الافتتاحية
العولمة المهدوية
لم يكن مفهوم العولمة ينطلق من دواعي التحديث بقدر ما هو ضرورة تنبثق من دواعي الفطرة الانسانية الداعية الى التعايش السلمي بين الجميع. فالرسالات السماوية تدفع باتجاه عالمية المفهوم والشعور المشترك بين جميع بني البشر، وكان الإسلام رائداً في هذا المجال حتّى أعلن شعاره العالمي (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) نبذاً للاقليمية المقيتة ، ودحراً للقومية الغائبة عنها أدوات الحكمة والعقلانية ، وردءاً للتقوقع ومحاولات التهميش الاجتماعي التي عانت منها كثير من الشعوب للإنكفاء على ذاتها فقط.
ان المشكلة تكمن في خلط الاوراق _تعمداً أحياناً وبغير تعمد في أحيان كثيرة _ فالخلط بين مفهومي التغريب والعولمة ، وبين مفهومي الأمركة والعولمة ، هي المشكلة التي تنفر منها الذات الإسلاميّة بشكل لايتيح لها التشبت أو المعرفة بأدوات المصطلح القديم_الجديد(العولمة) ومن حق المسلمين أن يترددوا في قبول مثل هذه المصطلحات التي تخلط بها مفاهيم تهدد مستقبلهم وكيانهم، ولعل الخلط يؤول كثير منه الى حالات الجهل أو التدليس أو التهويل لحجم الخطر الذي يهددنا جميعاً.
لا أعني من ذلك الدعوة الى قبول العولمة بما هي في طروحاتها الحالية ، بل أعني أن العولمة يمكن أن تكون آليةً للتواصل الحضاري ، وبمعنى آخر أن نتعاطى مع العولمة بكل ايجابياتها الواقعية لنعمم بذلك فكر أهل البيت عليهم السلام.
إن عولمة الفكر الشيعي بكل تفاصيله سيفتح نافذة واسعة من حيثيات المعرفة الانسانية ورفض العولمة على اطلاقها يعني القبول بالتهميش والانعزال الاختياري الذي عانينا منه منذ قرون، فنحن بحاجة إلى أن نفتح نوافذنا جميعاً لنتطلع الى عالم محروم ينشد السلام ولنتمكن من خلاله أن نرفع باقة ورود تحمل معها رؤى أهل البيت عليهم السلام على أننا لا ننكر أن العولمة يمكن أن تكون إحدى آليات التمهيد لظهور المصلح العالمي والمنقذ الالهي الإمام الحجة عليه السلام ، فمن خلاله سننشر عبق رسالته المحمدية الى أرجاء المعمورة،والتأكيد على عالمية القضية المهدوية ونفي اقليميتها وبغير ذلك فأننا سنكون قد قبلنا بتهميشنا على كل الاحوال.
رئيس التحرير