الحسين بن روح النوبختي
السفير الثالث للإمام المهدي (عليه السلام)
الحسين بن روح النوبختي
الشيخ ضياء الدين الخزرجي
المبحث الأول: الحسين بن روح النوبختي في الميزان
المبحث الثاني: التحرك الثقافي والسياسي لابن روح النوبختي وأسباب اعتقاله
المبحث الثالث: الحسين بن روح النوبختي ومدعو السفارة الكاذبة عن الإمام المهدي (عليه السلام)
المبحث الرابع: التراث الذي خلّفه الحسين بن روح النوبختي للأمة الإسلامية
المبحث الخامس: معجزات الإمام المهدي (عليه السلام) على يدي الحسين بن روح النوبختي
المبحث السادس: وفاة الحسين بن روح النوبختي
المبحث الأول: الحسين بن روح النوبختي في الميزان
وبعده ابن روح الحسين * * * شيخ جليل ثقة وعين(1)
هو الحسين بن روح بن أبي بحر؛ أبو القاسم النوبختي(2)؛ أو الروحي(3)؛ أو القمي؛ أو القيني أو القسي(4)؛ وابن نوبخت(5)؛ أو نيبخت(6)؛ تصدى أمر السفارة بعد وفاة محمد بن عثمان العمري عام 305ه(7)، بأمر الإمام المهدي (عليه السلام) أثنى عليه المخالف والمؤالف... قال الذهبي عنه: إنه كان وافر الحرمة وكثرت غاشيته حتى كان الأمراء والوزراء يركبون إليه والأعيان، وتواصف الناس عقله وفهمه، فروى علي بن محمد الأيادي عن أبيه قال: شاهدته يوماً وقد دخل عليه أبو عمر القاضي(8)؛ فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق - المشغف - عبرة عند المتورط فلا يفعل القاضي ما عزم عليه؛ فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال: من أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلت لك ما عرفته؛ فمسألتي من أين لك؟! فضول!! وإن كنت لم تعرفه، فقد ظفرت بي؛ قال: فقبض أبو عمر على يديه وقال: لا، بل والله وأؤخرك ليومي أو لغدي!! فلما خرج قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا؛ لقد كاشفته لما لم أكاشف به غيره (أمثاله أبداً)؛ ولم يزل أبو القاسم وافر الحرمة إلى أن وزرها حامد بن العباس وبقيت حرمته على ما كانت إلى أن مات في سنة ست وعشرين وثلاثمائة؛ وقد كاد أمره أن يظهر ويستفحل(9).
وقال أيضاً عنه: وإن الأموال تجبى إليه، وقد تلطف في الذب عن نفسه بعبارات تدل على درايته ووفور عقله ودهائه وعلمه؛ وكان يفتي الشيعة ويفيدهم، وله رتبة عظيمة بينهم(10). وقال ابن أبي طي الغساني وقد ذكره بخط مغلق سقيم: أبو القاسم القيني أو القسي، وهو الشيخ الصالح أحد الأبواب لصاحب الأمر؛ نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان العمري عنه وجعله أول من يدخل عليه حين جعل الشيعة طبقات؛ وقد خرج على يديه تواقيع كثيرة(11). وجاء مثله في لسان الميزان لان حجر والوافي للصفدي وأضافا: لما مات أبو جعفر، صارت النيابة إلى أبي القاسم، وجلس ببغداد في الدار، وجلس الشيعة حوله وخرج (ذكاء) الخادم ومعه عكازة ومدرج وحقة؛ وقال: إن مولانا قال: إذا دفنني أبو القاسم وجلس، فسلّم إليه هذا؛ وإذا في الحقّ خواتيم الأئمة (عليهم السلام)، ثم قام في آخر اليوم ومعه طائفة، فدخل دار أبي جعفر محمد وكثرت غاشيته حتى كان الأمراء يركبون إليه، والوزراء والمعزولون عن الوزارة، والأعيان، وتواصف الناس عقله؛ ولم يزل ابو القاسم على هذه الحالة حتى ولي حامد بن العباس الوزارة فجرى له معه خطوب وأمور(12). وقال ابن حجر عنه: هو أحد الرؤساء؛ وانه كان كثير الجلالة في بغداد(13)، وعبر اليافعي عنه: بأنه الزعيم(14)، وابن الأثير: بأنه الباب(15).
أما المؤالف فقد ذكرنا عباراتهم؛ فقد أثنوا عليه جميعاً، قال المفيد وابن شهرآشوب: كان الحسين بن روح من خواص الإمام العسكري (عليه السلام) والباب له(16). وقال الطوسي: هو من رواة الأحاديث عنهم (عليهم السلام)(17)؛ ومن الخواص والمعتمدين لأبي جعفر بن عثمان العمري؛ وكان أول من أذن له بالدخول عليه(18)، وكان ينظر في أملاكه، ويلقي بأسراره لرؤساء الشيعة، وكان خصيصاً به، حتى انه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وأنسه؛ فعرفته الشيعة - والأمة الإسلامية - لمعرفتهم باختصاصه بأبي جعفر العمري وتوثيقه عندهم، فمهدت له الحال في طول حياته إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه، فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد(19). وأثنى عليه متأخرو علماء الإمامية؛ قال فيه الحر العاملي: جليل القدر، عظيم المنزلة، من وكلاء صاحب الزمان (عليه السلام)، رواه الصدوق وغيرهما(20)، وقال عنه السيد الصدر: المولى أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي المتقدم ذكره في المتكلمين من آل نوبخت؛ كان أعلم أهل زمانه في كل علوم الإسلام، ولا تعرف الشيعة في الدين والمذهب أفضل منه، كان عالماً ربانياً زاهداً متقشفاً، صاحب الأسرار والكرامات والعلوم والمكاشفات، أوثق أهل زمانه وأعقل كل أقرانه، مقبول عند المواقف والمخالف، لا مغمز لأحد فيه من كل فِرق الإسلام، مقبول القول عند الكل(21). وقال السيد الخوئي: هو أحد السفراء والثواب الخاص للإمام الثاني عشر (عليه السلام)، وشهرة جلالته وعظمته أغنتنا عن الإطالة في شأنه(22)؛ وذكر التستري(23) والمامقاني مثله(24). تولى أمر السفارة عن الإمام المهدي (عليه السلام) عام 305ه بموت أبي جعفر العمري وبقي فيها إلى أن لحق بالرفيق الأعلى في شعبان عام ست وعشرين وثلاثمائة(25)، فتكون مدة سفارته حوالي الواحد والعشرين عاماً.
ينتمي هذا السفير إلى طائفة بني نوبخت.. وهي طائفة كبيرة خرج منها جماعات كثيرة من العلماء والأدباء والمنجمين والفلاسفة والمتكلمين والكتاب والحكام والأمراء، وكانت لهم مكانة وتقدم في دولة بني العباس وأصلهم من الفرس(26) قال القطفي: إنهم كلهم فضلاء، لهم فكرة صالحة ومشاركة في العلوم الأوائل(27)، وذكر ابن طاووس جماعة منهم كانوا قد برزوا في علم النجوم فألفوا فيها كتباً ذكروا أنها دلالات على الحادثات أمثال: الحسن بن موسى وموسى بن العباس بن اسماعيل والفضل بن أبي سهل وغيرهم(28).
ويرجع أصل نوبخت إلى جدهم الأول نوبخت، وقد كان منجماً فاضلاً يصحب المنصور العباسي دائماً(29)، وكان أول من ساهم في بناء بغداد عام 144ه؛ فوضع المنصور العباسي أساسها في وقت اختاره له نوبخت المنجم(30). سكن نوبخت هذا بغداد عام 145ه، بعد أن أقطعه أبو جعفر المنصور ألفي جريب بنهر جويبر(31)، ويقع هذا النهر في الجانب الغربي من شط دجلة(32)، فقد بنى نوبخت وأولاده بيوتاً لهم في تلك الأراضي التي وهبها له المنصور، وصارت لهم أملاكاً كثيرة هناك، ولهم دور بنهر طابق وهو من المحلات الواقعة غربي بغداد(33)، والنوبختية(34)؛ وفي حوالي النعمانية بين بغداد وواسط في الساحل الغربي من دجلة كانت لهم منازل يملكونها(35)، وكانت لنوبخت براعة في علم النجوم، وله تأليفات وتراجم فيه(36)؛ وخلف ولده الوحيد (الفضل) الذي كان صاحب دار الحكمة للرشيد(37)، وآل نوبخت كلهم ينتمون لهذا الابن الواحد لنوبخت كما جاء في الكتب والاشعار؛ وكانت للفضل كتب مترجمة عن الفارسية إلى العربية منها كتاب النهمطان في المواليد؛ والفأل النجومي(38)، أما مذهب آل نوبخت وابنه الفضل فهو مذهب السنة؛ وأما أولاد وأحفاد الفضل فقد اشتهروا بالتشيع وولاية علي (عليه السلام) وولده في الظاهر(39)، وكان بينهم أصحاب الأئمة (عليهم السلام) أمثال: يعقوب بن إسحاق، وإسحاق بن اسماعيل بن أبي سهل، وأبو سهل اسماعيل بن علي النوبختي وهو شيخ المتكلمين في أصحابنا ببغداد، ومتقدم بني نوبخت في زمانه، وكان له جلالة في الدين والدنيا يجري مجرى الوزراء، وقد صنف في الإمامة والرد على الملاحدة والغلاة وسائر المبطلين وتواريخ الأئمة (عليهم السلام) وغير ذلك ما زيد على ثلاثين مجلداً ذكرها أصحاب الكتب والرجالية(40)، أخذ عنه عبد الله النعمان المعروف بالمفيد شيخ الشيعة في زمانه وغيره(41)، وكانت له مباحثات ومناظرات مع أبي علي الجبائي وهو أحد أركان المعتزلة في عدة مجالس بالأهواز وله مناظرات مع الحكيم الرياضي المعروف ثابت بن قرة الصابي، وكلاهما مدوّن في كتاب يذكر في عداد مؤلفاته، كان الشيخ المفيد يعتني بكتبه وكان يقرأها النجاشي عليه ومنها كتاب التنبيه(42).
وسيأتي بعض الحديث عن هذه الشخصية التي التقت بالإمام المهدي (عليه السلام) ورأته عن قريب.
لقد ذكرنا أن الحسين بن روح النوبختي له قرابة مع آل نوبخت خاصة مع أبي سهل اسماعيل بن علي المتقدم(43)؛ وأبي عبد الله الحسين بن علي النوبختي الذي كان وزيراً لابن رائق، وكانت له السلطة التامة عليه(44)؛ قال ابن مسكويه: كان الحسين بن علي النوبختي متفرداً بابن رائق والمدبر للملك، وهو الذي بنى لابن رائق تلك الرتبة العظيمة، وساق إليه تلك النعمة وجمع له تلك الأموال التي كان مستظهراً بها في ضمان واسط والبصرة(45)، قال ابن رائق يمدحه ويثني عليه: ما كنت لأصرف الحسين بن علي مع نصحه لي وتبركي به، ولو فتح لي فارس وأصبهان وساقهما إليّ خصوصاً، وأهداهما لي دون غيري. قال له ابن مقاتل: أيها الأمير فإن كرهت هذا فضمّنه واسط والبصرة، فقال ابن رائق: هذا لفعلته؛! إن أشار به أبو عبد الله الحسين بن علي النوبختي - بأن تكون له الوزارة بعد عمّه الحسين بن علي النوبختي فقال بعد أن بكى: أعظم الله أجرك أيها الأمير في أبي عبد الله!! عدّه في الأموات، ثم لطم وجهه فقال ابن رائق: لا حول ولا قوة إلا بالله، أعزز عليّ به، ولو فدى حيّ ميتاً لفديته بملكي كلّه(46)؛ وكانت مدة تدبير الحسين بن علي النوبختي لأمور المملكة ثلاثة أشهر وثمانية أيّام(47).
