المسار:
العربية » مجلة الانتظار » العدد: ١٧ / جمادى الآخر / ١٤٣٠ هـ
العدد: 17 / جمادى الآخر / 1430 هـ

دراسات / ضرورة المحافظة على الاخوة الاسلامية

ضرورة المحافظة على الاخوة الاسلامية

بقلم: محمد منصور

مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام هذه موضوعات استلت من غرف الانترنيت حول الشبهات التي أثارها الكاتب(أحمد الكاتب) ورد بعض مفكري وعلماء الشيعة عليها، وهنا نثبت رداً بقلم الكاتب محمد منصور حول إحدى شبهاته الباطلة:

الردّ على الكاتب في نقاشه للتلميذ وعلى مقالة الأخير تحت عنوان المحافظة على الإخوة كمسلمين شيعة لأهل البيت عليهم السلام.

وأبتدأ بأبرز ما يلفت النظر ثمّ أتابع بقيّة النقاط:

1- إنَّه وصف مراجع الشيعة الاثني عشرية النوّاب للإمام الثاني عشر بثلاث كلمات بالطغاة والانتهازيين والمتكبّرين و الظاهر أنَّها عقدته التي اصطدم بها مع الدولة في إيران.

2- وصفه جميع رواة الشيعة الاثني عشرية بالتواطؤ على الكذب.

3- إنَّه وصف متكلّمي الشيعة الاثني عشرية بأنَّهم دسّاسة والظاهر أنَّ مصنع السبّ على قدم وساق لدى الكاتب المؤدَّب المتحرّي للحقيقة.

4- قال:(وأرجو أن لا تكرّر مسألة غموض ولادة بعض الأنبياء أو سرّية وجود الخضر والرجل الصالح فهؤلاء لم يأمر الله الناس بطاعتهم والالتفاف حولهم قبل نبوّتهم وفي حالة اختفائهم فالإمام الذي تجب طاعته يجب أن يكون حيّاً ظاهراً) إنكاره لموالاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وإنكار لطاعته، فكلّ التشريعات والأحكام التي أنفذها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ينكر الكاتب الالتزام بها وأنَّ لا موالاة ولا طاعة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأنَّه ليس بحيّ ولا ظاهر، قال تعالى:((أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ))(1) بل لازم قول الكاتب إنكار طاعة الله تعالى لأنَّ الناس -على قوله- لا يمكنهم عملياً موالاة الله وطاعته والقتال بأمر الله تعالى. ولإنَّ الله تعالى _ على منطق الكاتب العلماني ولا أدري أنَّ أصدقاءه كالمشارك والغالب والناصر وغيرهم يشاركونه في هذا الاعتقاد والمنهج أم لا!؟ ولأنَّ الله تعالى معزول عن التدخّل في الحكم السياسي والقضائي والتنفيذي في نظام البشر، بل الله تعالى على منطق الكاتب لأنَّ ذاته سرّية وباطنيّة، وأنَّ الاعتقاد بالله تعالى موروث ويجب تحت شعار التصحيح أن نسجد للمادة ونعبد الحياة الدنيوية وأن أقصى الغايات هي لذّة النكاح والأكل والرقص واللهو.

فإن رجع عن قوله باشتراط الحياة والظهور في الطاعة والموالاة والمتابعة كي يصحّ موالاة الله تعالى وطاعته ومتابعته وموالاة وطاعة رسوله ومتابعته، فكذلك الحال في الإمام الحيّ المستتر تجب طاعته وموالاته ومتابعته لاسيّما وأنَّ له وكلاء ظاهرين ونوّاب يمكن للناس الاتّصال بهم قد عيَّن لهم برنامجاً في مجال الفتيا واستنباط التشريع الإلهي وفي مجال الحكم النيابي والقضائي ولازم متابعته وموالاته الأخذ بكلّ أوامره الصادرة عنه أيّام غيبته الصغرى عبر نوّابه الأربعة التي جمع الإمامية رواياتهم عنه في كتبهم، نعم الكاتب يطعن على الإماميّة ورواتهم ونوّابه الأربعة بالوضع لأنَّهم يعتقدون بالإمامة كعهد من الله تعالى((إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)) قال الكاتب: أنا أرفض البحث في ذلك!!

وقال الكاتب: (ولا يمكن طاعة وولاية من يكون خفياً، فهذا ما لم يحدث في تاريخ الأنبياء والأئمّة والعقلاء في العالم).

