المسار:
العربية » مجلة الانتظار » العدد: ١٧ / جمادى الآخر / ١٤٣٠ هـ
العدد: 17 / جمادى الآخر / 1430 هـ

دراسات / دراسة حول رؤية الامام المهدي عليه السلام

دراسة حول رؤية الامام المهدي عليه السلام

 سماحة السيد ياسين الموسوي

مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام القضية المهدوية من القضايا المركزية والمهمة في الفكر الإسلامي، ولها أبعاد متعددة وقد اهتم بها الباحثون الإسلاميون فكتبوا فيها الكثير وطرحوا خلال بحوثهم مواضيع متعددة مرتبطة بهذه القضية، سواء ما يتعلق بالجانب العقائدي أو الجانب التاريخي أو الجوانب الأخرى.

وحديثنا هنا، حول الفائدة من الكتابة والتأليف في قضية رؤية الإمام المهدي عليه السلام، وهل يمكن رؤيته في الغيبة الكبرى؟ وكيف يمكننا أن نصدق مدّعي الرؤية؟ وهل هناك سبيل لرؤيته؟

أولاً: ما هي الفائدة في التأليف في رؤية الإمام عليه السلام؟

في الواقع أن قصص الرؤية تثبت حقائق دينية وتاريخية كثيرة؛ من جملتها إنها تؤكد ولادته عليه السلام خلافاً لزعم المنكرين.

ومنها: إنها تؤكد بقاءه وحياته.. ويتم ذلك من خلال التعرف على القصص والروايات التي تتحدث عن رؤيته في العصور القريبة.

ومن ثم كان اهتمام الروايات والأدعية الشريفة بموضع رؤية ومشاهدة الإمام عليه السلام والالتقاء به، وكذلك نعرف التفسير العملي لاهتمام أهل البيت عليهم السلام بهذا الموضوع بحيث ربّوا أتباعهم على الاهتمام الكبير للسعي لرؤية من تشرأب إلى رؤيته الأعناق كما ورد ذلك في دعاء الندبة وفي دعاء العهد وفي روايات كثيرة لسنا الآن بصدد استقصائها.

ومنها: إنها تعطي صورة صحيحة لمعرفة كيفية وجوده الشريف، فإن الإنسان الغريب عن الفكر الإمامي بعقيدته المهدوية يتصور: أن الإمامية يؤمنون بأن الإمام المهدي عليه السلام يعيش حالة غيبية محضة لا مساس لها بالواقع والحاضر من حين اختفائه عن الناس عندما كانت الغيبة الكبرى.

وقد يتصورون إنه عليه السلام يعيش الحياة التي يعيشها المسيح بن مريم عليهما السلام أو إلياس النبي عليه السلام؛ كما يتصورون أيضاً بأنه لا تؤثر فيه الحوادث السياسية والاجتماعية التي تحدث في العالم في طول التاريخ الذي يعاصره.

وبتعبير آخر يتصورون إنه يعيش حياة خاصة به منعزلاً عن المجتمعات الإنسانية والأحداث التاريخية بعيداً في غور عميق عن كل ذلك.. مختفياً وراء أستار لا يُعرف منها شيء ولا عن ما وراءها إلا أنها غيب فوق الادراكات العادية للإنسان.

وتبقى هذه التصورات اللا واقعية تصور أشياء لا وجود لها في الفكر الإمامي بعقيدته المهدوية.

ومهما يجاب عن هذه التصورات الخاطئة فإن أقرب تلك الأجوبة الصحيحة هو ما يمكننا أن نحصل عليه بواسطة دراسة ما جاء في كثير من قصص الرؤية له عليه السلام دراسة علمية دقيقة، فمثلاً إننا يمكننا معرفة طريقة حياته.

من خلال ما جاء في بعض قصص المشاهدة التي أكدت أنه حي موجود في الأرض يعيش حياة عادية طبيعية كما يعيشها باقي الآدميين، وتجري عليه مخلفات الأحداث السياسية والاجتماعية كما تجري علينا بالضبط تماماً.

ونعرف أيضاً إنه يمكنه أن يحتمي من شر تلك الأحداث باحتمائه بالوسائل الطبيعية:(كالابتعاد عن موقع الحدث _أو الاستعداد الطبيعي لمواجته أو غير ذلك) كما يحتمي بها غيره من الناس.

ومن هذا المنطلق جاء استحباب التصدق عنه عليه السلام لأجل دفع الضرر عنه. وكذلك يمكننا أن نستشهد على إن حياته عليه السلام طبيعية بما ورد في كثير من الأدعية الشريفة التي يدعى بها في زمان الغيبة لطلب دفع البلاء والآلام عنه، كما يقرأ الداعي ذلك في دعاء الندبة:(بأبي أنت وأمي ونفسي لك الوقاء والحمى..).

ويقرأ أيضاً:(ليت شعري أين استقرت بك النوى بل أي أرض تقلّك أو ثرى، أبرضوى أم غيرها أم ذي طوى.. عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى، ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى.. عزيز علي أن تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى..).

إذا أردنا أن نفهم القضايا المهدوية جميعها سواء أكانت المفاهيم النظرية منها أو تطبيقات القضايا المهدوية أو دور هذه القضايا الواقعية فعلينا أن ننطلق لتكوين تصوراتنا المهدوية من المحور المركزي للفهم الواقعي لحقيقة طبيعة حياة الامام عليه السلام التي يعيشها في غيبته.

وبكلمة أدق إننا إذا أردنا أن نفهم القضايا المهدوية على واقعها وحقيقتها كما أرادت العقيدة الدينية أن نفهمها.. فعلينا أن تكون تصوراتنا منسجمة مع التصورات الواقعية الطبيعية العادية ولا نحتاج إلى حشر بعض المفاهيم الغيبية التي لم تؤكد عليها النصوص الدينية، وإنما هي من صنع الخيال والذي يصنّف ضمن الخرافة.

نعم للقضايا الغيبية موقعها الكبير في المفاهيم الدينية، وسوف تدخل القضايا المهدوية ضمن دائرتها. ولكننا لا يمكننا أن نؤمن بالقضية الغيبية الا اذا قام الدليل الشرعي على صحتها.

وتنبثق من هذه القاعدة عدة أسس عقائدية وسلوكية؛ مثل: أن العقيدة المهدوية عند الإمامية تنص على إن الامام المهدي عليه السلام حي يرزق في الأرض يعيش بكامل الظروف الحياتية الطبيعية التي يعيشها الإنسان في الأرض، ولم يرفع عنه شيء منها الا ما يؤثر بإدامة حياته كالموت، والمؤثرات الأخرى التي تؤدي إلى الموت؛ فإنها مرفوعة عنه لاقتضاء الحكمة الإلهية أن يبقى حياً إلى يومه الموعود.

وأما سائر الظروف الطبيعية التي تمر وتؤثر على حياة الإنسان في الأرض فهي تمر وتؤثر على حياة الإمام المهدي عليه السلام كما كانت مؤثرة في حياته قبل الغيبة، وكما كانت مؤثرة أيضاً في حياة آبائه المعصومين عليهم السلام.

وتأسيساً على هذا الفهم الصحيح لطبيعة حياته فقد بيّنت النصوص الشريفة طريقة تعامل الإنسان مع إمامه المهدي الذي يعيش معه ويحس به ويؤثر به ويتأثر بما حوله.. فليس الإمام المهدي عليه السلام مسلوب الإرادة والحركة، كما إنه لم يفقد تأثيره في حياة المجتمع المسلم بشكل خاص أو المجتمع الإنساني بشكل عام، بالإضافة إلى ذلك فإنه لم يبق الإمام المهدي عليه السلام مجرد فكرة تعيش في أذهان المسلمين ويعتقدون به، كما إنه لم يبق مجرد مثال جامد شاخص أمام أنظارهم خال من الحركة، يرتقبون ظهوره ليخلصهم من المعاناة والعذاب الذي يعيشونه.

بل العكس من ذلك جميعه فإن الفهم الصحيح لطبيعة حياته عليه السلام تفرض الإيمان بتأثيره المباشر بمجريات الأمور طبق القوانين الاجتماعية والتغييرية الطبيعية الكونية، وأنه عليه السلام مهتم جداً للدفاع عن شيعته والحفاظ على الكيان الإسلامي؛ وإنه يحقق كل ذلك ضمن الأصول الطبيعية، وإنه لا يستخدم القوانين الغيبية الا في الموارد التي تحتاج إلى الأمور الخارقة للعادة وإقامة المعجز.

 ولأجل توضيح الفكرة يمكننا الاستفادة من الحكايات والقصص التي تحدثت عن لقاءاته وظهوره لأشخاص أو لجماعات بمناسبات متعددة.

