المسار:
العربية » مجلة الانتظار » العدد: ٦ / رجب / ١٤٢٧ هـ
العدد: 6 / رجب / 1427 هـ

دراسات / الوكالة المحمودة ابراهيم بن محمد الهمذاني

الوكالة المحمودة
إبراهيم بن محمد الهمذاني

حسن الشيخ عبد الأمير الظالمي/ باحث ومحرر في مجلة الانتظار

إبراهيم بن محمد الهمداني من وكلاء الإمام المهدي عليه السلام في زمن الغيبة الصغرى التي امتدت من 260 هـ ـ 329 هـ وقد اتّفقت المصادر في علم الرجال والتاريخ والحديث أنه رجل ورع فاضل، وأكبر دليل على ذلك هو أنه حجّ أربعين حجّة. وقد جمعت عنه المعلومات من مصادر متعددة لكنّها لم تفِ بالغرض الكافي عن حياته، وقد بوّبتها حسب العناوين التالية:
1ـ إسمه ولقبه:
وهو إبراهيم الهمداني (الهمذاني)مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام
<وقد لقب بالهمذاني ـ بالذال المعجمة ـ نسبة الى البلدة المعهودة في بلاد العجم>.(1)
وقال السيد محسن الأمين <نسبة إلى همذان المدينة المشهورة لا إلى همدان القبيلة لما يأتي من التوقيع قوله عليه السلام ـ يعني الحجة ـ وكتبت إلى مواليّ بهمذان، فدلّ على أنه من أهل همذان>.(2)
وقد عرف بأنه <من الأقوام الثقات الذين كانوا في زمن السفراء المحمودين والذين كانت ترد عليهم التوقيعات من قبل المندوبين للسفارة من الأصل>.(3)
2ـ ذريته:
تؤكد الروايات أن عائلة الشيخ ابراهيم بن محمد الهمذاني وذريته كانوا رجالاً صالحين، وكان منهم جماعة وكلوا للإمام الحجة عليه السلام:
قال الكشي: <إن هذا وأولاده كانوا وكلاء للناحية>.(4)
وقال النجاشي <عن ابن نوح عن بن محمد قال: القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد الذي تقدم ذكره وكيل الناحية، وأبوه وكيل الناحية، وجدّه وكيل الناحية، وجدّ أبيه إبراهيم بن محمد وكيل>.(5)
ويبدو من سياق كلامه أنه من وكلاء الناحية المقدسة لتعداده وكلاء الناحية.
وقال الشيخ الطبرسي <حدثني القاسم بن محمد بن علي بن ابراهيم بن محمد ـ وكيل الناحية، وأبوه وكيل الناحية، وجدّه علي وكيل الناحية، وجد أبيه إبراهيم وكيل>.(6)
فهؤلاء وكلاء الإمام الحجة عليه السلام كل من: إبراهيم بن محمد وابنه محمد وابنه علي بن إبراهيم، وحفيده محمد بن علي، وابن حفيده القاسم بن محمد، وهي صفة لم تتوفّر لعائلة قطّ.
وعن ترجمة حياة حفيده محمد بن علي بن ابراهيم بن محمد يقال <كان هو وابنه القاسم وابوه وجده ابراهيم وكلاء الناحية>.(7)
وقد فصّل ذلك بشكل واضح العلاّمة الحلي في رجاله حيث يقول <كان محمد وكيل الناحية، وأبوه علي وكيل الناحية، وجدّه إبراهيم بن محمد وكيل الناحية، وكان لمحمّد بن علي ولد يسمى القاسم وكان وكيل الناحية أيضاً>.(8)
3ـ حياته:
لم تذكر المصادر التي بين أيدينا سنة ولادته أو وفاته، كما لم تذكر أرقاماً وتواريخ عن حياته، إلا أننا نستطيع أن نحدد من خلال الروايات التي وردت في كتب الرجال والحديث أنه عاصر الإمام الرضا عليه السلام وروى عنه، وروى عن الإمام أبي جعفر الثاني عليه السلام وروى أيضاَ عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وكان وكيلاً للإمام الحجة عليه السلام، كما سنفصل ذلك في الروايات التي ندرجها لاحقاً.
وإذا كنا قد علمنا أن الإمام الرضا عليه السلام تسلّم مقاليد الإمامة عند وفاة والده الإمام الكاظم عليه السلام سنة 183 هـ وتوفّي سنة 202هـ، واستلم الجواد عليه السلام الإمامة في نفس العام؛ وأن إبراهيم الهمذاني عاش حتى بداية استلام الإمام المنتظر مقاليد الإمامة عام 260هـ، فتكون حياته خلال هذه الفترة (77) سنة، وإذا تأكّد لنا أنّه حجّ أربعين حجّة وأنه عمّر طويلاً نكون قد حدّدنا حياته خلال هذه الفترة التي عايش فيها خمسة أئمة معصومين من أهل البيت عليهم السلام.
