عثمان بن سعيد العمري
السفير الأول للإمام المهدي (عليه السلام)
عثمان بن سعيد العمري
الشيخ ضياء الدين الخزرجي
المبحث الأول: عثمان بن سعيد العمري في الميزان
المبحث الثاني: وقوع الاشتباه في عثمان بن سعيد من بعض الأعلام
المبحث الثالث: التراث الذي خلفه عثمان بن سعيد العمري للأمة الإسلامية
المبحث الرابع: المعجزات التي ظهرت من الإمام المهدي (عليه السلام) على يدي عثمان بن سعيد العمري
المبحث الخامس: وفاة عثمان بن سعيد العمري وبرقية الإمام المهدي (عليه السلام) بالمواساة
المبحث الأول: عثمان بن سعيد العمري في الميزان
عثمان العمري هو الوكيل * * * ابن سعيد ثقة جليل(1)
وهو عثمان بن سعيد العمري أو المعموري، كنيته: أبو عمرو، وألقابه عديدة منها: السمان، الزيات، العسكري، الأسدي، العمروي، أو العمري، وغيرها؛ وكان العمري أشهرها نسبة إلى جده عمرو، ويلقب أيضاً بالأسدي(2)؛ وإنما سميَ العمري لأن الإمام العسكري (عليه السلام) قال: لا يجمع على امرئ بين عثمان وأبي عمرو، وأمر (عليه السلام) بكسر كنيته فقيل العمري(3)، وقيل إنه لُقّب به نسبة إلى أُمه التي يعود نسبها إلى عمر الأطراف ابن أمير المؤمنين(4) (عليه السلام)، وأما السمعاني فقد ضبطه وقال: العمري -بفتح العين وسكون الميم وكسر الراء- نسبة إلى بني عمرو وبن عامر بن ربيعة وعمر بن حريث وغيرهما(5)، وقبل إنه من ولد عمار بن ياسر(6).
أما تسميته بالعسكري فلكونه من عسكر سامراء كما ذكره الطوسي(7)؛ وأما تلقيبه بالسمان والزيات؛ فلأنه كان يتّجر في السمن تغطية على الأمر؛ وكان الشيعة إذا حملوا لأبي محمد العسكري (عليه السلام) ما يجب عليهم حمله من الأموال؛ أنقذوا إلى أبي عمرو فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) تقية وخوفاً(8).
ولم تشر النصوص التاريخية إلى أُسرته ووضعه العائلي والاجتماعي سوى أن له ابناً اسمه (محمد) كان قد تصدى لمنصب السفارة بعد أبيه، وأن له ابناً آخر اسمه أحمد، ولا نعرف عنه شيئاً سوى أن لهذا ابناً أيضاً كان اسمه (محمد) وقد انحرف عن مذهب الأئمة (عليه السلام) فترة سفارة عمه أبي جعفر العمري وخرج توقيعاً من الإمام المهدي (عليه السلام) في لعنه والبراءة منه(9).
لقد حظي عثمان بن سعيد العمري بمرتبة عالية ودرجة رفيعة عند الإمام الهادي (عليه السلام) في سامراء؛ قال الطوسي: فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأولهم من نصبه أبو الحسن علي بن محمد الهادي وأبو محمد الحسن بن علي ابنه(10)، وكان قد خدم الهادي (عليه السلام) وله أحد عشر عاماً؛ وكان له إليه عهد معروف، وقد سلط الإمام (عليه السلام) الأضواء عليه وأوصى الشيعة به في كثير من مجالسه؛ حتى قال (عليه السلام) في يوم للشيعة: ما قاله لكم فعنّي بقوله؛ وما أداه لكم فعنّي يؤديه(11)؛ حتى كان عموم الناس يقصدونه في حوائجهم من كل بلد(12)، فيخرج لهم ما احتاجوه أن يسألوه من صاحب الأمر بالأمر والنهي(13).
أثنى عليه علماء الفريقين مع بقية السفراء؛ فقد ذكر ابن طاووس ان نصر بن علي الجهضمي وهو من أبناء العامة -ذكر حال هؤلاء الوكلاء والسفراء وأسماءهم، وأنهم كانوا وكلاء المهدي (عليه السلام) وقال: إن أمرهم أشهر من أن يحتاج إلى الاطالة(14)، وذكره الكيدري أيضاً في بصائره، وابن الأثير في الكامل(15)، وأبو الفداء في المختصر(16)، واليافعي في المرآة(17)، وابن مسكويه في تجارب الأمم(18)، ورضا كحالة في معجمه(19)؛ والذهبي في سير أعلام النبلاء(20)، والصفدي في الوافي(21)، وغيرهم(22) حال هذا السفير وحسن سيرته وأثنوا عليه، وهو يكذب ادعاء أحمد أمين المصري حول هؤلاء السفراء والتي تدور هذه الدراسة حول هذا الموضوع.
أما علماء الشيعة فقد أجمعوا عليه قديماً وحديثاً، وقد ذكرنا بعض النصوص الواردة عن قدامى العلماء حولهم، أما المتأخرون منهم، فقد أثنوا عليه قاطبة أيضاً؛ قال السيد الصدر بعد ترجمته، هو الشيخ الرباني الوحيد الذي ليس له ثان في المعارف والأخلاق والفقه والأحكام، شيخ الشريعة على الإطلاق؛ وصاحب الكرامات والدلالات(23)، وقال القمي، هو أول النواب الأربعة، ورد في شأنه من الجلالة والعدالة والأمانة أكثر من أن يذكر وهو أجل من أن يصفه مثلي(24)، وقال البهائي: إن عثمان بن سعيد ثقة وجليل القدر(25).
لقد انفردت الشيعة الإمامية بفكرة السفارة من بين فرق الشيعة كما قال النوبختي في فرقه: وانفردت الإمامية وسلكت وحدها سبيل الإمامة، واتبعوا المنهاج الواضح لاعتراضهم سلسلة بالإمام الغائب(26)، وكانت بداية الغيبة من أصعب الفترات على الأُمّة بعد أن اعتادت على مشاهدة الأئمة (عليهم السلام) واللقاء بهم، وظهرت الانقسامات والتناحر في صفوفها؛ حتى أن الشيعة انقسمت إلى أربعة عشرة فرقة بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام)(27)، وهكذا بقية المذاهب الإسلامية. وفي تلك الظروف الصعبة ابتدأ عثمان بن سعيد العمري مهمته في الإعلام عن وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وإخراج التوقيعات والمعجزات عن طريقه من الإمام المهدي (عليه السلام) لبيان صدق دعواه في أمر السفارة مذكراً بأن لهم بالأحاديث المروية عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الإمام المهدي الذي تكون له غيبتان إحداهما صغرى والأُخرى كبرى؛ وإقناع الأمة بما امتلكه عثمان من معرفة تامة بطرق المحاورات وفنون الجدل وقوة المحاجة في إثبات المحجة بوجود الإمام المهدي (عليه السلام) حياً يراهم ولا يرونه ويعرفهم ولا يعرفونه، ومراقبة تحركات السلطات عن كثب للابتعاد عن الضجيج السياسي والإعلامي، وما يمكن أن تخلقه له من مشاكل؛ وتحذيره أصحابه الثقات من الإعلان عن اسم الإمام (عليه السلام) أو الإدلاء على مكانه، وذاع صيته في البلاد الإسلامية وعرفه القاصي والداني من ثقات الأُمة وأصحابهم؛ فقد روى العلامة في خلاصته عن أبي العباس الحميري شيخ القميين قال: كنا كثيراً ما نذكر قول الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) في عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله)، ونتواصف جلالة ومحل أبي عمرو(28). قول أقل اليمن فيه: ان عثمان ان سعيد العمري لمن خيار الشيعة، وإنهم ازدادوا علماً بوضعه من خدمة الإمام (عليه السلام) وكونه وكيله وثقته على مال الله تعالى(29). وكذا معرفة أهالي بغداد له؛ فقد ذكر عبد الله بن جعفر الحميري لما رجع من الحج أنه دخل على أحمد بن اسحاق في بغداد فوجد عنده عثمان بن سعيد العمري؛ فأشار إلى أحمد بن اسحاق قائلاً: ان هذا الشيخ -يقصد أحمد بن اسحاق- وهو عندنا الثقة المرضي، حدثنا فيك بكيت وكيت واقتصصت عليه ما ذكرناه عنه من فضل أبي عمر ومحله وقلت: أنت الآن ممن لا يشك في قوله وصدقه؛ ثم سأله قائلاً: أسألك بحق الله وبحق الإمامين اللذين وثقاك؛ هل رأيت ابن أبي محمد (عليه السلام) الذي هو صاحب الزمان (عليه السلام)؛ فبكى ثم قال: على أن لا تخبر بذلك أحداً وأنا حيٌّ؛ فقال له: نعم، قال العمري: قد رأيته (عليه السلام) وعنقه هكذا -يريد أنها أغلط الرقاب حُسناً وتماماً-، ثم سألته عن الاسم، فقال العمري: نهيتم عن هذا(30)، وبقيت الأمة بأجمعها مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد وثقته وأمانته(31)، إلى أن توفي رحمه الله(32)، بعد أن كان عموم الناس يقصدونه في حوائجهم من كل بلد(33) فيخرج لهم الأجوبة والتوقيعات من صاحب الأمر (عجل الله فرجه) بالأمر والنهي عمّا يسألونه إذا احتاجوا إلى السؤال فيه(34)... هذه هي منزلته عند الأُمة.