كما أن نفس مفهوم المهدوية الصحيح يؤثر في حركة الإنسان المؤمن. وتتضح هذه الحقيقة من خلال معرفة مفهوم الانتظار الذي يجعل الانسان المؤمن متحركاً دائماً نحو الأحسن، وتكمن مفاهيم الانتظار المهدوي وراء دوافع حركة هذا الإنسان، فإن من ينتظر الموعود عليه أن يهيئ الظروف المناسبة لظهوره.. وبما إن القاعدة الدينية للعقيدة المهدوية نصت على أن التغيير لا يتحقق بالطريقة الغيبية وإنما يحتاج إلى تحرك جاد وجهد عملي لتوفير الأرضية القادرة على إيجاد المجتمع المؤهل لتحمل مسؤولية القيام بالنهضة المهدوية. فلزم من هذه القاعدة أن يكون المنتظر لتلك الحركة العالمية الكبرى باذلاً كل طاقته ووقته من أجل الإعداد لتلك المرحلة الضخمة التي ينتظرها.

وعلى كل حال فإن قضية معرفة طبيعة حياته ومعيشته إنما هي قضية مهمة تحتاج إلى وقفة مفصلة لا يمكن أن نتوافر على جميع تفصيلاتها إلا من خلال بحث مستقل نأمل من الله عز وجل أن يوفقنا في المستقبل.

وأما تفسير هذه الاهتمام فله أوجه غير الأوجه المتقدمة، فهناك التفسير الديني العقائدي حيث تؤكد الأحاديث الشريفة على ضرورة الاعتقاد بوجود إمام حي يقوم بوظائف الإمامة التي كان يقوم بها آباؤه عليهم السلام.

وإن أشكل مشكل بأن آباءه كانوا ظاهرين يتصل بهم الناس ويسألونهم ويمكن لأتباعهم أن يصلوا إليهم عليهم السلام ويسألوهم ويعرفوا منهم الحلال والحرام بخلاف الحجة المنتظر عليه السلام فإنه غائب عن الأبصار لا يمكن الوصول إليه، بل هناك نص مروي عنه عليه السلام بلزوم تكذيب مدعي الرؤية.

فيجاب عليه بعدة أجوبة منها: إن وظيفة الأئمة عليهم السلام لم تنحصر في التصدي العلمي وتعريف الناس الحلال والحرام وتفصيل الأحكام، خصوصاً إنهم كانوا يعرضون أحياناً عن الاجوبة الواقعية ويستخدمون التقية في ذلك، وفي هذه الحالة يكون عدم الظهور أولى من الأجوبة التقوية خصوصاً في مثل هذه الظروف التي عاشها الإمام المهدي عليه السلام من بداية ولادته إلى وقت قريب...

بل إن للإمام المعصوم عليه السلام وظائف أخرى يستفيد منها الخلق.

ويجاب أيضاً: إن بعض الأئمة المعصومين عليهم السلام لم يظهروا الا نادراً للناس ولشيعتهم في الأوقات الأخيرة التاريخية التي سبقت ولادة الامام المهدي عليه السلام ووضحت بدايات الغيبة وهذا يفسر ندرة الظهور المباشر للإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام ولذلك قلّ الرواة عنهما عليهما السلام وندرت الرواية عنهما؛ بل إن الدارس لحياة الامام العسكري عليه السلام يجد أنه قد غيّر طريقة ارتباطه مع شيعته وحولها من المشاهدة إلى المكاتبة والوكالة، واستمرت هذه الطريقة في الغيبة الصغرى، وكان الامامان الهادي والعسكري عليهما السلام يرجعون أصحابهم إلى وكلائهم ويجيبون على الأسئلة من خلال المكاتبة، وصار طبيعياً أن تتحدد حتى تكان تنحصر لقاءات الناس بالإمام المعصوم عليه السلام بموقع الضرورة.

ونجد أن نفس الطريقة استمرت في زمان الغيبة الصغرى فمع أنه عليه السلام فسح المجال لبعض خواص شيعته ومقربيه من اللقاء به والاتصال به مباشرة، ولكنه كان يرجع غالباً إلى وكلائه الذين عينهم لهذه الوظيفة ليكون الاتصال بين الشيعة وإمامهم عليه السلام من خلال نوابه ووكلائه.

ويُجاب أيضاً أن مهمة آبائه المعصومين عليهم السلام تختلف عن مهمته هو ولذلك انحصرت مدة حياة آبائه بسنين معدودة لم تزد على 74 سنة طبق أكثر الروايات التي شخصت هذا الرقم بحياة الإمام الصادق عليه السلام، بينما عاش باقي الأئمة بأعمار أقل من ذلك حتى وصلت بعض أعمارهم عليهم السلام إلى 25 سنة كما في حياة الامام الجواد عليه السلام والامام الهادي عليه السلام.

وان اختلاف أعمار الأئمة عليهم السلام لم يخضع للقوانين الطبيعية كالمرض والصحة وإنما أعمارهم مقدرة طبق التقدير الإلهي الذي خضع لملاك المصلحة والضرورة التي تحتاجها الخليقة من ذلك الإمام عليه السلام، ولذلك نجدها تطول في إمام وتقصر في إمام آخر.

وعلى هذا كان طول عمر الإمام المهدي عليه السلام لأنه أعد لأكبر مهمة تحتاجها الخليقة، ولا يمكن تحققها الا على يديه الشريفتين، ولذلك جاءت البشارة في جميع الأديان بولادته وطول عمره المتميز وظهوره المعجز، وبتتبع الروايات الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وجميع الأئمة عليهم السلام من خلال طرق الرواية عند جميع المسلمين نجد التأكيد الكبير الذي ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في ولادته وغيبته وطول عمره _ حتى في النص الذي رواه السنة في مصادرهم_ وأُرجع السبب في ذلك: لأنه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

وإن تلك الأجوبة ترجع إلى عقيدة الشيعة بالإمامة، وعليه فمن الطبيعي أن نجد الاختلاف في هذه القضية كما في القضايا العقائدية الأخرى بينهم وبين غيرهم، فيكون الحكم حينئذٍ الأسس العقلية والنص الصحيح، وقد استخدمهما الشيعة بقوة لإثبات عقائدهم الدينية وتميزوا عن غيرهم بقوة الحجة والبرهان لاعتمادهم الدليل إلى جنب نص المعصوم الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وهناك التفسير التربوي للتأكيد على طلب الرؤية فإن الروايات الشريفة توضح أن رؤية الامام الحجة عليه السلام تختلف عن رؤية سائر المعصومين عليهم السلام فإنهم كانوا عليهم السلام يظهرون للبر والفاجر وللصاحب والعدو وللمؤمن والفاجر للجميع على السواء، وقد كانوا يجاملون بعض الظالمين تقية وربما يتقوهم بأكثر من المجاملة والتعارف؛ بينما تنص والروايات الشريفة على أن من أسباب غيبة الامام الحجة عليه السلام هو ابتعاده عن التقية وأن لا تكون لأحد في عنقه بيعة كما كان لبعض أجداده عليهم السلام. ولا إشكال أن المقصود بالبيعة هو التقية بأشكالها المختلفة.

وكذلك فقد أكدت الروايات الشريفة أن من يرغب في رؤيته ولقائه عليه السلام عليه أن يصل إلى المستوى الكبير بالتدين والتقوى ليكون أهلاً لهذا الشرف العظيم.. ومن هذا الفهم جاءت طريقة القيام بأربعين ليلة في العبادة والتهجد والانقطاع في أماكن خاصة كمسجد الكوفة ومسجد السهلة ومسجد جمكران وحرم الأئمة المعصومين عليهم السلام،(1) أو في الأماكن الأخرى التي هي أعم من حصرها بالأماكن الخاصة(2).

ولسنا هنا بصدد إثبات صحة هذه الطريقة وحصرها فإن لها مقام آخر من البحث. وإنما نستشف من هذه الطريقة المشهورة بين أتباع أهل البيت عليهم السلام والمؤيدة من العلماء الأتقياء الصالحين؛ ان المقصود منها هو أن رؤية الامام المهدي عليه السلام لا تؤتى الا لنوع خاص من الموالين والمؤمنين، وعلى من يروم ذلك أن يسعى كل جهده في رفع مستواه الديني _الفكري والسلوكي_ ليكون أهلاً ومستحقاً للوصول بخدمة المولى عليه السلام؛ وبقراءة سريعة وعابرة للمجتمعات المسلمة التي كانت تعيش أمل الرؤية نجدها كانت تتمتع بمستوى إيماني وأخلاقي متميز، ويعود الفضل في ذلك إلى هذا الأسلوب التربوي المهدوي.

