دراسات / حقيقة التوفي للإمام المهدي عليه السلام
حقيقة التوفي للإمام المهدي عليه السلام
الشيخ حميد عبد الزهرة/ مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
أثارني موضوع دور المرأة في عصر الظهور وهو يتكلم في آخره عن (خرافات) ان مقتل الإمام المهدي عليه السلام على يد امرأة.
البحث حول مفردة موت الإمام عليه السلام يتمحور بمحورين أساسيين:
المحور الأول: فيما إذا نظرنا إلى الإمام من منظار كونه إماماً معصوماً صاحب علم لدني ,خليفة لله في أرضه يعلم بصغير الأمور وكبيرها,ذلك مما أتاه الله تعالى من علم الكتاب.
المحور الثاني: وبما يملك هذا القائد من إمكانات طبيعية على مستواها العسكري والتقني والأمني وما إلى ذلك.
والمسالة المراد الحديث عنها ولنسمها مقولة (حقيقة التوفي للإمام المهدي عليه السلام).
وقبل أن نسترسل في الحديث ونقف على مفاصله الرئيسية وتفريعاته نلفت النظر أن البحث في هذه المقولة له تشعبات طويلة وتداخلات في مسائل مهمة ومفصلية، لذلك سوف تكون بناءات النتائج على بعض الأقوال دون بعضها الآخر, ومن بين هذه المسائل المرتبطة بهذه المقولة:
أ- الرجعة: ما هي حقيقتها؟ وهل يوجد فيها تكليف أم لا؟ وهل هي ذات خصوصيات تختلف عن عالم الدنيا أم هي بعينها؟ وهل ظهور الإمام مقرون بها أي بمجرد ظهوره المبارك تحصل الرجعة ولو على نحو مخفف أم أنها تبدأ بعد وفاته عليه السلام؟
فعلى بعض أقوال الرجعة يمكن القول باختلاف نتيجة البحث في هذه المقولة، لذلك قلنا بارتباط هذه المقولة بهذه المسألة (بل ولعل هذه المقولة ترتبط بمسألة أخرى وهي: ما حقيقة الامتلاء للأرض وهل يعني المدينة الفاضلة وانعدام الضلال والظلم حتى تكون له مدخلية في هذه المقولة).
ب- مسألة علم الإمام: ما هي حقيقة هذا العلم؟ وما هي موارده وروافده؟ وهل يعلم بالجزئي أم لا؟ وهل يعلم بالموضوعات أم لا؟ وغيرها من تفرعات مسألة علم الإمام عليه السلام.
وكلتا هاتين المسألتين بحثتا في طيات كتب العلماء وفيهما أقوال، إذا دخلنا في ذلك خرجنا عن الرسم المراد به بيان المقولة أعلاه (حقيقة التوفي للإمام المهدي عليه السلام).
لذلك نبهنا على ذلك.
تمهيد:
يدور هذا التمهيد عن عصر الإمام المهدي والأحوال الاجتماعية والدينية في دولته,والذي ينبغي أن تعد له دراسات مفصلة جزى الله الباحثين ـ الذين قدموا بعض التصورات عن ذلك العصر الذهبي_ كل خير عن الإسلام والمسلمين.
فلابد من دراسة مستوفاة ومتسقة من المصادر التي يمكن الاعتماد عليها تكشف عن الحالة الاجتماعية والحالة الدينية فضلاً عن غيرها في زمن دولة الإمام المهدي عليه السلام والذي يظهر من أجواء جملة من الروايات إن هناك تطوراً اجتماعياً هائلاً وتطوراً دينياً كبيراً سينعكس على المجتمع بشكل كبير.
ويستفاد من هذه الرؤية استبعاد تعرض الإمام لحادث اغتيال من امرأة (هذا إذا نظرنا لرواية ذات اللحية الآتية,أما إذا نظرنا لعمومات (ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم) فالبحث كذلك يجري بعينه والنتائج هي هي) وذلك لأننا إذا نظرنا للإمام عليه السلام حسب الظروف الطبيعية فهو القائد العام والرئيس الفعلي لجميع الأقطار والدول على وجه الأرض فلابد وأن يكون ما به يؤمن نفسه الشريفة من الغدر والغيلة, ومعه يكون اغتياله أمراً مستبعداً، إذ أن الإمكانات الطبيعية العسكرية منها والاستخباراتية عند الإمام مؤهلة لكشف وتطويق أي عمل من شانه النيل من الإمام وتصفيته جسديا، وشاهد هذا الأمر وجداني لمكان هذه الإمكانات في الكشف عن المؤامرة ووأدها.
