المسار:
العربية » مجلة الانتظار » العدد: ٣ / ذي القعدة / ١٤٢٦ هـ
العدد: 3 / ذي القعدة / 1426 هـ

قراءة نقدية / نظرات في كتاب الغيبة والانتظار

نظرات في كتاب
(الغيبة والانتظار قراءة تاريخ ورؤية مستقبل)

الأستاذ الدكتور حسن الحكيم ـ رئيس جامعة الكوفة

أخذ مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام ، على عاتقه تعميق الفكرة المهدوية، ذات العمق العقائدي في النفوس، في محاولة لاحباط التشكيك الذي أحاط بمفهوم الغيبة عبر التاريخ الاسلامي، وكانت مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلامدراسة السيد محمد علي الحلو: (الغيبة والانتظار قراءة تاريخ ورؤية مستقبل) واحدة من الدراسات الجادة في هذا الموضوع، ومما يزيد أهمية هذه الدراسات أنها صادرة عن مركز المرجعية العليا، ومدرسة الفكر الاسلامي الكبرى مدينة النجف الاشرف، التي أصبح من واجبها الدفاع عن العقيدة، عن طريق الفكر الخلاق، والاحتجاج العلمي الناضج على وفق شفافية محاطة بأدلة وبراهين، وقد اعتمد الباحث في تعزيز فكرة الامام الغائب عليه السلام ، على القرآن الكريم الذي أكّد فكرة الخلافة في الأرض، وما يؤيد الفكرة من أحاديث مروية عن أهل البيت عليهم السلام ، وهي مودعة في كتب الحديث المعتمدة وبخاصة في مؤلفات الشيخ الكليني، والشيخ الصدوق، والشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والشيخ الطبرسي، والشيخ المجلسي وغيرهم، واستقى من مؤلفات محدّثين من أهل السنة وبخاصة مؤلفات الامام البخاري وابن كثير، وابن حجر، والقرطبي، والسيوطي وغيرهم، وقد ربط المؤلف بين الذي تنطبق عليه مواصفات الخلافة وبين العصمة، وهذا الأمر يعطي لمنصب الخلافة السمة المثالية في تطبيق الاحكام.
فيقول المؤلف: (واذا كان الغرض من البعثة هو التكامل الانساني ورقي الفرد إلى أعلى مراتب الكمال، فإن النبي وكذلك الإمام يجب أن يكون في مرتبة من الرقي والكمال بما يمكّنهما من تربية الأمة وما ينسجم واللطف الالهي بعباده من أجل وصولهم إلى مراقي التكامل)، وقد أكد على العصمة بقوله: (فالاختيار إذاً لا يكون بعيداً عن العصمة. والخليفة الذي يصطفيه الله هو من خيرة عباده لطفاً منه بهم، فهو لا يختار من تاقت نفسه للمعصية وجُبل على ارتكاب الفاحشة والخطيئة). ويأتي النص على الامام عليه السلام مكملاً للعصمة، وهذان الأمران مرتبطان بأئمة آل البيت سلام الله عليهم، إذ أننا لم نجد في النظم السياسية الحاكمة في التاريخ الاسلامي من يجمع العصمة والنص في شخصية الخليفة، غير الأئمة الإثنى عشر عليهم السلام ، وقد أكدت آية التطهير هذا الجانب، فضلا عن آيات أخرى اعتمدها المؤلف للتدليل على رأيه، وأن الرقم (الاثنى عشر) الوارد في الأحاديث الشريفة، يؤكد استمرار الإمامة إلى الإمام المهدي عليه السلام ، وهو خاتمة الرقم المذكور، فهو من ولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ومن سلالة الامام الحسين عليه السلام ، كما نصت بعض من الأحاديث الشريفة أنه من ولد السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وأن اسمه كما ورد في الحديث الشريف: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من ولدي إسمه إسمي). وهذا ينطبق فعلاً على أن الامام الغائب عليه السلام هو محمد بن الحسن سلام الله عليهما، وكان المؤلف موفّقاً في عرضه للبحث وتدرّجه في فصوله، وصولاً إلى إمامة المهدي عليه السلام ، وذلك من خلال نصوص الإمامية وبعض نصوص المذاهب الإسلامية الأخرى، إذ أنه أفاد من بعض روايات أهل السنة في ولادة الامام المهدي عليه السلام.