كما أن هناك التفسير الغيبي فإن رؤية الامام عليه السلام محل نزول الفيوضات الإلهية والبركات السبحانية، فإن السعادة العظمى للإنسان السالك تتحقق بلقائه بإمامه عليه السلام، وقد أشارت إلى هذه الحقيقة بعض القصص المروية عن العلماء الأعلام، كالقصة التي رويت عن لقاء آية الله المحقق القمي صاحب القوانين بالسيد بحر العلوم قدس سره(3) وبعد أن سأل القمي السيد بحر العلوم عن مصدر علومه أشار إليه بالكتمان ثم سأله متعجباً: كيف لا أحصل على ذلك وقد لصق صدره بصدري.

ولسنا الآن بصدد البيان التفصيلي في هذه المقدمة، وإنما تنفتح من هذا الحديث أبواب كثيرة نوكلها لبحث مستقل.

أضف إلى ذلك التفسير العاطفي الديني فإن مقام الانسان الديني والواقعي يتعدد بمقدار حبّه وولائه لمحمد وآل محمد عليهم السلام وقد دلت على ذلك الروايات المتواترة معنىً بل في بعضها سنداً أيضاً؛ ومن مظاهر الحبّ حبّ لقاء الحبيب والتعلق بذيله.

وهنا أيضاً التفسير السياسي لمعنى حب لقاء المحبوب عليه السلام؛ حينما تطرح مسألة المهدي عليه السلام كإمام من أئمة المسلمين، والأمل العظيم للمستضعفين، وحينئذٍ سوف تأخذ الأبحاث طابعاً آخر من التحقيق. وأهم مسائله البحث في الجوانب عن شخصيته كالولادة والنسب والتربية والتاريخ.

وتعتبر المرحلة من البحث هذه متقدمة عن المرحلة الأولى وهي مرحلة(الاثبات) إلى صورة أعلى في مرحلة المصداق.

ومن تلك المسائل المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمسألة المهدي عليه السلام: تحديد علاقة الأمة والفرد بهذا القائد، وهذه مسألة تحوي من الأهمية درجة كبيرة في عالم الحركة السياسية للأمة الإسلامية نحو التقدم والتطور ونقصد بتلك العلاقة التعاطف الروحي بين القائد والأمة. وبين الأمة وقائدها.

ومن البديهي أن العطاء لابد وأن يكون متبادلاً من الطرفين، تبادلاً مشبعاً بالصدق والإخلاص والنقاء.

وأئمة أهل البيت عليهم السلام من علي عليه السلام حتى المهدي عليه السلام كانوا المثال الأعلى للقيادة الإنسانية للبشر عموماً، وتجسد حبهم للشعوب المستضعفة بالعطاء الضخم الذي قدموه لها. يبتدأ ذلك التقديم من بداية استلام أحدهم عليهم السلام منصب الإمامة وحتى آخر لحظة من عمره الشريف، يلاقي ربه متمما الزخم العطائي الضخم بالشهادة في درب الحق.

وإذا أردت الذوبان الكلي للذات والأنا عند القائد بحيث لا يسمع الا صرخة مجتمعه، ولا يهتم الا بهم أمته ولا يتحرك ولا يسكن الا ويعلم أنه لله وللمستضعفين.. مثاله الأول والآخر ذلك الامام علي وأبناؤه عليهم السلام البررة المجاهدون حتى مهدي آل محمد عليه السلام.

هذا الطرف الأول قد حقق شروط القيادة على أتم وجه.

يبقى الطرف الثاني المتعلق بقضية القيادة، وهو الفرد المسلم، والأمة المسلمة. إلى أي مستوى وصل ذلك الارتباط العاطفي والعطائي؟

عندما يحب القائد أمته كل الحب ينتظر من الأمة أن تقدم الشيء نفسه إلى قائدها. ولهذا السبب بالذات(4) ورد عن أهل بيت العصمة عليهم السلام النصوص المتواترة في حب القيادة المعصومة وخلفائها علماء الإسلام وفقهاء الدين.

ووصل الخبر أن الأعمال لا تقبل الا بالحب، وإليك واحد من تلك النصوص:

عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: - يقصد بهما الباقر والصادق عليهما السلام-، قال: قلت له: إن نرى الرجل من المخالفين عليكم له عبادة واجتهاد وخشوع. فهل ينفعه ذلك شيئاً؟

قال: يا محمد، إنّ مثلنا أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل، وكان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة الا دعا فأجيب. وإن رجلاً منهم اجتهد أربعين ليلة ثم دعا، فلم يستجب له.

فأتى عيسى بن مريم عليه السلام يشكو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء له.

فتطهّر عيسى بن مريم عليه السلام يشكو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء له.

فتطهّر عيسى، وصلى، ثم دعا فأوحى الله إليه يا عيسى إن عبدي أتاني من غير الباب الذي أوتى منه، إنه دعاني وفي قلبه شك منك، فلو دعاني حتى ينقطع عنقه، وتنتشر أنامله ما استجبت له.

فالتفت عيسى عليه السلام، فقال: تدعو ربك وفي قلبك شك من نبيه؟

قال: يا روح الله وكلمته، قد كان _والله_ ما قلت فاسأل الله أن يذهب به عني.

فدعا له عيسى عليه السلام، فتقبل الله منه، وصار في حد أهل بيته.

كذلك نحن أهل البيت لا يقبل الله عمل عبد، وهو يشك فين(5).

ونحن لا يمكننا أن نتصور قيادة شعبية دون أن تملك هذه الاحساسات والعواطف الطيبة والمتبادلة بينها وبين أتباعها.

وسوف تبقى هذه الاحساسات متّقدة بنار الشوق، ومضمرة في قلب المحبين، وإن غاب شخص القائد، وخلف للناس نائباً عنه، ومرشداً يقوم ببعض أدواره.

وفي جوف المحب نارٌ، وأحشاؤه تلظى في مجمرة شوق اللقيا.. يخاطب الولي إمامه، وهو يكتوي بنار الفراق، ولوعة المشتاق، متجهاً بكل كيانه إليه، خصوصاً انه ينتظر المخلّص المنجّي يقول بمناجاته:

((أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الهادية..

أين المعد لقطع دابر الظلمة..))، إلى آخر ما ورد في دعاء الندبة.

وأما في دعاء العهد، فمناجاة أخرى.. يقول:((اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ وَاكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ وَعَجِّلْ فَرَجَهُ وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ وَاسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ وَأَنْفِذْ أَمْرَهُ وَاشْدُدْ أَزْرَهُ وَاعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلادَكَ وَأَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ..)).

والشيء الذي لابد من ذكره أن هذه العواطف والأحاسيس لابد وأن تستمر مشتعلة بنفس المؤمن ليبقى دائماً على إهبة الاستعداد للتضحية والعطاء، وطاعة الامام ونوابه سواء الخاصون منهم أم العامون.

وحب اللقاء بالإمام عليه السلام حق طبيعي لكل واحد من المؤمن، ويبقى لكل واحد طموح الوصول بخدمتهِ(أرواحنا له الفدى).

إن هذه الأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام وغيرها تشد حالة الوجد للقائه عليه السلام، وتمنح الفرصة للمحب لينفس عن آهاته المتكسرة والمتشابكة في نفسه.

وعندما نقرأ الروايات الواردة عن الامام العسكري عليه السلام وكيف هيأ فرصاً للقاء الشيعة مع إمامهم المنتظر _أرواحنا له الفدى_ بمناسبات عدة في حياته، وكذلك الامام الحجة عليه السلام كيف اتصل بمحبيه مرات متعددة بدون سابق موعد، وكان عند استغاثتهم وإعانتهم، نعرف إنه لطف رباني للبشرية ولطيف بمحبيه، فكيف لا يتفضل على شيعته برؤيته.

إن المرات التي التفت شيعته به من يوم ولادته إلى يومنا هذا كثيرة جداً حتى إنه أُلف في ذلك كتبٌ عدّة(6).

هذه المقدمة توصلنا إلى نتيجتها وهي: إن اللقاء بولي الأمر عليه السلام حادث، وليس هو تصورات وأكاذيب كما يدّعيها بعض من في قلبه مرض، وإن مخطط أئمة أهل البيت عليهم السلام من هذه اللقاءات تثبيت نقاط أهمها:

1- حضور القائد بين ظهراني شعبه:

طبق المفهوم الإسلامي لمعنى القائد والقيادة أن يشارك أمته في سرّائها وضرّائها، ويحضر معها في كل مناسباتها، وليس من الإسلام ومفاهيمه أن يجلس القائد أو تجلس القيادة في الصرح العالية، ومن هناك تصدر الأوامر من علوّ.

ولم يكن ولي الله الأعظم عليه السلام غائباً عن دنيانا بدنياه، فليس هو في السماء، وليس هو في البحار، وإنما يعيش مع الناس كواحد منهم، يعيش كل ما يمر على الأمة من محن وآلام ويحس بها أكثر من غيره، ويعيشها في وجدانه وشعوره، ويساهم _بشرط المحافظة على وضعه الأمني_ في حل تلك الأزمات التي تواجه الأمة المسلمة في كل مكان.

