأزمنة الماضية أحد، فهل هم جميعاً في النار؟
5 - إنَّ النبوءة لم تُبيِّن مواصفات المهدي الأوَّل حتَّى نتَّبعه ونطيعه، فعلى فرض صحَّة الرواية فاللازم هو انتظار ظهور الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) ليُعرِّفنا على ابنه المهدي الأوَّل ويلزمنا باتِّباعه بعد أن يُسلِّم له الأمر لا قبل ذلك، فقبل ذلك لا طاعة لأحد غير الإمام الثاني عشر المهدي (عليه السلام)، أو من يأمرنا بطاعته، ولم يثبت لحدِّ الآن أنَّه أمرنا أمراً شخصياً بطاعة أحد ما شخصياً باسمه ووصفه.
6 - على فرض صحَّة الرواية، فإنَّ المتبادر هو أنَّ المهدي الأوَّل هو الابن المباشر للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وليس حفيد حفيده. ولا قرينة تصرف هذا المعنى المتبادر إلى غيره.
7 - قد يكون اسم المهدي الأوَّل محمّد كاسم الإمام الثاني عشر، فالنبيُّ قال عن كليهما: إنَّ اسمه اسمي، وقد يكون غير هذا الاسم من أسماء النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، مثل: طه أو يس أو المصطفى أو المختار أو غيرها، وعلى المدَّعي أنَّه المهدي الأوَّل أن يُثبِت أنَّ له اسماً آخر معروفاً به هو (عبد الله) وأيضاً (المهدي) كي تكون علامة يُستَدلُّ بها عليه.
8 - الرواية تنفي تسمية الإمام الثاني عشر بالمهدي، وهذا خلاف التواتر، بل إجماع المسلمين.
9 - الرواية قاصرة عن إثبات زواج الإمام الثاني عشر ووجود ذرّية له في هذا الزمان، فالمدَّعي يحتاج دليلاً آخر لإثبات ذلك، وإلَّا فعلى صحَّة الرواية قد يكون زواج الإمام في المستقبل أو بعد ظهوره.
10 - ليس في الرواية على فرض صحَّتها أنَّ المهدي الأوَّل ابن الإمام سيُمهِّد للإمام، بل الظاهر منها هو العكس.
11 - نطالب لإكمال المدَّعى وصحَّته الإتيان بروايات تُبيِّن أنَّ هنالك منتحلين لصفة المهدي الأوَّل ابن الإمام، كما كان هنالك منتحلون للأُلوهية والنبوَّة والإمامة والمهدوية، كي نرى ونحذر، فقد يكون المدَّعي مدَّعياً لهذا المقام فنحذر منه.
الخلاصة:
هذا الدليل غير ناهض أبداً لإثبات أيّ شيء للمدَّعي ابن گاطع.
الشقّ الثاني:
على فرض صحَّة النبوءة ووجود المهدي الأوَّل، فابن گاطع يدَّعي أنَّها تنطبق عليه.
ودليله في المقام ما هو؟ لا يوجد دليل واضح بيِّن يذكره هو، وإنَّما يريد منّا تصديقه لما يلي:
1 - أنَّه يجب تصديقه في دعواه، لأنَّه صادق، وأنَّه ابن الإمام.
وهذا الدليل باطل للأسباب التالية:
- يحتمل أن يكون كاذباً طالباً للشهرة وتحصيل الأتباع.
- لأنَّه لا علم لنا بعدالته، وقد يكون فاسقاً، والفاسق لا يُؤخَذ بكلامه.
- لأنَّ كونه ابن المهدي هي دعواه وتحتاج إلى دليل، فكيف تكون هي الدليل؟
- وأخيراً وهو المهمّ، لأنَّ النبوءة المدَّعاة غامضة ليست فيها مواصفات أو علامات ظهور أو ولادة كي نُطبِّقها عليه، كي نرى صحَّة دعواه، فهي لا تنطبق عليه ولا على غيره، لأنَّها غير صالحة للانطباق على أحد، ولا مناص من انتظار ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) ليُعرِّفنا الحقَّ في ذلك.
ملاحظة مهمَّة جدَّاً في نبوءات الظهور:
إنَّ الشخصيات التي تصدر عنها نبوءات من قِبَل الله تعالى وأنبيائه هي دائماً وأبداً ومن سنن الله الثابتة تكون من الشخصيات الفذَّة ومن أُسَرٍ معروفة بيِّنة، ولها مكانة في المجتمع وإن كانت فقيرة، ويشار للشخصيات بالعفَّة والطهر والصدق والأمانة والحلم والعلم والمكانة المحترمة بين الناس.
فموسى (عليه السلام) كان رمزاً عظيماً بين قومه قبل بعثه نبيَّاً، وكذلك عيسى (عليه السلام) فأُمُّه قبل ولادته كانت لها مكانة عظيمة حتَّى تخاصم عظماء قومها على كفالتها، (وعيسى نطق في المهد وكان محطّ الأنظار والاهتمام من الجميع)، والنبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) معروف بحسبه ونسبه وخلقه، وكذا علي (عليه السلام) وباقي الأئمَّة (عليهم السلام)، والإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، إذ نحن في غنىً عن وصفه ووصف كماله ومكانته.
