نصائح السيد السيستاني (دام ظله) للمؤمنين في عصر غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فجه)
نصائح السيد السيستاني (دام ظله) للمؤمنين في عصر غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فجه)
بسم الله الرحمن الرحيم
مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحلّ بعد أيام ذكرى ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) في النصف من شعبان، وفي هذه المناسبة العطرة يرجى بيان ما يراه سيدنا المرجع الأعلى من وظائف لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) في زمان غيبته (سلام الله عليه)؟
بسمه تعالى
إن على المؤمنين (أعزّهم الله تعالى) أن يستحضروا دائماً أن الإمام المهدي (عليه السلام) هو الإمام المنصوب عليهم من عند الله سبحانه في هذا العصر، ولكن الحكمة الإلهية اقتضت غيبته عن الأنظار الى أن يأذن له في الظهور.
ولذلك فإن عليهم مضافاً إلى واجب معرفته والإذعان به والمودة له أن يكثروا من الدعاء له في خلواتهم ومجالسهم ويهتموا بالشعائر التي تحيي ذكره وذكر آبائه (عليهم السلام) وما جرى عليهم بأيدي الظالمين.
وليستحضروا عناءه (عليه السلام) في غيبته لما يراه من المظالم والمفاسد في كل مكان وشوقه إلى أن يكون ظاهراً ليصلح ما انحرف من دين الله ويقيم العدل بين عباده.
وليعلموا أنهم جميعاً محل اهتمامه وعنايته، وهو أرأف بهم من آبائهم وأمهاتهم ويهمه أمورهم وأحوالهم، ويتعهدهم بالدعاء والرعاية، وينبغي أن يتوسلوا بجاهه في قضاء الحوائج ورفع المشكلات.
وليكونوا منتظرين لقدومه داعين للفرج عنه وعن الأمة بظهوره مستعدين له بمزيدٍ من التبصر واليقين وحسن الطاعة.
وليهتموا اهتماماً كبيراً بطاعته ونيل رضاه وتجنب معصيته وسخطه، فإن طاعته هي طاعة الله سبحانه ورضاه من رضاه تعالى، كما أن في معصيته وسخطه معصية الله وسخطه.
وإنما تحصل طاعته (عليه السلام) بالحفاظ على الإيمان والاعتقاد الحق وتعلم الوظائف الشرعية التي أمر بها الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرون (عليهم السلام) من آبائه، ثم العمل بها والمواظبة عليها، وتزكية النفس وتهذيبها وفق ما جاء عنهم، والاتعاظ بمواعظهم والاهتداء بهديهم.
وليسع كل امرئ منهم أن يكون بسلوكه وأخلاقه وهديه زيناً لهم ولا يكون شيناً عليهم، فيلتزم بتعاليم الشرع الشريف من أداء الفرائض وترك المآثم والفواحش، والتحلي بمكارم الأخلاق مثل الصدق وحسن الخلق وكف الأذى عن الآخرين والعفاف في القول والمظهر والسلوك وإعانة الضعفاء والفقراء واليتامى والمضطرين، والإحسان إلى الوالدين وصلة الأرحام، فإن فيها رضا الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) ومسرة الإمام (عليه السلام) وفي ذلك خير الدنيا والآخرة.
وليتعاون المؤمنون في زمان الغيبة بما يقتضيه الولاء فيما بينهم بالبر والتقوى وليتواصوا بالحق والصبر وليحذروا عن التشتت والتفرقة والتباغض.
وليرع الأغنياء الذين وسع الله تعالى عليهم الفقراء والمحتاجين والمستضعفين والمضطرين بأداء ما عليهم من الحقوق الشرعية وسائر ما تستوجبه حالات الاضطرار وتقتضيه شريعة الإحسان، فإن من أعان أحداً من أوليائه (عليه السلام) كان ذلك عوناً له (عليه السلام) في ذلك لأن هؤلاء كلهم عياله ولكن شاء الله سبحانه غيبته حتى حين.
وليحذروا عن الوقوع في الشبهات المضلة والفتن المهلكة التي تتفق في غيبته وأشدها ما أضرّ بالعقيدة فزلّ صاحبها عن الدين أو ضلّ عن الولاء لهم (عليهم السلام).
ومن جملة ذلك الوقوع في فخّ من يدعي النيابة الخاصة أو يزعم الاتصال الخاص وينقل عنه (عليه السلام) تعليمات خاصة، فإن هؤلاء قطاع طرق لعقائد الشيعة في رجوعهم إلى أهل البيت (عليهم السلام)، بل الواجب الذي لا شك فيه في هذا المذهب كما جرت عليه سيرة المؤمنين جميعاً طيلة اثني عشر قرناً من غيبته ما أوصى به (عليه السلام) أولياءه وشيعته من الرجوع فيما اشتبه عليهم من أمور الدين إلى الأمثل فالأمثل من الفقهاء العدول المتقين من شيعتهم المقتفين لآثارهم وهديهم، فإنهم حجته عليهم وهو حجة الله على الناس جميعاً.
كما أن من البدع المهلكة الدعوة إلى الرجوع إلى كل ما نسب إلى الائمة (عليهم السلام) من دون معرفة واختصاص ولا تنقيح وتمحيص ليتبوأ الجاهلون بالآثار وأصول تمحيصها وتنقيحها مقام العلماء العاملين المتخصصين في شأن ذلك.
كما أن من البدع المهلكة إنكار ثوابت الدين وقواعده أياً كانت الشبهة الباعثة عليه، ومن صعب عليه العمل بشيء من التعاليم فلا يندفعنّ بذلك إلى إنكارها أو التشكيك فيها، فإنّ على العاصي إثماً واحداً وعلى المنكر والمشكك إثمين.
وليحذروا عن مزاعم توقيت الظهور أو ما بمنزلتها أياً كان زاعمها، لما ورد من النهي المؤكد عن مثل ذلك وتكذيب من ادّعاه، وتشهد عليه التجارب المتكررة حيث صدرت هذه المزاعم كثيراً في التاريخ، ثم استبان كذبها والوهم فيها.
وليعلم المؤمنون أن من أحسن انتظاره (عليه السلام) بمراعاة ما تقدم كان ذلك دليل صدقه فيما يتمناه من إدراك الإمام (عليه السلام) والانصياع لأمره والنصرة له، ومن تمنى ذلك صادقاً فهو إن لم يكتب له الله سبحانه إدراكه وفق مقاديره فهو محشور مع من أدركه وأطاعه ونصره مثاب بمثل ثوابه وذلك فوز عظيم.
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة.
اللهم صلّ على وليك الحجة بن الحسن صلاة نامية تامة زاكية أفضل ما صليت على أحد من أوليائك، اللهم كن له ولياً وقائداً وحافظاً وناصراً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.
اللهم هب لنا رأفته ورحمته ودعاءه وخيره ما ننال به سعةً من رحمتك وفوزاً عندك إنك على كل شيء قدير.
مكتب السيد السيستاني (دام ظله) - النجف الأشرف