أما منزلته عند الإمام الهادي (عليه السلام)
فقد ذكرت النصوص التاريخية أن عثمان بن سعيد العمري كان قد خدم الإمام الهادي (عليه السلام) ول أحد عشر عاماً وكان له عهد معروف(35). وكان الإمام الهادي (عليه السلام) قد قدم إلى سامراء استجابة للرسالة التي بعثها المتوكل العباسي إليه وهو في المدينة؛ وقد أعرب فيها عن حبّه للإمام (عليه السلام) وإحلاله وإعظامه لمحلّه ومنزلته ظاهراً؛ واعترف فيها ببراءته وصدق نيّته؛ وأنه أوعز بعزل وإليه عبد الله بن محمد في المدينة لإيذائه الإمام (عليه السلام)، ودعاه بالشخوص إلى سامراء مع من اختار من أهل بيته ومواليه سريعاً(36)، ودخل الإمام (عليه السلام) سامراء عام 234ه(37)، وكانت إقامته فيه عشرين عاماً إلى ان توفي فيها(38) عام 254ه(39). فكان العمري من مقربي الإمام (عليه السلام) وخواصه في حفظ أسراره، وباباً له مع حداثة سنه وصغره(40)، ثم عينيه الإمام الهادي (عليه السلام) أميناً على بيت المال واستلام الأموال من الأمة ثم توزيعها على مستحقيها(41)، وقد كانت الأموال تصله من البلاد الإسلامية كما ذكر ذلك أحمد أمين المصري واعترف بهذه الحقيقة بعد أن أرعبته كثيراً حتى سعى إلى توجيه التهم والافتراءات الشنيعة ضده. لقد جاء في النصوص التاريخية أنه كانت ينفق الأموال الضخمة في مشاريع يعود نفعها على الأمة؛ فقد روى ابن شهرآشوب: أن جماعة من وجهاء الشيعة ومنهم أحمد بن اسحاق الأشعري وافد القميين وشيخهم وعلي بن جعفر الهمداني، دخلوا على ابي الحسن الهادي (عليه السلام) فشكا إليه أحمد بن اسحاق ديناً عليه فقال (عليه السلام) مخاطباً عثمان بن سعيد العمري: يا أبا عمرو -وكان وكيله- ادفع إليه ثلاثين ألف دينار والى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار.
ثم قال ابن شهرآشوب معلقاً على هذه الرواية: فهذه معجزة لا يقدر عليها إلا الملوك، وما سمعنا بمثل هذا العطاء(42)، ولعل الذي منع الإمام (عليه السلام) من صرفها على الأمة بنفسه ولو ظاهراً، هو الإقامة الجبرية التي فرضتها السلطات على الإمام والمضايقات المتوالية على تحركاته.
لقد عاصر عثمان بن سعيد العمري فترة وكالته عن الإمام الهادي (عليه السلام) جماعة من الخلفاء كان المتوكل العباسي أشدهم على الإمام وأصحابه وقد حكم أربعة عشر عاماً بالحديد والنار، وكان عاقبة أمر المتوكل قتله على يدي الأتراك عام 274هـ شر قتلة، وهو مشغولاً باللهو والشراب، ثم جاء بعده المنتصر والمستعين وقسماً من خلافة المعتز بالله، وقد حاول الإمام الهادي (عليه السلام) في محنته ان يواجه تيار الانحراف القائم في السلطة والأُمة؛ والحفاظ على أصحابه من إرهاب الحكام وحمايتهم من البطش والإيذاء وسعى إلى قضاء حوائجهم وتركيز ثقته المطلقة بهم، وتأمين مستلزمات الأمة؛ وقد حاو الإمام على الموقع القيادي الممتاز في البلاط العباسي فكان لهذا دوراً كبيراً في إبعاد الخطر عنه مرات عديدة، عندما احتجزته السلطات في البلاط، وأخذت تراقب جميع تحركاته، واستدعائها له متى اقتضى الأمر؛ بعد أن كان (عليه السلام) مسؤولاً عن الذهاب إلى بلاط الخليفة كل اثنين وخميس(43)، وربما شارك موكب السلطان في الخروج إلى الصيد(44)، وكان موقفه منها مشوباً بالحذر والكتمان؛ وهو مع كل ذلك يستلم الأموال والأسئلة التي تصله من شتى البلاد الإسلامية؛ وصرفها في مواردها والإجابة عن تلك التساؤلات برمزية وخفاء.
إننا ومهما بلغ بنا الخيال، لا نتصور وصول تلك المبالغ التي كانت تصله إلى هذا المستوى كما ورد في رواية ابن شهرآشوب المتقدمة؛ وهي إن صُرفت فهي مصروفة في مشاريع يعود نفعها على الأئمة، لأن الدين لا يمكن وصوله إلى هذا المستوى -كما جاء في الرواية- إلاّ ان يكون ديناً في عمل اجتماعي واسع هو اكبر من المصالح الشخصية والمسؤولية العائلية.
أما على المستوى الثقافي والعلمي؛ فقد افتتح الإمام (عليه السلام) وهو في مسلك الخلفاء والحذر دورات تثقيفية وعقائدية لتدريس مختلف العلوم ومحاججة أصحابه الفرق الاسلامية الأخرى، وفتح روح الحوار السليم؛ ومن بينهم محاججة عثمان بن سعيد العمري لهم بعد أن عرف بنبوغه وقوة استدلاله وسرعة بديهته وقد بلغ مبلغ العصمة في جلالته(45). روى الطوسي بإسناده عن احمد بن اسحاق القمي قال: دخلت على علي الهادي (عليه السلام) في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك اذا شهدت في كل وقت فنقول من نقبل؟! وأمر من نتمثل؟! فقال (عليه السلام) هذا أبو عمرو، الثقة الأمين، ما قاله لمن فعني يقوله، وما أدّاه لكم فعني يؤديه(46). وقوله (عليه السلام) أيضاً: العمري ثقتي، فما أدى إليك فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، اسمع له وأطع، فغنه الثقة المأمون(47).
لقد قام الإمام الهادي (عليه السلام) بالتمهيد للغيبة؛ حيث اتخذ استراتيجية واضحة وأسلوباً حديثاً وجديداً منن خلال تطبيقه مسلك الاحتجاب على نفسه عن كثير من مواليه إلاّ عن عدد قليل من خواصه(48)، وتذكيره الأمة بأحاديث الغيبة المروية عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليه السلام) لإشعارهم بقرب الولادة ودنو الأجل؛ وتحضير الذهنية العامة لتقبل هذه الفكرة بعد أن اتخذ نظام الوكلاء؛ وكان عثمان بن سعيد العمري في قمة هذا النظام نظراً لما امتلكه من مؤهلات وإن له شأناً مع الإمام المهدي (عليه السلام) ستعرفها الأمة بعد التفافها حوله.
أما موقف الإمام العسكري (عليه السلام) منه رحمه الله:
فقد ذكرت النصوص التاريخية أن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كان قد قدم برفقة أبيه وله من العمر سنتان؛ وقد عاش فيهما تلك الظروف والملابسات التي مر بها أبوه من قبله، فتلقاها بصمت وضبط وإتقان، استعداداً لتولي منصب الإمامة من بعد أبيه الهادي (عليه السلام) فكان عمره -لما توفي أبوه 254ه(49)؛ أيام خلافة المعتز بالله وقبل خلعه بعام واحد أي عام 255ه(50) - قد بلغ اثنين وعشرين عاماً؛ ثم واكب بقية أيام إمامته خلافة المعتز ثم المهتدي الذي ثار عليه الأتراك وقتلوه عام 256ه(51)، وحل مكانه الخليفة المعتمد؛ فعاصر أربعة أعوام من خلافته حتى توفي عام 260ه(52).