ولا يوجد أي ترديد في لقب الحسين بن روح بأنه النوبختي؛ لأنه كان مخلطاً لآل نوبخت أمثال: أبي سهل اسماعيل بن علي، وأبي عبد الله الحسين بن علي وزير ابن رائق، وأحمد بن ابراهيم الذي كان صهراً للشيخ أبي جعفر العمري على ابنته أم كلثوم الكبيرة رحمهما الله؛ وكان كثيراً ما يقول أصحابنا في المكاتبات التي خرجت جواباتها على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح إنها بخط أحمد بن إبراهيم بن نوبخت وإملاء الشيخ أبي القاسم الروحي(48)، وكان ابن روح قد دفن في مقابر النوبختيين كما سيأتي؛ فإن كل تلك الشواهد تكفي في صحة انتسابه لآل نوبخت. نعم ذكر الحافظ شمس الدين الذهبي نقلا عن يحيى بن طي المتوفى عام 630ه أنه قال: أبو القاسم القيني أو القسي وكذا صورته في تاريخ يحيى بن أبي طي الغساني وخطه مغلق سقيم(49)، والظاهر أنه القمي كما جاء عن الكشي(50). روى القهبائي بإسناده عن جعفر بن معروف الكشي أنه قال: كتب أبو عبد الله البلخي إليّ يذكر عن الحسين بن روح القميّ؛ أن أحمد بن إسحاق كتب إليه ليستأذنه في الحج فمات بحلوان(51)، ويؤيد نسبته تلك معرفته اللسان الآبي القميّ(52)؛ وأنه لم يذكر اسمه في الشجرة النوبختية(53)؛ ولعله والله والعالم - انتسب لآل نوبخت من أمه مثل أبي محمد الحسن بن موسى ابن أخت أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي؛ لأن آل نوبخت كانوا كلهم من أهل بغداد، وإن كان أصلهم من الفرس كما تقدم.
أما منزلته في الأمة:
فقد جاء في النصوص التاريخية أن ابن روح النوبختي كان قد حصل على رتبة عظيمة في الأمة؛ وخاصة الطائفة الإمامية التي بالغت في اعظامه واجلاله وصار مرجعاً لها في مهامها. قالت أم كلثوم الكبيرة بنت أبي جعفر العمري (رحمه الله): حصل في أنفس الشيعة محصلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاص أبي - تقصد العمري - إياه، وتوثيقه عندهم ونشر فضله ودينه وما كان يحتمله من هذا الأمر - أي السفارة عن الإمام المهدي (عليه السلام)(54) -، وكان يخرج لهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بالمهمات في أمر الدين والدنيا، وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة رضي الله عنه وأرضاه، فلم يختلف في أمره، ولم يشك فيه الا جاهل بأمر أبي أولاً، وقد سمعت هذا من غير واحد من بني نوبخت - رحمهم الله - مثل أبي الحسن بن كبرياء وغيره(55)، فكل من طعن على أبي القاسم بن روح النوبختي فقد طعن على أبي جعفر العمري وطعن على الحجة (عليه السلام)(56).
وكان ابن روح أعقل الناس عند المخالف والمؤالف(57)، وصارت العامة تعظمه(58)؛ وترفعه على رؤوسها ويكثر الدعاء له، والطعن على من يرميه بالرفض(59)!!. وقد بالغ الذهبي غير مرة في مدحه والثناء عليه؛ فقال عنه مرة: كانت له عبارات تدل على درايته ووفور عقله ودهائه وعلمه وله رتبة عظيمة(60)، وفي أخرى: إن له عبارات بليغة تدلّ على فصاحته وكمال عقله وله جلالة عجيبة(61)؛ وقال عنه الصفدي: وكثرت غاشيته حتى كان الأمراء يركبون إليه والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان وتواصف الناس عقله(62)، وروى الطوسي ما يؤكد هذه الحقيقة عدة روايات منها: ما رواه بإسناده عن أبي أحمد درانويه الأبرص الذي كانت داره في درب القراطيس قال: كنت أنا وأخوتي ندخل على أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) نعامله، قال: وكانوا باعة ونحن مثلاً عشرة، تسعة نلعنه وواحد واقف(63) - وكان يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم لجاهه وموضعه وجلالة محلّه عندهم(64) - وقد كان ابن روح عارفاً بالمذاهب والفِرق الإسلامية الأخرى؛ قال أبو أحمد درانويه الأبرص: إنه كان يجارينا في الصحابة، ما رويناه وما لم نروه فنكتبه لحسنه عنه (رضي الله عنه)(65)، وكان قد استعمل التقية في سفارته مع غيره من المذاهب؛ فقد روى الطوسي بإسناده عن أبي الحسن بن كبرياء النوبختي قال: بلغ الشيخ أبا القاسم - النوبختي - أن بواباً كان له على الباب الأول قد لعن معاوية وشتمه، فأمر ابن روح بطرده وصرفه عن خدمته، فبقي أياماً طويلة يسأله في أمره، فلا والله ما رده إلى خدمته - وأخذه بعض الأهل فشغله معه كل ذلك للتقية(66).
وحضر ابن روح النوبختي مجلس مناظرة في دار ابن اليسار وقد تناظر اثنان، فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثم عمر ثم علي، وقال الآخر: بل علي أفضل من عمر، فزاد الكلام بينهما، فقال أبو القاسم: الذي اجتمعت الصحابة عليه هو تقديم الصديق ثم بعده الفاروق ثم عثمان (ذو النورين) ثم علي الوصي، وأصحاب الحديث على ذلك وهو الصحيح عندنا؛ فبقي من حضر المجلس متعجباً من هذا القول؛ وكان العامة يرفعونه على رؤوسهم وكثر الدعاء له، والطعن على من يرميه بالفرض. قال أبو عبد الله بن غالب حمو أبي الحسن بن الطيب - راوي هذا الحديث - فوقع علي الضحك، فلم أزل أتصبر وأمنع نفسي، وأدس كمي في فمي، فخشيت أن أفتضح فوثبت عن المجلس ونظر إليّ ففطن بي، فلما حصلت في منزلي؛ فإذا بالباب يطرق، فخرجت مبادراً فإذا بأبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) راكباً على بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيه إلى داره، فقال لي: يا أبا عبد الله - أيدك الله - لم ضحكت؟ فأردت أن تهتف بي كأن الذي قلته ليس بحق!! فقلت: كذاك هو عندي فقال لي: اتقِ الله أيّها الشيخ، فإني لا أجعلك في حلّ، تستعظم هذا القول مني؟! فقلت: يا سيدي، رجل يرى بأنه صاحب الإمام ودليله يقول ذلك القول!! لا تعجب منه!! ويضحك من قوله هذا!! فقال لي: وحياتك لئن عدت لأهجرنك؛ وودعني وأنصرف(67).
أما عند محمد بن عثمان العمري:
فقد كانت الأنظار تحوم فترة سفارة العمري حول مجموعة من الشخصيات التي ساهمت في أمر السفارة؛ وربما تكون السفارة من بعد العمري لأحدهم بسبب ما امتلكه كل منهم من كفاءة وقدرة؛ ونشير إلى بعضهم:
أولاً- أبو سهل اسماعيل بن علي النوبختي:
ذكرنا أن بني نوبخت كانوا من المتقدمين في العلوم؛ وقاموا بخدمات جليلة في الأمة؛ ويمكن تقسيمهم إلى ست طبقات؛ نشير إليهم باختصار:
أ- المترحمون والمنجمون.. أمثال نوبخت وابنه الفضل وبعض أولاده أمثال عبد الله وأبو العباس.
ب- المتكلمون.. أمثال أبو اسحاق ابراهيم صاحب (الياقوت) الذي شرحه العلامة الحلي، وابن أخته السيد عميد الدين، وعلّق عليه ابن ابي الحديد شارح النهج، ومنهم: أبو سهل اسماعيل بن علي المذكور؛ وأبو محمد الحسن بن موسى المتوفى عام 300ه إلى 310ه؛ وهو صاحب كتاب فِرق الشيعة وكتاب الآراء والديانات وأول من صنف في الملل والنحل.
ج- الأدباء ورواة الأشعار... أمثال: اسماعيل بن أبي سهل بت نوبخت، وبعض أخوته، وأبو طالب ومحمد بن روح... إلخ.
د- علماء الحديث والأخبار.. أمثال: أبو الحسن بن كبرياء وأبو محمد الحسن بن الحسين وغيرهم.
ه- الكتاب.. أمثال: أبو الحسين بن علي بن العباس وابنه أبو يعقوب اسحاق وأبو الفضل يعقوب وعلي بن أحمد.
و- أصحاب الأئمة وخواصهم.. أمثال: يعقوب بن اسحاق وأبو القاسم بن روح النوبختي - سفير الإمام المهدي (عليه السلام) - وأبو سهل اسماعيل بن علي النوبختي.. فهذه الطبقات من آل نوبخت كانت أقوالهم حجة، ففي النجوم أعلم الناس(68)؛ وفي الكلام عدّ قولهم سنداً وطابق قولهم قول الإمامية(69)؛ وفي المقالات والآراء والأديان كتاب أبي محمد النوبختي من الكتب المعتبرة في هذا الفن(70)، والمثل الكامل في المعرفة بالملل والنحل(71)؛ وفي أخبار الشيعة وتقرير مذهبهم كانوا في رديف الشيخ المفيد وابن بابويه، ويعدون من أركان الدين(72)، وفي جمع الأخبار والاشعار كان أبو نؤاس والبحتري وابن الرومي من آل نوبخت من أهم وأوثق المراجع التي يرجع بها إليهم، فخلّفوا فكراً وذوقاً في الأدب العربي، وفي الترجمة كانوا في عداد أكابر المترجمين(73).
ترحم عليهم الشيخ المفيد وغيره من كبار العلماء(74).
ويستفاد مما تقدم أن السفير الثاني محمد بن عثمان كان ملتفتاً لهذه الطائفة خدمتهم للأمة؛ فكان كثيراً ما يقربهم إليه، ويساهمهم في أمر السفارة عن الإمام المهدي (عليه السلام).. ومنهم أبو سهل اسماعيل بن علي النوبختي الذي كان يجري مجرى الوزراء في جلالة الكتاب وكان له مقاماً رفيعاً في الدولة العباسية يقرب من مقام الوزارة؛ وله نفوذ تام في الدولة، وكانت الدولة ترسله في مهماتها للربط بين الحكومات ومعاقبة المعتدين والسارقين(75).
أما على الصعيد الديني والعقائدي؛ فقد كانت له منزلة رفيعة عند الأئمة (عليهم السلام)؛ وقد أراه الإمام العسكري ابنه المهدي (عليه السلام) في أصعب الفترات(76)، فوصف اسماعيل بن علي النوبختي الإمام المهدي (عليه السلام) قائلاً: فلما مثل الصبي بين يديه - أي أبيه العسكري (عليه السلام) - وذا هو دريُّ اللوم وفي شعر رأسه قطط مفلج الأسنان؛ فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: يا سيد أهل بيته.. أبشر يا بني، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله على أرضه وأنت ولدي ووصيي(77).. إلخ؛ وشاع خبر اسماعيل بن علي النوبختي في الأمة وبين علماء الشيعة بأنه سيكون السفير بعد العمري لما يروه من تقريبه له، وكان جماعة من أهل مصر يذكرون ذلك، فلما قدم اسماعيل بن علي النوبختي عليهم سألوه: كيف صار هذا الامر إلى الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح دونك؟! فقال لهم: هم أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل القى الخصوم وأناظرهم، ولو علمت بمكانه - يعني الإمام المهدي (عليه السلام) - كما علم ابو القاسم - الحسين بن روح النوبختي - وضغطتني الحجة على مكانه، لعلي كنت ادل على مكانه(78). وقد استطاع اسماعيل بن علي النوبختي أن يكشف خدع والاعيب الحلاج ويفضحه امام الأمة كما سيأتي.