((المهدي غائب بهويته لا بشخصه)) تعبير متكامل لمعنى الغياب والظهور. فهو غائب بهويته الشخصية، وصفاته الخاصة.

أما حضوره في وسط الميدان الحياتي، والمعترك العقائدي فهو متحقق لا محالة.

واما نسمع أو نقرأ من قصص الرؤية نجدها تؤكد هذه الصفة الحقيقية له عليه السلام فإنه طالما التقى بعلمائنا رضي الله عنهم في الأزمات السياسية التي جابهت الدين والمجتمع المسلم، وأعانهم في علاج المشاكل العويصة.

وكذلك في الفكر الإسلامي له حضور -كما نقل صورة ذلك عن لقاءاته بالمقدس الشيخ الأردبيلي والسيد مهدي بحر العلوم والعلامة الحلي وغيرهم-.

2- الدافع الوجداني بين القائد وأمته:

وعندما يتصل القائد مع جميع طبقات الأمة تزداد الحالة الارتباطية بين الاثنين. خصوصاً إذا كان القائد يعيش حالة الغيبة بشخصه عن المؤمنين به وغيرهم، فهو يحتاج إلى الاتصال المستمر ببعض المؤمنين به والمحبين له، ليعمق الاحساس الوجداني، ولتبقى العقيدة مدعمة بالتجربة: إن القائد حيّ لم يمت بعد.

من هذين المنطلقين يطلّ القائد على الأمة، ويظهر لهم جميعاً، أو لبعضهم، أو لأمة خاصة، أو لفرد ذي صفات معينة، طبقاً لما تمليه عليه الظروف الموضوعية.

وقد قلنا إن أئمة أهل البيت عليهم السلام قد عمّقوا هذه الفكرة في الوجدان الشيعي من خلال الممارسات العملية بإعدادهم الظروف والمناسبات للقائد أرواحنا له الفدى، وبدعواتهم ومناجاتهم التي علموها لشيعتهم لزيادة ذلك الحب والشوق للقائد ورؤيته.

ثانياً: هل يمكن رؤية الامام المهدي عليه السلام؟

طبق التصور الواقعي الذي يتحدث عن حياة الامام المهدي عليه السلام وإنه يعيش حياة لا يكتنفها الغيب، ولا تحتاج إلى المعجز وخوارق العادات، بل إنه يجري عليه من القضاء ما يجري على غيره من الآدميين بحدود سلامته، واحتفاظه بوضعه الأمني لله واختفاء هويته عن الآخرين؛ فحينئذٍ يكون لقاؤه بالآخرين أمراً طبيعياً لا يحتاج إلى برهان، ولذلك جاء في بعض الأخبار أنه يحضر الموسم فيراهم ويرونه ولا يعرفونه، كما رواه الشيخ الصدوق رحمه الله في كمال الدين بسند صحيح عالٍ عن محد بن عثمان العمري _النائب الثاني للإمام المهدي عليه السلام_ أنه قال:((والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه))(7).

وروى النعماني رحمه الله في غيبته بسند معتبر عن سدير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:((إن في صاحب هذا الأمر لشبه من يوسف فقلت: فكأنّك تخبرنا بغيبة أو حيرة؟ فقال: ما ينكر هذا الخلق معلون أشباه الخنازير من ذلك؟ إن إخوة يوسف كانوا عقلاء ألبّاء اسباطاً أولاد أنبياء دخلوا عليه فكلّموه وخاطبوه وتاجروه ورادّوه وكانوا إخوته وهو أخوهم، لم يعرفوه حتى عرّفهم نفسه، وقال لهم: أنا يوسف، فعرفوه حينئذٍ، فما تنكر هذه الأمة المتحيرة أن يكون الله جل وعز يريد في وقت من الأوقات أن يستر حجته عنهم، لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر. فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه صاحب هذا الأمر يتردد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتى يأذن الله له أن يعرّفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتى قال له إخوته: إنك لأنت يوسف؟ قال: أنا يوسف))(8).

ولم نجد عند أحد من علماء الشيعة توقفاً في هذا المقدار من إمكان رؤيته عليه السلام بل تحقق رؤيته كما في النص المتقدّم.

وحينئذٍ فمن الطبيعي أن تظهر حالة ادعاء الرؤية وتصديقها وتكذيبها باعتبار اختفاء هويته عن شيعته والسلطات على طول تاريخ غيبته الكبرى؛ كما يحدث عادة عند اختفاء إنسان من أهله ومعارفه، او عندما يقع إنسان لمطاردة السلطات الأمنية فإننا نجد أن التعقيب والبحث المتواصل سوف يؤدي إلى ظهور حالة من الادعاءات المتناقضة في رؤية ذلك الشخص وأخباره.

ويبدو أن هذه الظاهرة حظيت باهتمام الامام المهدي عليه السلام فلذلك حاول أن يسد هذا الباب من البحث والتعقيب فحرّم الإعلان باسمه الشريف عليه السلام في المجالس العامة، فقد روى الصدوق رحمه الله تعالى في كتابه كمال الدين بإسناده عن علي بن عاصم الكوفي قال:((خرج في توقيعات صاحب الزمان: ملعون. ملعون من سماني في محفل من الناس))(9).

وروى أيضاً عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال: سمعت أبا علي محمد بن همّام يقول: سمعت محمد بن عثمان العمري قدس سره يقول: خرج توقيع بخط أعرفه((من سماني في جمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله))(10).

وروي بسند صحيح عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال:((صاحب هذا الأمر رجل لا يسميه باسمه الا كافر))(11).

وهكذا فإنه عليه السلام حرّم على من يراه وتعرف على شخصه الشريف عليه السلام أن يعلن ذلك إلى الآخرين لأجل أن يسد المتابعة وقد جاء إعلان التحريم بصيغة مشددة حينما ذكر الإمام عليه السلام أنه كذاب مفتر فإن تكذيب ذلك الشخص سوف يردعه عن الإعلان ويمنعه، فقال عليه السلام في التوقيع الذي صدر لنائبه الرابع في الغيبة الصغرى الشيخ علي بن محمد السمري:

بسم الله الرحمن الرحيم

((يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميّت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد يقوم(12) مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة(13)، فلا ظهور الا بعد إذن الله(تعالى ذكره)(14) ،وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي(إلى)(15) شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذّاب(16) مفترٍ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم))(17).

وقد يلاحظ على هذا التكذيب بأنه تكذيب خلاف الواقع مما يلزم الكذب ويجاب عليه بأجوبة منها: قد يقال بأنه لا مانع من صدور مثل هذا النوع كما صدر من قبل من نبي الله عز وجل يوسف عليه السلام عندما خاطب إخوته((إنَّكُمْ لَسارِقونَ))(18) ، ويحمل على معاني أخرى على نحو التورية فليس هو من نوع الكذب القبيح.

ومنها: أنه حكم وبمنظار الهي واقعي على مدّعي المشاهدة بالكذب وذلك لأن من يدّعي المشاهدة فإنه لم يصل إلى لقائه عليه السلام قطعاً لأن الذين يوفقون لنيل هذا المقام الشريف لهم صفات يمتازون بها عن غيرهم ومن صفاتهم عدم ادعاء المشاهدة(19).

ولكن لا يتعارض هذا مع ما روي عن أولئك الصادقين من العباد والعلماء والصالحين الذين وفِّقوا لرؤيته عليه السلام؟

وقد تعددت الأجوبة على هذا الاستفهام، وباستقرائها نجدها تنطلق بتفسير النص الشريف بالطرق المتداولة في علوم الحديث من حيث السند وقواعد الدراية والرجال بالإضافة إلى مناقشة دلالة الرواية من حيث المضمون والمعنى، وأجمع تلك الأجوبة هي التي ذكرها المرحوم آية الله النوري رحمه الله في كتابيه جنة المأوى(20) والنجم الثاقب(21) قال بعد أن ذكر خبر توقيع السمري(رضي الله عنه):

وهذا الخبر بظاهره ينافي الحكايات السابقة وغيرها ممّا هو مذكور في البحار والجواب عنه من وجوه:

الأول: أنه خبر واحد مرسل، غير موجب علماً، فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها بل ومن بعضها المتضمن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها من غيره عليه السلام،فكيف يجوز الاعراض عنها لوجود خبر ضعيف لم يعمل به ناقله، وهو الشيخ في الكتاب المذكور كما يأتي كلامه فيه، فكيف بغيره والعلماء الأعلام تلقّوها بالقبول، وذكروها في زبرهم وتصانيفهم، ومعوّلين عليها معتنين بها.

الثاني: ما ذكره في البحار بعد ذكر الخبر المزبور ما لفظه: لعلّه محمول على من يدّعي المشاهدة مع النيابة، وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء لئلا ينافي الأخبار التي مضت وسيأتي فيمن رآه عليه السلام والله العالم.