ففي بداية حياته أكدّت الرواية أنه عاش في زمن الإمام الرضا عليه السلام حيث <ورد عن محمد بن علي بن ابراهيم بن محمد الهمداني، عن أبيه عن جده عن الرضا عليه السلام>.(9)
وأكّد ذلك التستري بالقول <نقل عن الشيخ ـ أي الطوسي ـ في رجاله: في أصحاب الرضا والجواد والهادي، وقال: صرّح الكشّي أنّ ابراهيم هذا كان وكيل الناحية>.(10)
ويدلّنا على أنه عاش في زمن الرض عليه السلام أيضاً <أنه روى عن الرض عليه السلام وخرج إليه توقيع الرض عليه السلام: إلى إبراهيم بن محمد الهمذاني: إنّ الخمس بعد المؤنة>.(11)
4ـ منزلته وجلالة قدره:
كان إبراهيم بن محمد الهمذاني وكيلاً للإمام المهدي عليه السلام وفي هذا من المنزلة الرفيعة التي طالما كان يطمح إليها غيره من خواصّ الشيعة وعلمائهم، وهو من بين الوكلاء الذين صـدر الأمر منه عليه السلام بتـوكيلهم <فقـد روي عـن إبراهيم بن محمـد الهمذاني قال: وكتب إليّ ـ يعني الإمام ـ: قد وصل الحساب تقبّل الله منك ورضي عنهم، وجعلنا معهم في الدنيا والآخرة، وقد بعثت إليك من الدنانير بكذا ومن الكسوة كذا، فبارك الله لك فيه وفي الجميع، أنعم الله عليك، وقد كتبتُ إلى النضر أمرته أن ينتهي عنك وعن التعرّض لك ولخلافك، وأعلمته موضعك عندي، وكتبت إلى أيّوب أمرته بذلك أيضاً، وكتبت إلى مواليّ بهمذان كتاباً أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك، وأن لا وكيل سواك>.(12)
فهذه الكتب التي أرسلها الإمام لمواليه يعلمهم بمنزلة إبراهيم بن محمد ويأمرهم بطاعته ويدلّهم على أنه الوكيل لهي دليل واضح على سموّ قدره وعلوّ منزلته عنده، ويشير إلى هذه المنزلة التستري بقوله: <يأتي في فارس، وفي محمد بن ابراهيم روايات عن الكشّي تدلّ على جلال قدر ابراهيم هذا>.(13)
ومن الأدلة الساطعة على منزلته السامية عند الأئمة عليهم السلام الكتاب الذي أرسله إليه الإمام الجواد عليه السلام بخطّه بعد أن وصف له صنع السميع به <عن علي بن محمد، حدثني أحمد بن محمد، عن ابراهيم بن محمد الهمذاني قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام ـ يعني الجواد ـ أصف له صنع السميع بي، فكتب بخطّه <عجّل الله نصرتك ممّن ظلمك وكفاك مؤنته، وأبشر بنصر الله عاجلاً إن شاء الله، وبالأجر آجلاً، وأكثر من حمد الله>.(14)
مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام فهذا الدعاء من الإمام الجواد عليه السلام ما هو إلاّ رفع لقدر ابراهيم وإعلاء لمنزلته وتبيان لرضاه عنه وذمّ من ظلمه.
ونستشهد أخيراً بكلمة السيد هاشم البحراني حيث يقول: <ووكالة الناحية أعظم من التوثيق بمراتب، فإن محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد الهمذاني كان هو وابنه القاسم وأبوه، وجدّه إبراهيم وكلاء الناحية>.(15)
5ـ الاختلاف في وكالته للإمام المهدي عليه السلام:
يقول الشيخ محمد تقي التستري <نستنتج من هذا أنه ـ أي إبراهيم الهمذاني ـ كان وكيلاً للهادي وليس للحجّة>(16)، ومن هنا نتابع حياته مع أئمة أهل البيت عليهم السلام:
مع الإمام الرض عليه السلام: تدل الروايات على أنه عاش شطراً من حياته أثناء إمامة الرض عليه السلام وروى عنه، بل عدّه البعض وكيلاً له، قال التستري <ويدلّ على أن ابراهيم بن محمد وكيلاً للرضا أنه روى عن الرضا، وقد خرج إليه توقيع الرض عليه السلام: إلى ابراهيم بن محمد الهمذاني: إنّ الخمس بعد المؤنة>(17)، علماً أن الرض عليه السلام عاش بعد وفاة أبيه الكاظم عليه السلام وتسلم الإمامة سنة 183 هـ وتوفّي سنة 202هـ على يد المأمون العباسي.
