من أرشيف الصحافة المهدوية / نظرات في الإمام الثاني عشر
نظرات في الإمام الثاني عشر
الشيخ محمد أمين زين الدين
من أجل تحفيز الذاكرة الصحفيّة وما كان لها من دور ـ وإن كان بسيطاً ـ في ترسيخ الثقافة المهدوية، فان (الإنتظار) وفاءً منها لهذا الجهد الرائع تستذكر أحد أبرز الأقلام الحوزوية ضمن هذا الباب لتحيّي به كاتباً وعالماً ومفكراً.. العلامة محمد أمين زين الدين رحمه الله في ضيافة (الانتظار)، وفي ما يلي نورد مقالته القيمة التي جاءت في مجلّة (الأضواء) العدد (15 ـ 16)، سنة 1380، ص 399 ـ 401.
هيئة التحرير
قالت الشيعة بلزوم الإمامة بعد إنهاء أمد النبوة وأن الإمام هو الوارث الشرعي لمقامات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقالت باشتراط العصمة في إمامة الإمام كما تشترط في رسالة الرسول على حدّ سواء، واشترطت كذلك في الإمام أن يكون أعلم الأمة بحقائق الدين ودقائق الشريعة، وقالت بأن علمه هذا يجب أن يكون عن طريق آخر غير طريقي الاجتهاد والتقليد، ذلك أن المجتهد لا تجب إطاعة قوله على المجتهديـن الآخـرين ولا على من قلّدهم من سائر أفراد الأمة، والمقلـد أحرى بعدم نفوذ الرأي وبعدم وجوب الإطاعة، أما الامام فهو واجب الإطاعة على كل فرد من المسلمين، نافذ القول في آحادهم ومجتمعهم.قالت الشيعة بالإمامة، واشترطت في من يستحق هذه الزعامة شروطاً أهمها هذان الشرطان، وأقامت على أصل القول وعلى كل واحد من الشرائط عشرات الأدلة من ثابت النقل ومن صريح العقل.
وقد أحصى العلامة الحلي ـ وحده ـ منها ألفي دليل، وحاول أن يجمعها في كتاب (الألفين)، ولم يصل إلينا العدد كاملاً في كتابه المذكور.
ومن أجل هذه الشرائط وخفاء العلم بها على الناس، ومن أجل الأدلة الكثيرة القاطعة التي لا منفذ فيها لطعن ولا خفاء في دلالة، قالت الشيعة بأن الإمامة عهد من الله سبحانه لن يُنال الا بالتعيين منه ولن يُفرض لأحد الا بالنص عليه.
هذا هو الأصل الذي اختصت به الشيعة دون الفرق الأخرى من المسلمين، ومن أجل القول به سُمّيت بالإمامية، وقولها به معلوم مشهور، وأدلتها عليه متظافرة بل متواترة، وكتبها التي تبحث فيه وتجهد في ذب الشبهات عنه معروفة ميسورة.
وتواترت الوثائق في تعيين من يستحق هذا العهد، وفي النص على كل واحد منهم بالخصوص، وفي بيان عددهم على الاجمال وفي تعداد أسمائهم على التفصيل، وجاءت النصوص كما يقتضيه خطر هذا العهد، وكما يستدعيه الاهتمام بضرورات المجتمع المسلم، وكما يحتّمه وجوب التبليغ على الرسول وعلى الحجج المعصومين القائمين مقامه.
أقول: وجاءت النصوص في تعيين أئمة المسلمين متظافرة متواترة تملأ الدواوين والقماطير، من كل طريق من طرق المسلمين للحديث، وعلى لسان كل طائفة منهم، بحيث لا تختص بروايتها الشيعة ولا تنفرد بها كتبهم.
وتسلسل تأريخ الإمامة في الإسلام، ونص كلُّ سابق من الائمة على لاحقه، واعترفت الطائفة بإمام بعد إمام.
وانتهى الدور إلى الإمام الثاني عشر... إلى خاتم الأوصياء لخاتم الأنبياء. وشاءت الحكمة الالهية أن تدّخر هذه البقية من العترة المطهّرة للعدل المنتظر.. للعدل الذي بشّرت به الأديان وأشار اليه القرآن.