الثالث: ما يظهر من قصة الجزيرة الخضراء، قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل المازندراني: فقلت للسيد شمس الدين محمد وهو العقب السادس من أولاده عليه السلام: يا سيدي، قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر عليه السلام أنه قال: لما أُمر بالغيبة الكبرى: من رآني بعد غيبتي فقد كذب، فكيف فيكم من يراه؟ فقال: صدقت إنه عليه السلام إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته، وغيرهم من فراعنة بني العباس، حتى أنّ الشيعة يمنع بعضها بعضاً عن التحدث بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء، وبلادنا نائية عنهم، وعن ظلمهم وعنائهم.. الحكاية.

وهذا الوجه كما ترى يجري في كثير من بلاد أوليائه عليهم السلام.

الرابع: ما ذكره العلامة الطباطبائي في رجاله في ترجمة الشيخ المفيد بعد ذكر التوقيعات المشهورة الصادرة منه عليه السلام في حقّه ما لفظه: وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى، مع جهالة المبلّغ، ودعواه المشاهدة المنافية بعد الغيبة الصغرى، ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن، واشتمال التوقيع على الملاحم والإخبار عن الغيب الذي لا يطّلع عليه الا الله وأولياؤه بإظهاره لهم، وأن المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام عليه السلام ويعلم أنه الحجة عليه السلام حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلّغ ادعاءه لذلك.

وقال رحمه الله في فوائده في مسألة الإجماع بعد اشتراط دخول كل من لا نعرفه: وربما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار بقول الإمام عليه السلام بعينه على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدّة الغيبة، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه عليه السلام فيبرزه في صورة الإجماع، جمعاً بين الأمر بإظهار الحق والنهي عن إذاعة مثله بقول مطلق، انتهى.

ويمكن أن يكون نظره في هذا الكلام إلى الوجه الآتي.

الخامس: ما ذكره رحمه الله فيه أيضاً بقوله: وقد يمنع أيضاً امتناعه في شأن الخواص وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار، ودلالة بعض الآثار.

ولعل مردّه بالآثار الوقائع المذكورة هنا وفي البحار أو خصوص ما رواه الكليني في الكافي والنعماني في غيبته والشيخ في غيبته بأسانيدهم المعتبرة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابد له في غيبته من عزلة، وما بثلاثين من وحشة.

وظاهر الخبر كما صرّح بهش رّاح الأحاديث أنه عليه السلام يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته، وقيل: إن المراد أنه على هيئة من سنُّه ثلاثون أبداً وما في هذا السن وحشة؛ وهذا المعنى بمكان من البعد والغرابة، وهذه الثلاثون الذين يستأنس بهم الإمام عليه السلام في غيبته لابد أن يتبادلوا في كل قرن إذ لم يقدّر لهم من العمر ما قدّر لسيّدهم عليه السلام ففي كل عصر يوجد ثلاثون مؤمناً ولياً يتشرّفون بلقائه.

وفي خبر علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي المرويّ في إكمال الدين، وغيبة الشيخ ومسند فاطمة عليها السلام لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري وفي لفظ الأخير أنه قال له الفتى الذي لقيه عند باب الكعبة، وأوصله إلى الإمام عليه السلام: ما تريد يا أبا الحسن؟ قال: الإمام المحجوب عن العالم، قال: ما هو محجوب ولكن حجبه سوء أعمالكم.. الخبر.

وفيه إشارة إلى أن من ليس له عمل سوء فلا شيء يحجبه عن إمامه عليه السلام وهو من الأوتاد أو من الأبدال.

وقال المحقق الكاظمي في أقسام الاجماع الذي استخرجه من مطاوي كلمات العلماء، وفحاوي عباراتهم، غير الإجماع المصطلح المعروف: وثالثها أن يحصل لأحد من سفراء الإمام الغائب عليه السلام، وصلى عليه، العلم بقوله: إما بنقل مثله له سراً، أو بتوقيع أو مكاتبة، أو بالسماع منه شفاهاً، على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في زمن الغيبة، ويحصل ذلك لبعض حملة أسرارهم، ولا يمكنهم التصريح بما اطّلع عليه، والاعلان بنسبة القول إليه، والاتكال في إبراز المدعى على غير الاجماع من الأدلة الشرعية، لفقدها.

وحينئذٍ فيجوز له إذا لم يكن مأموراً بالاخفاء، أو كان مأموراً بالاظهار على وجه الافشاء أن يبرزه لغيره في مقام الاحتجاج، بصورة الاجماع، خوفاً من الضياع، وجمعاً بين امتثال الأمر بإظهار الحق بقدر الامكان، وامتثال النهي عن إذاعة مثله لغير أهله من أبناء الزمان، ولا ريب في كونه حجة أما لنفسه فلعلمه بقول الإمام عليه السلام، وأما لغيره فلكشفه عن قول الإمام عليه السلام أيضاً غاية ما هناك أنه يستكشف قول الإمام عليه السلام بطريق غير ثابت، ولا ضير فيه، بعد حصول الوصول إلى ما أُنيط به حجيّة الاجماع، ولصحة هذا الوجه وإمكانه شواهد تدلّ عليه:

منها كثير من الزيارات والآداب والأعمال المعروفة التي تداولت بين الإمامية ولا مستند لها ظاهراً من أخبارهم، ولا من كتب قدمائهم الواقفين على آثار الأئمة عليهم السلام وأسرارهم، ولا أمارة تشهد بأن منشأها أخبار مطلقة، أو وجوه اعتبارية مستحسنة، هي التي دعتهم إلى إنشائها وترتيبها، والاعتناء لجمعها وتدوينها كما هو الظاهر في جملة منها،نعم لا تضائق في ورود الأخبار في بعضها.

ومنها: ما رواه والد العلامة وابن طاووس عند السيد الكبير العابد رضي الدين محمد بن محمد الآوي.

ومنها: قصة الجزيرة الخضراء المعروفة المذكورة في البحار، وتفسير الأئمة عليهم السلام وغيرها.

ومنها ما سمعه منه علي بن طاووس في السرداب الشريف.

ومنها ما علّم محمد بن علي العلوي الحسيني المصري في الحائر الحسيني وهو بين النوم واليقظة، وقد أتاه الامام عليه السلام مكرّراً وعلّمه إلى أن تعلّمه في خمس ليالي وحفظه ثم دعا به واستجيب دعاؤه، وهو الدعاء المعروف بالعلوي المصري وغير ذلك.

ولعل هذا هو الأصل أيضاً في كثير من الأقوال المجهولة القائل، فيكون المطّلع على قول الإمام عليه السلام لمّا وجده مخالفاً لما عليه الإمامية أو معظمهم، ولم يتمكن من إظهاره على وجهه، وخشي أن يضيع الحق ويذهب عن أهله؛ جعله قولاً من أقوالهم، وربما اعتمد وأفتى به من غير تصريح بدليله لعدم قيام الأدلة الظاهرة بإثباته، ولعله الوجه أيضاً فيما عن بعض المشايخ من اعتبار تلك الأقوال أو تقويتها بحسب الإمكان، نظراً إلى احتمال كونها قول الامام عليه السلام ألقاها بين العلماء، كيلا يجمعوا على الخطأ، ولا طريق لإلقائها حينئذٍ إلا بالوجه المذكور.

وقال السيد المرتضى في كتاب تنزيه الأنبياء في جواب من قال:((فإذا كان الامام عليه السلام غائباً بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه... الخ)) قلنا الجواب أول ما نقوله: إنا غير قاطعين على أن الامام لا يصل إليه أحد، ولا يلقاه بشر، فهذا أمر غير معلوم، ولا سبيل إلى القطع عليه...الخ.

وقال أيضاً في جواب من قال: إذا كانت العلة في استتار الإمام، خوفه من الظالمين، واتقائه من المعاندين، فهذه العلة زائلة في أوليائه وشيعته، فيجب أن يكون ظاهراً لهم: بعد كلام له _وقلنا أيضاً إنه غير ممتنع أن يكون الإمام يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف، وإن هذا مما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه، وإنما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه، ولا سبيل إلى العلم بحال غيره.

وله في كتاب المقنع في الغيبة كلام يقرب مما ذكره هناك.

وقال الشيخ الطوسي رضوان الله عليه في كتاب الغيبة في الجواب عن هذا السؤال بعد كلام له: والذي ينبغي أن يجاب عن هذا السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن نقول: إنّا أولاً لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يبرز لأكثرهم ولا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه، فإن كان ظاهراً له فعلّته مزاحة، وإن لم يكن ظاهراً علم أنه لم يظهر له لأمر يرجع إليه، وإن لم يعلمه مفصّلاً لتقصير من جهته...الخ.