وعلى منهجه فلا يمكن طاعة الله تعالى وولايته لأنَّ الله تعالى خفي عن الحسّ البشري وليس بظاهر، فالله تعالى معزول عن أمور خلقه وللبشر شأنهم واختيارهم في الطاعة والولاية والله تعالى مجرَّد إله متفرّج من بعيد ليس له الأمر والحكم، وأنَّ الله تعالى ليس له في مجال التطبيق والحكم في النظام الاجتماعي والسياسي والقتال أيّة صلاحية وتدخّل في أمور البشر، لأنَّ ذلك غير عملي ومرفوض في التمدّن الغربي.

وأمَّا حدوث ذلك في تاريخ الأنبياء: فقد قال تعالى عن لسان موسى: ((وَقالَ مُوسى لأَِخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ))(2) وقد استخلف موسى أخاه أربعين ليلة كما تقول الآية نفسها(( وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)).

نعم قد احتجَّ بنو إسرائيل الذين عبدوا العجل واتّبعوا السامري وخالفوا وصيّ وخليفة موسى كما تقول الآية: ((وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى))(3). فلقد كان منطقهم أنَّه غير عملي طاعة موسى وقد غاب واستتر ليلاً ونهاراً طوال أربعين يوماً، وقد أجابهم موسى كما في الآية: ((فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي))(4). فلقد طال على بني إسرائيل العهد كما طال على الكاتب العهد في انتظار الوعد الإلهي في قوله تعالى:((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ))(5)، والوعد في قوله تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ...))(6) ، والوعد الإلهي على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم بظهور المهدي من ذرّيته يملأ الأرض قسطاً وعدلاً في أحاديث الفريقين المتواترة، فهذا نموذج قرآني لغيبة موسى وقد قال لبني إسرائيل: ((بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ))(7).

وأمَّا في تاريخ الأئمّة عليهم السلام فلقد كان الكاظم عليه السلام مغيّباً في قعر السجون العديد من السنين من قبل الخليفة العبّاسي -وستسمع الكاتب هاهنا لأنَّه يعتقد بأنَّ بني العبّاس لهم سياسة ليّنة مع البيت العلوي- ففي بعض الروايات أنَّه سجن أربعاً وأخرى سبعاً وثالثة أربع عشرة سنة, ولكن كان له وكلاء ترتبط الشيعة عبرهم بالإمام عليه السلام وكذلك كان حال العسكريين عليهما السلام إذ كان الحصار عليهما شديداً من قبل الدولة العبّاسية آنذاك وكانت قد فرضت عليهما الإقامة الجبرية في عاصمتها سامراء، كي تستحكم رقابتها على أيّ اتّصال يجري بين الإمامين العسكريين وعموم الشيعة. بل وكذا الحال في الإمام السجّاد عليه السلام حيث قد كانت الدولة الأموية قد شدَّدت رقابتها عليه بعد واقعة الطف -ولعلَّ الكاتب يعتقد أنَّ الأمويين كانت لديهم سياسة ليّنة مع البيت العلوي كما اعتقد ذلك في العبّاسيين- وقد كان الوسيط بينه وبين عموم الشيعة في كثير من الأمور عقيلة بني هاشم.

وأمَّا في تاريخ العقلاء في العالم فقد كرَّرنا للكاتب العديد من الأمثلة البشرية في الوقت الحاضر فإنَّ قيادات المخابرات الدولية والقوى السرّية كقوى المال والسلاح هي التي تدير الوضع الدولي الحاضر وهي التي تتحكَّم في الحكومات العلنية في الدول العظمى، قيادات كلّ هذه الأجهزة الدولية السرّية هي في منتهى التستّر والخفاء وكذلك الحال في المنظمات السرّية المعارضة للأنظمة _ التي ذكرها الكاتب في كلامه ذاهلاً عن كلامه قبل أسطر أنَّ العقلاء ليس لهم قيادات تطاع في الخفاء _ وأحسب أنَّ الكاتب ينادي مخاطباً العالم في هذا العصر:(يا أيّها الأجهزة السرّية التي تحكم مقادير الوضع البشري هذا اليوم، اعلموا أنَّكم غلاة ومن أتباع المذهب الباطني وأنَّ ارتباط الجموع البشرية مع التدبير الخفي السرّي غير عملي وغير منطقي)، وأراه يضيف قائلاً:(ويجب عليكم الظهور إلى السطح والعلن وإلاَّ فمقادير الشعوب ليست بأيديكم، فيا أيَّتها التنظيمات السرّية المخابراتية ويا أيَّتها القوى النفطية من الشركات العملاقة، وشركات السلاح أنَّ الالتفاف حولكم والسمع والطاعة لكم لا يتمّ إلاَّ بإعلان وجودكم وهويّاتكم الشخصية وأمكنتكم، وأنَّ أمر القتال والحروب تحت لواء قواكم الدولية العظمى لن تخضع له الشعوب المغلوبة على أمرها. وأنَّ هذا لم يحدث في تاريخ الأنبياء والأئمّة والعقلاء في العالم). وأحسب أنَّ الكاتب يعترض على عقلاء العالم في هذا العصر في تسلّط مخابرات المال والسوق الدولية على مؤسسات المال والسوق ويعترض على تسلّط كلّ جهاز خفي على جهاز ومؤسسة علنية.