وقد ذكره الشيخ في كتاب الرجال <في أصحاب الرضا والجواد والهادي>(18) ولم يذكره من جملة وكلاء الإمام المهدي، وإلى ذلك أشار العلامة الحلي بقوله عن محمد بن إبراهيم الهمداني <روى عن أبيه عن جدّه عن الرضا عليه السلام>.(19)
ولكننا حين نبحث جوانب حياته الأخرى نجد الروايات تؤكّد توثيقه من قبل الإمام المهدي عليه السلام والنصّ عليه، والروايات متواترة نختار منها:
أ ـ روى الطبرسي في إعلام الورى <من الوكلاء بهمذان محمد بن علي بن إبراهيم، وكلّهم وكلاء، والقاسم بن محمد وكيل، روى أبو العباس أحمد بن نوح عن أبي القاسم جعفر بن محمد قال: حدثني القاسم بن علي بن محمد ـ وكيل الناحية ـ وابوه وكيل الناحية، وجدّه علي وكيل الناحية، وجدّ أبيه إبراهيم وكيل>.(20)
كل هذا التعداد والتوضيح والتأكيد على كلمة وكيل يكفي للدلالة على حياته أيام الإمام المهدي ووكالته له.
ب ـ وضّح السيد البحراني في <تبصرة الولي> الآتي <محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد الهمذاني كان هو وابنه القاسم وابوه وجده إبراهيم وكلاء الناحية، ووكالة الناحية أعظم من التوثيق بمراتب».(21)
وفي نهاية موضوع وكالته نقول انه لا تعارض بين وكالته للإمام الرض عليه السلام حيث عاش في زمانه وبقي طيلة الفترة التي عاش فيها الأئمة المعصومون محمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري وأدرك إمامة الحجة المنتظر عليه السلام سنة 260هـ، والفترة هي من (183 ـ 260) والبالغة 77 سنة، ونحن نعلم أنه عمّر طويلاً، فيمكن أن يكون وكيلاً لكلٍ من هؤلاء عليهم السلام وروى عنهم جميعاً.
6-وثاقته:
إعتاد علماء الرجال من خلال دراستهم لرواة الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أئمة أهل البيت أن يوثّقوا الرجال أو يضعّفوهم فلا يأخذوا بأحاديثهم. وإبراهيم بن محمد هذا وثّقه أكثر من عالم إضافة إلى توقيع الإمامين علي بن موسى عليه السلام الرضا وابنه الامام الجواد عليه السلام إذا اعتبرنا أن الرسالة التي وصلت إليه والتي أوردناها سالفاً قد صدرت منه ـ كما ذكر السيد الصدر ـ أو الإمام الحجة عليه السلام وهو الراجح، وهنا نورد بعضاً من هذه النصوص التي توثقه:
1ـ وثّقه العلامة الحلي في رجاله، وروى حديث أبي محمد الرازي عن توقيع الإمام الحجة له، وكذا ورد توثيقه في الخلاصة عن رجال الكشي.(22)
2ـ وثّقه الشيخ الطوسي وقال <كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل ومنهم إبراهيم بن محمد الهمذاني>.(23)
3ـ وأما النجاشي فقد وثّقه مرتين كما يقول العلامة التستري بقوله <ويكفي في جلال هذا توثيق الحجة عليه السلام له، وقد وثّقه النجاشي مرتين>.(24)
4ـ وثّقه العلاّمة التستري في قاموس الرجال، وروى حديث بن إبراهيم محمد المهذاني حول كتاب الإمام الحجّة له، وأورد قول الكشي أن ابراهيم كان وكيلاً للحجة عليه السلام وروى عن الكشّي رواية توقيع الإمام الحجّة عليه السلام <إن أيّوب بن نوح وابراهيم بن محمد الهمذاني وأحمد بن حمزة وأحمد بن إسحق ثقات جميعاً>.(25)
5ـ <وقد وثّقه في الوجيزة والبُلغة وغيرها ووكالة الناحية أعظم من التوثيق بمراتب>.(26)
وبهذا أكون قد بيّنت حال الرجل وعظيم قدره ومنزلته عند أهل البيت عليهم السلام وتوثيقه من قِبلهم ومن قِبل علماء مذهب الإمامية، وتركت إيراد الروايات التي أوردها عن أئمة أهل البيت الذي عاصرهم إلى مكان آخر والسلام.