واما إذا نظرنا بحسب المنظار الواقعي الإلهي فان الإمام عليه السلام صاحب العلم اللدني العالم بدقائق الأمور فلابد أن يكون على علم بما يحاك ضده وضد دولته، وحسب المصلحة سيتوجه الإمام تلقائيا لدفع ذلك الخطر المعلوم لديه (إلاّ أن نقول إن إرادة الله تعالى اقتضت أن يقتل الإمام كما حصل لآبائه الطاهرين، فرغم علمهم بزمان ومكان قتلهم فإنهم يتوجهون نحو ذلك المكان ويحضرون في ذلك الزمان بل ويعرفون القاتل).
فلهذا نستبعد أن يتعرض الإمام لحادث اغتيال.
هذا من جهة عامة، و أما من جهة الحكاية المنقولة عن إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب للشيخ علي اليزدي الحائري في ج 2 - ص 144 والتي يقول فيها:
فاكهة: ملخص الاعتقاد في الغيبة والظهور ورجعة الأئمة لبعض العلماء، ومما ينبغي اعتقاد رجعة محمد وأهل بيته: إذا كانت السنة التي يظهر فيها قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن يقول حتى يستقيم له الأمر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويستقر في الكوفة، ويكون مسكن أهله مسجد السهلة، ومحل قضائه مسجد الكوفة، ومدة ملكه سبع سنين يطوّل الأيام والليالي حتى تكون السنة بقدر عشر سنين، لأن الله سبحانه يأمر الفلك باللبوث فتكون مدة ملكه سبعين سنة من هذه السنين، فإذا مضى منها تسع وخمسون سنة خرج الحسين عليه السلام في أنصاره الاثنين والسبعين الذين استشهدوا معه في كربلاء وملائكة النصر والشعث الغبر الذين عند قبره، فإذا تمت السبعون السنة أتى الحجة الموت فتقتله امرأة من بني تميم اسمها سعيدة ولها لحية كلحية الرجل بجاون صخر من فوق سطح وهو متجاوز في الطريق، فإذا مات تولى تجهيزه الحسين عليه السلام ثم يقوم بالأمر...الخ الحكاية.
فإذا أردنا التأمل والتدقيق في هذه الحكاية نجد إنها لا تنسجم مع الأجواء التي ذكرناها آنفاً من حيث هيئة المرأة فمرأة ذات لحية كلحية الرجل أمر مستبعد جداً، إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما سيحصل من انتشار للدين في ظل الظهور المبارك، فمن المستبعد أن تكون هناك امرأة متشبهة بالرجال إذ ان الإمام سيقضي على هذه الحالة، وكذلك من المستبعد أن تكون هناك امرأة ذات لحية طبيعية كلحية الرجل، أما لو فرض أن لها لحية اصطناعية تتخفى تحتها بهدف قتل الإمام فنقول لا مبرر لذلك إذ من الممكن أن تدبر عملية اغتيال الإمام دون أن تلجأ إلى هذه العملية المفتضحة بسبب ما ذكر في الكتب ومعرفة من يحيط بالإمام بهكذا مخطط سلفاً، خصوصاً إذا فرضنا أن الجهاز الاستخباراتي والحكومي للإمام المهدي سيكون من أرقى الأجهزة الاستخباراتية والتنظيمية في العالم، فمن المستبعد أن يخفى عليهم أمر هكذا عملية أما إذا نظرنا للإمام بالمنظار الواقعي الإلهي فيكون الأمر أشكل وأبعد.
أما إذا نظرنا إلى الحكاية من جهة الآلات المستخدمة فيها فهي آلات بدائية، وجو الحكاية لا يصلح لأن يكون كناية عن سلاح عسكري متطور يلقى على الإمام من الجو باعتبار أن سلاح الجو تحت إمرة الإمام، وحسب الفرض لا يوجد له أعداء في دولة أخرى كي يقوموا باختراق المجال الجوي لدولته وتنفيذ عملية الاغتيال.