ثانياً- جعفر بن أحمد بن متيل وأبيه:
وساهمت هاتان الشخصيتان في امر السفارة فترة العمري وقربهما اليه وبلغ به الامر ان يبقى اياما في بيت جعفر بن احمد بن متيل وابنه، وكان لا يتناول طعاماً الا ما قد طبخ واصبح في بيت جعفر بن احمد(79)، وقال مشائخ الامة وأعلامها: كنا لا نشك انه ان كان كائنة من ابي جعفر العمري لا يقوم مقامه الا جعفر بن احمد بن متيل وابوه، لما رأينا من الخصوصية به وكثرة كينونته في منزله، وكان الاصحاب لا يشكون ان كانت حادثة؛ لم تكن الوصية الا اليهما من الخصوصية بهما(80)، وكان من شدة قربه لهما: انه لا يجلس مجلساً الا وكانا معه في صدر المجلس وعند رأسه، فكان يسألهما ويحدثهما(81).
ثالثاً- الحسين بن روح النوبختي:
وقد بدأ عمله فترة سفارة العمري وكيلا عنه (رضي الله عنه)، وهو أحد الوكلاء العشرة الذين كانت تجبى لهم الاموال إلى بغداد؛ وكان هؤلاء الوكلاء كلهم أخص من الحسين بن روح في أمر السفارة؛ حتى انه اذا كان قد احتاج إلى حاجة او إلى سبب فانه ينجزه على يد غيره، لما لم يكن له تلك الخصوصية(82)، كان ابن روح بعيداً عن الاحداث، ولم تسلط عليه الاضواء بداية سفارة العمري، ولم نجد نصاً في توثيقه من الائمة السابقين (عليهم السلام)؛ ولا نعرف سر هذا الاهمال؛ وانما ذكر بانه من اصحاب الامام العسكري وكان باباً له (عليه السلام)، فكان يتلقى الاسرار منه (عليه السلام) ويوصل اخباره إلى الامة بأمره (عليه السلام)(83)؛ ولا يهمنا هذا الاهمال منهم (عليهم السلام) ما دمنا نقطع بصحة سفارة العمري عن الإمام المهدي (عليه السلام) وان قوله قول الأئمة وفعله فعلهم(84)، وتسالم الأمة أيضاً على صحة أقوال أبي جعفر العمري وأفعاله (رضي الله عنه)(85).
واقتضت المشيئة الالهية في ان يكون الحسين بن روح سفيراً عن الإمام المهدي (عليه السلام)؛ فأصدر أوامره لسفيره العمري في أن يمهد له ليتصدى أمر السفارة بعد وفاته، وقد تمّ الإعلان عن سفارته قبل سنتين أو ثلاثة سنوات من وفاة أبي جعفر العمري(86)، فلما علمت الأمة ذلك؛ ومما وقع عليه الاختيار على أبي القاسم الحسين بن روح سلّموا له، ولم ينكروا عليه، وكانوا معه كما كانوا مع أبي جعفر العمري(87)، قال جعفر بن أحمد بن متيل: فقمت واخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت عند رجليه(88)؛ ولم يزل جعفر بن أحمد في جملة أبي القاسم (رضي الله عنه) وبين يديه كتصرفه بين يدي أبي جعفر العمري إلى ان مات (رضي الله عنه)، فكل من طعن على أبي القاسم فقد طعن على أبي جعفر وطعن على الحجة (عليه السلام)(89)، فكانت الأموال تحمل اليه وهي التي حصلت في باب الوقف إلى ابي جعفر العمري (رضي الله عنه)(90).
أما الأساليب التي اتبعها ابو جعفر تمهيداً لسفارة ابن روح النوبختي فأهمها:
أولاً- تقريبه منه واختصاصه به:
لقد استعمله العمري ابن روح في بداية أمره وكيلاتً خاصاً عنه في املاكه لعدة أعوان، ينظر فيها ويلقي بأسرارها إلى الرؤساء من علماء الامامية؛ وصار خصيصاً به، وجعله اول من يدخل عليه حين جعل الشيعة طبقات (91)، وكان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه، وأنسه به(92)؛ وجعل له ثلاثين ديناراً ورزقاً له كل شهر؛ غير ما يصل اليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم لجاهه ولموضعه وجلالة محلّه عندهم(93).
ثانياً- توثيقه وأمر الأمة بمراجعته:
لقد أمر محمد بن عثمان العمري قبل وفاته بسنتين أو ثلاثة أصحابه ووكلاءه بحمل الاموال إلى ابي القاسم الروحي (رضي الله عنه) فأمر (رحمه الله) أبا جعفر محمد بن علي الأسود بحمل ما وصل من الاموال اليه(94). وقوله لابن قزدا المدائني الذي حمل معه اربعمائة دينار: امض بها إلى الحسين بن روح(95)؛ وكان بعض اصحابه يتوقف مغضباً ويخاطبهم أحياناً؛ إني أقمت أبا القاسم بن روح النوبختي مقامي، ونصبته منصبي(96).
ثالثاً- التصريح بسفارته وكونها بأمر المهدي (عليه السلام):
وقد استعمل محمد بن عثمان عبارات واضحة تدل على ان ابن روح النوبختي هو السفير بعده، وانه لا مجال للشك فيه، وكون ذلك بأمر الإمام المهدي (عليه السلام)(97)، كقول لجعفر بن أحمد بن متيل: (أمرت) أن أوصي إلى أبي القاسم بن روح(98)، وقوله لجماعة من وجوه الشيعة وشيوخها: إن حدث عليّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد (أمرت) أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا اليه وعولوا في أموركم عليه(99)، وتصريحه أمام كثير من وجوه وعلماء الأمة أمثال: أبي علي بن همام، وأبي عبد الله بن محمد الكاتب، وأبي عبد الله الباقطاني، وأبي سهل بن علي، وأبي عبد الله بن الوجناء، وغيرهم بقوله: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن ابي بحر النوبختي، القائم مقامي، والوكيل والثقة الامين، فارجعوا اليه في اموركم، وعوّلوا عليه في مهماتكم، فبذلك (أمرت) وقد بلّغت(100)، فلما علم ابن روح بانه السفير من بعد أبي جعفر العمري وقد كان في دار ضيقة؛ فسرّ به وشكل الله (عزَّ وجلَّ)(101)، وصارت تدفع اليه الاموال التي كانت تصله من اقصى البلاد، والرد على الاسئلة والاحتجاج على أهل الفِرق والمقالات.
أما منزلته من الامام المهدي (عليه السلام):
ذكرنا ان اختيار ابن روح النوبختي لأمر السفارة انما كان بأمر المهدي (عليه السلام)، والوصية اليه من قبل أبي جعفر العمري قبل وفاته بسنتين أو ثلاث(102). قالت ام كلثوم بنت أبي جعفر العمري (رضي الله عنه): فمهدّت له الحال طول حياة أبي إلى أن انتهت بالنص عليه(103)؛ وكانت هناك مصلحتان في اختيار ابن روح النوبختي لأمر السفارة هما:
أولاً- تكامل الشخصية والإخلاص:
إن منصب السفارة عن الإمام المهدي يستدعي رجالاً يتصفون بالوعي والايمان؛ والقابلية والقدرة على ادارة شؤون الأمة، مضافاً إلى عامل الاخلاص والولاء التام للإمام (عليه السلام)، ويكون بمستوى المسؤولية بحيث يستحيل عليهم بث أخبارهم والإمام المهدي (عليه السلام) إلى السلطات وإن مزق لحمهم ودق عظمهم، فالسفارة لم تكن لإسماعيل بن علي ولا لجعفر بن متيل وأبيه، لعدم توفر المستلزم الآخر لقوام الشخصية المتكاملة وهي الولاء والإخلاص والتضحية للمبدأ؛ أو تعريض النفس للأخطار ومنه القتل إن تطلب ذلك، مع توفر العلم والوعي الثقافي والسياسي؛ وقد أكد إسماعيل بن علي هذه الحقيقة بقوله: وأما أبو القاسم - النوبختي - فلو كان الحجة (عليه السلام) تحت ذيله وقرّض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه(104).
ثانياً- غلق الشبهات أمام المشككين والمرجفين:
لقد كانت فترة سفارة العمري مليئة بالمتاعب والآلام؛ بسبب طولها وظهور الكثير من المدعين للسفارة كذباً وزوراً؛ وصعوبة الزمان؛ وملاحقة السلطان لأنصار الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد وفّق العمري كثيراً في اتباعه أسلوب الحذر والكتمان، والسير على خطة وبرامج منظمة وضعها منهجاً له في عمله وقد تقدّم ذكره. ثم تولى ابن روح السفارة رسمياً عن الإمام المهدي (عليه السلام) عام 305ه، أي بعد موت أبي جعفر العمري وكانت مدة سفارة ابن روح حوالي الواحد والعشرين عاماً؛ أي إلى وفاته في ست خلون من شعبان عام ست وعشرين وثلاثمائة(105)، فكان أول كتاب ورد عليه من الإمام المهدي (عليه السلام) في تعيينه سفيراً رسمياً عنه (عليه السلام) هو يوم الأحد لست خلون من شوال سنة خمس وثلاثمائة(106)، وأمره (عليه السلام) في البدء بمهمته في السفارة، ودعا له بالتوفيق في عمله.. أما نص بيانه (عليه السلام):
روى الطوسي بإسناده عن العباس بن نوح قال: وجدت بخط محمد بن نفيس فيما كتبه بالأهواز أول كتاب ورد من أبي القاسم (رضي الله عنه): (نعرفه عرّفه الله الخير كلّه ورضوانه وأسعده بالتوفيق؛ وقفنا على كتابه؛ وثقتنا بما هو عليه، وأنه عندنا بالمنزلة والمحلّ اللذين يسرانه زاد الله في إحسانه إليه، إنه ولي قدير، والحمد لله لا شريك له وصلى الله على رسول محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً)(107).
وقد ورد هذا التعيين لابن روح من قبله (عليه السلام) بعد خمسة أشهر من وفاة أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) المتوفى في جمادى الأول من نفس العام(108). فبدأ بأمر السفارة، وقام بها خير قيام، واتبع مذهب التقية في أسلوبه؛ وإظهاره مذهب أهل السنة بنحو ملفت للنظر، مما ساعده هذا المنهج كثيراً في تسهيل عمله في السفارة، ومواجهة تيار الانحراف المتمثل في السلطة والأمة، والقضاء على المدعين للسفارة كذباً ولا سيما الشلمغاني والحلاج اللذان شكلاً خطراً حقيقياً على الإسلام وقواعد الإمام المهدي (عليه السلام)، ودخل البلاط العباسي؛ واستقطب الكثير من الوزراء والأمراء، مما كان له الأثر الايجابي في تخليصه من سجن المقتدر(109)، لأجل الاتهامات التي وجهها له أعداؤه، ومنها تهمة تعاونه مع القرامطة ودعوتهم إلى احتلال بغداد(110). ولم يكن ابن روح النوبختي يتصرف في أمر سفارته م نقبل نفسه بل يلبي كل ما يملي عليه الإمام المهدي (عليه السلام) حيث قال: لئن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليّ من أقول في دين الله برأيي؛ ومن عند نفسي، بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة(111).