وتقدّم كلمات للسيد علي بن طاووس تناسب المقام خصوصاً قوله مع أنه عليه السلام حاضر مع الله جل جلاله على اليقين وإنما غاب من لم يلقه عنهم، لغيبته عن حضرة المتابعة له، ولرب العالمين.

وفيما نقلنا من كلماتهم وغيرها مما يطول بنقله الكتاب كفاية لرفع الاستبعاد وعدم حملهم الخبر على ظاهره، وصرفه إلى أحد الوجوه التي ذكرناها.

السادس: أن يكون المخفيّ على الأنام، والمحجوب عنهم، مكانه عليه السلام ومستقره الذي يقيم فيه، فلا يصل إليه أحد ولا يعرفه غيره حتى ولده، فلا ينافي لقاءه ومشاهدته في الأماكن والمقامات التي قد مر ذكر بعضها، وظهوره عند المضطر المستغيث به، الملتجئ إليه التي انقطعت عنه الأسباب واُغلقت دونه الأبواب.

وفي دعوات السيد الراوندي ومجموع الدعوات للتلعكبري وقبس المصباح للصهرشتي في خبر أبي الوفا، الشيرازي أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النوم: وأما الحجة، فإذا بلغ منك السيف للذبح، وأومأ بيده إلى الخلق، فاستغث به فإنه يغيثك، وهو غياث وكهف لمن استغاث، فقل: يا مولاي يا صاحب الزمان أنا مستغيث بك، وفي لفظ: وأما صاحب الزمان فإذا بلغ منك السيف هنا، ووضع يده على حلقه، فاستعن به فإنه يعينك.

ومما يؤيد هذا الاحتمال ما رواه الشيخ والنعماني في كتابي الغيبة عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما تطول، حتى يقول بعضهم مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب حتى لا يبقى على أمره من أصحابه الا نفر يسير، لا يطّلع على موضعه أحد من ولده، ولا غيره الا الذي(يلي) أمره.

وروى الكليني عن إسحاق بن عمار قال أبو عبد الله عليه السلام: للقائم غيبتان إحداهما قصيرة والأخرى طويلة: الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها الا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم مكانه فيها الا خاصة مواليه.

ورواه النعماني وفي لفظه بدون الاستثناء في الثاني، ورواه بسند آخر عنه عليه السلام قال: للقائم غيبتان إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، الأولى لا يعلم بمكانه إلا خاصة(شيعته) والأخرى لا يعلم مكانه الا(خاصة) مواليه في دينه.

وليس في تلك القصص ما يدل على أن أحداً لقيه عليه السلام في مقرّ سلطنته ومحل إقامته.

ثم لا يخفى على الجائس في خلال ديار الأخبار أنه عليه السلام ظهر في الغيبة الصغرى لغير خاصته ومواليه أيضاً، فالذي انفرد به الخواص في الصغرى هو العلم بمستقره، وعرض حوائجهم عليه عليه السلام فيه، فهو المنفي عنهم في الكبرى، فحالهم وحال غيرهم فيها كغير الخواص في الصغرى، والله العالم)(22).

وقد نوقشت تلك الأدلة بمناقشات يطول المقام فيها:

منها: مناقشة الخبر بكون خبر واحد، ولكن لا يضر ذلك في حجيته كما هو مثبت في مباحث علم أصول الفقه بحجية خبر الواحد الثقة من حيث الموقف الشرعي.

وكذلك مناقشة سند الحديث حينما وصف بالضعف، ومن الواضح أن الوصف بالضعف نشأ من جهالة الراوي الذي روى عنه الصدوق رحمه الله ذلك الخبر وهو أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب؛ وقد أجيب عليه بوجوه منها: أنه من شيوخ الصدوق رحمه الله وقد ترحم عليه في أكثر من موضع وهو يفيد الوثاقة أو الحسن على أقل تقدير، ولكن هذا الوجه لم يبق بلا مناقشة فقد نوقشت الكبرى وهي أصل وثاقة شيوخ الصدوق، كما نوقشت كبرى الترحم وأنها لا تفيد الوثاقة ولا تفيد الحسن.

ومن تلك الوجوه ما نراه في تصحيحه أن هذا الخبر يرويه الصدوق عن السمري بواسطة واحدة فقط علماً أن الشيخ الصدوق رحمه الله ولد في الغيبة الصغرى وكان له من العمر يوم وفاة السمري حوالي عشرين سنة، ومن البعيد جداً أن يروي الصدوق رحمه الله توقيعاً للناحية المقدسة عن شخص مجهول وبالخصوص أن التوقيع الشريف تضمن أحداثاً خارقة للعادة من السهل أن تظهر كذب صاحبها إذا كانت مخالفة للواقع.

ويمكننا أن نجيب بنحو آخر وهو: إننا ندرس النص الشريف من خلال الظروف والملابسات التي أحاطت به، بالتوضيح التالي:

أولاً: أن الامام المهدي عليه السلام حي موجود يعيش حياة طبيعية وعادية من ولادته وحتى وفاة أبيه الامام الحسن العسكري عليه السلام ولكنه وللظروف الأمنية أخفاه عن كثير من الناس ولم يطلع على خبره وشخصه الا القليلين.

ثانياً: إنه عليه السلام تصدى لمقام الإمامة بعد أبيه عليه السلام وقد باشر بنفسه القدسية وظائفها الإدارية التي كان يباشرها آباؤه عليهم السلام بقبض الأموال وصرفها في مواردها والإجابة على الأسئلة وتعيين الوكلاء وما إلى ذلك.

ومن ملازمات هذا التصدي أن يلتقي بالآخرين ويوجههم ويرشدهم كما تحدثنا كثير من روايات الرؤية بذلك بحدود حفظ الحالة السرية وملاحظة الوضع الأمني الذي كان يهتم به جداً عليه السلام.

ثالثاً: إنه فتح بشكل محدود باب اللقاء به، وسمح لبعض الشيعة من الاتصال به ولكن ضيّق ذلك كلما تباعد زمن الغيبة، فإننا لو أردنا مراجعة جميع الروايات والقصص التي ذكرت للذين رأوه نسبياً في الغيبة الصغرى فإننا نجد أن رؤيته كانت متيسرة في بداية الغيبة الصغرى أما مباشرة في بيت أبيه أو في سر من رأى أو في الموسم، وأما بواسطة سفرائه، وقد كانت تخرج منه الرسائل والكتب إلى أصحابه وشيعته؛ ولكن بنظرة استقرائية نجد الخط البياني في تنازل حتى كانت الغيبة الكبرى، يعني أن الباب ضيق بشكل ترتيبي فإن من رآه في بداية الغيبة الصغرى أكثر ممن رام لقاءه في وسط الغيبة وهكذا هم بالنسبة للذين عاشوا في الفترة الأخيرة من الغيبة الصغرى. ويرجع السبب في ذلك إلى أن الغيبة الصغرى تعتبر مرحلة تمهيدية لتهيئة الأجواء والظروف لإيجاد الغيبة الكبرى كما جاء في كثير من الروايات عن النبي والأئمة عليهم السلام أن مهمة الإمام المهدي الرئيسية التي اخرها الله إليها تبدأ بعد انتهاء الغيبة الكبرى وهي الفترة الأطول من تاريخ الإسلام والمسلمين.

رابعاً: وبقراءة دقيقة لطرق الاتصال بين الشيعة والإمام عليه السلام في طول الغيبة الصغرى نجد أن التوجيه العام الصادر منه كان منصّبا على الرجوع إلى نوابه ووكلائه وعدم السعي للإتصال المباشر به، ولذلك نجده قد أرجع الأموال التي أريد تسليمها له إلى وكلائه لتثبيت هذا الطريق وحصر الاتصال به عن هذا الطريق فقط وإلغاء طريق الاتصال المباشر شيئاً فشيئاً.

فبعدما كان يرغب بعض الشيعة بالاتصال بالإمام وإيصال الأموال إليه كما تشير إليه القضايا الكثيرة المنقولة عن تلك المرحلة؛ ومنها ما رواه رئيس المحدثين الشيخ الصدوق في كمال الدين في: أن رجلاً تفكر في رجل يوصل إليه ما وجب للغريم عليه السلام، وضاق به صدره، فسمع هاتفاً يهتف به:(أوصل ما معك إلى حاجز).

قال: وخرج أبو محمد السروي إلى سر من رأى ومعه مال فخرج إليه ابتداءً:(فليس فينا شك، ولا فيمن يقوم مقامنا شك، ورُدَّ ما معك إلى حاجز)(23).

وروى أيضاً في كمال الدين عن أبي العباس أحمد بن الخضر بن أبي صالح الخجندي(الجحدري خ.ل) رضي الله عنه أنه خرج إليه من وطنه ليتبيّن له ما يعمل عليه.

