المسار:
العربية » مجلة الانتظار » العدد: ٣ / ذي القعدة / ١٤٢٦ هـ
العدد: 3 / ذي القعدة / 1426 هـ

لقاء النور / لقاء آية الله المرعشي النجفي مع صاحب العصر عليه السلام

لقــاء آيـــة الله المرعــشي النجفي مع صاحب العصر عليه السلام (1)

يقول آية الله السيد شهاب الدين المرعشي النجفي: كان لي شوق عظيم أيّام دراستي للعلوم الدينية ولفقه أهل البيت في النجف الأشرف لرؤية مولانا بقيّة الله عليه السلام ، فأخذت على نفسي عهداً بالذهاب إلى مسجد السهلة سيراً على الأقدام أربعين مرّة ليلة الأربعاء من كلّ أسبوع بنيّة الفوز برؤية طلعة الإمام الحجة عليه السلام المباركة، وداومت على ذلك 35 أو 36 ليلة.
وصادف في هذه المرّة أن تأخّر خروجي من النجف باتّجاه مسجد السهلة، وكان الجو ممطراً والسماء غائمة، وكان قرب مسجد السهلة خندق، فلمّا بلغت ذلك الخندق في ذلك الجوّ المظلم أحسست بالخوف يعتريني ويلفّ وجودي، وكان خوفي من قطّاع الطرق واللصوص، وكنت في هذا التفكر حين سمعت خلفي وقع أقدام، فزاد ذلك في فزعي وخوفي، فالتفتُّ إلى الخلف، فشاهدت سيداً عربياً بلباس أهل البادية، فاقترب منّي وسلّم عليَّ بلسان فصيح وقال: سلامٌ عليكم أيّها السيد!
فزال الخوف والفزع عنّي تماماً، وأحسست بالاطمئنان والسكون، وتعجّبت كيف أنّ هذا الشخص التفت إلى كوني سيّد مع أنّ الجوّ كان شديد الظُلمة، وعلى كلّ حال فقد سرنا معاً ونحن نتحدّث، وسألني: أين تذهب؟
أجبت: إلى مسجد السهلة.
قال: لأيّ سبب؟
رددتُ: للتشرّف بزيارة ولي العصر عليه السلام .
ثمّ أننا سرنا بُرهة حتى بلغنا مسجد زيد بن صوحان، وهو مسجد صغير يقع بالقرب من مسجد السهلة، فدخلنا المسجد وصلّينا، ثمّ أخذ السيد يقرأ دعاءً فخيّل إليّ أن الجدران والحجارة كانت تدعو معه، فأحسست بانقلاب عجيب في داخلي أعجز عن وصفه، ولمّا فرغ السيّد من دعائه قال: أيّها السيد أنت جائع، والأحسن أن تتعشّى!مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام
ثمّ بسط منديلاً كان تحت عباءته، وكان فيه ثلاثة أرغفة من الخبز وخيارتان أو ثلاثة خضراء طازجة كأنّها قُطفت للتّو، وكان الوقت شتاءً والبرد قارساً، وغفلتُ عن أمر أنّ هذا السيّد من أين له هذا الخيار الطازج في فصل الشتاء!
ثم أني تعشّيت كما أمرني؛ ثمّ قال لي: قم بنا لنذهب إلى مسجد السهلة!
ولمّا دخلنا المسجد انشغل السيّد بأداء الأعمال الواردة في مقامات المسجد، وكنت أتابعه في ذلك، ثمّ إقتديتُ به ـ بلا إختيار ـ في صلاة المغرب والعشاء دون أن التفت إلى شخصه.
ولمّا انتهت الاعمال، قال ذلك الرجل الجليل: أيّها السيد، هل تذهب بعد أعمال مسجد السسهلة إلى مسجد الكوفة كما يفعل الآخرون، أم تبقى هنا؟
أجبتُ: أبقى ها هنا!
ثم أننا جلسنا وسط المسجد في مقام الإمام الصادق عليه السلام ، فسألته: هل ترغبون في الشاي أو القهوة أو التدخين
لأعدّه لكم؟
فأجاب بكلام جامع قائلاً: هذه الأمور من فضول المعاش، ولا شأن لنا بمثلها!
فأثّر هذا الكلام في أعماق وجودي بحيث أنّي كلّما تذكّرته اهتزّت أركان وجودي.
وعلى أي حال فقد طال المجلس ما يقرب من ساعتين، وتبادلنا الحديث في هذه المدّة في بعض المطالب، أشير إلى بعضها:
1 ـ تكلّمنا في شأن الاستخارة، فقال السيّد العربيّ: يا سيّد، كيف تستخير بالمسبحة؟