المبحث الثاني: التحرك الثقافي والسياسي لابن روح النوبختي وأسباب اعتقاله
لقد خلف الانحراف القائم مادياً وعقائدياً في أغلب فترات التاريخ بؤساً اقتصادياً، وتخلفاً اجتماعياً مؤسفاً، وابتعاداً عن القيم والمبادئ الأصيلة المتبلورة في الخط الاسلامي الصحيح للأئمة (عليهم السلام)، وربما أنهم كانوا يمثلون المعارضة الاسلامية الحادة لذلك الانحراف بأشكاله وانواعه وأياً وتطبيقاً، لكن هذا التحرك كان قد اوجد حالة عدم الارتياح من قبل السلطات جعلها تسعى في كفكفة نشاطهم بأساليبها المتنوعة، فظهر الانحراف وتفشى في مخالف قطاعات الأمة وكيانها الاسلامي؛ أما ارتباطهم (عليهم السلام) بأصحابهم فقد كان مقتصراً على الدوائر الضيقة التي كانت تتسع حيناً، وتضمر حيناً آخر بسبب الظروف التي يمرّ بها الأئمة (عليهم السلام) وكانت تتناسب تناسباً عكسياً مع ضعف السلطة القائمة آنذاك؛ وقد كان السفراء فترة الغيبة على ارتباط تام بالإمام المهدي (عليه السلام) مع حاجز الخوف الذي فرضته السلطات حينها؛ وعاشوا معمعة التضحيات الكبرى وقدموا تراثاً ضخماً للأجيال؛ وحافظوا فيه على أطروحات الأئمة وما رسموه من مشاريع ضخمة للأمة الإسلامية؛ ولم تكن الثقافة المعطاة منهم (عليهم السلام) دائماً التي تتفق مع خط السفير واعتقاده بل قد يمتزج بها غيرها نظراً لاقتضاء المصلحة الاسلامية العامة.
أما فترة سفارة ابن روح النوبختي:
فقد برز فيها جنبان -كانا فريدان من نوعهما- هما:
أولاً- دمج الأمة بمذاهبها ومعتقداتها:
لقد ربط ابن روح فترة سفارته بين المذاهب والمسلمين؛ ووحد كلمتهم، وآخى بينهم؛ وكان العامة يذكرونه بكل خير تاركاً التعصب المذهبي وكل ما يؤدي إلى الفرقة والتخاصم.
ثانياً- إقحام من ادعى السفارة الكاذبة عن الإمام المهدي (عليه السلام):
وقد سعى ابن روح النوبختي بروح اسلامية عالية، مليئة بالتفاهم لإيجاد شعار الوحدة الذي دعا اليه وسعى لتحقيقه؛ فكان يحضر المجالس العلمية ويدعو لإقامتها؛ كالمجالس التي تعقد في دار ابن مقلة الوزير(112)، ودار الخليفة المقتدر العباسي(113)، ودار ابن يسار(114)، وغيرها؛ فأبدى فيها تفوقاً ونجاحاً باهراً على أقرانه ونظائره؛ ومسكتاً لخصومه(115).
وقد كان له في دار الوزير حامد بن العباس أمور وخطوب يطول شرحها(116). وكان يخبرهم بما لا يعرفوه، ويروي لهم ما لم يرووه(117)، فعظم في أعينهم وكبر في نفوسهم وأبدوا له احتراماً واجلالاً لا نظير له. وكانت له مناظرات كلامية مع علماء الكلام ومنهم ترك الهروي الذي قال عن ابن روح بعد انتهاء المناظرة: فما رأيت أحداً تكلم وأجاب في هذا الباب بأحسن ولا أوجز من جوابه(118). وله مناظرات مع المفوضة بعد اختلاف الأصحاب في مسألة التفويض(119). ونقاشه لمسألة تسليط الله الاعداء على الأولياء كما في قصة الحسين (عليه السلام) وتسليط يزيد عليه لقتله وحلّه هذه الشبهة(120).
أما تحركه السياسي:
فقد ذكرنا أن فترة سفارة ابن روح كانت قد بدأت عام 305ه وانتهت بوفاته عام 326ه، وقد استغرقت حوالي الواحد وعشرين عاماً، وقد عاصر فيها ثلاثة من الخلفاء العباسيين هم: 1 - المقتدر العباسي.. وقد عاصر فيها خمسة عشر عاماً من خلافته التي بدأت عام 295ه، وانتهت عام 320ه، 2 - خلافة القاهر.. وعاصر سنتين من خلافته التي بدأت عام 320ه، وانتهت عام 322ه؛ 3 - خلافة الراضي بالله.. وعاصر أربع سنوات من خلافته التي بدأت عام 322ه، وانتهت عام 329ه. وقد رافقت فترة سفارة ابن روح بعض الحوادث ونلخصها بما يلي:
أولاً- خلافة المقتدر العباسي:
أما أهم ميزاتها:
أ- الضعف الإداري:
ذكرت النصوص التاريخية بأن دولة المقتدر العباسي كانت ذات تخليط كثير، لصغر سنه، واستيلاء أمه ونسائه وخدمه عليه، فكانت دولة تدور أمورها على تدبير النساء والخدم، وهو مشغول في لذاته، فخربت الدنيا في أيامه؛ وخلت بيوت الأموال، واختلفت الكلمة، فخلع ثم أعيد ثم قتل(121).
ب- النقمة العسكري وتدهور الجيش:
وانتشرت الفتن في عهد المقتدر العباسي، فخرج عليه مؤنس الخادم سنة 317ه، بعد أن بلغه أنه فكر في تولية هارون بن غريب مكانه، وأرسل مؤنس إلى المقتدر ينبؤه بتذمر الجيش من اسراف الحاشية والخدم وضياع الاموال وافساد الحكم بسبب تدخلهم في أمور الدولة ويلح عليهم في اخراجهم من قصره والاستيلاء على ما في أيديهم، فرد المقتدر عليه بكتاب ينفي فيه التهم التي وجهت اليه والى رجال حاشيته، فطلب القواد وعلى رأسهم أبو الهيجاء الحمداني ونازوك.. فثاروا على الخليفة وأخرجوه من داره ونادوا بخلعه وبايعوا محمد بن المعتضد ولقبوه القاهر بالله(122).
ج- استنزاف بيت المال وفقدان الرقابة:
وقد استنزف بيت المال في عهد الخليفة المقتدر بين عام 295ه إلى 320ه لأن المال أخذ منه بزعم اعادته متى تحسن الحال، وفي عام319ه عرض الوزير على المقتدر ما كان من العجز وهو سبعمائة ألف دينار.. فعظم ذلك على المقتدر(123).
د- الاستهتار بالقيم والمبادئ:
ولقد ذكر المؤرخون في حوادث عام 313ه فترة سفارة ابن روح النوبختي أن الشيعة البغداديين كانوا يجتمعون في مسجد براثا(124)، فعلم الخليفة بأن قوماً منهم يجتمعون فيه لسبّ الصحابة، فأمر بكسبه في يوم الجمعة وقت الصلاة، فوجد فيه ثلاثون انساناً يصلون، فقبض عليهم وفتشوا فوجد معهم خواتم من طين أبيض عليها اسم الإمام، كما كان يفعل دعاة الفاطميين مع من ينتسب إليهم، وقد استصدر الخليفة فتوى بهدم المسجد حتى سوّي بالأرض وعفي رسمه ووصل المقبرة التي تليه(125).
ثانياً- الخليفة القاهر بالله:
وقد امتازت خلافته بميزات نلخصها:
أ- قبح السريرة والتظاهر بالمحرمات:
وصف الصولي الخليفة القاهر بالله: بأنه كان أهوجَ، سفاكاً للدماء؛ قبيح السريرة، كثير التلوّن والاستحالة، مدمن خمر، ولولا جودة حاجبه (سلامة) لأهلك الحرث والنسل(126).
ب- اشاعة الارهاب والاستهانة بالنفوس:
وصف المسعودي الخلفة القاهر: باشتهاره بالقسوة؛ فقد اتخذ حربة يحملها بيده إذا سعى في ذلك، ويطرحها بين يديه حال جلوسه يباشر بتلك الحربة لمن يريد قتله، فسكن من كان قبله من الخلفاء، والشغب والوثب عليهم، وكان مخوف السطوة(127).
ج- تناصر الطوائف الإسلامية:
اشتد الخلاف في فترة سفارة ابن روح النوبختي بين الفرق والمذاهب الاسلامية فيما بينها، وقد كان في بغداد آنذاك أكبر الفرق وهما الحنابلة والشيعة(128)، فكان أنصار الطائفة الشيعية يسكنون بنوع خاص حول سوق الكرخ، ولم يتقدموا الجسر الكبير ويحتلوا باب الطاق إلا في أواخر القرن الرابع الهجري، ولم يستطيعوا التعدي إلى القسم الغربي، لأن الهاشميين كانوا يكونون عصبة قوية هناك لا سيما حول باب البصرة، وكانوا من أشد أعداء الشيعة(129)، على أن ياقوت الحموي وجد أن أهل محل باب البصرة بين كرخ بغداد والقبلة وكلهم سنّيون حنابلة، وأن يسار الكرخ وفي جنوبها سنية، أما الكرخ فأهلها كلهم شيعة إمامية، لا يوجد فيها سنّي البتة(130).. فمن ذلك التناحر:
1- ما ذكره ابن كثير في حوادث عام 317ه من وقوع فتنة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وبين طائفة من العامة، اختلفوا في تفسير قوله تعالى: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)(131)، فقالت الحنابلة: يجلسه معه على العرش، وقال الآخرون: المراد بذلك الشفاعة العظمى، فاقتتلوا بسبب ذلك، وقتل بينهم قتلى(132).
2- وما ذكره آدم متز في حوادث عام 321ه قال: وهم علي بن يلبق وهو من القواد الترك مرة أخرى بأن يلعن معاوية وابنه يزيد على المنابر، فاضطربت العامة، وكان البربهاري رئيس الحنابلة يثير الفتن هو واصحابه(133)، فتقدم علي بن يلبق ليقبض على البربهاري هذا فهرب وقبض على جماعة من كبار اصحابه، فجعلوا في زورق مطبق واحدروا إلى البصرة(134).
3- ما ذكره ادم متز في حوادث عام 323ه قال: نودي في جانبي بغداد بان لا يجتمع مع الحنابلة نفسان في موضع واحد، وكان ذلك لكثرة تشرطهم على الناس وايقاعهم الفتن المتصلة فخرج توقيع الخليفة الراضي بكتاب بيّن فيه أخطاء الحنابلة وتوعدهم بالعقاب... الخ(135).
د- استنزاف الطاقة وحروب القرامطة:
استغرقت معظم فترة ابن روح النوبختي بحروب القرامطة؛ حيث اتصفوا بالصرامة والشدة والاستهانة بالدماء، فبثوا الرعب وانهارت المبادئ والقيم، وكبدوا سوريا والعراق والبحرين تضحيات جليلة، وقد شهد عام 311ه مأساة البصرة وهاجموا الكوفة عام 315ه هجوماً مميتاً ونهبوا قوافل الحجاج عام 312ه، وجبوا ضريبة من الحجاج وكفّوا عنهم عام 313ه، وعطلوا الحج عام 317ه إلى عام 327ه، وهجموا على مكة عام 317ه، وسفكت دماء الحجاج في المسجد الحرام وقلعوا الحجر الأسود(136)، وأبقوه ثلاثين عاماً عندهم(137).