وكان نسخة التوقيع: (من بحث فقد طلب، ومن طلب فقد دل، ومن دل فقد أشاط، ومن أشاط فقد أشرك قال: فكف عن الطلب ورجع)(24).

وروى الشيخ الطوسي رحمه الله في كتابه(الغيبة) عن محد بن يعقو ب، رفعه عن الزهري، قال: طلبت هذا الأمر طلباً شاقاً حتى ذهب لي فيه مال صالح، فوقعت إلى العمري وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان عليه السلام، فقال: ليس إلى ذلك وصول، فخضعت... الخبر)(25).

نجد أن هذه الحالة خفت شيئاً فشيئاً إلى أن أُلغيت في أواخر حياة الشيخ الحسين بن روح رضي الله تعالى عنه، وانتهت تماماً في حياة الشيخ السمري رضي الله تعالى عنه لأن المجتمع الشيعي والفرد الشيعي وصل إلى مرحلة الانسجام الكامل مع الطريقة التي بيّنها الامام الحجة عليه السلام بالاتصال بشخصه الشريف وهي طريقة الوكلاء والنواب.

خامساً: ولو استقرأنا جميع من رآه في عصر الغيبة الصغرى نجد أن نقل قصة الرؤية وتفصيل اللقاء لم يأخذ مأخذاً مهماً في حياة الآخرين، ولم يؤثر على الحياة العامة، بل إننا وبتتبع تفاصيل تلك القصص المنقولة في الكتب المعتبرة لم نجد اهتماماً من الآخرين بسماع تلك القصص إلا بمقدار ما يثبت صحة وجود الإمام المعصوم المغيَّب عليه السلام، ليس إلا لإقامة الحجة على الخصم ولتقر عيون المؤمنين.

ولم نجد شيئاً آخر استتبع ذلك مثل إعطاء وجاهة خاصة، أو مقام خاص لمن رآه، أو العمل بمدعياته، فإن الناس كانوا مستغنين _في فترة الغيبة الصغرى_ عن كل ذلك استغناءً كاملاً وتاماً لأنهم كانوا يؤمنون:

أ: أن الامام المهدي عليه السلام موجود، وحي، وأنه يعيش معهم كما كان يعيش آباؤه عليهم السلام بشكل طبيعي، وضمن الأوضاع السياسية والاجتماعية العامة.

ب: وكانوا يعتبرون باب لقاءه مفتوحاً يمكن لكل طالب مجدّ في طلبه أن يصل إليه، وقد يكون ذلك بمشقة، أو بسهولة على صور وحالات مختلفة تبعاً لاختلاف الأشخاص والظروف والمصلحة التي يرتئيها المعصوم، ولكن الشيعة عموماً كانوا لا يسعون إلى ذلك، لأنهم كانوا منهيين عن ذلك، بل أكثر منه وهو معرفة الإسم، أو التصريح به كما هو مصرَّح به في الروايات المتقدمة.

وإذا تتبعنا ما يمكن أن يتصور من دواي تدعو إلى هذا الطلب آنذاك عدة أشياء:

فقد يكون الداعي لمعرفة صحة وجود الإمام المعصوم الحي.

والشيعي في غنى عن ذلك لأنه يعتقد جازماً بذلك.

وقد يكون الداعي أن يوصل إلى الإمام الحقوق الشرعية. والشيعي في غنى عن ذلك أيضاً لأنه عليه السلام قد نصب وكلاءَ عنه يقومون بهذه المهمة.

وقد يكون الداعي معرفة الموقف السياسي؛ والشيعي في غنىً عن ذلك أيضاً لأنه عليه السلام قد نصب نواباً عنه يقومون بهذا الدور.

وقد يكون الداعي معرفة الحلال والحرام وحل الشبهات العقائدية ومعرفة القضايا الفكرية وما إلى ذلك.

والشيعي في غنى عن ذلك أيضاً لأن نوابه عليهم السلام كانوا يقومون بهذا الدور، أو يستعينون أحياناً بتحصيل الجواب منه أما مشافهةً أو كتابةً، والقضية التالية تشير إلى هذه الحقيقة، ونذكرها على نحو المثال وإلا فلو أردنا استتباع مثلها لاحتجنا إلى مجال مستقل.

روى الصدوق عليه الرحمة في كمال الدين والطوسي في الغيبة عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال:

كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه، مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري، فقام إليه رجل، فقال له: إني أريد أن أسألك عن شيء.

فقال له: سل عمّا بدا لك.

فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي عليهما السلام، أهو ولي الله؟

فقال: نعم، قال: أخبرني عن قاتله، أهو عدو الله؟ قال: نعم. قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عز وجل عدوه على وليه؟

فقال له أبو القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه: افهم عنّي ما أقول لك.. اعلم أن الله عز وجل لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ولا يشافههم بالكلام، ولكنه جل جلاله يبعث إليهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم، ولو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم. فلمّا جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، قالوا لهم: أنتم بشر مثلنا ولا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله إنكم مخصصون دوننا بما لا نقدر عليه فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار، فغرق جميع من طغى وتمرّد، ومنهم من أُلقي في الناس فكانت برداً وسلاماً، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى ضرعها لبناً، ومنهم من فلق له البحر، وفجر له من الحجر العيون، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله، وأنبأهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم، ومنهم من انشقّ له القمر، وكلّمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك.

فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق عن أمرهم وعن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عز وجل ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه عليهم السلام مع هذه القدرة والمعجزات في حالة غالبين وفي أخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين وفي أخرى مقهورين ولو جعلهم الله عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتّخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ولكنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبّرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله، وتكون حجة الله ثابتة على من تجاوز الحد فيهم وادعى لهم الربوبية، أو عاند أو خالف وعصى وجحد بما أتت به الرسل والأنبياء عليهم السلام((لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)).

قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه فعدت الى الشيخ أبي القاسم بن روح قدس الله روحه من الغدو وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه، فابتدأني فقال لي: يا محمد بن إبراهيم، لإن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبُّ إلي من أن أقول في دين الله عز وجل برأيي أو من عند نفسي، بل ذلك عن الأصل ومسموع من الحجة عليه السلام(26).

ووجه الاستشهاد هو آخر كلام الشيخ ابن روح فإنه لا يجيب من عنده وإنما هو واسطة نقل بين الإمام وبين من عنده شبهات عقائدية من شيعته.

وقد يكون الداعي هو الحب والشوق لرؤية الإمام وهذا الداعي لا يقتضي الإعلان، بل مع وجود نهي عن الإعلان يبقى اللقاء سراً لا يباح به، ومن ذلك نجد أتقياء الشيعة وصلحاءها؛ فمع أنهم -من المقطوع به- كانوا يصلون بخدمته، ويوفقون لرؤيته وبشكل مستمر أحياناً، ولكنهم كانوا يكتمون أكثر ذلك لأن المصلحة الأمنية تقتضي إخفاء تلك النعمة الإلهية وإبقاءها في ما وراء الأستار لا يكشف عنها.

بل إن الوكلاء والنواب أنفسهم كانوا يخفون تلك القضايا حتى على الشيعة خوفاً من الإعلان والشهرة التي تستتبعها المتابعة والبحث مما يعرّض حياة شخص الإمام عليه السلام أو حياة مرافقيه للخطر.

مع أن المقطوع به أنهم كانوا على اتصال دائمي به، وكانت تخرج التواقيع الشريفة على أيديهم، بل كان يخبرهم عليه السلام بقضايا كثيرة لم تقع ليخبروا بها قبل وقوعها لتثبيت الحجة، ويربط بها على قلوب الشيعة.

سادساً: ومن خلال المقدمة الخامسة يتضح أن مسألة مشاهدة الإمام في عصر الغيبة الصغرى وخصوصاً مع تقادم الزمن أي أواخر سنيّ الغيبة الصغرى لم تكن ذات طابع عام، ولم تحض باهتمام الناس، فإن يقينهم به عليه السلام جعلهم بعيدين عن البحث عنه.

كما جعلت عشاق الإمام عليه السلام أكثر حرية في ممارسة حقهم الطبيعي في لقاء محبوبهم(أين.. ومتى..) من دون أن يقعوا تحت وابل الاستفسارات والأسئلة، ومن دون عناء من الآخرين بخصوص هذا الموضوع.

سابعاً: نعم! إن الذي كان يشغل أذهان الناس بشكل عام هو مواقع الوكالة، أو النيابة الخاصة عنه عليه السلام، ولو أن طريقة ارتباط الناس قد اتخذت في أواخر حياة الحسين بن روح، وفي حياة علي السمري رحمه الله، شكلاً جديداً يختلف عن الأسلوب الذي كان في حياة العمريين وقسم من حياة ابن روح؛ فقد كان الاتصال بالإمام عليه السلام بواسطة نوابه ووكلاءه بينما خفّت أضواء هذه الظاهرة في حياة الحسين بن روح، وأصبحت حالة الارتباط بالوكلاء الذين ينوبون عن السفراء أكثر من ارتباطهم بالنواب، بل نجد أن النائب عليه السلام كان يرجع أهل كل منطقة الى الوكلاء الموجودين في تلك المنطقة، وينصح المراجع بعدم العودة خوفاً على الشهرة والذياع.