ثمّ إنَّه لم يُعلَم مقدار الظهور والحضور الذي يشترطه الكاتب في إمكانية وصحَّة الطاعة والموالاة هل هو عدم الغيبة والتستّر أصلاً فاللازم الرؤية الحسّية من قبل كلّ أفراد البشر والمجتمع لرئيسهم طوال الأربع والعشرين ساعة في اليوم في كلّ يوم، أم إنَّ الكاتب يغاير بين الغيبة القصيرة كأشهر كما في موسى والطويلة بأنَّ الأولى عملية والثانية طويلة العهد، وما هو الفارق؟ فإنَّ كلاً هو طروّ الحوادث المفاجئة ونحوها، فوجود الوكلاء والنوّاب مع رسم البرنامج التام في الشرع الإلهي المبيَّن من قبل الإمام الثاني عشر ومن قبل آبائة عليهم السلام مع كونه عليه السلام عبر إدارته السرّية الخفية لأمور البشرية جمعاً ولأمور المسلمين والطائفة خاصّة بمنظومته الخفيّة من الأوتاد والنجباء والأبدال والسيّاح ونحوهم، كلّ ذلك كفيل بحفظ المسار على الجادة المطلوبة وأيّ استحالة وامتناع يحكم بها العقل إلاَّ على عقلية استحالة طاعة الله ورسوله لأنَّهما غير ظاهرين للحسّ البشري ومغيَّبين عن الحسّية المادية. فلا تجب موالاتهما ولا متابعتهما.

ثمّ أرى الكاتب يترجّى بعطف أن لا يكرّر أحد له مسألة غموض وولادة بعض الأنبياء، ولم يبيّن العلّة في ذلك فهل السبب هو ما لدى العلمانيين في العالم الإسلامي هذا اليوم من مقولتهم القائلة بأنَّ القرآن محتوٍ على ميتافيزيقا خارجة عن التصوّر الحسّي البشري، وأسطوريات لا يفهمها العقل المادي البشري، أم ما هو السبب وراء نفرة الكاتب من قصَّة ولادة موسى في الخفاء واستعراض السور القرآنية لسرّية الولادة من دون علم فرعون ودولته الباطشة المذكورة في القرآن، فهل هذه القصَّة القرآنية تحطّم كلّ آمال الكاتب التي عشعش فيها في استحالة خفاء ولادة أولياء الله الحجج الخلفاء من قبله في الأرض، أم أنَّه كما لا يثق في أحاديث السُنّة الشريفة في ظهور المهدي كذلك لا يعتقد بسور القرآن الكريم، أم أنَّه يحسب أنَّ ذكر القرآن لهذه القصَّة ينطوي على الحكمة من ربّ العالمين، كعبرة للأمّة الإسلاميّة إذا خفيت ولادة أئمّة المسلمين المعصومين لهذه الأمّة على سلاطين الجور. ولماذا هذا الهروب من الآيات القرآنية، أليس القرآن خير حاكم أم التشهّيات للعقد النفسية والذهنية العلمانية الغربية والحسّية المادية.

كما يقول الكاتب: لا تكرّر مسألة سرّية وجود الخضر والرجل الصالح فهولاء لم يأمر الله الناس بطاعتهم والالتفاف حولهم قبل نبوّتهم وفي حالة اختفائهم.

ولا أدري هل قرأ سورة الكهف في حياته أم لم يتدبَّر معانيها، أليس يقول تعالى:((فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً * قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً))(8) ، أليس قد أمر الله موسى النبيّ المرسل بالذهاب إلى الخضر الخفي المتستّر ومصاحبته ثمّ العلم منه ومتابعته، أليس الخضر مع تستّره منتدباً من الله تعالى في ضمن مجموعة بشرية لا يعلمها البشر((عَبْداً مِنْ عِبادِنا)) أليس في ذيل القصَّة القرآنية:((قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً... وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً))(9).