وقد استقى نصوصه من تسعة وعشرين كاتباً، ولكن كان عليه أن يرتّبهم على وفق وفياتهم لكي يحافظ على التسلسل التاريخي، ولكن هذا لم يحصل، فقدّم المتأخّر على المتقدّم زمنياً، ولكن المهمّ في هذه المصادر أنها تؤكد بالاجماع على ولادة الإمام المهدي عليه السلام وغيبته بعد تولّيه الإمامة. وقد تساءل المؤلف (لماذا غيبة الإمام؟) وقد جاء هذا التساؤل في غاية الأهمية، وكان بودّي أن تكون الإجابة عنه بما يتناسب مع أهميّة السؤال، ولكن بقي الجواب بحاجة إلى أدلـة أخرى، ولاسيما أن الفكر الأمامي يواجه تيارات فكرية لا تؤمن أصلاً بالغيبة والإمام المهدي عليه السلام ، والنقطة الاخرى أن موضوع (شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام) جاء بعد السؤال: (لماذا غيبة الامام؟) (فكان الأجدر به تقديم شهادة الإمام العسكري عليه السلام على الغيبة. ومما يلاحظ أن المؤلف قد أطال في التحدث عن الامام الحسن العسكري عليه السلام ، إذ أخرجه هذا الامر عن موضوع الغيبة الذي هو أساس الدراسة، واقحم فيه دراسة بعض من نساء القصر العباسي بوصفهنّ متشيعات، ولكن ليس هناك من يثبت ذلك من أدلة وبراهين، وربما كان لبعضهن عيل لآل البيت عليهم السلام ، لما وجدن من ظلامة لهم، وسوء معاملة من السلطة العباسية، وعند الحديث عن الغيبة التي هي محور الدراسة، نجدها قد جاءت تحت عنوان: (غيبة الإمام المهدي عليه السلام ، الأدوار والمراحل) فقد قدم لهذا الفصل دراسة عن غيبة الأنبياء عليهم السلام ، وعند التوغّل في موضوع الغيبة لم أجد المؤلف قد اعتمد كثيراً على كتاب (الغيبة) للشيخ النعماني، أو غيرهما من الأوائل الذين تعّمقوا في هذا الموضوع الخطير، وكان عصرهم يحتّم عليهم دراسة الغيبة، إذ كانت المناظرات والمحاججات تدور بين الكلاميين حول الإمامة على وجه الخصوص، وكانت معالجة المؤلف لموضوع جعفر بن الامام الهادي عليه السلام ، (وهو عم الامام المهدي عليه السلام) في غاية الأهمية، إذ أنه يكشف عن دور السلطة في تعيين العناصر الهزيلة في المسؤوليات الدينية، في محاولة لإبعاد آل البيت الشرعيين عن مواقعهم الحقيقية، وهذا التعيين يتقاطع مع مبدأين أساسيين سار عليهما الائمة سلام الله عليهم وهما: العصمة والنص على تقاطع تام مع سيرة جعفر بن الإمام الهادي، وهذه المحاولة السلطوية الجائرة أدت الى اختفاء الإمام المهدي عليه السلام عن الساحة، وبروز (السفراء الأربعة) لمواجهة السلطة من جانب، والمجتمع من جانب آخر، وهذا ما أُطلق عليه عصر (الغيبة الصغرى).
وتستوقفني في موضوع السفراء الاربعة نقطتان هامتان هما: الدور السياسي والفكري للسفراء في عصر الغيبة الصغرى، والحجم العلمي الذي كان عليه كل سفير، وهذا أمر طبيعي لأن كل واحد منهم ينوب عن الإمام عليه السلام ، فلابد أن يتّصف بصفات الوكالة التامة، ولكن لم أجد المؤلف قد أحاط هذه المسألة بالدراسة المستفيضة، والنقطة الثانية هي انتقال السفراء الى مدينة بغداد، فهل أن هذا الانتقال كان بوحي من الإمام عليه السلام أم أن الضغط السياسي في مدينة سامراء أدى الى هجرتهم عنها؟ وتحتاج هذه النقطة إلى الوقوف عندها وقفة طويلة لأهميتها، ويختم المؤلف دراسته عن الشطر الثاني وهو (الانتظار)، وقد تعرض إلى المحاولات المهدوية بصورة مقتضبة قبيل غيبة الامام¨، وجاء الكلام عن (الانتظار) وهو الأمل الذي يراود الأمة لانقاذها، وتحقيق دولة العدل في الارض، وإنهاء دولة الظلم والجور، وهذا أمر يجب تحققه على وفق الروايات الصحيحة، وإن الانتظار سواء طال أم قصر لابد له من نهاية، اذا تاكد للقارئ، سواء كان إمامياً أو غيره، أن الروايات المذكورة سليمة وصحيحة، وإذا كانت هناك شكوك في هذه المسألة الغيبية، فإن الشكوك قد امتدت إلى الأنبياء ورسالاتهم، كما امتدت آراء الماديين والملحدين إلى وجود الله تعالى، وهذه هي نقطة الفصل بين الايمان والشكّ، ولا شك أن الموضوع الذي تناوله السيد محمد علي الحلو أحد المواضيع الهامة التي تقف بين الايمان وعدمه، وإننا بحاجة الى دراسات علمية جادة في هذه المواضيع الخطيرة لمواجهة التيارات الالحادية والمادية والتشكيكية.

العدد: ٣ / ذي القعدة / ١٤٢٦ هـ : ٢٠١٣/٠٧/١٤ : ٦.٠ K : ٠
: د. حسن الحكيم
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

لتحميل أعداد المجلة (pdf):