إن دراسة مواقف الإمام العسكري (عليه السلام) وسياسته تجاه السلطة والانحراف المتمثل فيها وفي الأمة تشير إلى التشابه الكبير مع سياسة أبيه الإمام علي الهادي (عليه السلام) باعتبارهما يستقيان من معين واحد، وهي امتداد لسياسة آبائه من قبل، بعد أن كانت السياسة الحاكمة مرتكزة على ثلاث ركائز أساسية هي: تقريب الإمام العسكري وأبيه من البلاط العباسي ودمجه بالحاشية؛ ومراقبته والفحص عن أموره جملة وتفصيلاً؛ وكرامه واحترامه ظاهراً لذر الرماد في العيون وإسكات المعارضين، فكان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) محجوزاً في بلاط سامراء؛ ومسؤولاً عن الذهاب إلى بلاط الخليفة كل اثنين وخميس(53)، وربما يدعى للحضور في موائد أبناء الخلفاء(54)، وهكذا خلت مواقف الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من الضجيج الإعلامي والسياسي الذي كان من الممكن أن يثار تجاه أبيه الهادي (عليه السلام) فالحذر الشديد والخفاء كان واضحاً على تحركات الإمام (عليه السلام) من خلال كتاباته وعلاقاته مع أصحابه وغيرهم، فالكتابات مثلاً تعرب عن ألم الإمام (عليه السلام) وضيق صدره بأفعال السلطة وتصرفاتها الطائشة مع ذلك التيار الفكري المنحرف، فمثلاً يرسل الإمام رسالة إلى أحد أصحابه قبل موت المعتز بعشرين يوماً قائلاً: ألزم بيتك حتى يحدث الحادث، فلما قتل بريحة، كتب إلى الإمام (عليه السلام): قد حدث الحادث فما تأمرني؟ فأجابه (عليه السلام) ليس هذا الحادث، الحادث الآخر، فكان من المعتز ما كان(55)، حيث قتل بيد الأتراك عام 255هـ بسبب امتناعه عن دفع الرواتب والأرزاق إلى الجند، وكانت أمه قد امتنعت عن مساعدته بالمال، وزعمت أن ليس عندها شيء، فقتل ابنها شر قتلة(56)، وبعد قتله وجدوا عندها أموالاً لا تُقدّر بثمن!! ولما حمل إلى صالح بن وصيف؛ سبّها وقال: عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار، وعندها هذه الأموال كلها(57). وقد كان للسلطات محاولات عديدة لإيذاء الإمام (عليه السلام) أو القضاء عليه إن تمكنت؛ بسبب ما أوجده الإمام لها من المتاعب، ومن تلك المحاولات؛ محاولة المعتز الذي أصدر أوامره لسعيد الحاجب -وهو أحد أزلام النظام- ليقتل الإمام (عليه السلام) بعيداً عن عيون الناس، فقال له المعتز: أخرج أبا محمد إلى الكوفة؛ ثم ضرب عنقه في الطريق.
قال الراوي: فجاء توقيعه (عليه السلام) إلينا: الذي سمعتموه تكفونه فخلع المعتز بعد ثلاث وقتل(58)، وكانت للمهتدي محاولة أخرى حيث أمر بسجن الإمام (عليه السلام) وأخذ يتهدده ويتوعده بالقتل؛ فوقّع (عليه السلام) بخطّه:
ذاك أقصر لعمره، عد من يومك هذا خمسة أيام، ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمر به(59).
وأخبر (عليه السلام) بموته في السجن فقال لأحد أصحابه: في هذه الليلة يبتر الله عمره. قال الراوي: فلما أصبحنا شغب الأتراك وقتل المهتدي(60)، وكان كما قال الإمام(61)، وكانت أيام الخليفة المهتدي ثقيلة على العامة والخاصة، فاستطالوا خلافته وسئموا أيامه، وعملوا الحيلة عليه حتى قتل(62). وهناك محاولات للمعتمد أيضاً للقضاء على الإمام (عليه السلام) منها: إصداره أوامره بسجن الإمام (عليه السلام) مع مجموعة من أصحابه الطالبيين، فبقوا في السجن أياماً ثم خرجوا منه(63).
ورافقت وكالة عثمان بن سعيد العمري عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حوادث عديدة أهمها: تأسيس دولة أحمد بن طولون في مصر، وسيطرة الحسن بن يزيد العلوي على طبرستان، واستمرار حركة صاحب الزنج التي دامت خمسة عشر عاماً وكانت من أخطر الحركات تهديداً للإسلام، وسيطرة الموالي والأتراك وجماعة آخرين كالموفق طلحة بن المتوكل، مما أدى إلى ضعف الخلافة في هذه الفترة بالذات تماماً، وتصاعد الضغط وحملات التفتيش والعنف ضد الإمام (عليه السلام) وأصحابه؛ وقد استطاع الإمام (عليه السلام) بمعرفته احتواء ذلك الوضع لصالحه واتخاذه استراتيجية واضحة ومتكاملة في أسلوب التعامل مع السلطات والأُمة من جهة وأصحابه من جهة أُخرى.. وإليك أهمها:
أولاً- مسلك الاحتجاب والاختفاء:
لقد استساغ الإمام العسكري (عليه السلام) هذا المنهج الخاص لتهيئة الذهنية العامة لفهم هذا الاسلوب.. قال المسعودي: وحين أفضى الأمر إلى الحسن العسكري (عليه السلام) كان يتكلم من وراء الستار مع الخواص وغيرهم، الا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان(64).
ثانياً- تجديد نظام المكتبات:
لقد نجح الإمام في صياغة هذا المنهج، وصبغه بلون متناسب معه ليؤتي ثماره؛ وصار الاتصال بالإمام (عليه السلام) لا يتم إلاّ عن طريق هذا الاسلوب، فهذا تختلج مسألتان في صدره فيكتبهما إليه(65)، وأبو هاشم الجعفري يضيق به الحبس، وكلب الحديد فيكتب له (عليه السلام)(66)؛ ويكتب لأصحابه أيضاً مبشراً لهم بموت المعتز والمهتدي والزبيري(67).
ثالثاً- نظام الوكلاء:
لقد اعتادت الأمة هذا النظام ردحاً من الزمن، وكان الارتباط بالبلاد البعيدة إنما يتم من خلال هذا النظام، حيث يتم المكاتبات وقبض الأموال من خلال الوكلاء الذين عينهم الإمام (عليه السلام) ويتصدرهم عثمان بن سعيد العمري. فقد تصدى الإمام العسكري للإمام بعد أبيه 254هـ وعمر وكيله عثمان إحدى وثلاثين عاماً.
إن تلك الظروف القاسية هي التي جعلت الإمام يضاعف من مسلك الكتمان والحذر؛ واعتماده على أصحابه وخاصة ممن يكون لهم شأن في حياة ابنه الإمام المهدي (عليه السلام) فأمر أصحابه بالرجوع إلى عثمان في حوائجهم واستلام الأجوبة منه، روى الطوسي بإسناده عن أحمد بن اسحاق القمي الأشعري قال: لما مضى أبو الحسن الهادي (عليه السلام) وصلت إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) ذات يوم فقلت له مثل قولي لأبي؛ وسألته عن عثمان بن سعيد العمري، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي، وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعني يقوله؛ وما أداه لكم فعني يؤديه(68) -وكرّر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) هذا الثناء على أصحابه والوافدين إليه من الأقطار البعيدة لمرات عديدة وفي محافل أُخرى، فمثلاً لما قدم الوفد اليمني لزيارة الإمام (عليه السلام) وهو يحمل معه الأموال والأسئلة، وقد حضر مع هذا الوفد كبار الشخصيات فأطلعهم الإمام (عليه السلام) على أمور غيبية وأثنى عثمان بن سعيد العمري فيه، روى الطوسي بإسناده عن محمد بن اسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيان قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) بِسُرَّ من رأى وبين يديه جماعة من أولياءه وشيعته، حتى دخل بدر خادمه؛ فقال يا مولاي، بالباب قومٌ شعث غبر، فقال لهم: هؤلاء مفر من شيعتنا -في حديث طويل يسوقانه- إلى أن ينتهي -إلى ان قال لبدر: فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثنا إلاّ يسيراً حتى دخل على عثمان، فقال له سيدنا أبو محمد (عليه السلام) امض يا عثمان، فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال-،ثم ساقا الحديث إلى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا يا سيدنا؛ والله إن عثمان لمن خيار شيعتك ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك، وأنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى، فقال (عليه السلام): نعم واشهدوا عليّ: ان عثمان بن سعيد وكيلي، وإن ابنه محمد وكيل ابني مهديكم(69).
ويتضح عدة أمور من هذه الرواية هي:
أولاً: تصريحه (عليه السلام) بوجود ولد له، وأنه هو المهدي (عليه السلام) الذي بشرت به الروايات عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وتبشيرهم بقرب ولادته.
ثانياً: تصريحه بأن له غيبتان.. إحداهما صغرى والأخرى كبرى.
ثالثاً: تصريحه بوجود السفارة والسفراء عنه في غيبته.
رابعاً: تصريحه باسم السفير الثاني للإمام المهدي (عليه السلام) وهو محمد بن عثمان العمري، وكان (عليه السلام) قد صرّح بأسماء الباقين من السفراء في عدة مشاهد أمام الكثيرين من أصحابه وقد بلغوا أربعين رجلاً فقال لهم: فاقبلوا من عثمان ما يقوله؛ وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه(70)، وقوله (عليه السلام) أمام الوفد القمي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي، وثقتي في المحيا والممات(71).