فهل هذه القصَّة ذكرها ربّ العالمين في قرآنه الخالد عظة وعبرة للأمّة الإسلاميّة والمسلمين وما هي تلك العظة والعبرة هل هي الإشارة الرمزية والألغاز أم أنَّ الكاتب يعتقد أنَّ هذه الحقيقة القرآنية في قصَّة الخضر ومجموعته لا واقعية لها وهي قصَّة رومانسية، أم أنَّ الغاية من هذه القصَّة القرآنية هي الاعتقاد بوجود أولياء لله تعالى وحجج له، بشر يقوم بمهام ووظائف إلهية وتلك الوظائف يقومون بها ونطاق عملهم هو في الأوضاع البشرية وفي النظام الاجتماعي.

ثمّ إنَّه على ذهنية الكاتب أنَّ أجيال المسلمين قرابة عشرة قرون تولَّدوا وترعرعوا ولم يروا ولم يشاهدوا رسول الله فكيف يطيعونه ويوالونه ويبايعونه بل على مذاق العلمانيين كيف تكون طاعته وموالاته وشريعته خالدة إلى مدى قرونٍ متطاولة لاحقة إلى ما شاء الله من عمر البشرية في ظلّ ما يسمّى بالتطوّر والتمدّن البشري وما يسمّى بالعقلية الجبّارة للبشرية التي تناطح المجرّات الفضائية وإنّي على استغراب من تعاطف الإخوة مشارك والغالب والناصر _ وهم من السلفيين حسب الظاهر _ مع الكاتب مع ما بانت وبدت معالم منهجه العلماني والحسّي المادّي الذي لا يؤمن بما وراء الحسّ الظاهر!!

كما أنَّه على كلام الكاتب ومنهجه لا مجال للاعتقاد بالنبيّ عيسى وحياته وقد قال تعالى:((وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً))(10) وأنَّه يرجع إلى الأرض ويصلّي خلف المهدي من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم كما في روايات الفريقين، وأنَّ ظهور المسيح ونزوله من وضع الغلاة الباطنية ودسّهم لتلك الروايات بل قد يتجرَّأ ويقول ودسّهم لهذه الآية في سورة النساء، مع أنَّ الواجب على كلّ مسلم هو التصديق والإيمان بكلّ الرسل وبحياة النبيّ عيسى ونزوله وظهوره بعد غيبته. وكذا الحال في النبيّ إدريس قال تعالى:((وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا * وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا))(11) ، فلعلَّ الكاتب قائل بالتخصيص في هذين الموردين من عموم الاعتقاد والإيمان برسل الله تعالى.

أو لعلَّ الكاتب يعترض أنَّه ما الحكمة في حياة نبيّين رفعهما الله تعالى ثمّ في نزول وظهور عيسى مع المهدي من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ولماذا يخبرنا بذلك القرآن وكيف نتعقَّل ذلك أو لعلَّه يقول: أرجوك لا تكرّر غموض أحوال موسى أو عيسى وإدريس والخضر وسرّية وجودهم وكأنَّه يثقل عليه الآيات القرآنية وملاحم القرآن الكريم، أو يقول: نحن لم نؤمر بموالاتهم والاعتقاد بهم. وربَّما يرغب في نماذج من الغرب الحديث.

5- قال الكاتب: إنَّ ما ذهب إليه الشيعة الاثنا عشرية في هذه العصور من ولاية الفقيه بمثابة رفض للإمامة كعهد إلهي، وإنَّه خروج من التحيّر الذي كانت تعيشه الطائفة الإماميّة، وأنا أعذره في هذا الزعاق الذي يكرّره فإنَّ عذره الجهل بفقه الشيعة وكتبهم العلمية، فإنَّ ولاية الفقيه ليست وليدة هذا العصر فقد ذكر الشيخ المفيد في كتاب المقنعة باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:(فأمَّا إقامة الحدود فهو إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى وهم أئمّة الهدى من آل محمّد عليهم السلام أو من نصَّبوه لذلك من الأمراء والحكام. وقد فوَّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان. فمن تمكَّن من إقامتها وكذلك إن استطاع إقامة الحدود على من يليه من قومه وأمن من بوائق الظالمين في ذلك، فقد لزمه إقامة الحدود عليهم فليقطع سارقهم وليجلد زانيهم، ويقتل قاتلهم).