ه- الهرج والمرج وتدهور الأوضاع السياسية:
كان الوزراء والوزارة ممن كانوا يتناوبون الحكم سرعان ما يبدو فشلهم في معاملة الناس، وتوزيع الأموال وتدبير الشؤون السياسية؛ فيعزلون وقد يذوقون بعد العزل صنوف العذاب والسجن والنهب مما لا يحصى بحديث.
ولقد ذكر المؤرخون بأن ابن روح النوبختي كان أحد الرؤساء في خلافة المقتدر العباسي وله وقائع في ذلك مع الوزراء(138)، وكان وافر الحرمة..
وجرت له خطوب مع الوزير ابن العباس(139)، واكتسب له الكثير من الانصار في البلاط العباسي(140). وحصل له عند المقتدر محل عظيم(141)؛ وكذا عند الخليفة الراضي بالله(142)؛ وصار له رزقاً يدفع من خزينة الدولة يقدمه إليه الوزراء والرؤساء مثل آل الفرات وغيرهم، لجاهه وموضعه وجلالة محله عندهم(143)؛ وكثرت غاشيته حتى ركب إليه الأمراء والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان(144).. ويعود هذا النفوذ في البلاط العباسي إلى ثلاثة أمور رئيسية هي:
أولاً- علومه وسعة اطلاعه:
لقد كان ابن روح النوبختي عارفاً بمجريات الأحداث وقوانين الأمة والدولة.
ثانياً- أسلوبه ومنهجيته المتكاملة في العمل.
ثالثاً- القرابة التي كانت بينه وبين آل نوبخت:
لقد ذكرنا أن ابن روح ينسب إلى بني نوبخت، وخاصة إلى أبي سهل اسماعيل بن علي الذي حصل على مقام رفيع في الدولة العباسية يقرب من مقام الوزارة، وكان له نفوذ تام فيها بحيث تبعه لمحاسبة الوزراء(145). ولقرابته من أبي عبد الله الحسين بن علي الذي كان وزيراً في حكومة الراضي بالله، والمدبر للملك لابن رائق ومن ساق إليه تلك النعمة(146). وهناك من الأمراء والكتاب من آل نوبخت تربطه معهم رابطة النسب(147). وكانت الدولة تنظر إلى النوبختيين بعين الاحترام والاجلال، وتهابهم وتستشيرهم وتأخذ برأيهم في تنصيب الخلفاء وتجعله فوق الآراء.
قال ابن العبري: لما قتل المقتدر العباسي عام 320ه عظم قتله على مؤنس وقال: الرأي أن ننصب ولده أبا العباس، فإنه تربيتي وهو صبي عاقل فيه دين وكرم ووفاء لما يقول؛ فاعترض عليه اسحاق النوبختي وقال: بعد الكدّ استرحنا من خليفة له أم وخدم يدبرونه، فنعود إلى تلك الحالة، لا والله لا نرضى إلا برجل كامل يدبّر نفسه ويدبّرنا وما زال حتى رد مؤنساً عن رأيه، وذكر له أبو منصور محمد بن المعتضد القاهر بالله؛ ليكون خليفة، فأجابه مؤنس عن ذلك، وكان النوبختي في ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه، فإن القاهر قتله(148). ويعلم أن إسحاق بن إسماعيل كان من أهل الحل والعقد يجري مجرى الوزراء(149). وقد ذكره الصدوق في قائمة من شاهد المهدي (عليه السلام)(150).
وهنا نتساءل:
ما هي طبيعة العمل الذي قام به ابن روح النوبختي في البلاط العباسي؟ وما هي أسباب اعتقاله من قبل السلطة وزجه في السجن مع منزلته الرفيعة عند المقتدر والراضي؟! ومع وجود النوبختيين في الحكم!!
ونجيب عن هذه التساؤلات:
ذكرنا بأن ابن روح النوبختي صارت له المنزلة العظيمة عند المقتدر الذي كانت أنه علوية: بسبب عقله ودرايته التي جعلته لمحل اعتماد المخالف والمؤالف(151)، واستطاع أن يكسب كثيراً من الأنصار في البلاط العباسي(152) وصارت له وقائع مع الوزراء(153)، خاصة مع حامد بن العباس؛ فقد كانت له معه خطوب(154).. فما تلك الخطوب يا ترى؟!
روى المؤرخون أن حامد بن العباس هذا كان قد ألقى القبض على ابن روح النوبختي وأودعه السجن الذي في دار المقتدر(155)، أو الممطورة(156)؛ وذكروا أن مدة حبسه كانت خمس سنوات فقط(157). وعرفنا هذه المدة من جهتين:
أولاً: إخبار رجال الإمامية الثقات بسجن ابن روح النوبختي(158)؛ واستتاره(159).
ثانياً: أخبار وتواريخ أهل العامة.. فقد ذكر الحافظ الذهبي في حوادث عام 317ه: أن المحبوسين في دار الخلافة الذي أخرجهم مؤنس - كما تقدم - الحسين بن روح بن بحر أبا القاسم القيني - أو القمي - المتوفى سنة 226ه، وكان قد قبض عليه الوزير حامد بن العباس وسجن خمسة أعوام(160)، وأطلق سراحه وقت خلع المقتدر(161)، وقد سرد ابن أبي طي المتوفى عام 630ه في اوراق حال ابن روح النوبختي وكيفية اعتقاله(162)؛ فيكون بناء على هذا فترة اعتقاله في عام 312ه، وكان معه جماعة في السجن منهم: المقتدر العباسي بعد أن خلعه القادة والموالي وتولى الخلافة عام 317ه. والطريف في الأمر أن القاهر هذا كان قد ذاق طعم الخلافة لمدة يومين فقط!! في غضون أيام يلفه، ولما رأى القاهر أن المقتدر سيرجع إلى دست الخلافة خاطبه المقتدر قائلاً: يا أخي قد علمت أنك لا ذنب لك وأنك قهرت، ولو لقبوك بالمقهور لكان أولى من القاهر!! فبكى القاهر وقال: يا أمير المؤمنين: نفسي نفسي أذكر الرحم التي بيني وبينك(163). وكان في السجن مع ابن روح النوبختي أيضاً أم المقتدر وولده، وعلي بن عيسى الوزير وآخرين؛ وكان مؤنس المظفر وأبو الهيجاء من حمدان قد صمما على ارجاع المقتدر المعزول إلى الخلافة، فدخل مؤنس الدار وسأل بعض الخدم عن المقتدر فأعلموه بمكانه فاحتال في اخراجه واخراج امه وولده، فوجه معهم ثقاته إلى داره ليستتروا فيها، وأخرج علي بن عيسى من المكان الذي كان محبوساً فيه فصرفه إلى منزله، وأخرج الحسين بن روح عام 317ه معهم ايضاً وأرجعوه إلى بيته(164). ودار حوار بين المقتدر ومؤنس المظفر بعد الاخراج حول ابن روح النوبختي فقال المقتدر العباسي دعوه!! فبخطيئته جرى علينا ما جرى(165). فما هي خطيئة ابن روح وما الذي جرى حتى أوجب سجنه وسجن الخليفة معه؟!
وأما الإجابة عنها:
أولاً- اتهامه في دسائس القرامطة:
قال الذهبي والصفدي: ومما رموه - أي ابن روح النوبختي - به أنه كان يكاتب القرامطة ليقدموا ويحاصروا بغداد(166)، فإنه كان يهيئ لهم الأسباب للاستيلاء على سواحل الخليج والحجاز وزرع الخوف والقلق في بغداد؛ ولكنه بما أوتي من نبوغ ودهاء ووفور عقل حاول دفع ذلك عن نفسه(167) - أقول: ولا يتفق هذا مع سياسة ابن روح في كتمان أمره والحذر ومسلك الاحتجاب والتقية التي استعملها في عمله في السفارة، ومع الذكاء والعقل الذي امتلكه ابن روح كما ذكراه، ولا يمكن للإمام المهدي (عليه السلام) تأييد القرامطة الذين اشتهروا بالصرامة والشدة والاستهانة بالدماء، وبث الرعب وقلع الحجر الاسود من المسجد الحرام!!، وهو الذي يدافع عن مصالح الأمة اينما اقتضت؛ بل كان على العكس من ذلك؛ حيث استنكر (عليه السلام) أعمال القرامطة وفضحهم وكشف زيغهم وخدعهم أمام الأمة، وكيف يوافق أفعال القرامطة وقد اشتهر عنه في الحديث النبوي الشريف: بأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.. فما جاء في ذلك ان رجلاً جليلاً من فقهاء أصحابنا - بتعبير الراوي - كتب إلى الإمام المهدي (عليه السلام) رسالة عن طريق بعض سفرائه، فلم يرد فيها الجواب على كثرة ما كان يرد من أجوبة وتوقيعات عنه (عليه السلام).. قال الراوي: فنظرنا فإذا العلّة في ذلك أم الرجل تحول قرمطياً(168)، ولذلك فإن اعتناق شخص لمذهب القرامطة يعتبر سبباً كافياً لمقاطعته والإعراض عنه مهما بلغ علمه.
ثانياً- اتهامه بكثرة الديون ومطالبات الدولة:
ذكر الطبري في تاريخه كيفية اطلاق سراح ابن روح النوبختي من السجن وأسباب اعتقاله فقال: كان محبوساً بسبب مال طولب به من قبل الديوان(169).
أقول: وهذا غير تام أيضاً؛ فلا يعقل من ابن روح أن يسجن خمسة أعوام في السجن لأجل هذا المال مع وجود بني نوبخت وهم أصحاب المراتب والمناصب العالية في الدولة!!؛ وما كانوا يسلمون له من الأموال من الوزراء والأمراء؛ وكان له رزقاً من بيت المال.. إلخ(170). ومع أنه كان لا يفعل إلا الصواب بأمر الإمام المهدي (عليه السلام) فكيف يسمح الإمام له بأن يقترض أموالاً من الدولة بحيث يبقى عاجزاً عن تسديدها!! ويبقى بعيداً عن المهمة التي اختير ابن روح لها في أمر السفارة!!.
ثالثاً- كثرة أنصاره وأتباعه:
لقد كانت الدولة تتوجس خفية من نشاط ابن روح؛ حتى انه جمع لنفسه انصاراً واتباعاً له في البلاط العباسي، وكان هذا يثير من تساؤلاتهم نحوه، وقد حصلت الدولة على وقائق دامغة تثبت ارتباطه بالإمام المهدي كالاعتراف الذي حصلت عليه من الشلمغاني بعد تقدميه للمحاكمة قائلاً: بأنه كان وكيلاً عن ابن روح وليس إلهاً(171)، لكن الدولة لم تسأل عن معنى هذه الوكالة؟ ولم ترسل خلف ابن روح ليدلي بتوضيحاته حول هذه الوكالة؟ ولمن هي؟..
ولكن عقل ابن روح ودرايته كانت قد نفت عنه كل تلك التهم الموجهة إليه، فمن جهة انه يعلن عن أن مذهبه أهل السنة؛ ودفاعه عن الصحابة والخلفاء أمام الأمة، ومن جهة أخرى ارتباطه بالخليفة الراضي والقاهر وبني نوبخت وآل الفرات وغيرهم؛ وعلاقته القوية بهم كان قد رفع عنه كل تلك التهم الموجهة له؛ قال الذهبي: وكثرت غاشيته حتى كان الأمراء والوزراء يركبون إليه والأعيان، وتواصف الناس عقله وفهمه(172) - وقال الصفدي: ولم يزل أبو القاسم - النوبختي - على مثل هذه الحالة حتى ولي حامد بن العباس الوزارة(173)، وقد كاد أمره أن يظهر ويستفحل(174)، وجرت لحامد مع ابن روح خطوب، وكان جمع الأنصار داخل البلاط سبباً في أن يأمر حامد بن العباس بإيداع ابن روح النوبختي في السجن(175).