بل إن حالة الإرجاع الى الفقهاء العدول التي كانت موجودة في حياة الأئمة السابقين عليهم السلام قد تأكدت من بدايات الغيبة الصغرى، ويؤكد هذه الحقيقة التوقيع الشريف الذي خرج من الناحية المقدسة الى إسحاق بن يعقوب والذي رواه عنه الشيخ الكليني رحمه الله والناص على قوله عليه السلام:((... وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله...))(27).

ولذلك فإننا نجد الشيعة استفادوا من هذه الطريقة الشريفة لمعرفة أحكامهم الشرعية، وهذا ما يفسر قلّة التواقيع التي صدرت من الحسين بن روح وازدادت قلّة الى حدّ كادت تختفي في حياة الشيخ السمري رضي الله عنه.

ثامناً:  ومن مجموع تلك المقدمات فلا يمكننا أن نفسر التوقيع الصادر من الناحية المقدسة على يد السمري المانع للرؤية إشارة الى المشاهدة الشخصية فلم يكن هذا الموضوع يشغل أذهان وأفكار الشيعة، وإنما الممنوع شيء آخر قد أخذ مأخذاً كبيراً من أفكارهم وهو طريق ارتباطهم بإمامهم عليه السلام، فهل تستمر الحالة كما هي عليه، أو أن هناك تغيير جذري جديد؟ فجاء التوقيع الصادر منه عليه السلام واضحاً جداً حيث بيّن انقطاع السفارة وانتهت بعلي بن محمد السمري وأنه سوف يتوفى ما بينه وبين ستة أيام،(وإنه لم يؤمر بأن يوصي الى أحد بعده في هذا الشأن)(28).

وبهذا سدّ الطريق على الكذابين والدجالين الذين سوف يدّعون أن لهم طريق اتصال به عليه السلام، ويشاهدونه وبذلك فهو يلغي الوكالة، والاتصال المستمر، ويسدّ باب اللقاء به ليحمي شيعته من بدع المدّعين للإرتباط، وذلك لأن لنفس الغيبة مجالات نفوذ قد يتمكن منها الدجالون فيغرروا بعض الشيعة.

وقد سطع التوقيع الشريف بنور الإخبار عن الغيب عندما كتب الإمام المهدي عليه السلام((وسيأتي على شيعتي من يدعي المشاهدة))، فإنه يخبر عن أمر واقع وحادث مستقبلي مما يعطي هذا الإخبار الغيبي قوة زائدة لنفس هذا التوقيع الشريف.

وكان الحل لمشكلة الثغرات الطبيعية الناتجة من واقعة الغيبة هو سد باب(الإدعاء بالارتباط) بأن يقول القائل الكاذب الدجال بأنه(رسول الإمام) أو(وصي الإمام)، أو(السفير الخاص للإمام)، أو من أبناءه المرتبطين به.

وبهذا الموقف تمكن الشيعة من الاحتماء من دجل الدجالين على طول فترة الغيبة الكبرى.

ولكن هذا الموقف لم يمنع من إمكان أو وقوع اللقاء به عليه السلام الخالي من هذه الدعاوى، وإنما هو لقاء حبيب بحبيبه، والمحتاج بقاضي الحاجات، والمولى بمولاه.

 

 

 

 

الهوامش:


(1)روى الصدوق والطوسي والطبري وغيرهم أنه خرج التوقيع من الناحية المقدسة عليه السلام أنه قال فيه:((وأما علة وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)) انه لم يكن أحد من آبائي الا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. راجع كمال الدين: ص 483، ح 4 الغيبة، الطوسي: ص 292، الطبعة المحققة، الاحتجاج/ الطبرسي 2 : ص 284 وغيرها.

(2)راجع: النجم الثاقب/ النوري/ ترجمة وتحقيق ياسين الموسوي، ج 2: ص 549_ 570، الطبعة الأولى.

(3)ذكرنا القصة في كتابنا(حياة العلامة السيد بحر العوم، ص 328، 329، الطبعة الأولى، 1997م_ 1418هـ، دار البهجة لبنان_ بيروت.

(4)هذا أحد الأسباب العملية للحب، وهناك سبب غيبي عقيدي أكبر منها جميعاً وهو السبب التكويني حيث أن لأهل البيت  وجود قدسي وهم قلب عالم الإمكان، والحكام على الخلق ومنار الهدى وأحباء الله تعالى.

(5)الأمالي: الشيخ المفيد/ ص 10/ ط النجف(الحيدرية).

(6)من جملتها: جنة المأوى للشيخ النوري، وتبصرة الولي للسيد البحراني، ومنها(بدائع الكلام) ومنها(دار السلام) للشيخ محمود العراقي.

(7)كمال الدين _الصدوق: 2/ 440: باب 43، ح8، عنه في البحار: ج52، ص 152، ح 4.

(8)الغيبة للنعماني، باب 10 ص 163_164، ونقله عنه المجلسي في البحار: ج 52 ص 154 ح 9.

(9)كمال الدين، الصدوق: ج 2 ص 482، باب 45، ح 1، ونقله عنه المجلسي في البحار: ج 51، ص 33، ح 9.

(10)كمال الدين، الصدوق: ج 2، ص 45، باب 45، ح 3، ونقله عنه المجلسي في البحار: ج 51، ص 33 ح 10.

(11)كمال الدين، الصدوق: ج 2، ص 648، باب 56، ح 1؛ ونقله عنه المجلسي في البحار: ج 51، ص 33، ح 11.

(12)في كمال الدين(يقوم) وفي الغيبة للطوسي والاحتجاج للطبرسي(فيقوم).

(13)في بعض نسخ كمال الدين(الثانية).

(14)في بعض نسخ كمال الدين(عز وجل).

(15)هذه الزيادة في الاحتجاج، وهي غير موجودة في الغيبة وكمال الدين.

(16)هكذا في الغيبة والاحتجاج وفي كمال الدين(كاذب).

(17)راجع كمال الدين(الصدوق): ج 2، ص 516، ح 44، الغيبة(الطوسي): ص 395، الطبعة المحققة_ الاحتجاج(الطبرسي): ج 2، ص 297، جنة المأوى(النوري): ص 318، البحار: ج 51، ص 260، ح 3_ إثبات الهداة(الحر العاملي) ج 3، ص 693، ح 112 _الخرائج(الراوندي): ج 3، ص 1128، الطبعة المحققة. منتخب الأنوار المضيئة(السيد عبد الكريم النيلي) ص 130_ الصراط المستقيم(البياضي): ج 2، ص 236_ كشف الغمة(الاربلي): ج 2، ص 230_ إعلام الورى(الطبرسي): ص 417_ ثاقب المناقب(لابن حمزة): ص 464، الطبعة المحققة، وغير ذلك من المصادر الأخرى.

(18)يوسف: 70.

(19)وهناك وجوه أخرى أعرضنا عن ذكرها روماً للاختصار.

(20)راجع جنة المأوى: ص 318، المطبوع مع بحار الأنوار: ج 53.

(21)ج 2 ص 403_ 417، ترجمة وتحقيق ياسين الموسوي.

(22)جنة المأوى: 318_ 325(المطبوع مع بحار الأنوار ج 53).

(23)كمال الدين/ 2: 498، ح 23، ونقله عنه المجلسي في البحار: 51: 334، ح 58.

(24)كمال الدين 2: 509، ح39، ونقله عنه المجلسي في البحار: 51: 340، ح 67، وفي: 53: 196، ح22، ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة: 323، ح 271، الطبعة المحققة.

(25)الغيبة للطوسي: 271، ح 236، الطبعة المحققة، وتمام الحكاية منقولة في تبصرة الولي الحكاية 68، ونقلها المجلسي في البحار: 52: 15، ح 13؛ وفي: 83: 60، ح 20.

(26)كمال الدين/ الصدوق: 507، الغيبة/ الطوسي: 324_326، علل الشرائع/ الصدوق: 241.

(27)كمال الدين/ الصدوق: 484، ورواه الطوسي في: الغيبة: 291/ الطبعة المحققة، وللخبر مصادر أخرى.

(28)الغيبة للطوسي: 394.

العدد: ١٧ / جمادى الآخر / ١٤٣٠ هـ : ٢٠١٣/٠٩/٣٠ : ٢٩.٦ K : ٠
: السيد ياسين الموسوي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

لتحميل أعداد المجلة (pdf):