من فقه الإمام عليه السلام
من فقه الإمام عليه السلام
إعداد: فؤاد علي مرتضى
لم يزل الإمام عليه السلام يرعى شؤون رعيته إبّّان غيبته الصغرى، وكانت الشيعة في هذا الوقت تتعاطى مع الإمام عليه السلام بكل دقائق حياتها وتفاصيل شؤونها، وكانت المسائل الفقهية تشغل حيزاً من اهتمام المكلّفين، فلم ينقطع الشيعة عن مراجعة الإمام في مسائلهم الفقهية وفيما هم فيه يختلفون. وهذه النماذج من ردود الإمام عليه السلام الفقهية توضح مدى ارتباط الإمام عليه السلام بشيعته على المستوى الحياتي والمعيشي فضلاً عن مسائل تكليفهم وارتباطهم بالله تعالى.
* روى جماعة، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود القمي قال: وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله ، على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل أُنفذت من قم، يسأل عنها هل هي جوابات الفقيه عليه السلام أو جوابات محمد بن علي الشلمغاني، لأنه حكي عنه أنه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنها، فكتب إليهم على ظهر كتابهم: (بسم الله الرحمن الرحيم قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمّنته، فجميعه جوابنا، ولا مدخل للمخذول الضالّ المضلّ المعروف بالعزاقري لعنه الله في حرف منه، وقد كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن هلال(1) وغيره من نظرائه وكان ارتدادهم عن الإسلام مثل ما كان من هذا، عليهم لعنة الله وغضبه). (فاستثبت قديماً في ذلك).
أي وسأله أنه كانت اجاباتهم قبل انحرافهم وقد ثبت لديه عدم معارضتها للواقع.
فخرج الجواب: إلا من استثبتَّ فإنه لا ضرر في خروج ما خرج على أيديهم وأن ذلك صحيح.
*وروي قديماً عن بعض العلماء (رضي الله عنهم) أنه سئل عن مثل هذا بعينه في بعض من غضب الله عليه فقال عليه السلام (العلم علمنا، ولا شيء عليكم مِن كفر مَن كفر، فما صحّ لكم ممّا خرج على يده برواية غيره من الثقات رحمهم الله، فاحمدوا الله واقبلوه، وما شككتم فيه أو لم يخرج إليكم في ذلك إلاّ على يده فردّوه إلينا لنصحّحه أو نُبطله، والله تقدّست أسماؤه وجلّ ثناؤه ولي توفيقكم، وحسيبنا في أمورنا كلها ونعم الوكيل).
وقال ابن نوح: أول من حدثنا بهذا التوقيع الحسين محمد بن علي بن تمام وذكر أنه كتبه من ظهر الدرج(2) بعينه كتب بها أهل قم إلى الشيخ أبي القاسم وفيه مسائل فأجابهم على ظهره بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي وحصل الدرج عند أبي الحسن بن داود. نسخة الدرج: مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري.
(بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك، وسعادتك وسلامتك، وأتم نعمته وزاد في إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك وفضله عندك، وجعلني من السوء فداك، وقدّمني قبلك، والناس يتنافسون في الدرجات، فمن قبلتموه كان مقبولاً، ومن دفعتموه كان وضيعاً، والخامل من وضعتموه، ونعوذ بالله من ذلك، وببلدنا أيدك الله جماعة من الوجوه، يتساوون ويتنافسون في المنزلة).
* (وورد أيّدك الله كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة ص، وأخرج علي بن محمد بن الحسين بن مالك المعروف بمالك بادوكة، وهو ختن ص رحمهم الله من بينهم، فاغتم بذلك وسألني أيدك الله أن أُعلمك ما ناله من ذلك، فإن كان من ذنب استغفر الله منه، وإن يكن غير ذلك عرّفته ما يسكن نفسه إليه إن شاء الله).
التوقيع: (لم نكاتب إلاّ مَن كاتبنا).(3)
وقد عوّدتني أدام الله عزّك من تفضّلك ما أنت أهل أن تجريني على العادة، وقبلك أعزّك الله فقهاء، أنا محتاج إلى أشياء تسأل لي عنها، فروي لنا عن العالم عليه السلام أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال: يؤخّر ويقدّم بعضهم ويتمّ صلاتهم ويغتسل من مسّه.