وهذا فرض متعيّن على من نصبه لذلك على ظاهر خلافته له أو الإمارة من قبله على قوم من رعيَّته فيلزمه إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفّار ومن يستحقّ ذلك من الفجّار. ويجب على إخوانه المؤمنين معونته على ذلك إذا استعان بهم ما لم يتجاوز حدّاً من حدود الإيمان.

وذكر مثل ذلك القاضي بن براج المعاصر للطوسي في مهذّبه باب خدمة السلطان وأخذ جوائزه وكذلك ذكر الشيخ الطوسي في كتاب النهاية قال:(فأمَّا إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها على حال. وقد رخّص في حال قصور أيدي أئمّة الحقّ وتغلّب الظالمين... ومن تولّى ولاية من قبل ظالم في إقامة حدّ أو تنفيذ حكم فليعتقد أنَّه متول لذلك من جهة سلطان الحقّ، وليقم به على ما تقتضيه شريعة الإيمان... وأمَّا الحكم بين الناس والقضاء بين المختلفين فلا يجوز أيضاً إلاَّ إذا أذن له سلطان الحقّ في ذلك. وقد فوَّضوا ذلك إلى فقهاء شيعتهم في حال لا يتمكَّنون من توليه بنفوسهم فمن تمكَّن من إنفاذ حكم أو إصلاح بين الناس أو فصل بين المختلفين فليفعل ذلك وله بذلك الأجر والثواب).

وقال المرتضى في كتاب(رسائل الشريف المرتضى) في مسألة في الولاية:(... ولم يزل الصالحون والعلماء، يتولّون في أزمان مختلفة من قبل الظلمة، لبعض الأسباب التي ذكرناها. والتولّي من قِبَل الظالم وفي الباطن من قبل أئمّة الحقّ لأنَّهم إذا أذنوا له في هذه الولاية، عند الشروط التي ذكرناها، فتولاّها بأمرهم، فهو على الحقيقة والٍ من قبلهم، ومتصرّف بأمرهم، ولهذا جاءت الرواية الصحيحة بأنَّه يجوز لمن هذه حاله أن يقيم الحدود ويقطع السرّاق ويفعل كلّ ما اقتضت الشريعة فعله، من هذه الأمور).

هذا وقد ذكر مثل ذلك كلّ من ابن حمزة وسلاّر وابن إدريس والمحقّق الحلّي والعلاّمة الحلّي والشهيدين والكركي والمقدَّس الأردبيلي وغيرهم من مشاهير علماء الإماميّة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنَّ الفقيه مأذون من قبل المعصوم عليه السلام في إقامة القضاء والحدود والأحكام، فليس القول بولاية الفقيه قولاً حادثاً في العصر كما تخيَّله الكاتب، ولا أنَّ ولاية الفقيه التي يقول بها فقهاء الإمامية هي في عرض ولاية المعصوم عليه السلام وبديلة مزيلة، بل هي نيابة عن المعصوم، وأمَّا الشورى التي يدّعيها الكاتب لمَّا شاهد التعبير بذلك عند بعض علماء الإماميّة في هذا العصر فظنَّ أنَّ القائل بذلك يعني إلغاء ولاية المعصوم وإمامته الفعلية ولم يتفطَّن إلى مراد القائل إلى كون الولاية المستفادة هي نيابة عن المعصوم غاية الأمر يتمّ وقوع المشورة والتشاور بين المؤمنين والانتخاب من قبلهم باستكشاف الفقيه الواجد لشرائط النيابة عن المعصوم.

أو ما ينسبه الكاتب إلى بعض الشيعة من قولهم بالملك العادل فالظاهر أنَّها من إطلاق الكاتب للنسب من دون إلزام نفسه بمطابقتها للواقع.

6- قد أشكل الكاتب على الكافي باشتماله على روايات متضمّنه لعلم الأئمّة بالغيب كما أشكل على نيابة النوّاب الأربعة باشتمال دلالتهم على علمهم بوقت موتهم، وقد ذكرت له في ردّ سابق أنَّ علم الغيب مختصّ بالله تعالى لكنَّه يظهر منه لمن ارتضاه من حججه ورسله قال تعالى:((عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ))(12) ، وكما في سورة البقرة:((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَْسْماءَ كُلَّها))(13) مع أنَّ جميع الملائكة كانت جاهلة بذلك العلم الأسمائي الجامع وجعل الله تعالى تعليم آدم بذلك هو المؤهّل له ليكون خليفة الله في أرضه وكما في سليمان حيث قال عنه تعالى:((عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ))(14) ، وكما في قوله تعالى في طالوت:((وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ))(15) ، وكما في سورة الكهف في وصف الخضر((وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً))(16) فهذا العلم اللدنّي يحبيه الله تعالى لأوليائه الحجج كما ملأ القرآن الكريم سوره بنماذج من ذلك.

