المسار:
العربية » مجلة الانتظار » العدد: ١٢ / محرم الحرام / ١٤٢٩ هـ
العدد: 12 / محرم الحرام / 1429 هـ

دراسات / الإمام المهدي الموعود والقرآن الكريم

 

الإمام المهدي الموعود والقرآن الكريم

الباحثة: سهام جودة لفتة

معهد العقيلة زينب للدراسات الإسلامية

مع ان القرآن الكريم هو معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الخالدة المتجددة في كل عصر وجيل، فإن من معجزاته المتجددة أيضا ما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم عن مستقبل الحياة ومسيرة الإسلام فيها إلى ان يجيء عصره الموعود فيظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون.

يبدو بالنظرة الأولى ان تطهير الارض من الظلم والقضاء نهائياً على الطواغيت  والظالمين أمر غير ممكن فقد تعودت الارض على أنين المظلومين وآهاتهم حتى لا يبدو لأستغاثتهم مجيب وتعودت على وجود الظالمين. حتى لا يخلو منهم عصر من العصور. فهم كالشجرة الخبيثة المستحكمة الجذور ما أن تُقلع منهم واحدة حتى تنبت عشر وما ان يقضى عليهم في جيل حتى يفرقوا أفواجا في أجيال.

ولكن الله تعالى الذي قضت حكمته ان يقيم حياة الناس على قانون صراع الحق مع الباطل والخير مع الشر قد جعل لكل شيء حداً، ولكل أجل كتاب وللظلم على الارض نهاية.

جاء في تفسير قوله تعالى:((يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالأَْقْدامِ)).

عن الإمام الصادق عليه السلام قال (الله يعرفهم) ولكن نزلت في القائم يعرفهم بسيماهم فيذبحهم بالسيف هو وأصحابه خبطاً.(1)

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال (فليخرجن الله بغتة برجل منا أهل البيت، بأبي ابن خيرة الأحياء لا يعطيهم إلاّ السيف، هرجا مرجا _أي قتلا قتلا_ موضوعا على عاتقه ثمانية أشهر).(2)

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سارَ في أمته باللين والمن وكان يتآلف الناس، والقائم يسير بالقتل ولا يستتيب أحدا. بذلك أمر في الكتاب الذي معه ويلٌ لمن ناواه).(3)

والكتاب الذي معه هو العهد المعهود له من جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما سنته من جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله تعالى وأعداء رسوله. والجبارين والطواغيت وأنه ينصر بالسيف والرعب وأنه لا ترد له راية).(4)

وقد يرى البعض في سياسة القتل والابادة للظالمين التي يعتمدها الإمام المهدي عليه السلام قسوة واسرافاً في القتل ولكنها في الواقع عملية جراحية ضرورية لتطهير مجتمع المسلمين ومجتمعات العالم من الطغاة والظالمين، وبدونها لا يمكن انهاء الظلم وإقامة العدل ولا القضاء على اسباب المؤامرات الجديدة التي سيقوم بها بقاياهم فيما لو استعمل الإمام معهم سياسة اللين والعفو. فالظالمون في مجتمعات العالم كالغصون اليابسة في الشجرة، بل كالغدة السرطانية التي لابد من استئصالها من أجل نجاة المريض مهما كلف الامر.

والامر الذي يوجب الاطمئنان عند المترددين في هذه السياسة أنها بعهد معهود من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وان الله تعالى يعطي الإمام المهدي عليه السلام العلم بالناس وشخصياتهم. فهو ينظر إلى الشخص بنور الله تعالى فيعرف ما هو وراءه.

ولا يخشى ان يقتل أحدا من الذين يؤمل اهتداؤهم وصلاحهم، كما اخبر الله تعالى عن قتل الخضر عليه السلام للغلام في قصته مع موسى عليه السلام حتى لا يرهق أبويه طغياناً وكفراً. بل تدل الأحاديث على ان الخضر عليه السلام يظهر مع الإمام المهدي عليه السلام ويكون من أعوانه ويبدو انه يستعمل علمه اللدني، وهذا ما يدل عليه من خلال الآية القرآنية: ((آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)).(5) في تنمية بذور الخير ودفع الشر عن المؤمنين. والقضاء على الفساد والشر.

جاء في تفسير قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)).(6)

قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: (اظهر ذلك بعد؟ قال: كلا والذي نفسي بيده، حتى لا تبقى قرية إلاّ ونودي فيها بشهادة أن لا إله إلاّ الله وان محمدا رسول الله بكرة وعشياً).(7)

وعن ابن عباس قال (حتى لا يبقي يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلاّ صار إلى الاسلام وحتى ترفع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير وهو قوله تعالى ((لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) وذلك عند قيام القائم عليه السلام (8) ومعنى ترفع الجزية أي لا يقبل من أهل الكتاب إلاّ الإسلام.