التوقيع: (ليس على من نحّاه إلاّ غسل اليد، وإذا لم تحدث حادثة تقطع الصلاة تممّ صلاته مع القوم).
* وروي عن العالم عليه السلام أن من مسّ ميتاً بحرارته غسل يده، ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل، وهذا الميت في هذه الحالة لا يكون مسّه إلاّ بحرارته والعمل من ذلك على ما هو، ولعله ينحّيه بثيابه ولا يمسّه، فكيف يجب عليه الغسل. التوقيع: إذا مسّه على هذه الحال، لم يكن عليه إلاّ غسل يده.
* وعن صلاة جعفر إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود وذكره في حالة أخرى قد صار فيها من هذه الصـلاة، هل يعيد ما فاتـه من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟ التوقيع: إذا هو سها في حالة من ذلك ثم ذكر في حالة أخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكر.
* وعن المرأة يموت زوجها هل يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟
التوقيع: تخرج في جنازته.
وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقّ يلزمها أم لا تبرح من بيتها وهي في عدّتها؟
التوقيع: إذا كان حقّ خرجت وقضته، وإذا كانت لها حاجة لم يكن لها من ينظر فيها خرجت لها حتّى تقضي، ولا تبيت عن منزلها.
* وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيره أن العالم عليه السلام قال: عجباً لمن يقرأ في صلاته (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) كيف لا تُقبل صلاته. وروي: ما زكت صلاة لم يقرأ فيها بـ (قُلْ هُو اللهُ أَحَد). وروي أنّ من قرأ في فرائضه الهُمَزة أُعطي من الدنيا، فهل يجوز أن يقرأ الهُمَزة ويدع هذه السور التي ذكرناها؟ مع ما قد روي أنه لا تُقبل الصلاة ولا تزكو إلا بهما.
التوقيع: الثواب في السور على ما قد روي، وإذا ترك سورة ممّا فيها الثواب وقرأ قل هو الله أحد، وإنا أنزلناه لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة، ولكن يكون قد ترك الفضل.
* وعن وداع شهر رمضان متى يكون؟ فقد اختلف فيه أصحابنا، فبعضهم يقول: يقرأ في آخر ليلة منه، وبعضهم يقول هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال.
التوقيع: العمل في شهر رمضان في لياليه، والوداع يقع في آخر ليلة منه، فإن خاف أن ينقص جعله في ليلتين.
* وعن قول الله عزوجل (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسْولٍ كَريم)(4) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعنيّ به (ذِي قوّةٍ عِنْدَ ذِي العَرشِ مَكين) ما هذه القوة (مُطاعٍ ثمَّ أَمِين) ما هذه الطاعة، وأين هي؟فرأيك أدام الله عزك بالتفضّل علي بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل وإجابتي عنها منعماً، مع ما تشرحه لي من أمر محمد بن الحسين بن مالك المقدّم ذكره، بما يسكن ويعتد بنعمة الله عنده، وتفضّل علي بدعاء جامع لي ولإخواني للدنيا والآخرة فعلت مثاباً إن شاء الله.
التوقيع: جمع الله لك ولإخوانك خير الدنيا والآخرة.
أطال الله بقاءك، وأدام عزّك، وتأييدك وكرامتك، وسعادتك وسلامتك، وأتمّ نعمته عليك، وزاد في إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك، وفضله عندك وجعلني من كلّ سوء ومكروه فداك وقدّمني قبلك الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله أجمعين.
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو الظاهر وهو أبو جعفر العبرتاني مرت ترجمته في ج51 ص 380 باب ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية، وفي الاصل المطبوع وهكذا المصدر ص 243، <أحمد بن بلال> وهو تصحيف أو خلط بابي طاهر محمد بن علي بن بلال من المذمومين أيضا. فراجع.
(2) الدرج بمعنى الكتاب تُدرج فيها الكتابة على رقٍ أو صحيفةٍ بطريقةٍ متعارفة.
(3) الظاهر من نسخة الدرج أنها كانت متضمنة لسؤالات مختلفة، فكتب جواب كل منها في هامشه، ولذلك أفرزنا السؤال عن الجواب كما ترى.
(4) التكوير: 19ـ 21.