هكذا يختار الله تعالى أولياءه وإن كانوا فقراء، فهم لهم مكانتهم بين الناس والمجتمع، وليسوا - حاشا لله - نكرات مجهولي الحسب والنسب، ومن الوضيعين الذين كانوا يرتادون حفلات الجامعات والتخرّج.
ثمّ إنَّهم على أعلى مراتب العلم والذكاء منذ صغرهم، يُعلِّمون الناس ولا يتعلَّمون منهم، ولا يدخلون المدارس، بل علمهم إلهي وربّاني.
المنامات وحجّيتها:
ممَّا يُؤسَف له الاشتباه في هذا الموضوع كثيراً، ويكون مورداً للأخذ والردِّ والسؤال: هل ورد في الروايات أنَّ من رآى أحداً من المعصومين في المنام فهو حقٌّ، لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل بهم؟
الجواب: نعم ورد ذلك.
السؤال: فإذا رأيتُ أحد المعصومين (عليهم السلام) في المنام، وأخبرني أنَّ ابن گاطع هو ابن الإمام المهدي، فهل يجب عليَّ أن أُصدِّق المنام وأُؤمن بكلام ابن گاطع؟
الجواب: نعم يجب عليك ذلك، ولكن بشرط:
أن تكون رأيتَ المعصوم الذي جاءك في المنام في الحقيقة والواقع أي في اليقظة، يعني يجب أن تكون قد عشت في زمن المعصومين وتعرَّفتَ عليهم بأشكالهم وأصواتهم وهيئاتهم، ومع ذلك يكون المنام حجَّة عليك فقط، ولا حجَّة فيه على الآخرين.
إذن روايات المنامات خاصَّة في زمن وجود وظهور المعصومين (عليهم السلام)، فمثلاً إذا كنت جاراً للإمام الصادق (عليه السلام)، ثمّ سافرت للكوفة، وجاءك الإمام الصادق (عليه السلام) في المنام، فسيكون هو ورؤياك حقَّاً، لأنَّك تعرف شكل وهيئة الإمام.
أمَّا في زمن الغيبة فلا تنطبق الروايات، لأنّا لا نعرف شكل الأئمَّة، ولا ندري لعلَّ الشيطان قد تمثَّل لنا في الحلم، وخدعنا أنَّه على هيئة الإمام. ساعتها لا تنطبق الرواية على هذا الحلم، لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل بهيئتهم، لكنَّه تمثَّل على هيئة أبي حنيفة مثلاً، وخدعنا أنَّه الإمام الصادق، فلا يكون في المنام أيّ دليل ولا إثبات.
مناقشة الدعوى الثانية:
ما هو المطلوب منّا من قِبَل ابن گاطع حسب الرواية المذكورة والنبوءة المزعومة؟
- الطاعة والاتِّباع؟ نحن على السمع والطاعة إذا سلَّم الإمام الثاني عشر الأمر له وأمرنا باتِّباعه.
- التمهيد لظهور الإمام الثاني عشر؟ ليس في الرواية ولا النبوءة المدَّعاة أيّ ذكر لذلك.
- الطاعة له لأنَّ الإمام الثاني عشر يأمرنا بطاعته الآن؟ ليُثِبت لنا أنَّ الإمام يأمرنا بذلك، ونحن طوع أمره، فإذا كان الله بحلمه ولطفه عندما بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلينا قد أيَّده بدليلٍ ومعجزة، فإنَّ الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) إذا بعث رسولاً لا يخرج عن سُنَّة الله وهو وليّ الله وحجَّته، ولا ابن گاطع أصدق من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لنعفيه عن الدليل.
فالذي يرى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في المنام كي يعلم أنَّه هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهذه هي هيئته، عليه أن يكون قد رآه في اليقظة أوَّلاً ليعرف هيئته، وإذا كان يراه في اليقظة فليستغلَّ الفرصة ويسأله عن الأمر، ولا حاجة للمنام ساعتها.


 

 

 



الهوامش:
(1) تفسير الرازي 13: 47.
(2) تاريخ اليعقوبي 1: 69.
(3) تفسير القرطبي 14: 358.
(4) ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصفّ: 6].
(5) الخصال: 219.
(6) الغيبة للنعماني: 73/ باب 4/ ح 7.
(7) الغيبة للطوسي: 151/ ح 111.

مقالات الرد على دعوى اليماني : ٢٠١٣/٠٦/٢٦ : ٧.١ K : ٠
: السيد محمد حسين العميدي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.