أما إذا نظرنا إلى الحكاية من جهة سندها (وهو الأمر المهم في هذه الحكاية) فهي في الحقيقة ليست رواية بل حكاية كما ذكرنا نقلها الشيخ علي اليزدي الحائري بعنوان فاكهة في رجعة الأئمة لبعض العلماء, وهذا المقدار لا يكفي للاستشهاد التاريخي فضلاً عن الاحتجاج به تاريخياً، فما بالك بمسألة يترتب عليها أمر اعتقادي!.
هذا إذا أقصرنا النظر على حكاية الشيخ صاحب كتاب إلزام الناصب والوحيدة في بابها.
أما إذا تعدينا ذلك وجعلنا محل نظرنا العمومات (وهي أم الباب في هذه المقولة وأمر ذو بال ويحسن فيه إبراز الاحتمال وتحقيق الحال) التي ذكرت أن أهل البيت عليهم السلام ما منهم إلا مقتول مسموم أو شهيد، وهذه الروايات ذكرت بألسنة متعددة وفي مصادر كثيرة بمجموعها يمكن الاطمئنان إلى صدورها عنهم عليهم السلام، فقد ذكر الشيخ الصدوق في الامالي عن الرضا عليه السلام قوله (والله ما منا إلا مقتول شهيد) وذكر كذلك هذه الرواية نفس الشيخ فيمن لا يحضره الفقيه، وذكرها أيضاً عن غير الرضا عليه السلام من الأئمة وعنه عليه السلام كل من الخزاز القمي في كفاية الأثر والحر العاملي في وسائل الشيعة والمجلسي في بحار الأنوار والشاهرودي في مستدرك سفينة البحار وغيرهم، وبمجموع طرق الروايات يمكن الاطمئنان بصدورها.
هذا من جهة تحقيق الحال في صدور روايات عموم ما منا الا شهيد او مسموم.
أما من جهة متونها ومدلولاتها فإنها صريحة في عموم كون الأئمة عليهم السلام لا يموتون حتف أنفهم بل ما منهم إلا مقتول شهيد أو مسموم شهيد، وهذا العموم أو الإطلاق يشمل الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إذ لم يرد فيه تخصيص أو تقييد إلا أن يدعى عدم ثبوت العموم أو الإطلاق من جهة عدم استظهار ذلك أو يدعى عدم ثبوت تلك الروايات سندا، أما إذا استثنينا من لا يقول بالعموم أو الإطلاق ننتهي إلى أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يموت مقتولاً أو مسموماً، ولكن تواجهنا مشكلة أخرى حاصلها إن الأجواء التي ذكرناها كمقدمة أو تمهيد لا تنسجم والنتيجة التي انتهينا إليها من خلال هذا العموم إذ يلزم على نتيجة هذا العموم اللوازم التي ذكرناها في حكاية ذات اللحية من استبعاد تعرض الإمام لمحاولة الاغتيال سواء بمنظار كونه الإمام أو بمنظار كونه الحاكم والرئيس وما يمكن أن يجاب به هنا (من تدخل الإرادة الإلهية,والذي تمت الإشارة إليه سلفا) يمكن أن يجاب به هناك ما خلا ثبوت الحكاية(أي يبقى إشكال عدم ثبوت الحكاية قائم حتى لو تمت الإجابة على ما أثير).