رابعاً- اعتقاله بسبب ما يصله من أموال:
قال الذهبي: وكانت الإمامية تبذل له الأموال(176)، وتجبى من كل البلاد الإسلامية(177)؛ وكان يفتي الشيعة ويفيدهم(178)؛ وكان قدوتهم وله جلالة عجيبة(179)، وله رتبة عظيمة بينهم(180)؛ ثم قال الذهبي: ومما رموه به أن الأموال تجبى إليه(181). ولعل هذا السبب في اعتقاله وما تقدم من الصفدي في الامر الثالث.. لأن الخزينة المالية للدولة كانت تعاني من النقص والحرمان بسبب الحروب التي كانت تهددها وقد صرفت لأجلها الكثير من النفقات.
وعلى كل حال:
أطلق سراح بان روح النوبختي عام 317ه بعد ان استغرق سجنه خمسة أعوام منذ عام 312ه، وتابع فيها أعماله ولم يتغير موقعه الاجتماعي في الامة، وبقيت منزلته رفيعة بين الأمراء والوزراء فقد روي ان محمد بن رائق اصدر مرسوماً حكومياً في التصرف في ممتلكات وضياع ابن مقلة وابنه عام 324ه، فقام أبو علي بن مقلة بزيارة لأبي عبد الله الحسين بن علي النوبختي وزير ابن رائق لعلّه يرفع ما صدر من المرسوم الحكومي وايقاف ممتلكاته، وفي ضمن تشبثاته ايضاً طلب من ابن روح النوبختي ان يتوسط له ابو عبد الله عند ابن رائق، فكانت نتيجة الوساطة هي: إصدار مرسوم حكومي إلى أبي عبد الله الحسين بن علي من قبل ابن رائق في رفع الحصار عليه ووقف ممتلكات ابن مقلة وفتح ما كان مغلقاً(182)، وبما ان وزارة أبي عبد الله الحسين بن علي النوبختي لم تطل اكثر من ثلاثة أشهر وثمانية أيام(183)، فيكون تشبث ابن مقلة في ارجاع امواله اليه بابن روح هو عام 325ه كما ذكره الصولي(184).
ثالثاً- خلافة الراضي بالله:
وقد امتازت خلافته بعدة ميزات نلخصها بما يلي:
حاول ابن روح النوبختي فترة خلافة الراضي بالله ان يحصل على رتبة جليلة في السلطة عند المؤالف والمخالف، وقد كانت تصله الأموال الكثيرة من أقصى البلاد الإسلامية في الوقت الذي كانت فيه الخزينة المالية تعاني من النقص والافلاس، فأثار ذلك العمل السلطة وسعى به جماعة إليها، وصار الخليفة الراضي بالله يتحدث عن ابن روح وما يصله من الأموال.. فقد ذكر الصولي المتوفى عام 335ه وقد عاصر ابن روح النوبختي قائلاً: إن الخليفة كان كثيراً ما يقول: إن الإمامية يحملون إليه الأموال فنرد عنه، ونكذب فيقول لنا: وما في هذا!! والله؛ لوددت أن مثله ألفاً!! تحمل إليه أموالها إليه؛ فيفقرهم الله، ولا أكره غنى هؤلاء من أموالهم(185).
المبحث الثالث: الحسين بن روح النوبختي ومدعو السفارة الكاذبة عن الإمام المهدي (عليه السلام)
المنحرفون عن الاسلام والتعاليم السماوية والمتاجرون باسمه هم أشد وقعاً وأكثر تأثيراً وخطراً من الكفرة والملحدين؛ فقد ظهر رجال فترة الغيبة الصغرى وهم منحرفون عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ارتبطوا بالعوام ليبعدوهم عن الفكر الأصيل ويشككوا في عقائدهم؛ من خلال تزريقهم الأفكار المسمومة في جسد الأمة والسلطة من ورائهم في ذلك، بعد أن تكون الأمة أحوج إلى التثقيف والتوعية؛ وقد عرف الإمام المهدي (عليه السلام) حيلهم وألاعيبهم ففضحهم وهم في عقر دارهم وقد كلّف هذا الأمر العناء والكثير من الجهود لإقناع الأمة بكذب هؤلاء. ولقد كان بإمكان هؤلاء إخبار السلطات عن الإمام المهدي (عليه السلام) أو أصحابه ولكنهم لم يفعلوا ذلك لأمور:
أولاً: علمهم بأن خط السلطة هو غير مشروع؛ ومن جهة يريدون الارتزاق عن هذا الطريق وبأسهل الوسائل، فالدخول في خط السلطة معناه الابتعاد عن الأمة وفيه نهايتهم المحتومة إن علمت بذلك. ولا تحصل من السلطات على شيء لعلمها بإفلاس الخزينة المالية ونقصانها. وربما لا تتجاوب السلطات معهم، لأنه يسبب لها مشاكل عديدة هي في غنى عن ذلك ومواجهة أكبر تيار يمكن أن تستفيد منه لصالحها في حروبها الخارجية وهي الأمة التي هي رصيد الإمام (عليه السلام)؛ فهي لا تقدر على مواجهتها أبداً، ولا ترى ضرورة في ذلك.
ثانياً: علمهم بأن الإمام المهدي (عليه السلام) سيفضحهم قبل أن يقوموا بأي عمل ومعنى ذلك موتهم التدريجي في ساحة الصراع؛ فعلى هذا ينبغي أن يفكر هؤلاء في طريق يضمن لهم سلامتهم في جانب، وعدم فقدان الأمة في جانب آخر؛ ثم يسيروا في تحصيل رغباتهم لإيذاء الإمام (عليه السلام) تدريجياً.
قال أبو علي بن همام: كل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام (عليه السلام) وأنهم وكلاؤه، فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم، ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعاً لعائن الله تترى(186).
ونشير هنا إلى شخصيتين فترة سفارة ابن روح النوبختي – كانتا قد ادعيتا السفارة عن الإمام المهدي (عليه السلام) كذباً وزوراً؛ وهدداً سفارة ابن روح وكانتا أكثر خطراً من غيرهما... وهما:
أولاً: الحلاج
الصوفي المشهور؛ اجتمع حوله تلاميذه الحلاجية عند عودته إلى بغداد عام 296هـ واتهمه المعتزلة بالشعوذة، وأخرج من الطريقة بمقتضى توقيع من الإمامية وفتوى من الظاهرية، وقبض عليه مرتين من قبل رجال الشرطة العباسيين، وأحضر أمام الوزير ابن عيسى وعذب في عام 301هـ، وأمضى ثماني سنوات في سجن بغداد؛ وكانت رعاية «شغب» أم المقتدر والحاجب نصر سبباً في أن عاداه الوزير حامد بن العباس وزير المقتدر فأمر بقتله بعد محاكمة دامت سبعة أشهر بمقتضى فتوى أقرها القاضي المالكي أبو عمرو، وآل إليه ما آل أمره(187)، وقد عمل الشيخ المفيد كتاباً في الرد على الحلاجية، فقال: والحلاجية ضرب من أصحاب التصوف وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول، وكان الحلاج يتخصص بإظهار التشيع، وإن كان ظاهر أمره التصوف، وهم قوم ملاحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم ويدعون للحلاج الأباطيل؛ ويجرون في ذلك مجرى المجوس في دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات؛ والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم وهم أبعد إلى الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس(188)، عدّه الصدوق: بأنه من الغلاة(189)، والطوسي: بأنه من الكذابين والملعونين بلسان الأئمة (عليهم السلام) لادعائه البابية والرؤية للإمام المهدي (عليه السلام)(190)، وأمّا المرتضى والطبرسي وابن طاووس والحلي وغيرهم فقد رأوا أنه من المذمومين(191).
وقد وافق أبناء العامة هذا الرأي؛ فقال ابن النديم: إنه رجل مختال مشعبذ(192)، ورأى الذهبي: أنه المقتول على الزندقة(193)؛ ذكر الصولي: أن الحلاج جاهل يتعاقل، وغبي يتبالغ وخبيث مدعٍ، وراغب يتزهد، وتاجر يتعبد(194).
واختلفت آراء المفكرين الأوروبيين في الحلاج.. فقد رأى مولر ودربلّو: أن الحلاج كان نصرانياً في سريرة نفسه، واتهمه (ريسكه) بالكفر، ورأى (ثولوك): أنه كان متناقضاً في أقواله؛ وعده «كريمر» من القائلين بوحدة الكون، ورأى «كازنسكي» أنه كان مريضاً بأعصابه؛ وعده «براون» دساساً ماهراً خطراً؛ وأنه كان رائداً للغزالي، لأنه حاول أن يوفق في آرائه بين الدين والفلسفة اليونانية على أساس من التجربة الصوفية، وقد جعل الصوفية من الحلاج أعظم شهدائهم وإن كان قد أنكر تسترهم(195)، ولم يبقَ لننا من مؤلفات الحلاج إلّا كتاب الطواسين(196).
وقد تناولت ادعاءاته أربعة أمور: المجاهدات، الكشف والحقيقة المدركة من عالم الغيب، التصرفات في العوالم والأكوان بأنواع الكرامات؛ وألفاظ موهمة الظاهر يعبّر عنها بالشطحيات وله آراء أخرى كادعاء الربوبية وقطبية الأرض وعلوم الغيب، ورؤيته للإمام المهدي (عليه السلام) والنيابة والبابية عنه (عليه السلام). وذكر الخطيب البغدادي عنه: أنه استغوى كثيراً من الناس والرؤساء، وكان طمعه في الرافضة أقوى. لدخوله من طريقهم(197)، وكان يتقرب إلى الإمامية ليستميل قلوبهم ويحصل على منزلة عندهم، وكان يدعو الناس إلى نصرة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ويبشّرهم بالفرج، وخروج الصاحب (عليه السلام) من أرض طالقان عما قريب(198).
وقد حاول مراراً التقرب من إسماعيل بن علي النوبختي وعلي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق)؛ وكان يعتقد أنه بإمكانه إطلاء الخدع والحيل والمخرقة عليهما. روى الطوسي بإسناده عن أبي نصر هبة الله قال: لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له أن أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي ممن يجوز عليه مخرقته وتتم حيلته، فوجه إليه يستدعيه وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق به ويتسوف بانقياده على غيره، فيتسبب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحلّه من العلم والأدب أيضاً عندهم ويقول له في مراسلته إياه: إني وكيل صاحب الزمان (عليه السلام)، وبهذا أولاً كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره؛ وقد «أمرت» بمراسلتك، وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوى نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر، فأرسل إليه أبو سهل (رض)، يقول له: إني أسألك أمراً يسيراً يحق مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين وهو: إني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن، ولي منهن عدة أتخطاهن، والشيب يبعدني عنهن، وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة، وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك، وإلّا انكشف أمري عندهن!! فصار القرب بعدًا والوصال هجرًا؛ وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإني طوع يديك وصائر إليك وقائل بقولك وداع إلى مذهبك مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة، فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً!! ولم يرسل إليه رسولًا!! وصيّره أبو سهل (رض) أحدوثة وضحكة ويطنز – يسخر – به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه(199).
وفعل كذلك مع الصدوق بمراسلته له قائلاً: أنا رسول الإمام ووكيله؛ فخرقها وقال: ما أفرغك للجهالات، وضحكوا منه وهزءوا به... وأمر الصدوق غلامه بضربه برجله بقفاه، فخرج عدو الله ورسوله.. ثم قال: أتدعي المعجزات!! عليك لعنة الله؛ فأخرج بقفاه فما رأي بعدها بقم(200).