خامساً: تسالم الأمة عليه، وقبول سفارته من خلال تجربتها معه ومعرفتها صدقة، وصحة ما انتسب إليه بإظهاره الأجوبة العجيبة والكرامات والمعجزات من إمامه الغائب (عليه السلام).
أما موقف الامام المهدي (عليه السلام) من عثمان بن سعيد العمري:
فقد ذكرت النصوص التاريخية ان الإمام المهدي (عليه السلام) كان قد ولد عام 256هـ(72)، وكان عمر أبيه أربعة وعشرين عاماً، وكان قد واكب مسيرة أبيه الجهادية ورأى المجتمع الصاخب، والرقابة الشديدة المفروضة على الإمام العسكري (عليه السلام) باعتباره الرجل المثالي في عبادته وأخلاقه وعلمه ونسبه في نظر الجميع(73)، فهو قائد المعارضة ضد السلطة الحاكمة، والأهم من هذا: كونه سيولد له ولد اسمه المهدي (عليه السلام) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا؛ ولكن الإمام العسكري (عليه السلام) ترك الإعلان عن ولادة ابنه المهدي (عليه السلام) تماماً، وكأن شيئاً لم يحدث، وترك الأحداث تجري في مسيرها الطبيعي دون أي إشارة للسلطات، وساعده على تطبيق هذه الاستراتيجية تطبيقه مسلك الاحتجاب والكتمان عن أصحابه ومواليه.. وهو يهدف إلى أمرين:
تعويد الناس على قبول فكرة الاحتجاب والقيادة الغير المباشرة، واحتواء الوضع لصالحه مستقطباً المهام والحوادث التي يعيشها بعيداً عن الضوضاء وتسليط الأضواء، وقد رافق تطبيقه هذا المنهج حوادث عديدة؛ منها انشغال الدولة والمجتمع في حرب صاحب الزنج حيث بدا أعماله التخريبية في جنوب العراق والأهواز؛ فأوجد الفزع والقلق الشديد في الأمة وفي النظام الحاكم، فكان خير صارف ذهني للفهم العام عن الالتفات لخبر الولادة، واستطاع حماية ولده من متاعب السلطات، فلم يبق أمامه سوى إثبات ولادة ابنه المهدي (عليه السلام) للأُمة الإسلامية والتأريخ.
لقد ذكرت النصوص التاريخية ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) عام 256(74)، وثبتت ولادته بأوكد ما يثبت به أنساب الجمهور من الناس، إذ كان النسب يثبت بقول القابلة ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء وتولي معونتهن عليه، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين على قرار الأب بنسب الابن منه، وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن العسكري (عليه السلام) انه اعترف بولادة المهدي (عليه السلام) وآذنهم بوجوده، ونص لهم على إمامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً وبعضهم له يافعاً وشاباً كاملاً(75)، عاش الإمام المهدي (عليه السلام) أربع سنوات برفقة أبيه سجيناً تحت الرقابة الشديدة التي فرضتها السلطات الحاكمة على أبيه، دون أن تعثر له على أثر أو تسمع له بخبر!!
وقام الإمام العسكري (عليه السلام) في عمله السياسي بعدّة أمور:
الأول- إعلام أصحابه بولادته:
لقد استطاع الإمام العسكري (عليه السلام) في تلك الظروف الصعبة والمعقدة أن يخص تبليغ ولادة ابنه المهدي لأصحابه؛ وأن يزف لهم هذه البشرى لمن علم فيه قوة الإيمان وصلابة العقيدة ورجاحة العقل؛ فحجب ابنه حجباً تاماً عن الجمهور غير الموالي، بل حتى عن الجمهور الموالي ممن لم يحرز فيه قوة الإرادة والإخلاص، وسيأتي ذكر من رآه من خواصه.
ثانياً- اعتماد الإمام على بعض أصحابه في تبليغ الولادة:
لقد اعتمد الإمام هنا أمرين:
الأول: طلب من بعض أصحابه ممن لهم شأناً مع الإمام المهدي (عليه السلام) ومنهم عثمان وابنه، والنوبختي والسمري وغيرهم بأن يوصلوا خبر الولادة لأصحابه، بعد أن عرف الإمام (عليه السلام) موقعهم السياسي والاجتماعي في الأمّة، فقد روى الصدوق بإسناده عن أبي جعفر -محمد بن عثمان العمري- قال: لما ولد السيد -أي الإمام المهدي (عليه السلام)- قال أبو محمد: ابعثوا إلى أبي عمرو -عثمان بن سعيد العمري- فبعث اليه، فقال: اشترِ عشرة آلاف رطل خبز، وعشرة آلاف رطل لحم، وفرقّه حسبة، قال علي بن هاشم: وعقّ عنه بكذا وكذا شاة(76).
الثاني: إرسال برقياته ورسائله إلى أصحابه في البلاد البعيدة لإعلامهم بخبر الولادة، فقد روى الصدوق بإسناده عن أحمد بن اسحاق القمي الأشعري وجه القميين وشيخهم- قال: كتب أبو محمد (عليه السلام) رسالة لي يقول فيها: ولد لنا مولود.. إلى ان قال: أحببنا إعلامك ليسرّك الله به مثل ما سرّنا به والسلام(77).
وأجاز الإمام العسكري (عليه السلام) لعمته حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام) أن تخبر من تثق به وتطمئن إليه ممن قرب أو بعد بخبر الولادة، وقد روى خبره الكثير من الثقات عنها منهم: عثمان بن سعيد وابنه، وأبو عبد الله المطهري، وموسى بن محمد بن جعفر، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن علي بن بلال، وجماعة من الشيوخ أمثال: علان الكليني، وموسى بن محمد وأحمد بن جعفر(78)، وأخبرت خديجة بنت الإمام الجواد، وجماعة أيضاً بخبر الولادة منهم: أبا أحمد المراغي(79)، وأحمد بن ابراهيم، وكتب الإمام العسكري (عليه السلام) نفسه خبر الولادة إلى أُمه(80)، ثم مسح الإمام لكثير من جواريه وعبيده الذين أعتقد فيهم قوة العقيدة والإخلاص بمشاهدتهم الإمام (عليه السلام) كنسيم ومارية وأبي نصر الخادم وعقيدة الخادم وجارية لأبي علي الخيزراني القابلة وغيرهم(81)، وقد كان جماعة من أصحابه الذين شاهدوا الإمام المهدي (عليه السلام) ممن عدّلهم في حياته، وجعلهم سفراء بينه وبين أوليائهم، والأمناء على قبض الأخماس والأنفال والوقوفات والأمانات وغيرها، وشهد لهم بإيمانهم وصدقهم فيما يؤدونه عنه مواليه، وأن هذه الجماعة التي شاهدت الحجة (عليه السلام) أخبرت بالنص عليه من أبيه (عليه السلام)، وقطعت بإمامته وكونه الحجة المأمول للانتصار من الظالمين، فكان ذلك نائباً مناب نصّ أبيه (عليه السلام) لو كان مفقوداً(82).
روى الصدوق بإسناده عن محمد بن مالك الفزاري قال: حدثني معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري وأبيه رضي الله عنهم، قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ابنه، ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً، فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا(83).
وليس لأحد أن يقول: جميع ما ذكرتموه من أخبار الولادة والمعجزات هي أخبار آحاد، وهي مع ذلك مختصة بنقلكم!! وما هذه حاله، لا يلزم الحجة به؟ لأن هذه دعوى مجردة خالية من الاستدلال والبرهان.. ومن تأمل في حال ناقلي هذه الأخبار؛ علمهم متواترين بها على الوجه الذي تواتروا به من نقل النص الجلي، فإذا ثبت تواترها لم يقدح فيه اختصاص نقلها بالفرقة الإمامية دون غيرها، لأن المراعي في صحة النقل وقوعه على وجه لا يجوز على ناقليه الكذب سواء كانوا أبراراً أو فجاراً، متدينين بما نقلوه أو مخالفين له(84).
الثالث- كتمان خبر الولادة:
لقد أكد الإمام العسكري على كل من رأى ابنه المهدي (عليه السلام) أمرين لا بد من التزامهما، وهو مكلف تكليفاً إلزامياً بهما وهما: وجوب الكتمان لخبر الولادة، وحرمة الاطلاع على اسمه الشريف. كتب الإمام العسكري (عليه السلام) في رسالة التي بعثها إلى أحمد بن القمي: فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً، فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته، والمولى لولايته(85).
وسأل أحمد بن إبراهيم خديجة بنت الإمام الجواد (عليه السلام) عن الإمام المهدي (عليه السلام) فقالت: مستور(86)، وتباشر اثنان من أصحابه (عليه السلام) بخبر الولادة فقال احدهما للآخر: ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد (عليه السلام) وأمر بكتمانه(87)، وروى الصدوق بإسناده عن غياث بن أسيد قال: شهد محمد بن عثمان العمري (قدّس سرّه) يقول: لما ولد الخلف المهدي (عليه السلام) سطع نور من فوق رأسه إلى أعنان السماء(88)، فقال عبد الله بن جعفر الحميري له -للعمري- هل رأيته؟ قال: نعم، وله رقبة مثل ذي، وأشار بيده إلى عنقه(89).