وعليه فالنتيجة التي ننتهي إليها اعتماداً على عموم أو إطلاق ما منا إلا مقتول أو شهيد أن الإمام المهدي عليه السلام لا يموت حتف انفه بل يموت شهيداً أو مسموما، ويمكن أن نعضد هذه النتيجة بما يذهب إليه البعض من أن البنية الجسدية للائمة عليهم السلام لا يمكن أن تطرأ عليها عوامل الموت الطبيعي، أما لروايات الطينة(التي تنص على أن أبدان الأئمة غير أبدان الناس) أو لغيرها مما يعتقده البعض في حقيقة الأجسام النورية لأهل البيت عليهم السلام، وبالتالي لابد من افتراض عارض(وهذا العارض إما أن يكون القتل أو السم) يحدث يكون سبباً في وفاة الأئمة عليهم السلام، أما لو تركوا دونما عارض يحول دون ديموميتهم فيرى البعض أنهم خالدون، هذا لا يعني عدم الالتزام بعموم آية cوَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَd فإننا نلتزم أن ما يطرأ على الأئمة من صفات هي بفيض الله تعالى عليهم، والمقام فيه تفصيل الخوض فيه يخرجنا عن محل البحث, المهم الذي نريد أن نصل إليه أن الإمام بحسب طبيعته التكوينية ودون وجود عارض لا يأتيه الموت، هذا ما يذهب إليه البعض, أما من جهة عالم الثبوت والواقع فقد ثبت توفي الله تعالى وإماتته للائمة عليهم السلام بأحد طريقين (القتل أو السم على يد الظلمة) وفي خصوص الإمام المهدي عليه السلام فقد دلت الأدلة على انه يموت, وهذا ثابت جزما, ولكن وقع الكلام في نوع الإماتة هل بالتوفي حتف الأنف أم بالقتل والسم وقد رجحنا بحسب البيان السابق الثاني.
هذا ولكن قد يقال:
هذا وقد ذكرت بعض الروايات أن الإمام المهدي عليه السلام يموت ويلي أمره الحسين عليه السلام دونما ذكر لسبب موته وهذه الروايات تقف بالحياد بين من يذهب إلى موته مقتولاً أو مسموماً وبين موته حتف أنفه, ومن هذه الروايات ما رواها المجلسي في بحار الأنوار عن تفسير العياشي حيث قال: (فإذا استقر عند المؤمنين انه الحسين لا يشكون فيه وبلغ عن الحسين الحجة القائم بين أظهر الناس وصدقه المؤمنون بذلك جاء الحجة الموت فيكون الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه وإيلاجه حفرته الحسين ولا يلي الوصي، إلا الوصي وزاد إبراهيم في حديثه ثم يملكهم الحسين حتى يقع حاجباه على عينيه.
النتيجة النهائية:
الذي نذهب إليه تبعاً لروايات أهل البيت عليهم السلام أن الإمام المهدي عليه السلام يموت مقتولاً لصراحة روايات ما منا إلا شهيد أو مسموم وخصوصاً الرواية التي رواها المجلسي في بحاره عن الحسن صلوات الله عليه والتي قال فيها والله لقد عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله (ان هذا الأمر يملكه إثنا عشر إماما من ولد علي وفاطمة ما منا إلا مسموم أو مقتول), فالرواية صريحة في شمول القتل أو السم للإمام المهدي عليه السلام ولعل الأقرب في سبب موته أن يكون مسموماً عليه السلام إذ أن طريقة القتل بالسم يتعسر استكشافها حتى وإن كان عند الإمام المهدي أحدث وأرقى الأجهزة الاستخباراتية وما إلى ذلك من الإمكانات العسكرية أو التكنلوجية أو غيرها, أما بناء على النظر الثاني من كون الملاحظ فيه الإمام بما هو إمام ذو علم لدني فيتساوى الأمران (الموت بالقتل أو الموت بالسم) ولا يترجح أحدهما على الآخر.
بقي شيء وهو لابد من توجيه مناسب لما يمكن أن يورد على ان الأجواء لا تساعد على محاولة اغتياله عليه السلام ويمكن أن يجاب (مضافا إلى ما ذكرناه من الإرادة الإلهية) إننا وإن سلمنا أن هناك أجواء اجتماعية ودينية تستدعي انتشار العدل ولكنها لا تعني انعدام الظلمة، وهذا يستكشف منه وجود من يتربص بالإمام عليه السلام ويحاول اغتياله.
هذا ما يمكن أن يقال في هذه العجالة حول مسألة مقتل الإمام أو موته حتف انفه عجل الله تعالى فرجه الشريف.
واننا وان استظهرنا أو حصل منا ميل إلى بعض الأقوال إلا أن ذلك لا يعني منا تبنياً لهذا القول بضرس قاطع، إذ كما قلنا المسألة تتوقف على اتخاذ موقف في مسألة حساسة وجوهرية كمسألة الرجعة وعلم الإمام، فبعد اتخاذ موقف واضح ورصين في المسألتين يمكن أن تكون الصورة عندنا في هذه المقولة واضحة وبينة.