هكذا شاءت الحكمة الإلهية، وهكذا يجب أن يكون.. بل وغير هذا يمتنع أن يكون.
فبسط العدل الحقيقي الكامل على وجه الأرض، وإيصـال جـذوره الى أعماق المجتمع البشـري وأغـواره، ومـدّ مـجاريه إلى أطراف الانسانية وأكنافها. العدل الحقيقي من كل وجه، الشامل لكل ظاهرة وخفية، ولكل حركة وسكون في المجتمع والفرد. بسط هذا العدل الحقيقي الكامل على وجه الارض يفتقر الى رصيد في العدل الذاتي الذي لا يحيد ولا يحيف، من العصمة النفسية التي لا تخطيء حكم الله في صغيرة ولا كبيرة، ولا تتخطى عدله في قول ولا فعل، من العدل الذاتي المشع الذي يستطيع أن يملأ الكون عدلاً، ويملأ النفوس زكاة وطهراً.
وجلي أن هذا الرصيد من العدل الذاتي والعصمة النفسية لا يملكه الا المعصومون من خلفاء الرسول الذي شهد الكتاب لهم بالتطهير وأنبأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم قرناء الحق وقرناء الكتاب لا يفترقون عنه حتى يردوا على الرسول الحوض، وأن الامة لن تضل أبداً ما تمسّكت بهذين الثقلين.
وإذا لم يبقَ من هذه العترة غير واحد، فلا محيد من أن يكون هذا الواحد هو المدّخر لهذه الغاية، الحامل لهذه الأعباء!
أما أن العدل الكامل الشامل بشرت به الأَديان ـ فتكفينا لإثباته ـ نظرة واعية في تأريخ الاديان، وحتى في هذه الصور الباقية المشوهة من أديان السماء فإن البشارة بالمصلح المنتظر قد شغلت جانباً من آثارها، بل واكتسبت صفة اليقين عند معتنقيها، وأما أن العدل الكامل الشامل هو الغاية التي ابتغاها دين الاسلام للناس فقد ذكرته جملة من آيات الكتاب، واقرأ إذا شئت قوله تعالى في سورة الحديد: (لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط...) نعم هذه الغاية التي أرادها الله من إرسال رسله وإنزال كتبه، من كل دين أنزلته السماء لا من دين الاسلام خاصة.
وتوالت أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديث المعصومين من آله تبشّر بهذا العدل، وتصف الإمام القائم به، وتعيّن إسمه وصفاته، وتذكر طول حياته وطول غيبته، وتبين كل ما يتعلق به وبنهضته، وتجاوزت العد وبلغت أعلى درجات التواتر وأزالت كلّ شبهة وكل ريبة ممن يؤمن بسنة الرسول وبأحاديث العترة. ولابد للأحاديث في ذلك أن تبلغ هذا المبلغ وأن تكتسب هذه الصفة لأنها تثبت عقيدة وتكشف لبساً، وتذكر أمراً يهم المجتمع المسلم ويهم الناس أجمعين.
أما أن يعصب أحد عينيه عن كل هذه الأشياء، ثم يشكك ويتردد فهذا ما لا يُؤبه له، لأنه لا يأتي البحث من أبوابه.
ولماذا يمتري هؤلاء؟ ولماذا يرتابون؟
ألطول البقاء؟
ألطول البقاء بعد أن ذكر القرآن أعماراً تناهز عمر الإمام عليه السلام في الطول ويزيد عليه بعضها بقرون؟
ألم يذكر القرآن عمر نوح المديد، وأنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً قبل حادثة الطوفان؟ ألم يتحدث عن المسيح عن طول بقائه وأنه لا يزال حياً حتى يؤمن به عامة أهل الكتاب: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيداً).
ألطول البقاء بعد أثبت العلم أنه يمكن للإنسان أن يعيش العمر المديد، وبعد أن أجرى تجاربه على أجزاء الإنسان الرئيسة، فأيقن أنها قابلة للبقاء الطويل إذا وفّر لها الغذاء الكافي وهيّء لها الجو المناسب؟
أم لطول الغيبة بعد أن كان حدوثها لحكمة وبقاؤها لغاية؟
أم لهوىً نفسي؟ فإن الأهواء لا يُحسب لها أي حساب في منطق البرهان وموازين الأديان.