لقد جاء في النصوص الإسلامية حصول اللقاءات العديدة بين الإمام المهدي (عليه السلام) وسفيره الأول عثمان بن سعيد العمري قبل سفارته -أي في حال حياة أبيه الحسن العسكري (عليه السلام)- وهي تعرب عن قلق الإمام الشديد حول مستقبل الأمة وحالة الانحراف في المجتمع، ومضايقات السلطات لأنصار الإمام (عليه السلام)، فقد التقى عثمان بن سعيد بالإمام المهدي (عليه السلام) عندما عرضه الإمام العسكري على أربعين رجلاً وكان هو من بينهم؛ حيث قال لهم: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا؛ أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا؛ فقال الراوي: قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت أيام قلائل حتى مضى أبو محمد (عليه السلام)(90).
وكان الحسن العسكري (عليه السلام) قد أمر عثمان بن سعيد أن يغسله بعد مماته، ويكفنه ويقوم بباقي شؤونه(91)؛ مأموراً بذلك كله للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها، ولا دفعها إلاّ بدفع حقائق الأشياء وظواهرها(92)، والوصية إليه بحمل أمتعة وجواريه إلى بغداد، واحتفاظه بودائع الإمام العسكري (عليه السلام).
وهي عبارة درج فيه قنوتات الأئمة (عليه السلام) وحقّهُ خشب مدهونة وعكازة كانت في يده (عليه السلام) يوم توكله عثمان بن سعيد العمري ووصيته اليه(93).
ثم استلم الإمام المهدي (عليه السلام) الإمامة بعد أبيه ولم يتجاوز عمره الأربع أو الخمس سنين، وكان عمر سفيره الأول لم يتجاوز السبع والثلاثين عاماً، حيث اعن الإمام المهدي عن بداية الغيبة الصغرى، وأمر أصحابه وخواصه بأخبار الناس والوفود التي تقدم لزيارته بالتوجه إلى عثمان بن سعيد العمري في حوائجهم وأخذ الأجوبة والتوقيعات منه؛ وعيّن بغداد عاصمة للسفارة، فقد روى الصدوق بإسناده: أن الوفد القمي جاء لزيارة الإمام العسكري (عليه السلام) ولم يعرفوا وفاته، فالتقوا بالإمام المهدي (عليه السلام) وأمرهم أن لا يحملوا إلى سامراء بعدها شيئاً من المال، وأن ينصب لهم رجلاً يحمل اليه الأموال(94)، فأخذت الأمة الإسلامية تقصده بأجمعها من كل بلد بقصص وحوائج، وكانت الأجوبة تخرج على يديه، وصار ابن سعيد عالماً في بغداد لا تشك الأمة في أقواله وأفعاله(95)، فقصدوه في غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) كما قصدوه في حياة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)(96)، واستمرت بعد ذلك اللقاءات بينه وبين الإمام المهدي (عليه السلام) كما يأتي في هذه الدراسة.
المبحث الثاني: وقوع الاشتباه في عثمان بن سعيد من بعض الأعلام
ذكرنا ان عثمان بن سعيد كان قد خدم الإمام المهدي (عليه السلام) وله أحد عشر عاماً وكان إليه عهد معروف. ولكن وقع من بعض الأعلام اشتباهاً في هذه الشخصية العظيمة.. ومخلصه:
الاشتباه الأول- اشتباه العلامة وابن شهرآشوب:
قال العلامة بعد ترجمة عثمان بن سعيد: ويُقال له الزيارات الأسدي، من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الثاني -الجواد (عليه السلام)- خدمه وله إحدى عشرة سنة، وله اليه عهد معروف، وهو ثقة جليل القدر وكيل أبي محمد العسكري (عليه السلام)(97).
وقال ابن شهرآشوب: ان عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) كان باباً لأبي جعفر بن علي النقي (عليه السلام)(98)، والظاهر ان فيه سهواً وقع من العلامة وابن شهرآشوب(99)، فقد ذكر في ربيع الشيعة: ان أبا عمرو عثمان بن سعيد العمري (قدّس سرّه) كان باباً لأبي الحسن العسكري وجدّه الهادي (عليه السلام) من قبل، وثقة لهما، ثم تولي البابية من قبله وظهرت المعجزات علي يده، وما ذكره هذان الفاضلان لا يجتمع مع ما ذكره الطوسي من أن عثمان بن سعيد خدم الإمام الهادي (عليه السلام) وله إحدى عشر سنة(100)، والله العالم.
الاشتباه الثاني- اشتباه الطوسي:
ذكر الشيخ الطوسي بعد ترجمة عثمان بن سعيد: بأنه حفص بن عمرو المعروف بالعمري، وأنه كان وكيلاً وسفيراً للإمام المهدي (عليه السلام)؛ واشتبه أيضاً في ترجمة ابنه محمد بن عثمان العمري؛ فأبدله (بمحمد بن حفص العمري)، فقال بعد رواية محمد بن إبراهيم بن مهزيار: وحفص بن عمرو، كان وكيلاً لأبي محمد العسكري (عليه السلام)، وأما أبو جعفر محمد بن حفص بن عمرو فهو ابن العمري وكان وكيل الناحية المقدسة(101)، والظاهر أن فيه خطئاً واضحاً، قال التستري: هذا وقلنا في حفص بن عمرو: بان ما في نسخة الكشي بعنوان حفص بن عمرو المعروف بالعمري تحريف، ظاهر، وأن الأصل عثمان بن سعيد بن عمرو وكنيته أبو عمرو، لعدم وجود (حفص عمرو) ولا (محمد بن حفص بن عمرو) بل محمد بن عثمان بن سعيد بن عمرو، وأبيه عثمان بن سعيد(102)، وأما القهبائي فقد رأى ان العمروي اثنان وكذا ابناهما فقال: ويظهر من هذا ان العمروي اثنان هما: عثمان بن سعيد بن عمرو وحفص وعمرو؟ وكذا ابن العمروي اثنان أيضاً وهما: ومحمد بن عثمان ومحمد بن حفص، ولكن حفص بن عمرو العموري وابنه كانا وكيلان للصاحب ببغداد، وأما عثمان بن سعيد وابنه فإنهما بابان للصحاب (عليه السلام)، ومن قبله لأبيه وجده، ولا يخفى بعد النظر والتأمل(103).
أما الخوئي فقد قال: من البعيد جداً وجود رجلين يعرف كل منهما بالعمري، وكان كل منهما وكيل العسكري (عليه السلام)، ويكون لكل منهما ابن يسمى بمحمد ويكنى أبا جعفر وكيل الناحية ويدور عليه الأمر.. على أن المستفاد من التوقيع أن العمري كان شخصاً واحداً يصل إليه كل ما يحمل إلى الإمام (عليه السلام) فيوصله إليه، والله العالم بحقيقة الأمر(104)، واستغرب الخوئي مما ذكره الكشي قائلاً: والأغرب من ذلك هو ما صدر من الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) فإنه ذكر في الغيبة كما عرفت: محمد بن عثمان بن سعيد العمري وأباه وذكر وكالتهما، ولم يتعرض لحفص ولا لابنه محمد؛ ومع ذلك كان قد ذكر في رجاله حفص بن عمرو العمري المعروف، ثم قال: والمتحصل مما ذكرنا أنه لم يعلم وجود لحفص بن عمرو، ولا لابنه فضلاً عن أن يكون ا وكيلين، وأما ما في الكشي، فلا بدّ من حمله على غلط النسخة بعد مخالفتها لما تسالم عليه الأصحاب: من أن الوكيل كان عثمان بن سعيد وابنه محمد، وقد ذكر العلامة نفسه في ترجمة محمد بن عبد العزيز الكشي: أن له كتاب الرجال، كثير العلم؛ إلا أن فيه أغلاطاً كثيرة كما ذكر ذلك النجاشي أيضاً(105)، أقول: والغريب في ذلك أيضاً ما ذكره السيد محمد الصدر بأنه حفص بن عمرو، كان له نشاط متزايد بهذا الأمر، وكان الأمر يدور عليه(106)، ولم يذكر نصاً في نشاطه!! وما قاله التستري والخوئي هو الصحيح والله العالم.