7- انتقال الكاتب بدلاً من البحث في كبرى الإمامة الإلهية كعهد من الله إلى الصغرى في وجود الإمام الثاني عشر إلاَّ أنَّه في هذه المرّة ذهب إلى صغرى الصغرى وهي وثاقة النوّاب الأربعة وحصر الدليل على وجود وولادة المهدي، بإخبار النوّاب الأربعة ولا أدري من أين توهَّم ذلك وأنَّ الدليل منحصر في ذلك، لكن لا مجال للاستغراب من مثل كلماته التي لا يبالي في التفوّه بها أمام العيان وحقيقة الواقع مع تكراره لعمدة خدشه في عقيدة الإمامة الإلهية، والملفت للنظر أنَّ خطر المال متجذّر في ذهنية الكاتب فيبني كلّ تحليل على ذلك وأنَّ كلّ ظاهرة فهي مبنيّة على المصالح، وهذه لا تعرف للمعنويات سبيلاً ولا لطريق الآخرة معنى معقولاً.

8- إشكاله على النوّاب الأربعة بعدم وجود دور سياسي بارز لهم، والظاهر أنَّ إشكاله راجع إلى عدم الدور المعلن وإلاَّ فدورهم المخفي هو في صلب كيان الشيعة، فمرجع الإشكال إلى ما بنى عليه الكاتب من أنَّ الدولة العبّاسية لها سياسة ليّنة مع العسكري.

9- إشكاله بعدم عرض النوّاب رواياتهم على المعصوم عليه السلام وكذلك كتاب الكافي ولم يهتد إلى أنَّ حكمة ذلك في أغلب الموارد هو تربية الحجّة بن الحسن العسكري لشيعته على الرجوع للروايات المرويّة عن آبائه لتشقّ الطائفة مسيرتها في زمن الغيبة الكبرى كما في جوابه عليه السلام في كثير من أجوبة المسائل وقد جمعها صاحب الاحتجاج وغيره من إرجاع السائلين إلى الروايات المرويّة عن آبائه عليهم السلام.

10- نسبته الكافي إلى القول بتحريف القرآن وقد تبع في ذلك ما يطلقه عدّة من الجاهلين بمعاني الأخبار من تنزيل ذلك على معنى النزول وتأويل المعنى وغيرها ممَّا ذكره علماء الإماميّة وأرى الكاتب أخذ في استهلاك الكلام وذيول البحوث.

11- دعواه أنَّ العلم النظري لا أثر لوجوده خارجاً، ولعلَّه يلتزم بذلك من عدم إثبات الدليل العقلي لوجود الله تعالى الخارجي، مع أنَّ الدليل كما تقدَّم كراراً لا ينحصر بالدليل العقلي.

ثمّ قوله: إنَّ اللازم إثبات الوجود الخارجي عبر الطرق الطبيعية والتاريخية، ولا أدري هل الكاتب أثبت وجود الله تعالى عبر الطرق الطبيعية والكتب التاريخية الطريقية، مع أنَّه قد تقدَّم كراراً من الإخوة في الحوار ومنّا كذلك بيان وجوه الدليل التاريخي للإماميّة على ذلك إلاَّ أنَّ الكاتب يذهب إلى وجود السياسة الليّنة من بني العبّاس مع الإمام العسكري.

 

 

 

 

الهوامش:


(1)النساء: 59.

(2)الأعراف: 142.

(3)طه: 90 و91.

(4)طه: 86.

(5)القصص: 5.

(6)النمل: 62.

(7)الأعراف: 150.

(8)الكهف: 65 - 68.

(9)الكهف: 78 - 82.

(10)النساء: 157 - 159.

(11)مريم: 56 و57.

(12)الجن: 26 و27.

(13)البقرة: 31.

(14)النمل: 16.

(15)البقرة: 247.

(16)الكهف: 65.

العدد: ١٧ / جمادى الآخر / ١٤٣٠ هـ : ٢٠١٣/٠٩/٣٠ : ١١.٢ K : ٠
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

لتحميل أعداد المجلة (pdf):