لقد أغضبت تصرفات الحلاج وأفعاله ابن روح النوبختي(201)؛ فقال فيه: هذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون – أي الحلاج – في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقاً، إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه كما يقول النصارى في المسيح (عليه السلام)(202)، وخرج من الإمام المهدي (عليه السلام) توقيع: يلعن فيه جماعة ممن ادعى البابية والرؤية له كذباً وزوراً كالنميري والهلالي والبلالي والحلاج وغيرهم(203)، وقد اتهم فيه الحلاج بالزندقة والخروج من الدين(204)، وإدخاله الأباطيل والخرافات(205)؛ ودعوته للقرامطة(206)؛ وسعي به في وزارة علي بن عيسى الأولى(207).
وقد استمال جماعة من الوزراء وطبقات وحواشي السلطات وأمراء الأمصار وملوك العراق والجزيرة وما والاها؛ فأمر المقتدر بتسليمه إلى حامد بن العباس وجرى له معه خطوب(208)، ومكث الحلاج محبوساً في دار الخلافة ثمانية أعوام موسعاً عليه(209)، وحاكمه ابن العباس قائلًا له: ألست تعلم أني قبضت عليك بدور الراسبي وأحضرتك واسط فذكرت في دفعة أنك المهدي(210)!! ثم أخرج إلى رحبة المسجد وأمر الجلاد بضربه بالسوط فضرب تمام الألف، ثم قطعت يداه ورجلاه وحزّ رأسه وأحرقت جثته(211)، وبقي أربعة آلاف من الحلاجية في العراق ينتظرونه(212)؛ إلى عام 449هـ، ويقفون بحيث صلب على دجلة يتوقعون ظهوره(213).
ثانياً: الشلمغاني
وُلِد في شلمغان وهي من قرى واسط بالعراق(214)؛ وانتقل إلى بغداد؛ فكان أحد كُتابها وأحد مؤلفي علماء الشيعة(215)؛ والمتقدمين في الأصحاب(216). نصّبه ابن روح وكيلاً عنه؛ بعد أن فرغ من دفن أبي جعفر العمري (رض)(217)، فقصده الناس في حوائجهم ومهماتهم(218)، خرجت على يديه توقيعات الإمام المهدي من قبل ابن روح النوبختي(219)؛ لما كان شيخاً مستقيم العقيدة والسلوك والصلاح(220)، ثم حمله الحسد لأبي القاسم بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية(221)؛ وظهرت منه مقالات منكرة(222)، وأصبح غالياً(223)، واعتقد بالتناسخ وحلول الألوهية فيه(224).
فظهر توقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) بلعنه والبراءة منه وممن تولاه، وشاع خبره وبلغ الخليفة الراضي بالله فأمر بالقبض عليه؛ وقتله واستراحت الشيعة والأمة الإسلامية منه(225)، وكان الشلمغاني يلقب نفسه بالحلاج أيضاً(226)؛ وكان يتعاطى الكيمياء(227)، وقد ذكرت عقائده في أربعة مصادر مهمة من مصادر التاريخ الإسلامي(228)، وقد كان للشلمغاني تأليفات كثيرة فترة استقامته وبعضها فترة انحرافه، وقد ذكرها ابن النديم والنجاشي والطوسي وغيرهم(229).. ونشير إلى جملة منها لارتباطها بسفارة ابن روح النوبختي..
أولاً - كتاب التكليف:
وقد ألفه الشلمغاني في حال استقامته، فلما حصلت نسخة منه بيد ابن روح النوبختي قال لأصحابه: اطلبوه لأنظره؛ فجاءوا به فقرأه من أوله إلى آخره فقال: ما فيه شيء إلّا وقد روي عن الأئمة إلّا موضعين أو ثلاثة؛ فإنه كذب عليهم في روايتها «لعنه الله»(230). قال العلامة الحلي: كتاب التكليف رواه المفيد (رحمه الله) إلّا حديثاً منه في باب الشهادات: أنه يجوز للرجل أن يشهد لأخيه إذا كان له شاهد واحد من غير علم(231).
ولكن الصحيح هو ما رواه الطوسي بإسناده عن محمد بن أحمد بن داوود والحسين بن علي بن بابويه أنهما قالا: مما أخطأ محمد بن علي – الشلمغاني – في المذهب في باب الشهادة أنه روى عن العالم أنه قال: إذا كان لأخيك المؤمن على رجل حق فوضعه ولم يكن له البينة عليه إلا شاهد واحد، وكان الشاهد ثقة رجعت إلى الشاهد فسألته عن شهادته؛ فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما يشهده عنده لئلا يتوى – أي يهلك – حق امرئ مسلم – واللفظ لابن بابويه – قال: هذا كذب منه، لسنا نعرف ذلك.
وقال في موضع آخر: كذب فيه؛ نسخة التوقيع الخارج في لعنه(232).
وروى الطوسي بإسناده عن محمد بن الفضل بن تمام قال: سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد الزكوزكي (رحمه الله) – وقد ذكرنا كتاب التكليف وكان عندنا أنه لا يكون إلّا مع غال، وذلك أنه أول ما كتبنا الحديث فسمعناه يقول: وأيش كان لابن أبي العزاقر – الشلمغاني – في التكليف! إنما كان يصلح الباب ويدخله إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رض) فيعرضه عليه ويحككه، فإذا صح الباب خرج فنقله، وأمرنا بنسخه، قال أبو جعفر: فكتبته في الأدراج بخطي ببغداد، قال ابن تمام: فقلت له: تفضل يا سيدي فادفعه حتى أكتبه من خطِّك، فقال لي: قد خرج من يدي، فقال ابن تمام: فخرجت وأخذت من غيره، وكتبت بعدما سمعت هذه الحكاية(233).
ثانياً: كتاب التأديب(234).
ثالثاً: رسالة ابن همام(235).
رابعاً: كتاب الأوصياء
وقد جاء فيه ولادة القائم (عليه السلام) وكيفية زيارته للإمامين العسكريين (عليهما السلام) وما رآه من معاجز؛ وقد ذكره الطوسي في موضعين؛ فقد روى بإسناده عن محمد بن علي الشلمغاني في كتاب الأوصياء قال: حدثني حمزة بن نصر غلام – الإمام الهادي (عليه السلام) – عن أبيه قال: لما وُلِد السيد – أي الإمام المهدي (عليه السلام) – تباشر أهل الدار بذلك، فلما نشأ خرج إليّ الأمر: أن أبتاع في كل يوم مع اللحم قصب مخ، وقيل: إن هذا لمولانا الصغير(236).
وروى بإسناده عن الشلمغاني في كتاب الأوصياء أنه قال: قال أبو جعفر المروزي: خرج جعفر بن محمد بن عمر وجماعة إلى العسكر ورأوا أيام أبي محمد (عليه السلام) في الحياة وفيهم علي بن أحمد بن طنين فقال له علي بن أحمد: لا تكتب اسمي؛ فإني لا أستأذن فلم يكتب اسمه، فخرج إلى جعفر: ادخل أنت وإن لم يستأذن(237).
خامساً: كتاب الغيبة
قال الطوسي ذكر محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني في أول كتاب الغيبة الذي صنفه: وأما ما بيني وبين الرجل المذكور – زاد الله توفيقه – فلا مدخل لي في ذلك إلا لمن أدخلته فيه لأن الجناية علي فإني وليّها؛ وقال في فصل آخر: ومن عظمت منّته عليه وتضاعفت الحجة عليه ولزمه الصدق فيما ساءه وسره، وليس ينبغي فيما بيني وبين الله إلا الصدق عن أمره، مع عظم جنايته؛ وهذا الرجل منصوب لأمر من الأمور لا يسع العصابة العدول عنه فيه، وحكم الإسلام مع ذلك جار عليه كجريه على غيره من المؤمنين وذكره(238).
ودخلت كتب الشلمغاني البيوت لقربه من ابن روح حال استقامته؛ فسئل ابن روح عن كتبه بعدما ذم وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملاء؟! فقال ابن روح: أقول فيها ما قاله أبو محمد العسكري (عليه السلام) وقد سُئل عن كتب بني فضال(239): فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منهم ملاء؟ فقال (عليه السلام): خذو بما رووا؛ وذروا ما رأوا(240)، فإن الانحراف في العقيدة لا ينافي إمكان صحة الرواية حال الاستقامة.
لقد كان الشلمغاني وجيهاً عند الناس(241)، ونال احترام بني بسطام(242)؛ الذين سكنوا بغداد قديماً فصار منهم كتاباً وعمالاً في الديوان العباسي، ومنهم: أبو العباس أحمد بن محمد بن بسطام وأولاده أبو القاسم علي وأبو الحسين بن محمد الذين ربطتهم صلة القرابة بآل الفرات، فلقد كان محمد هذا صهر حامد بن العباس وزير المقتدر، وكانت هذه الطائفة من المدافعين عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والإمامية، ولكن بعد إعلان الشلمغاني عن عقيدته، بقوا على اعتقادهم السابق فيه وتابعوه في أفعاله، مما كان سبباً في بث المقتدر جواسيسه حول بيوتهم ليرقبوا تحركاتهم ويقتنصوا أخبارهم، وحصل الشلمغاني على احترام آل الفرات الذين كانوا بداية أمرهم على مذهب الإمامية، وهم رهط الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات الذي كان من وزراء بني العباس، وهو الذي صحح الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ويحتمل أنهم نزلوا بشط الفرات، وكان منهم أبو الحسن بن الفرات الذي وزر ثلاث مرات للمقتدر كان آخرها عام 311ه(243)، وكان ولده المحسن هو الغالب على الأمور في هذه الوزارة(244)؛ حتى عزل عام 312هـ واختفى ولده المحسن وصودر ابن الفرات على جملة من المال مبلغها ألف ألف دينار(245). وابن الفرات هذا فرع من أب وأخ منحرفين، كانا قد اتبعا محمد بن نصير النميري الذي ادعى السفارة كذباً عن الإمام المهدي (عليه السلام) فترة سفارة أبي جعفر العمري وقد تقدم ذلك.
وكان المحسن بن علي وقحاً سيء الأدب ظالماً ذا قسوة شديدة، وكان الناس يسمونه: الخبيث بن الطيب(246)، وروي له شنائع في التعذيب والمصادرة(247)، وكان الشلمغاني من أقربائه، وله معه رابطة النسب؛ ومن المقربين إليه(248).
وأمّا ميزات تلك الفترة:
أولاً:
ما رواه الطوسي بإسناده عن علي بن همام أنه قال: إن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط باباً إلى أبي القاسم ولا طريقاً له ولا نصبه أبو القاسم لشيء من ذلك على وجه ولا سبب، ومن قال بذلك فقد أبطل؛ وإنما كان فقيهاً من فقهائنا وخلط وظهر عنه ما ظهر، وانتشر عنه الكفر والإلحاد(249)، ولا تنافي هذه الرواية ما ذكره أبو غالب الزراري من أن الشيخ الحسين بن روح نصب الشلمغاني وكيلاً عنه حال استقامته(250)، خاصة وأن ابن همام نفسه اعترف بأن الشلمغاني كان وكيلاً صالحاً لابن روح حال استتاره عن الخليفة المقتدر(251).
ثانياً:
كان تنصيب الشلمغاني وكيلاً لابن روح بعد وفاة العمري ودفنه(252)؛ وفي بعض النصوص أنه كان وقت استتاره واختفائه عن الوسط الإسلامي(253).