* * *
المبحث الثالث: التراث الذي خلفه عثمان بن سعيد العمري للأمة الإسلامية
لقد خلف عثمان بن سعيد العمري تراثاً خالداً للأجيال والأمة الاسلامية مع تصديه لمهمة السفارة عن الإمام المهدي... ونلخصه بما يلي:
أولاً- ما تركه من روايات وأحاديث عن الأئمة (عليهم السلام):
اتضح من خلال دراسة الأوضاع السياسية للدولتين الأموية والعباسية نجاحهما نوعاً ما في كبت حركة الفكر والتحرر لدى المفكرين، وعرضتهم لصنوف العذاب والسخرية، وألجمتهم عن قول الحقيقة؛ وأثارت الفتن والشحناء بين فصائلها؛ فكان له الأثر السلبي على سير المسلمين وتقدمهم، وظهرت في خضم تلك الأحداث حركات فكرية ونهضة علمية واسعة قوت شوكتها وامتدت معالمها لأبعد البلاد الإسلامية، وكان يقودها رجال الأمة من أهل الخبرة والتخصص في معرفة العلوم ومنها علم الحديث، حيث إنهم بذلوا جهوداً مكثفة في معرفة علم الحديث وجمعه وتفصيل أحكامه وتبيين حلاله من حرامه، فرتبوه على طبقات رجالية لمعرفة أحوال الرواة؛ وحصلت الأمة على أضخم ثروة وتراث في مجال الحديث وتم تمييزها عن الأحاديث السقيمة، وقد نفذت إشاعات تلك النهضة العلمية والفكرية لعواصم عديدة من البلاد الإسلامية كالشام ومكة وقم والكوفة وسامراء واليمن والمغرب العربي وغيرها، أما بغداد عام260هـ فقد أصبحت مصدراً للإشعاع الفكري والثقافي لكثير من البلدان، وملتقى لمختلف المذاهب والفرق الإسلامية، حيث عقدت فيها الندوات وتبارى في منتدياتها الأدبية الشعراء والأدباء وروّاد الفكر في مختلف العلوم والفنون؛ وظهر في تلك النهضة رجال في الأمة تخصصوا في الحديث والرواية وفي مقدمتهم عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) حيث روى الحديث فأحسن روايته، والناس يومذاك في أشد الحاجة لسماع الحديث عن الأئمة ولاسيما الإمام الهادي والعسكري والمهدي (عليه السلام)، بسبب مسلكهم الاختفاء والكتمان والحذر من السلطات وجواسيسها، ورغم صعوبة الوقت والسيف يقطر دماً؛ والمحن التي مرت بها الأمة، والأزمات والحروب الطاحنة والتناحر بين المذاهب؛ وقد أدى إلى حرق الكثير من الكتب والطروس، وضياع بعض التراث الذي خلفه المسلمون؛ وبقي البعض الآخر في متناول الأيدي فقد وصلنا من عثمان بن سعيد العمري العداد من الروايات عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) ونلخص بعضها بما يلي:
رواياته في الوصية(107)؛ واللواط(108)، والزي والتجميل(109)، والمعيشة(110)، وفضل الكوفة(111)، تسمية من رآه (عليه السلام)(112)؛ وأخباره في وجود الإمام المهدي (عليه السلام) ووصيته للأمة الإسلامية(113)، وحب الدنيا(114)، وقصة موسى والعمالقة(115)، وفي ودائع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)(116).
ثانياً- تراثه في الأدعية:
أما تراثه من الأدعية التي رواها عن الأئمة (عليهم السلام) فهي كثيرة أيضاً، فمن بينها الدعاء المشهور عنه (رحمه الله) في الغيبة، فقد سأل زرارة الإمام الصادق (عليه السلام) فقال: جعلت فداك؛ إن أدركت ذلك الزمان، أي شيء أفعل؟
قال (عليه السلام): يا زرارة متى أدركت ذلك الزمان فلتدع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فإنك ان لم تعرفني نفسك؛ فإن لم تُعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك... الخ، وقال ابن طاووس: إذا كان لك عذر عن جميع ما ذكرناه من تعقيب العصر يوم الجمعة فإياك ان تهمل الدعاء به، فإننا عرفنا ذلك من فضل الله جل جلاله الذي اختصّنا به فاعتمد عليه؛ وهذا نصه: عن أبي همام: أن الشيخ عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) أملاه عليه، وأمره أن يدعو به وهو الدعاء في غيبة القائم (عليه السلام): أَللّهمَّ عرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي... الخ(117).
ثالثاً- تراثه في ما خرج عنه من توقيعات:
وخرج من عثمان بن سعيد العمري توقيعات كثيرة من إمامه المهدي (عليه السلام) للأمة الإسلامية في أمُور وقضايا عديدة.. نلخص بعضها:
التوقيع الأول- فيمن أنكر الحجة:
قال الصدوق: توقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) كان خرج إلى العمري وابنه -رضي الله عنهما- رواه سعد بن عبد الله، قال الشيخ أبو عبد الله جعفر رضي الله عن: وجدته مثبتاً عنه (رحمه الله) وهو: وفقكما الله لطاعته، وثبتكما على دينه، وأسعدكما لمرضاته، انتهى إلينا ما ذكرتماه أن الميثمي أخبركما عن المختار ومناظراته من لقي؛ واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إياه، وفهمت جميع ما كتبتما به قال أصحابكما عنه، وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء، ومن الضلالة بعدى الهدى، ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن، فإنه عزّ وجل يقول: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾(118)، كيف يتساقطون في الفتنة ويترددون في الحيرة، ويأخذون يميناً وشمالاً، فارقوا دينهم؟ أم ارتابوا؟! أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة؟! أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون: أن الأرض ما تخلوا من حجة!!! إما ظاهراً وإما مغموراً. أو لم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم (صلّى الله عليه وآله وسلم) واحداً بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله عزّ وجل إلى الماضي-أي الحسن العسكري (عليه السلام)- فقام مقام أبيه يهدي إلى الحق والى طريق مستقيم، كان نوراً ساطعاً وشهاباً لامعاً وقمراً زاهراً، ثم اختار الله عزّ وجل له لما عنده، فمضى على منهاج آبائه حذو النعل بالنعل، على عهد عهده، ووصية أوصى بها إلى وصي: -يقصده بها نفسه- ستر الله عزّ وجل بأمره إلى غاية، وأخفى مكانه بمشيئته للقضاء السابق والقدر النافذ وفينا موضعه، لنا موضعه، ولو قد أذن الله عزّ وجل فيما قد منعه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه، لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حيلة وأبين دلالة وأوضح علامة، ولأبان عن نفسه، وقام بحجته، ولكن أقدار الله عزّ وجل لا تغالب، وإرادته لا ترد، وتوفيقه لا يسبق؛ فليدعوا عنهم أتباع الهوى، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه ولا يبحثوا عما ستر عنهم، فيأثموا؛ ولا يكشفوا ستر الله عزّ وجل فيذموا، وليعلموا أن الحق معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا إلاّ كذاب مفتر؛ ولا يدعيه غيرنا إلاّ ضال غوي، فليقتصروا منا على هذه الجملة دون تفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله(119).
التوقيع الثاني- فيمن ارتاب في الإمام المهدي (عليه السلام):
روى الطوسي والطبرسي وغيرهما: عن الشيخ الموثوق أبي عمرو العمري (رحمه الله) قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف (عليه السلام)!!، فذكر ابن أبي غانم أن أبا محمد العسكري (عليه السلام) مضى ولا خلف له، ثم إنهم كتبوا كتاباً وأنفذوه إلى الناحية (عليه السلام) وأعلموا بما تشاجروا فيه، فورد جواب كتابه بخطه صلى الله عليه وعلى آبائه: بسم الله الرحمن الرحيم، عافانا الله وإياكم الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء التقلب، إنه أنهي إلي ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم، فغنمنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا، لأن الله معنا فلا فاقة إلى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا... الخ(120)، وهو خبر طويل.
التوقيع الثالث- تكذيبه لجعفر في ادعائه الإمامة:
روى الطوسي والطبرسي بإسنادهما عن أحمد بن اسحاق الأشعري (رحمه الله): أنه جاءه بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي (عليه السلام) عم الإمام المهدي (عليه السلام) -كتب إليه كتاباً يعرفه فيه نفسه، ويعلمه أنه القيم بعد أخيه، وأن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلها.
قال أحمد بن اسحاق فلما قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام) وصيّرت كتاب جعفر في درجه، فخرج الجواب إليّ في ذلك عن طريق سفيره عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) بسم الله الرحم الرحيم: أتاني كتابك أبقاك الله، والكتاب الذي أنفدت درجه، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه وتكرر الخطأ فيه، ولو تدبرته لوقفت عليه منه(121)... الخ وهو خبر طويل.
