المسار:
العربية » مجلة الانتظار » العدد: ٨ / محرم الحرام / ١٤٢٨ هـ
العدد: 8 / محرم الحرام / 1428 هـ

من أرشيف الصحافة المهدوية / حول المهدي المنتظر بين عالمين

حول المهدي المنتظر
بين عالمين

السيد مرتضى العسكري

من أجل تحفيز الذاكرة الصحفية، وما كان لها من دور في ترسيخ الثقافة المهدوية، فإن (الانتظار) وفاءً منها للجهود الرائعة المبذولة بهذا الصدد تستذكر مجلة(الأضواء) الغراء التي تصدر في النجف الأشرف منذ أواسط القرن العشرين والتي حملت لواء العلم والمعرفة ونشر معارف وعلم أهل البيت، وتنشر ما ورد في العدد3 السنة/2 الصادر في جماى الأولى عام 1381هـ من هذه المجلة عرفاناً وذكرى..
مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام كتب فضيلة الشيخ محمود أبو ريه صاحب كتاب (أضواء على السنة المحمدية) إلى فضيلة السيد مرتضى العسكري، يطلب منه إيضاح عقيدة الإمامية الاثنى عشرية في (المهــدي المنتظــر) بمناسبة عزمــه على إعادة طبع كتابه الآنف الذكر، استدراكاً لبعــض الأخطاء التي وردت في الطبعة الأولى، بعد إيضاح من السيد العسكري. والأضواء إذ تنشر أمثال هذه الأبحاث لا تقصد إلا تعريف المسلمين بعضهم ببعض وليكونوا على صلة تامة من جميع الجهات الفكرية والعقائدية.
أخي العالم: ان العقيدة بالمهدي هي حلقة من سلسلة، وعليه فهي لا تفهم ولا تدرس وحدها. وسأجعل البيان عن ذلك فيما يلي:
ان البشر منذ فجر التاريخ حتى اليوم ينقسمون إلى قسمين: قسم منهم لا يؤمن بما وراء المحسوسات التي يبصرها، ويكفر بالغيب ويرى في جميع ما يرى انها خلقت مصادفة، ثم يذهب في تحليل علل الخلق وبدئه ومنتهاه وراء الظن، وان الظن لا يغني من الحق شيئاً.
وقسم آخر: يؤمن بالغيب، ويؤمن بأن الخلق بدئ به من قبل الخالق مدبر، وان هذا الخالق قد أعطى لكل مخلوق خواصه ومميزاته، وفق حكمة وتدبير. وهؤلاء هم أهل الأديان الذين يؤمنون بالله ويكاد أهل الأديان يجمعون على انتظارهم لمنقذ للبشرية يقيضه الله لاجراء أحكامه بين البشر واحلال السعادة والسلام بينهم.
أما نهاية هذه الحياة وكيفية الحياة الثانية بعد هذه الحياة فليست بواضحة عند كثير منهم.
أما المسلمون فالصورة عندهم واضحة جلية عن نهاية العالم وأمر العالم الثاني بعد هذه الحياة بما ورد عن نبيهم الكريم من أحاديث مستفيضة في وصف الحياة المثالية آخر الدهر قبل يوم القيامة وما يأتي بعدها.مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام
والشيعة الاثنا عشرية بالأخص يعتقدون أن الأرض لم تخل من حجة لله على خلقه ولا تخلو منه كذلك وهو إما أن يكون نبيا يوحى إليه أو من يعين من قبله ليحافظ على شريعته من بعده ويبينها لأمته.
وهم يرون في الأحاديث الاثنى عشرية التي أوردتموها في كتابكم(1) تحت عنوان (الخلفاء الاثنا عشر) بيانا لعدد الأئمة الاثنى عشر الذي يلون أمر الــدين بعــد النبــي فـإن هــذا العــدد لا ينطبـق علــى الراشدين ولا الأمويين ولا غيرهم(2) مضافاً إلى مئات الأحاديث التي يروونها بطرقهم الخاصة عن رسول الله مما فيه التنصيص على ذلك، وثاني عشر هؤلاء الأئمة عندهم المهدي ابن الحسن العسكري المولـــود بسامراء سنة 255هـ والذي يعتقدون فيه أنه لا يزال حياً كحياة نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً بين قومه وكحياة عيسى الذي ما قتلوه ولا صلبوه ولكن شبه لهم بل رفعه الله اليه.
ويستشهد بعضهم بما أثبتته تجارب الدكتور الكس كارل في معهد روكفار بنيويورك والدكتور جاك لوب والدكتور رن لوسي على قطع من أعصاب الإنسان وعضلاته وقلبه وجلده وكليتيه من ان هذه الأجزاء تبقى حية ما دام الغذاء موفوراً لها ولم يعرض لها عارض خارجي وان خلاياها تنمو وتتكاثر وفق ما يقدم لها من غذاء وان لا تأثير للزمن فيها أي أنها لا تشيخ وتضعف بمرور الزمن بل لا يبدو عليها أقل أثراً وشيخوخة بل تنمو وتتكاثر هذه السنة كما كانت تنمو وتتكاثر في السنة الماضية وما قبلها من السنين وتدل الظواهر كلها على أنها ستبقى حية نامية ما دام الباحثون صابرين على مراقبتها وتقديم الغذاء الكافي لها...).(3)
منهم يستشهد بهذا وبغيره وهم يعتقدون بأن المهدي موجود وحي بقدرة الله الذي جعل الطين طيراً لعيسى والنار برداً وسلاماً لإبراهيم والإيمان بوجوده كل هذه المدة دليل على الإيمان بقدرة الله ويعتقدون أنه موجود بين الناس وقد يعايشهم كأحدهم دن أن يشخّصوه.
ومما يذكر من فوائد وجوده أنه اذا احتاج المسلمون إلى بيان رأي خفى فيه وجه الصواب يقوم بإرشاد بعض العلماء إلى صواب الرأي في الأمر.
أما موعد ظهوره فإنهم مجتمعون على أنه من الغيب الذي لا يعرفه إلا الله وان لظهوره علائم منها ما هو حتمي الوقوع وأخرى غير حتمية على ما في الأحاديث وأنه يبدأ ظهوره من مكة على الأشهر ـ وتتكون حملته الأولى من جيش عدده كعدد جيش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بدر وأنه يملأ الأرض عدلاً وأنه يحكم بين الناس بالواقع وان خالف شهادة الشاهدين.
أما سرداب الغيبة الذي قيل عنه في الحلة أو سامراء فلم أسمع بشيعي يقول بغيبة المهدي أو بوجوده فيه أو بخروجه منه(4) ولعل السرداب الموجود في سامراء كان مصلى للإمـــاميـن عــلي الهــادي والحسن العســكري اتخذاه مصلى لهما للعبادة فقد كانوا يتخذون مصلى يعبدون الله فيه ثم بقى كذلك حتى اليوم.هذا بعض ما حضرني الآن عصر الجمعة 2/ ع2/ 81هـ وأسأل الله أن يمن على المسلمين بجمع كلمتهم ويحسن لنا ولكم العاقبة والسلام عليك من مرتضى العسكري.
مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلامتتمة:
أخرج كل من أبي داوود في كتاب المهدي من سننه ج2/ 210 عن أبي الطفيل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
(لو لم يبق من الدهر إلا يوم يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً).
والترمذي في باب ما جاء في المهدي ج9/ 74 عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تذهب الدنيا حتى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي).
والحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه ج4/ 557 عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدوانا).
ثم قال الحاكم، صحيح على شرطهما ـ أي البخاري ومسلم ـ ولم يخرجاه ووافقه الذهبي على ذلك.
وأخرج هذا الحديث أبو داود في سننه ج 2/ 211 وأحمد في مسنده ج3/ 17 و26 وفي 37 و52 مفصلاً وأخرج ابن ماجة في سننه باب خروج المهدي من كتاب الفتن الحديث 4085 عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة).
وأخرج كل من أبي داود في ج2/ 211 من سننه وابن ماجة الحديث 4086 من سننه والحاكم في ج4/ 557 من مستدركه والذهبي في تلخيصه عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة).



الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) جاءت أحاديث كثيرة تنبئ أن الخلفاء سيكونون اثني عشر خليفة. وقد اخرجها كل من البخاري في كتاب الأحكام من صحيحه ج4/ 15 ط. مصر سنة 1327.
ومسلم في كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش من صحيحه ج6/ 3 ـ 4ط. مصر سنة 1334.
والطيالسي الحديث 767 و1278 من مسنده ط. حيدر آباد: وأبو داوود في كتاب المهدي من سننه ج 2/ 210 ط لكهنو.
وأحمد في مسنده ط. الأولى ج1/ 398 ـ 406 عن ابن مسعود، وفي ج 5/ 86 ـ 90 ـ 100 و106 ـ 108 عن جابر بن سمرة.
(2) قال النووي أبو زكريا يحيى بن شرف الشافعي المتوفى سنة 686هـ في شرحه هذه الأحاديث من صحيح مسلم ج6/ 3ط. محمد علي صبيح بمصر: (وقد تردد العلماء في المعنى المراد بهذا فقالوا يحتمل أن يكون المراد بالاثنى عشر مستحقوا الخلافة من أئمة العدل ويحتمل أن يكون المراد اجتماعهم في زمن واحد يفترق الناس عليهم!..).
وقال أبو بكر محمد بن عبد الله المالكي المتوفى سنة 543هـ والمشهور بابن العربي في شرحه هذه الأحاديث من صحيح الترمذي ج9/ 68ط. المصرية الأولى.
(وروى أبو عيسى ـ أي الترمذي ـ عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يكون بعدي اثنى عشر أميراً أبدا كلهم من قريش صحيح فعددنا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنى عشر أميراً فوجدنا أبا بكر، عمر، عثمان، علي، الحسن، معاوية، يزيد بن معاوية، معاوية بن يزيد، مروان، عبد الملك بن مروان، سليمان...).
ثم ذكر الخلفاء الأمويين والعباسيين إلى عصره ثم قال: (وإذا عددنا اثنى عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان بن عبد الملك وإذا عددناهم بالمعنى كان معنا منهم خمسة: الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز ولم أعلم للحديث معنى ولعله بعض حديث وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كلهم من قريش).
(3) راجع مجلة المقتطف السنة 59 ج3/ ص 238 ـ 240.
(4) وقد صرح بقريب من ذلك اثنان من كبار علماء الشيعة على ما أتذكر الحاج السيد صدر الدين وقبله الحاج مرزا حسين المحدث النوري.

العدد: ٨ / محرم الحرام / ١٤٢٨ هـ : ٢٠١٣/٠٩/١٤ : ٥.٩ K : ٠
: السيد مرتضى العسكري
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

مقال مختار:
لتحميل أعداد المجلة (pdf):