دراسات / موقف الائمة عليهم السلام من الادعياء
موقف الأئمة عليهم السلام من الأدعياء
مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام
قسم التأليف والنشر
كثيرٌ هم ادعوا غير مقاماتهم وأطلقوا على أنفسهم أوصافاً ليسوا هم من أهلها، وكثيرٌ هم صدقوهم على هذه الدعوات، بل كثيرٌ هم تصدوا لهم وفضحوا مدعياتهم، وهكذا هي سلسلة الادعاءات التي ظهرت في وقت الأئمة عليهم السلام، إلا أن هذه المدعيات قويت موجتها في عصر الغيبة الصغرى أي وقت ظهور سفراء الإمام المهدي عليه السلام.
لا يهمنا أمر هؤلاء كثر أم قل، ولكن الذي يهمنا في هذا المجال هو كيفية تصدي الأئمة عليهم السلام لهذا النوع من المدعيات، وبمعنى آخر إن الأئمة عليهم السلام أسسوا لنا قواعد التصدي لمثل هذه الأزمات والوقوف حيالها بكل ثبات ووضوح، فمن تلك القواعد ما يلي:
أولاً: محاولة الأئمة عليهم السلام توضيح ما يختلط على الناس من تدجيل هؤلاء المدعين والتأكيد على بيان ما هو الصحيح، فمثلاً حينما يصل خبر أبي الخطاب إلى الإمام الصادق عليه السلام ودعواه ربوبية الإمام الصادق –والعياذ بالله- وانه مرسل من قبل الإمام، قال الإمام الصادق عليه السلام بعد أن أرسل دمعته من عينيه لعظم مقالة أبي الخطاب: يا رب برئت إليك مما ادعى فيّ الأجدع عبد بني أسد، خشع لك شعري وبشري، عبدٌ لك ابن عبد لك خاضع ذليل، ثم أطرق ساعة في الأرض كأنه يناجي شيئاً ثم رفع رأسه وهو يقول: اجل اجل عبدٌ خاضع خاشع ذليل لربه صاغر راغم من ربّه خائف وجل، لي والله ربٌ أعبده لا أشرك به شيئاً، ماله أخزاه الله وأرعبه ولا آمن روعته يوم القيامة.. إلى آخر كلامه عليه السلام ، حيث أوضح الإمام عليه السلام حقيقة الأمر وأن أبا الخطاب رجلٌ ضال ومضل، أراد بهذا أن يستحوذ على عقائد السذج ويستغل غفلتهم ليصل إلى مآربه الشريرة.
إذن فالقاعدة الأولى هو بث الوعي لدى الناس وبيان الحقائق وإبطال شبهات المدعين وتعميق الوعي بمعرفة الإمامة والإمام، فضلاً عن الحقائق الأخرى.
ثانياً: الحث على مقاطعة المدعين بكل أشكال المقاطعة، فضلاً عن كل من يقول بمقالتهم لئلا تتفشى أفكارهم وتسود دعواتهم بين الناس، إضافةً إلى أن المقاطعة لهم تعني رفضه وإنكاره لهذا العمل وهو أقل مراتب إنكار المنكر كما ورد في الحديث الشريف في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (.... وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وستؤدي المقاطعة إلى شعور المدعي أو المنتمي لهذه الدعاوى الباطلة برفض المجتمع له وكونه عنصراً غير مقبول، وإنساناً غير محترم لا يستحق التقدير، فقد ورد عن الإمام المهدي عليه السلام) في العبرتائي قوله لشيعته: احذروا الصوفي المتصنع، وأمر الحسين بن روح مقاطعة الشلمغاني بقوله إلى بنت العمري التي نقلت أخبار المرأة التي تعتقد بالشلمغاني: يا بنية: إياكِ أن تمضي إلى هذه المرأة بعد ما جاء منها.. ولا تلقيها بعد قولها.
ثالثاً: اعتمد الأئمة عليهم السلام وخصوصاً الإمام المهدي عليه السلام أسلوب التبرئ واللعن من أولئك المدعين فلم يهادن فيهم أبداً، ولم يتوقف في حث شيعته بإظهار اللعن عليهم والبراءة منهم ولعن من يعتقد بقولهم، وهو أهم الأساليب المعتمدة لدى الإمام المهدي عليه السلام في محاربة هؤلاء المدعين.
نماذج من رسائل الإمام المهدي عليه السلام في لعن المدعين للسفارة كذباً:
1) محمد بن نصير النميري الفهري:
ادعى السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام ، وكان قبل ذلك ادعاها عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام كذباً فخرج توقيع عن الإمام العسكري عليه السلام فيه: ابرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي، فابرأ منهما فاني محذرك وجميع موالي، وإني ألعنهما، عليهما لعنة الله مستأكلين يتأكلان بنا الناس، فتانين مؤذيين، آذاهما الله، وأركسهما في الفتنة ركساً.....
2) احمد بن هلال العبرتائي:
في توقيع عن الإمام المهدي عليه السلام طويل قال في آخره ((... ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال، لا رحمه الله ولا ممن لا يبرأ منه))، وحينما سأله القاسم بن العلا عن أمر أحمد بن هلال وانه كان صالحاً فكيف تلعنه؟ ورد التوقيع من الإمام عليه السلام ((لا شكر الله قدره، لم يدع المرزءة بان لا يزيغ قلبه بعد ان هداه، وأن يجعل ما منّ به عليه مستقراً ولا يجعله مستودعاً، وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان –لعنه الله- وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولم يمهله، والحمد لله لا شريك له وصلى الله على محمد وآله وسلم.