* * *
المبحث الرابع: المعجزات التي ظهرت من الإمام المهدي (عليه السلام) على يدي عثمان بن سعيد العمري
المعجزة هي المعيار الذي يعرف به الصدق، والبرهان الذي يحتج به للحق، والمحك الذي يمتاز به الخالص من المشوب، والأصل الثابت الذي يحق أن يستند إليه لعرفان الحق وإثبات الحقيقة، والوثيقة الوحيدة لمعرفة حقيقة دعوى المدعي، والمعيار المعتمد الدقيق لتمييز النبي من المتنبي، وهو عمل يجري على خلاف مجاري العادة عقيب التحدي، ولا يختص هذا بالأنبياء، فلا يمتنع أن يظهرها الله تعالى على يدي من يدعي الإمامة ليدلّ بها على عصمته ووجوب طاعته، وقد ظن الخصوم أنها مختصة بالأنبياء لأنها تدل على النبوة من جهة الإبانة، فقد استحال ظهورها على من ليس بنبي.... أقول: وليس فيما ذكروه ما يوجب كون المعجزة دالة على الإبانة، وأما وجوب حصولها وظهورها على يد النبي ومخالفتها في ذلك لسائر الأدلّة، فليس بمقتضٍ لما ذكروه، وإذا جاز إظهارها على يد المعصوم، فإنه يجوز إظهارها على يد السفراء والأصحاب لعدم منع العقل والكتاب والسنة من ذلك، وموافقة أكثر الفرق لهذا الاعتقاد(122)، فقد ذكر الشيخ الطوسي طرفاً من الأخبار الدالة على إمامة ابن الحسن العسكري (عليه السلام) وثبوت غيبته ووجود عينه عن طريق السفراء، وقال: بأنها أخبار تضمنت الإخبار بالغائبات بالشيء قبل كونه على وجه خارق للعادة، لا نعلم ذلك الا من اعلمه الله على لسان نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) ووصل إليه من جهة من دل الدليل على صدقه، ولو لا صدقهم لما كان ذلك إليه(123)، ثم أضاف: إن ظهور المعجزات على أيديهم دليل واضح على إمامة من انتموا إليه(124)، ونلخص بعض ما ظهر من الإمام المهدي (عليه السلام) من المعجزات على يدي سفيره عثمان بن سعيد العمري...
أولاً- الإخبار عن أمور الغيبة:
عن محمد بن علي الأسود (رحمه الله) قال: دفعت إلي امرأة سنة من السنين ثوباً وقالت: أحمله إلى العمري -عثمان بن سعيد- فحملته مع ثياب كثيرة، فلما وافيت بغداد أمرني بتسليم ذلك كله إلى محمد بن العباس القمي، فسلمت ذلك كله ما خلا ثوب المرأة، فوجّه إليّ العمري -رضي الله عنه- ثوب المرأة سلمه إليه، فذكرت بعد ذلك أن المرأة سلمت إليّ ثوباً فطلبته؛ فلم أجده، فقال لي: لا تغتم؛ فإنك ستجده، فوجدته بعد ذلك، ولم يكن مع العمري نسخة ما كان معي(125).
ثانياً- علمه بموت المصري في مكة:
عن الحسن بن عيسى قال: لما مضى أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ورد رجل من مصر بمال إلى مكة لصاحب الأمر، فاختلف عليه وقال بعض الناس: إن أبا محمد قد مضى من غير خلف، وقال آخرون: الخلف بعده جعفر، وقال آخرون:
الخلف بعده ولده، فبعث رجلاً يكنى أبو طالب، فصار الرجل إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا الموسومين بالسفارة -عثمان بن سعيد العمري- فخرج إليه: آجرك الله في صاحبك فقد مات، وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيه بما يحب، وأجيب عنه كتابة، وكان الأمر كما قيل له(126).
ثالثاً- إثبات صحة سفارته عن الإمام المهدي (عليه السلام):
حدّث محمد بن إبراهيم بن مهزيار قال: إن أبي لما حضرته الوفاة دفع اليَّ مالاً وأعطاني علامة، ولم يعلم بتلك العلامة إلاّ الله عزّ وجل وقال: من أتاك بهذه العلامة فأدفع إليه المال، فخرجت إلى بغداد ونزلت خان، فلما كان اليوم الثاني إذ جاء شيخ ودقَّ الباب:... إلى أن قال: فدخل وجلس، فقال: أنا العمري -عثمان بن سعيد- هات المال الذي هو عندك!! وهو كذا وكذا! ومعي المال، فدفعت اليه المال(127).
رابعاً- قضية مدهشة للعقول:
وعن اسحاق بن يعقوب قال: سمعت الشيخ العمري -عثمان بن سعيد (رض)- يقول: صبحت رجلاً من أهل السواد ومعه مال للقائم (عليه السلام)، فأنفذه فرده عليه وقيل له: أخرج حق ولدك عمك منه، وهو أربعة مائة درهم، فبقي الرجل متحيراً باهتاً، ونظر في حساب المال وكانت في يده ضيعة لولد عمه قد كان ردّ عليهم بعضها؛ فإذا الذي نضّ لهم من ذلك أربعمائة درهم كما قال (عليه السلام)؛ فأخرجه وأنفذ الباقي، فقبل -العمري وأخذ المال(128).
وكذا قصته مع الزهري الذي طلبه هذا الأمر طلباً شديداً وشاقاً حتى ذهب له فيه مال صالح، فوقف إلى عثمان بن سعيد العمري، وخدمه ولزمه وسأله بعد ذلك عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه)... الخبر(129).
* * *
المبحث الخامس: وفاة عثمان بن سعيد العمري وبرقية الإمام المهدي (عليه السلام) بالمواساة
حظي عثمان بن سعيد العمري بالسفارة العظمى خمس سنوات عن الإمام المهدي (عليه السلام) وقد نهل فيها علومه من معين الإمامة وحجور الولاية وتثق بوارف النبوة واستضاء من نور تلك المشكوات الزاهرات والبحار الزاخرات المتلاطمة أمواجها بالحكميات الربانية والعلوم المقدسة الإلهية: فكان العمري رشحة من رشحات الأئمة (عليهم السلام) وممثلاً لخلافة المهدي (عليه السلام) الظاهرية والباطنية حتى ختم صفحة تاريخه المشرق عام 265هـ وبعد خمسة أعوام قضاها في السفارة، ولم يتعد خلافة المعتمد العباسي، وقد بلغ عمره الشريف اثنان وأربعون عاماً؛ وعمر إمامه المهدي (عليه السلام) آنذاك تسع سنوات.
وقام ابنه محمد بن عثمان العمري بتغسيل أبيه وتكفينه والصلاة عليه(130)، وشيّع جثمانه بقلوب ملؤها الأسى ثم حُمِل إلى مثواه الأخير حيث دُفِن في الجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد(131)، قال الشيخ الطوسي: رأيت قبره في نفس الموضع الذي ذكره هبة الله، وكان بُني في وجهه حائط، وبه محراب المسجد وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت مظلم ضيّق، فكلنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة. قال: وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيّف وثلاثين وأربعمائة، ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو جعفر منصور محمد بن الفرج، وأبرز القبر إلى برّ -أي إلى الخارج- وعمل عليه صندوقاً وهو تحت السقف يدخل إليه من أراده ويزوره، قال الطوسي: ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون: وهو رجل صالح، وقالوا: هو ابن داية الحسين (عليه السلام)، ولا يعرفون حقيقة الحال فيه؛ وهو إلى يومنا هذا، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة على ما هو عليه(132)، وقبره الآن مشيد ومعروف ببغداد يزار ويتبرك به(133)، وقد روى العلامة المجلسي زيارة له فقال: وجدت في بعض النسخ القديمة من مؤلفات أصحابنا زيارة لمولانا أبي محمد عثمان بن سعيد العمري الأسدي وهي: السلام عليك أيها العبد الصالح لله ولرسوله ولأوليائه... الخ(134).
وخرجت برقية تعزية من الإمام المهدي (عليه السلام) إلى ابنه محمد بن عثمان يواسيه فيها بابيه، ويعبّر فيها عن حزنه العميق لفقدانه، وكانت إعلاناً له بالسفارة عنه (عليه السلام) بعد أبيه عثمان بن سعيد؛ وكانت برقيته تشتمل على فصلين:
فقد جاء الفصل الأول هذه البرقية:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ إنّا لله وإنا إليه راجعون، تسليماً لأمره ورضاء لقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً فيما يقرّبه إلى الله وإليهم، نضر الله وجهه وأقال عثرته.
وجاء في الفصل الثاني من البرقية:
أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء رزئت ورزئنا؛ وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرّه الله في منقلبه، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحّم عليه، وأقول: الحمد لله، فإن الأنفس طيبة بمكانك، وما جعله الله عزّ وجل فيك وعندك أعانك الله وقوّاك عضدك ووفقك، وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً(135).
الهوامش:
(1) بجهة الآمال: التبريزي 5/232.
(2) الغيبة للطوسي: 214.
(3) المقصود الغيبة للطوسي: 214.
(4) الغيبة للطوسي: 214.
(5) المقصود بابن حريث هو الصيرفي الكوفي الأسدي، قال التبريزي في وقائع الأيام 339 ما لفظه: ليس المقصود بابن حريث الذي كان من أصحاب أمير المؤمنين ثم صار من أصحاب ابن زياد، وهو الذي قطع لسان ميثم التمار؛ انظره في مجالس المؤمنين للشوشتري: 441.
(6) تأسيس الشيعة للصدر: 411.