وجاء أيضا عن تفسير هذه الآية الشريفة عن الإمام الصادق عليه السلام عندما سأله أبو بصير عن تأويل ذلك فقال عليه السلام: (والله ما نزل تأويلها بعد. قلت: جعلت فداك ومتى ينزل تأويلها؟ قال: حتى يقوم القائم ان شاء الله تعالى فإذا خرج القائم لم يبق كافر ولا مشرك إلاّ كره خروجه حتى لو ان كافرا أو مشركا في بطن الصخرة لقالت يا مؤمن في بطني كافر أو مشرك فاقتله فيجيؤه فيقتله).

وعن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير هذه الآية قال عليه السلام: (يكون ان لا يبقى احد إلاّ أقر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم).(9)

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال سئل أبي عليه السلام عن قوله تعالى: ((وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)) ((حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)) فقال: (لم يجيء تأويل هذه الآية، ولو قام قائمنا بعد سيرى من يدركه ما يكون تأويل هذه الآية ويبلغن دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على وجه الارض كما قال الله تعالى).(10)

وجاء في تفسير قوله تعالى: ((إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ))، قال الإمام الباقر عليه السلام: (عند خروج القائم عليه السلام).(11)

وفي تفسير قوله تعالى ((سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآْفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)).(12)

عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يريهم في أنفسهم المسخ، ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله في أنفسهم وفي الآفاق وقوله ((حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)) يعني خروج القائم هو الحق من الله عز وجل يراه هذا الخلق لابد منه).(13)

وقد ورد في الاحاديث بأن بعض الكافرين والمنافقين من أعداء المهدي عليه السلام يمسخون فجأة قردة وخنازير. وأن معنى انتقاض الآفاق عليهم اضطراب بلدانهم وخروج شعوبهم من تحت سلطتهم وانتقاض آفاق السماء بآيات تظهر لهم.

وجاء في تفسير قوله تعالى: ((وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً)).(14)

عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: (نزلت في القائم إذا خرج أمر باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الارض وغربها فعرض عليهم الإسلام فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويوجب الله عليه ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب إلاّ من وحّد الله تعالى قلت جعلت فداك ان الخلق أكثر من ذلك فقال: ان الله إذا أراد أمراً قلل الكثير وكثر القليل).(15)

وما يعطاه المهدي عليه السلام في الآيات ووسائل الاتصال والسيطرة على العالم هو تكثير القليل.

وجاء في تفسير قوله تعالى: ((قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)).(16)

قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: (نزلت في الإمام فقال: ان اصبح إمامكم غائبا فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والارض وبحلال الله وبحرامه).(17)

الخاتمة

يمكن الاستدلال من خلال الآيات الشريفة المفسرة بظهور الإمام المهدي عليه السلام والاحاديث الشريفة المشيرة إليه، على ان مهمته ربانية ضخمة متعددة الجوانب جليلة الاهداف فهي عملية تفسير شامل للحياة الانسانية على وجه الارض وإقامة فصل جديد منها بكل معنى الكلمة.

ولو لم يكن من مهمته عليه السلام إلاّ بعث الإسلام من جديد وإقامة حضارته الربانية العادلة وتعميم نوره على العالم لكفى، ولكنها مع ذلك مهمة تطوير الحياة البشرية تطويراً مادياً كبيراً بحيث لا تقاس نعمة الحياة في عصره والعصور التي بعده عليه السلام بالحياة في المراحل السابقة مهما كانت متقدمة ومتطورة.

 

 


الهوامش:


(1) الغيبة للنعماني ص 137.

(2) شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 178.

(3) غيبة النعماني ص 121.

(4) البحار ج 51 ص 218.

(5) الكهف: 65.

(6) التوبة: 330.

(7) المحجة للبحراني ص 86.

(8) المحجة للبحراني ص 97.

(9) تفسير العياشي ج 2 ص 87.

(10) تفسير العياشي ج 2 ص 56.

(11) روضة الكافة ص 287.

(12) السجدة: 53.

(13) غيبة النعماني: ص 143.

(14) آل عمران 83.

(15) تفسير العياشي ج 1 ص 183.

(16) الملك: 30.

(17) غيبة الطوسي: ص 158.

العدد: ١٢ / محرم الحرام / ١٤٢٩ هـ : ٢٠١٣/٠٩/٢٦ : ١٢.٢ K : ٠
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

لتحميل أعداد المجلة (pdf):