المسار:
العربية » مجلة الانتظار » العدد: ٥ / ربيع الأول / ١٤٢٧ هـ
العدد: 5 / ربيع الأول / 1427 هـ

مطارحات مهدوية / تأملات في تأملات الجزيرة الخضراء

تأملات في

تأملات الجزيرة الخضراء

عبد الستار الجابري

وددت طرح بعض الملاحظات حول ما ورد في موضوع (تأملات في الجزيرة الخضراء):
1 ـ يُنسِّب إلى الشيخ كاشف الغطاء قدس سره أن قصة الجزيرة من حكايات الاخباريين، واستفيد من العبارة الاخباريين في قبالة الاصوليين، وكل من الاخبارية والاصولية منهج في عملية الاستنباط الفقهي.
والظاهر من مراد كاشف الغطاء قدس سره أنه يغلب الظن أن المراد من حكايات الاخباريين ليس إلاّ نقلة الاخبار بغض النظر عن اتجاهه الاستدلالي. ولعل الذي يؤيد ما ذهبنا إليه ان هذه القصة لم ترد في الكتب التي يرفض أتباع المنهج الاخباري المناقشة في رواياتها وهي الكتب الأربعة ـ الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار ـ بل ولم يتصل إسنادها بأحد من الأئمة عليهم السلام .
2 ـ ورد في المقال: (وقد تحمسَ البعض لفكرة الجزيرة...) لعل من المناسب ذكر السبب الذي لأجله ذهب بعض الكتاب، فذلك يرجع إلى:
1 ـ البناء على قبول الروايات الحاكية عن كرامات أهل البيت عليهم السلام ما دامت لا تتعارض مع الكتاب العزيز والسنة المطهرة، واكتشاف قضية تكوينية غير مألوفة، فطبّقها عليها على نحو الجزم، كما هو الحال في تطبيق بعض المفاهيم القرآنية على جملة من الاكتشافات العلمية الحديثة والتي تصيب أحياناً وتخطئ أخرى كتفسير الملائكة بالجاذبية وامثالها من أخطاء كتّاب القرن العشرين.
2 ـ الهوس في محاولة إثبات كل شيء والاعتلاء به الى مستوى الجزم والقطع وأنه الحق وغيره ليس بحق.
والأول مقبول في حدوده ما لم يصل الى مرحلة الجزم والقطع، لأنه يحتمل أن يكون ويحتمل أن يكتشف في الغد ما هو أكثر ملائمة منه، كما لا يطرح احتمال عدم الصحة، ولكن يبقى أن هذا الاحتمال ليس مبرراً لتكذيب الرواية وردها.
3 ـ ورد في المقال (ورفضها البعض الآخر واحتكم فيها الى العقل والمنطق، فناقش سندها ومدى وثاقته وأشكل على التناقضات الموجودة فيه).
إن قصة الجزيرة مما لا مجال لاجراء الأحكام العقلية فيها، لأن أدلة العقل إنما تقتصر على اكتشاف القوانين الكونية الكلية وهذه القضية ليست منها، بل إن هذه القصة لا تتعارض مع الأحكام العقلية لعدم لزوم اجتماع نقيضين أو ضدّين، وهي ممكنة في ذاتها، هذا إذا أريد من العقل هذا المعنى، وأما إذا أريد منه ما يستسيغه ادراك المعترض، فإن ادراك أي منا لا يصلح للحكم بالنفي على واقعة معنا لدخالة جملة من الظروف الخارجية في توجيه مساراتنا الفكرية.
والكلام عينه يأتي في إخضاع القصة الى القوانين المنطقية، خاصة مع فرض كون القضية من المعجزات والكرامات وخوارق العادات.
وأما مناقشة السند فإن اخضاع هذه الروايات للمناقشة السندية إنما يفتقر إليه في حال إرادة الجزم بالمطلب، ومثله لا يمكن الجزم به واليقين بتحققه، لأنه على فرض صحة جميع رجال السند لا يفيد إلا الظن، وليس المورد من الموارد التي تعبّدنا الشارع فيها بحجية خبر الواحد، كما إن الطعن في السند لا يثبت كذب القصة، إذ غاية ما يثبته ضعف السند عدم الاطمئنان بالتحقق لا نفي التحقق على نحو الجزم.
ولذا فاجراء هذا النحو من الاستدلال في رد القصة في غير محلّه.
4 ـ وأما مرويات الشيعة عن أهل البيت عليهم السلام في وصف المهدي عليه السلام بالطريد والشريد والوحيد وغيبته عن أهله وأنه يشهد الموسم ويطأ بسط الشيعة ويتابع ما ينتابهم وما يتعرضون اليه، فإن هذه الروايات لا تتعارض مع قصة الجزيرة الخضراء، إذ لا يلزم في كونه عليه السلام في الجزيرة الخضراء عدم حضوره في تلك الأماكن تصريح صاحب القصة بعودته عليه السلام الى الجزيرة بعد قضاء مناسك الحج والزيارة لا يلزم منه إمضاء أكثر وقته في الجزيرة، فإذا تتبعنا الزيارات المستحبة نجد أن أغلب أوقات الإمام عليه السلام سيمضيها خارج الجزيرة.
كما أن متابعة أمور الشيعة لا يحتاج فيها الى حضور جسدي في أوساطهم لما يتمتع به المعصوم عليه السلام من قدرات خارقة تمكنه من الاطلاع على معلومات كثيرة في آنٍ واحد، كما هو مقتضى عشرات الأدلة الناصة على علم الإمام عليه السلام .
ثم إذا أضفنا إلى مجموع ذلك أن هذه الجزيرة ـ وحسب دلالة القصة ـ يسكنها أبناء الإمام عليه السلام وجزيرته الخضراء هي أحداها فلا يعود هناك مانع من أن يكون جملة من وقته عليه السلام هناك وبقية وقته خارجها، ولكن مسكنه وموضع راحته يكون في الجزيرة، ولا يشترط في المسكن وموضع الاستقرار أن يكون المقام فيه أكثر من غيره، فنحن نجد شخصاً يكون تواجده في محل عمله أكثر من منزله، ومع هذا لا يسلب اسم المنزل والمسكن عنه.

العدد: ٥ / ربيع الأول / ١٤٢٧ هـ : ٢٠١٣/٠٨/٠٣ : ٥.٢ K : ٠
: السيد عبد الستار الجابري
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

لتحميل أعداد المجلة (pdf):