 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(1) البحراني/ السيد هاشم/ تبصرة الولي/ ص 51/ دار المعارف الإسلامية/ ايران.
(2) الأمين/ السيد محسن/ اعيان الشيعة/ ج5 ص 464/ مطبعة الترقي/ دمشق/ ط1 1936.
(3) الطوسي/ الشيخ محمد بن الحسن/ الغيبة/ ص 282/ ط1/ مطبعة كوهر انديشة/ طهران.
(4) التستري/ الشيخ محمد تقي/ قاموس الرجال/ ج1 ص 291/ ط2/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم ـ ايران.
(5) ن. م/ ص 293 ج1.
(6) الطبري/ اعلام الورى/ ص 453.
(7) البحراني/ السيد هاشم/ تبصرة الولي/ ص 51.
(8) الحلي/ الحسن بن يوسف/ رجال العلامة الحلي/ ص 156 ط2/ 1381/ الحيدرية ـ نجف.
(9) ن. م ص 156.
(10) التستري/ قاموس الرجال/ ج1/ ص 291.
(11) ن. م ص 293 ج1.
(12) التستري/ قاموس الرجال/ ج1 ص 292، الكشي ص 611.
(13) ن.م/ ص 293.
(14) الامين/ السيد محسن/ اعيان الشيعة/ ج5/ ص 465.
(15) تبصرة الولي/ ص 51.
(16) التستري/ قاموس الرجال/ ج1 ص 293.
(17) ن.م ج1/ ص 293، نقلاً عن كتاب من لا يحضره الفقيه للقمي 2/ 42.
(18) الأميني/ السيد محسن/ اعيان الشيعة/ ج5/ ص 464.
(19) رجال العلامة الحلي/ ص 156.
(20) اعلام الورى/ للطبرسي/ ص 156.
(21) تبصرة الولي/ ص 51.
(22) رجال العلامة الحلي/ ص7، الخلاصة ص 62.
(23) الغيبة/ ص 282.
(24) التستري/ قاموس الرجال/ ج1 ص 459 نقلاً عن النجاشي.
(25) رجال العلامة الحلي/ ص 7، الخلاصة ص 62.
(26) تبصرة الولي/ ص 51.

العدد: ٦ / رجب / ١٤٢٧ هـ : ٢٠١٣/٠٨/٠٥ : ٦.٦ K : ٠
: حسن عبد الأمير الظالمي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

لتحميل أعداد المجلة (pdf):