(7) الغيبة للطوسي: 214.
(8) الغيبة للطوسي: 214.
(9) الغيبة للطوسي: 256.
(10) الغيبة للطوسي: 214.
(11) الغيبة للطوسي: 215.
(12) سفينة البحار للقمي: 3/259.
(13) الغيبة للطوسي: 216.
(14) الصراط المستقيم للبياضي (م877هـ): 2/334.
(15) الكامل لابن الأثير: 1/184 و290.
(16) المختصر: 1/69.
(17) مرآة الجنان: 2/285.
(18) تجارب الأُمم: 5/195.
(19) معجم المؤلفين: 4/8.
(20) سير أعلام النبلاء: 15/222.
(21) الوافي بالوفيات: 13/266. وتاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
(22) صلة عريب: 141، لسان الميزان لابن حجر؛ دائرة المعارف الإسلامية المعرية:1/181.
(23) تأسيس الشيعة: 411.
(24) سفينة البحار: 2/158.
(25) منهاج المقال: 419، وانظر رجال الطوسي:434، الاحتجاج للطبرسي: 1/477 وغيرها.
(26) فرق النوبختي: 112.
(27) فرق النوبختي:112، فرق الشيعة للأشعري القمي: 15، الملل والنحل للشهرستاني: 1/131.
(28) الخلاصة للعلامة: 106، الغيبة للطوسي: 216.
(29) الغيبة للطوسي: 216.
(30) الغيبة للطوسي: 215.
(31) الغيبة للطوسي: 216.
(32) الغيبة للطوسي: 216.
(33) سفينة البحار للقمي: 2/159.
(34) الغيبة للطوسي: 216.
(35) رجال الطوسي: 420.
(36) الإرشاد للمفيد: 313.
(37) الغيبة الصغرى للصدر: 108.
(38) المناقب: ابن شهرآشوب: 3/505.
(39) الإرشاد للمفيد: 307 وابن الوردي: 1/232، ابن خلكان: 2/435، تاريخ الطبري: 11/157.
(40) الفصول المهمة للمالكي: 278 نقالً عن مواليد الأئمة لابن الخشاب.
(41) المناقب: ابن شهرآشوب: 4/409.
(42) المناقب: ابن شهرآشوب: 409/4
(43) المناقب: ابن شهرآشوب: 4/530، الغيبة للطوسي: 123.
(44) المناقب: 4/530.
(45) مفاتيح الجنان للقمي: 490.
(46) الغيبة للطوسي: 215.
(47) الغيبة للطوسي 215، الكافي للكليني: 6/212.
(48) إثبات الوصية: المسعودي: 262، منتهى الآمال: القمي: 565.
(49) الإرشاد للمفيد:307، ابن الوردي: 1/232؛ ابن خلكَان: 2/435 وغيرها.
(50) الكامل في التاريخ: ابن الأثير 5/341.
(51) الكامل في التاريخ: 5/355.
(52) أعلام الورى، الطبرسي: 349، الفصول المهمة: لابن الصباغ المالكي:307، ابن الورد: 1/232.
(53) المناقب: ابن شهرآشوب: 4/530، الغيبة للطوسي: 129.
(54) المناقب: ابن شهرآشوب: 3/517.
(55) المناقب: ابن شهرآشوب: 3/536.
(56) الكامل في التاريخ: ابن الأثير: 5/241.
(57) الكامل في التاريخ: 5/344.
(58) المناقب: ابن شهرآشوب: 3/531.
(59) أعلام الورى: الطبرسي: 324.
(60) المناقب: 3/535.
(61) الإرشاد: المفيد: 324.
(62) مروج الذهب: للمسعودي: 4/96.
(63) الغيبة للطوسي: 136.
(64) إثبات الوصية: المسعودي: 262؛ منتهى الآمال: القمي: 565.
(65) الإرشاد للمفيد: 323.
(66) الإرشاد للمفيد: 323.
(67) كشف الغمة، الاربلي: 3/204 و207.
(68) الغيبة للطوسي: 215.
(69) الغيبة للطوسي: 216.
(70) الغيبة للطوسي: 216.
(71) الغيبة للطوسي: 216.
(72) الغيبة للطوسي: 258.
(73) الإرشاد للمفيد: 340، الغيبة للطوسي: 129.
(74) الغيبة للطوسي: 258.
(75) عدّة رسائل: المفيد:25، الغيبة للنعماني: 12.. قال العلامة المجلسي: وقد ذكر الجهضمي وكلاء المهدي (عليه السلام) وسفراءه وأسمائهم؛ ثم قال: وقد لقي المهدي (عليه السلام) بعد ذلك خلق كثير من الشيعة وغيرهم، وظهر لهم على يده من الدلائل ما ثبت عندهم أنه هو (عليه السلام).. وينتفعون بمكانه وفعاله ويكتمونه.. الخ، بحار الأنوار: 51/108.
(76) إكمال الدين للصدوق: 2/104.
(77) إكمال الدين: 2/108؛ منتخب الأثر للصافي: 344.
(78) الغيبة للطوسي: 141.
(79) الغيبة للطوسي 138.
(80) إكمال الدين للصدوق: 2/178.
(81) الغيبة للطوسي: 147-148.
(82) تقريب المعارف: أبو الصلاح الحلبي: 185.
(83) إكمال الدين للصدوق: 2/435.
(84) تقريب المعارف: أبو الصلاح الحلبي: 185.
(85) كمال الدين للصدوق: 2/108، منتخب الأثر: للصافي: 344.
(86) الغيبة للطوسي: 138.
(87) كمال الدين للصدوق: 2/106.
(88) كمال الدين للصدوق: 2/432.
(89) كمال الدين للصدوق: 2/425.
(90) كمال الدين للصدوق: 2/435.
(91) الغيبة الصغرى: لمحمد الصدر: 399.
(92) سفينة البحار للقمي: 1/159.
(93) منهج الدعوات لابن طاووس: 45.
(94) كمال الدين للصدوق: 2/152.
(95) الغيبة للطوسي: 215.
(96) الطرائف: ابن طاووس: 1/184.
(97) الخلاصة: 116.
(98) انظر جامع الرواة للأردبيلي: 1/533.
(99) جامع الرواة للأردبيلي: 533/1.
(100) رجال الطوسي: 420، معجم رجال الحديث: الخوئي: 12/124.
(101) رجال الكشي للطوسي: 2/813.
(102) قاموس الرجال: 6/248.
(103) رجال القهبائي: 1/220.
(104) معجم رجال الحديث: الخوئي 7/155.
(105) معجم رجال الحديث: 6/145.
(106) الغيبة الصغرى: محمد الصدر: 624.
(107) التهذيب للطوسي: 9/187، جامع الرواة للأردبيلي: 1/533.
(108) الكافي الكليني: 5/548، جامع الرواة: 533.
(109) الكافي الكليني: 6/450، جامع الرواة: 1/533. والتهذيب للطوسي: 6/84.
(110) الكافي: 6/450، جامع الرواة: 1/533.
(111) التهذيب للطوسي: 6/35، جامع الرواة: 1/533.
(112) الكافي: 6/212، الغيبة للطوسي: 218- 219.
(113) الكافي: 6/212، الغيبة للطوسي: 218-219.
(114) الكافي: 9/326، جامع الرواة: 533.
(115) بحار الأنوار للمجلسي: 13/571.
(116) بحار الأنوار للمجلسي: 36/345.
(117) جمال الاسبوع: 70، وانظر كمال الدين للصدوق: 2/190، مصباح المجتهد للطوسي: 369، مفاتيح الجنان للقمي، وغيرها..
(118) سورة الروم، الآية/2.
(119) كمال الدين للصدوق: 2/189، بحار الأنوار للمجلسي: 53/190.
(120) الغيبة للطوسي: 184، الاحتجاج للطبرسي: 2/467، بحار الأنوار للمجلسي: 53/178.
(121) الغيبة للطوسي: 147، الاحتجاج للطبرسي: 2/468، كمال الدين للصدوق: 2/200.
(122) تلخيص الشافعي للطوسي: 1/146، أوائل المقالات: المفيد: 35.
(123) الغيبة للطوسي: 199.
(124) الغيبة للطوسي: 207.
(125) إثبات الهداة للعاملي: 7/302، بحار الانوار للمجلسي: 51/326.
(126) بحار الانوار للمجلسي: 51/299.
(127) رجال الكشي للطوسي: 1/813، قاموس الرجال: التستري: 6/248.
(128) إثبات الهداة للعاملي: 7/302، بحار الأنوار للمجلسي: 51/326.
(129) الغيبة للطوسي: 164.
(130) الغيبة للطوسي: 216.
(131) الغيبة للطوسي: 217.
(132) الغيبة للطوسي: 217.
(133) الغيبة الصغرى للصدر: 623.
(134) بحار الأنوار للمجلسي: 102/293.
(135) الغيبة للطوسي: 219، الاحتجاج للطبرسي: 2/481.