وفي توقيع شديد اللهجة للقاسم بن العلا الموجه إليه التوقيع السابق قال فيه:
(قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنع ابن هلال –لا رحمه الله- بما قد علمت، ولم يزل –لا غفر الله ذنبه ولا أقال عثرته- يدخل في أمرنا بلا إذن منا ولا رضى. يستبد برأيه يتحامى ديوننا، لا يمضي من أمرنا إياه إلا بما يهواه ويريده، أرداه الله في ذلك في نار جهنم فصبرنا عليه حتى بتر الله بدعوتنا عمره، وكنا قد عرّفنا خبره قوماً من موالينا في أيامه -لا رحمه الله- وأمرنا بإلقاء ذلك إلى الخاص من موالينا، ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال، لا رحمه الله ولا ممن لا يبرأ منه.
وأعلم الاسحاقي (ولعله أحمد بن اسحق القمي) سلمه الله وأهل بيته بما أعلمناك من حال هذا الفاجر، وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده والخارجين، ومن كان يستحق أن يطلع على ذلك، فانه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما روى عنا ثقاتنا، قد علموا بأننا نفاوضهم بسرنا ونحمله إياه إليهم، وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء الله تعالى.
3) الشلمغاني:
أحد مدعي السفارة وخرج التوقيع عن الإمام المهدي عليه السلام إلى الحسين بن روح بلعنه والبراءة منه وهذا نصه:
(عرّفك الله الخير، أطال الله بقاءك، وعرفك الخير كله، وختم به عملك، من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من اخواننا أسعدكم الله جميعاً بأن محمد بن علي الشلمغاني ممّن عجّل الله له النقمة ولا أمهله قد ارتد عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله وادعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى وافترى كذباً وزوراً وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً، واننا قد برئنا إلى الله تعالى والى رسوله وآله صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم منه، ولعناه عليه لعائن الله تترى في الظاهر منا والباطن، في السر والجهر، وفي كل وقت وعلى كل حال، وعلى من شايعه وتابعه أو بلغه هذا القول منا وأقام على توليه بعده).
من هنا لا بد أن نعرف من هذه التوقيعات الخارجة عن الإمام المهدي عليه السلام موقفنا نحن –شيعة الإمام وأتباعه- في كيفية التعامل مع هذه الحركات الضالة والأشخاص المدعين للسفارة الكاذبة، وذلك على ضوء موقف الإمام المهدي عليه السلام منها:
أولاً: ان موقف الإمام المهدي عليه السلام وكذلك الأئمة المعصومين من قبل مبنية على التصدي لهذه المدعيات الباطلة من دون تردد ولا مداهنة ولا تراخي ولا استسلام، بل بدون أي تباطؤ في هذا الشأن من حيث الملاحقة والمتابعة لآثار هذه الحركات الضالة وفضحها وبيان زيفها وكذب وضلال مدعيها.
ثانياً: حث الأئمة عليهم السلام شيعتهم بالبراءة من هؤلاء الضالين المضلين، ومن ثم لعنهم بأشد اللعائن وأغلظ الأساليب، طالباً الإمام عليه السلام من شيعته لعنهم والبراءة منهم.
ثالثاً: يستفاد من براءة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه من هؤلاء المدعين، ان من يتردد من شيعته وأتباعه في لعنهم فهو ملعون تشمله كلمة اللعن والعذاب.
رابعاً: ان أسلوب التشديد في التصدي لهؤلاء المدعين يكشف عن خطورة هذه الدعاوى على الإسلام وعلى حركة الإمام المهدي عليه السلام ، بل يكشف كذلك عداء هذه الحركات المهدوية لشخص الإمام فضلاً عن قضيته المقدسة.
خامساً: ان مدعي السفارة الباطلة مفترٍ على الإمام المهدي عليه السلام بل على الله كذلك فهو مستحق لأقسى أنواع العذاب والانتقام واللعن الذي يلعنه الإمام عليه هو مظهر من مظاهر الغضب الربوبي والانتقام الإلهي.
هذه بعض إجراءات الإمام المهدي عليه السلام في تصديه لهؤلاء المدعين، ولا بد أن نقتفي أثره الشريف في التصدي لأية دعوة كاذبة وأن لا نتهاون قيد أنملة حيال هؤلاء المعتدين على حرمات الله وحرمات رسوله.
ان نصرة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه تتمثل في الوقوف بوجه هذه الأضاليل والمدعيات التي من شأنها أن تقوّض ما بناه النبي وأئمة آل البيت عليهم السلام دون الركون إلى السكوت أو اتخاذ موقف المتفرج فان عدم إبداء الإنكار على هؤلاء لا يعني إلا موافقتهم أو على أقل تقدير عدم الاهتمام بآلام الإمام المهدي عليه السلام التي يسببها هؤلاء الضالون.
إن آلام الإمام المهدي عليه السلام تتزايد بتزايد الادعاء الباطل عليه، ونحن في غيبته لا بد لنا من موقفٍ جاد اتجاه هذه الدعاوى لنثبت صدق اتباعنا للإمام عليه السلام وطاعتنا له، فالسكوت أو التفرج على هؤلاء يزيد من تماديهم وغيهم وضلالهم، وما هذه الرسائل التي بعثها الإمام عليه السلام إلى شيعته يأمرهم باللعن والتبري من هؤلاء المدعين إلا رسائل تشمل شيعته الآن يخاطبون بها كذلك، ونحن إذ نجدد عهدنا وولاءنا للإمام المهدي عليه السلام بالتصدي والتبري من هؤلاء، فلا بد لنا أن نعمل على نشر ثقافة الإمام ومعرفته ومتابعة أخباره فان ذلك جزء من نصرتنا للأمام عليه السلام في غيبته المباركة وتخفيفٌ من آلامه التي تزيدها دعوات الافتراء الكاذب والعمل الضال، فمن ينصر الإمام؟ من ينصر الإمام؟