قلت: أصلّي على النبي وآله ثلاث مرّات، وأقول ثلاثاً: (أستخير الله برحمته خِيَرَةً في عافية)، ثمّ آخذ قبضة من المسبحة وأعدّها، فإن بقي منها اثنتان كانت الاستخارة غير جيدة، وإن بقيت منها واحدة كان الاستخارة جيّدة.
قال: لهذه الاستخارة بقية لم تصلكم، وهي أنّه إذا بقيت حبّة واحدة فلا تحكموا فوراً أنّ الاستخارة جيدة، بل توقّفوا واستخيروا في ترك العمل، فإن بقي زوج انكشف أنّ الاستخارة الاولى جيدة، وإن بقيت واحدة انكشف أنّ الاستخارة الاولى مخيّرة.
وكان ينبغي ـ حسب القواعد العلمية ـ أن أطالب بالدليل فيجيبني السيّد، لكننا بلغنا موقفاً دقيقاً بحيث أنّني سلّمتُ وانقدت بمجرّد سماع قوله، دون أن أفطن لهويّته.
2 ـ من جملة المطالب أنّ السيّد العربيّ أكّد على تلاوة وقراءة هذه السور بعد الصلوات الواجبة: بعد صلاة الصبح سورة (يس)؛ وبعد صلاة الظهر سورة (عمّ)؛ وبعد صلاة العصر سورة (نوح)؛ وبعد صلاة المغرب سورة (الواقعة)؛ وبعد صلاة العشاء سورة (الملك).
3 ـ كذلك أكّد على صلاة ركعتين بين المغرب والعشاء، تقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد أيّ سورةٍ شئت، وتقرأ في الركعة الثانية بعد الحمد سورة الواقعة.
وقال: يكفي ذلك من سورة الواقعة بعد صلاة المغرب كما ذُكر.
4 ـ أكّد على قراءة هذا الدعاء بعد الصلوات الخمس:
(اللهمّ سرّحني عن الهموم والغموم ووحشة الصدر ووسوسة الشيطان برحمتك يا أرحم الراحمين).
5 ـ كما أكّد على قراءة هذا الدعاء بعد ذكر الركوع في الصوات اليومية، وخصوصاً في الركعة الأخيرة:
(اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وترحّم على عجزنا، وأغثنا بحقّهم).
6 ـ امتدح (شرائع الاسلام) للمرحوم المحقّق الحلّي، وقال عنه (كلّه مطابق للواقع، عدا جزء يسير من مسائله).
7 ـ أكّد على قراءة القرآن وإهداء ثوابه إلى الشيعة الذين لا وارث لهم، والذين لهم وارث لا يذكرهم.
8 ـ أنّ تحت الحنك هو امرار العمامة تحت الحنك وجعل طرفها في العمامة، كما يفعله علماء العرب، حيث قال: (هكذا جاء في الشرع).
9ـ التأكيد على زيارة سيد الشهداء عليه السلام .
10 ـ دعاء في حقّي وقال (جعلك الله من خدمة الشرعية).
11 ـ سألتُه: لست أدري أعاقبة أمري إلى خير؟
وهل صاحب الشرع المقدّس عنّي راضٍ؟
فأجاب: عاقبتك إلى خير، وسعيك مشكور، وأنت مرضيّ عنك.
قلتُ: لا أعلم هل والديَّ وأساتيذي وذوي الحقوق راضون عنّي أم لا؟
قال: جميعهم راضون عنك، وهم يدعون لك.
فسألته أن يدعو لي لأوفّق في التأليف والتصنيف، فدعا لي بذلك.
ثمّ أردت الخروج من المسجد لحاجةٍ ما، فوصلتُ عند الحوض الذي في منتصف طريق الخروج من المسجد، فخطر في ذهني ما حصل لي الليلة، وتساءلتُ في نفسي عن هذا السيّد العربي الذي له كلّ هذا الفضل مَن يكون؟ لعلّه هو بنفسه مقصودي ومحبوبي.
فلمّا خطر هذا المعنى في ذهني عدتُ مضطرباً فلم أر ذلك السيّد، ولم يكن في المسجد أحد، فتيقّنت أنّني رايتُ صاحب الأمر عليه السلام دون أن أعرفه، فأجهشتُ بالبكاء، وبقيت أدور في أطراف المسجد وأكنافه كالمجنون الواله الذي ابتُلي بالهجران بعد الوصل حتّى أصبح الصباح.
 

 


الهوامش:
ـــــــــــــــــــ
(1) تعريف مقالة في كتاب (ملاقات علماء بزرك اسلام با إمام زمان عليه السلام) ص 104 ـ 111.

العدد: ٣ / ذي القعدة / ١٤٢٦ هـ : ٢٠١٣/٠٧/١٤ : ٢٠.٨ K : ٠
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

لتحميل أعداد المجلة (pdf):