وقد ذكرنا أنه اعتقل عام 312هـ، فيكون تنصيبه للشلمغاني إذن في بداية وزارة حامد بن العباس أو آخرها حيث كان مستقيم السلوك والعقيدة في تلك الفترة(254)، ثم خرج عن المذهب وكذب على ابن روح، وحكى عنه لبني بسطام وآل الفرات كل كذب وبلاء وكفر، وأسنده إلى ابن روح النوبختي، فكانوا يقيلونه منه ويأخذونه عنه(255)، وعندما لعنه ابن روح قال الشلمغاني في تأويل كلامه: إن لهذا القول باطناً عظيماً، وهو أن اللعنة هي الإبعاد، فمعنى قوله (لعنه الله) أي باعده الله (عن) العذاب والنار!!، ثم قال: والآن قد عرفت منزلتي، ومرغ خدّه على التراب وقال: عليكم بالكتمان لهذا الأمر، وادعى الشلمغاني: أن روح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انتقلت إلى العمري أبي جعفر؛ وروح أمير المؤمنين (عليه السلام) انتقلت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، وروح مولاتنا فاطمة (عليها السلام) انتقلت إلى ابنة أبي جعفر العمري(256)، وعدّ الشلمغاني إلى قول الحلاج لعنه الله(257)، واستهوى قلوب الضعفاء، واستزل خلقاً كثيراً من المسلمين وأشرك طوائف العمهين(258)، وكان يقول لبني بسطام: إنني أذعت السر وقد أخذ عليّ الكتمان، فعوقبت بالإبعاد بعد الاختصاص، لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلّا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن، فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته(259)، وكانت له حكاية مع أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي مشابهة لحكاية الحلاج وافتضاحه، حيث راسله الشلمغاني يدعوه فيها إلى الفتنة ويبذل له المعجز وإظهار العجب – كما حكاه ابن النديم – قال: وكان بمقدم رأس أبي سهل جلح – يشبه القرع – فقال للرسول: أنا ما أدري أي شيء هو! ينبت صاحبك – الشلمغاني – بمقدم رأسي الشعر حتى أؤمن به!! فما عاد إليه الرسول(260).
وحذر ابن روح النوبختي كل أصحابه من الشلمغاني، وكذا في بني نوبخت، فلم يبقَ أحد إلّا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه، وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلّمه فضلاً عن موالاته(261)، وخرج توقيع من ابن روح النوبختي وهو في السجن عام 312هـ بلعن الشلمغاني، وقد رواه الطوسي بأسانيد مختلفة، قال: خرج التوقيع من الحسين بن روح في الشلمغاني، وأنفذ نسخته إلى أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة(262).
وقال محمد بن الحسن الصيمري: أنفذ الشيخ الحسين بن روح (رض) من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وأملاه أبو علي وعرفني: أن أبا القاسم (رض) راجع في ترك إظهاره؛ فإنه في يد القوم وحبسهم، فأمر بإظهاره وأن لا يخشى ويأمن، فتخلص وخرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة والحمد لله(263).
ويظهر أن التوقيع كان قد شاع وانتشر قبل خروج ابن روح من السجن بقليل أي ما يقرب من عام 317هـ وإليك نصه:
روى الطوسي والطبرسي بإسنادهما: بسم الله الرحمن الرحيم، اعرف أطال الله بقاك، وعرّفك الخير كله؛ وختم به عملك من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا أدام الله سعادتهم بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني - عجل الله له النقمة ولا أمهله - قد ارتد عن الإسلام وفارقه وألحد في دين الله وادعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى، وافترى كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالًا بعيدًا وخسروا خسرانًا مبينًا، وإنا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته منه، ولعنّاه؛ عليه لعائن الله تترى في الظاهر منا والباطن والسر والجهر وفي كل وقت؛ وعلى كل حال، وعلى كل من شايعه وبلغه هذا القول منا وأقام على من تولاه بعده.
أعلمهم – تولاك الله – أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من السريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة وبه نثق وإياه نستعين وهو حسبنا في أمورنا ونعم الوكيل(264).
وقد ترك هذا التوقيع آثارًا بليغة في الحد من نشاط الشلمغاني ولعنه في المحافل العلمية والسياسية والاجتماعية(265).
ولم يأبه الشلمغاني بهذا القرار وكان يعلن بين الآونة والأخرى عن رفضه لهذا القرار واستنكاره؛ وصب جام غضبه على أنصار الإمام (عليه السلام)؛ فكتب كتاب الغيبة؛ وادعى فيه منصبًا لم يصنعه الله فيه، وافترى الكثير على الإمام المهدي (عليه السلام)(266).
قال الشلمغاني: ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي في هذا الأمر إلّا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، لقد كنّا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف، ولكن الأمة لم تلتفت إلى هذا القول وأقامت على لعنه والبراءة منه(267).
ثم أظهر الشلمغاني أن الأجوبة التي كانت تخرج من الإمام المهدي (عليه السلام) هي له؛ ولا دخل للإمام (عليه السلام) فيها، فخرج توقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) لأهل قم فيه: بسم الله الرحمن الرحيم؛ قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمنته، فجميعه جوابنا، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري – الشلمغاني – لعنه الله في حرف منه؛ وقد كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن بلال وغيره من نظرائه، وكان من ارتدادهم عن الإسلام مثل ما كان من هذا؛ عليهم لعنة الله(268).
وأراد الراوي أن يتأكد أن ما خرج من هؤلاء قبل انحرافهم صحيح أم لا؟
قال الراوي: فاستثبتُّ قديمًا في ذلك، فخرج الجواب منه (عليه السلام): على من استثبتّ فإنه لا ضرر في خروج ما خرج على أيديهم وإن ذلك صحيحًا(269).
وقد كانت الضربة التي وجهها ابن روح للشلمغاني شديدة كانت قد أنهت بحياته(270)، وافتضح على أثرها في آخر وزارة حامد بن العباس حيث أظهر قبائح أفعاله وكفره وإلحاده؛ فنبذته الأمة وطردته من بينها، فلاذ بالبلاط العباسي بعد عزل الوزير حامد بن العباس ومجيء أبي الحسن بن الفرات وللمرة الثالثة عام 311هـ إلى الوزارة، فارتبط مع ابنه المحسن وقرّبه إليه(271)، ونصّبه في بعض أعمال الديوان(272)، ليخفف عنه وطأة المعارضين ويخفي الأموال التي سرقها من الأمة؛ وحين اضطرب أمر المحسن وأبيه قام باضطهاد المنكوبين، فاستخلف الشلمغاني بالحضرة لجماعة من العمال، وكان للشلمغاني صاحب يعرفه بملازمته مقدام على الدماء من أهل البصرة، فسلم إليه جماعة، فذبحهم كما يذبح الغنم، ثم استخرج أموال جماعة كانوا مستترين وصادر القسم الآخر(273).
وبعد أن قتل المحسن وأبوه، حلّ محلّهما في الوزارة أبو القاسم الخاقاني فهرب الشلمغاني إلى الموصل وصار في ضيافة الأمير ناصر الدولة الحمداني؛ روى النجاشي: أن الشلمغاني أخبر بقائمة كتبه عند استتاره بمعلثايا(274)، وبعد بقائه مدة من الزمن هناك، رجع إلى بغداد واستتر فيها، وأظهر أنه يدعي لنفسه الربوبية(275)!!
فتابعه الكثيرون من وزراء وشعراء(276)؛ ولم يكن الإمساك بالشلمغاني يسيرًا، فقد استمرت حملات المطاردة والتفتيش عليه من قبل علي بن مقلة وزير المقتدر عام 322هـ، وكان الشلمغاني قد أحس بالخطر ورأى كثرة أنصاره؛ فوجه بخطابه إلى ابن روح يدعوه للمباهلة وقال: أنا صاحب الرجل – يقصد الإمام المهدي (عليه السلام) – قد (أمرت) بإظهار العلم، وقد أظهرته باطنًا وظاهرًا، فباهلني!!
فأنفذ إليه ابن روح جوابًا شفويًا: أيّنا تقدم صاحبه فهو المخصوم، فتقدم العزاقري – الشلمغاني(277) - ، وأقيم مجلس المباهلة في دار الوزير ابن مقلة وحضره الخاصة والعامة، فلما دخل الشلمغاني المجلس خفية توجهت إليه الأعناق ليسمعوا ما يقوله!! وفوجئ الشلمغاني بتحشد الشيعة الإمامية في هذا المجلس وكل منهم يحكي عن ابن روح لعنه والبراءة منه، فلم يرَ غير أن يقول كلمته الأخيرة ويخرج هاربًا بسرعة قائلًا: اجمعوا بيني وبينه – يقصد ابن روح – حتى آخذ بيده ويأخذ بيدي، فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه، وإلّا فجميع ما قاله فيّ حق(278)، فوصل هذا الخبر إلى أسماع الخليفة الراضي بسرعة عام 322هـ فأمر جنوده بإلقاء القبض عليه وكبس داره، فألقي القبض عليه وفتش داره تفتيشًا دقيقًا فوجد فيه عدة رسائل من أتباعه وخطابات مجملة له بأنه الله سبحانه(279)!!، وعرضت هذه الرسائل كلها على الخليفة الراضي بالله، فأقرّ بها الشلمغاني كلها واعترف بأنها كانت من أتباعه!! فثبت صحتها، فأحضر الخليفة اثنين من أتباعه، فأمرهما بصفع الشلمغاني فصفعه أحدهما(280)؛ وأمّا الثاني فخاطبه: مولاي الكبير!! ثم مدّ يده إلى لحية الشلمغاني على سبيل التوقير والتكريم وقال: مولاي مولاي وإلهي وسيدي ورازقي(281)!!
فقال الراضي بالله مخاطبًا الشلمغاني: قد زعمت أنك لا تدعي الألوهية؛ فما هذا؟! فقال: وما عليّ، من قول ابن أبي عون والله يعلم أنني ما قلت له أنني إله قط(282).
ثم جرت عدة لقاءات بينه وبين الفقهاء والقضاة(283)، فأصدروا حكمًا بإراقة دمه وأتباعه؛ فجلد أمام الناس ثم قتل وأحرق جسده أمام المارة والنظارة.
وقد روى الطوسي له أشعارًا أثناء موته(284)؛ واستراحت منه الأمة بأسرها.
المبحث الرابع: التراث الذي خلّفه الحسين بن روح النوبختي للأمة الإسلامية
لقد خلف الحسين بن روح النوبختي تاريخًا وتراثًا ضخمًا للأجيال الإسلامية مع تصديه لمهمة السفارة عن الإمام المهدي (عليه السلام) ونلخصه بما يلي:
أولًا- ما تركه من روايات وأحاديث وكتب:
برع ابن روح النوبختي في ميادين العلم وحاز السبق في حلبات الأدب، وروى عن الأئمة (عليهم السلام) كثيرًا من الروايات؛ وصنف في شتى العلوم ومتنوع الفنون، وزهت صورته العلمية زهو الطاووس في حدائق الكمال؛ ولكن التاريخ لم يمهله حيث امتدت إليه يد الغدر فلم تبق له من كتبه التي ألفها سوى كتابًا واحدًا كما ذكره المؤرخون(285)، وهو كتاب التأديب وفيه مسائل فقهية كالصلاة والصيام وأمور أخرى(286)، وقد نسخ الشلمغاني نسخة منه وأدخل فيه فرعًا فقهيًا مخالفًا لما عليه مذهب الأصحاب، روى الطوسي بإسناده عن سلامة بن محمد قال: أنفذ الحسين بن روح (رض) كتاب التأديب إلى قُم، وكتب إلى جماعة الفقهاء بها وقال لهم: أنظروا في هذا الكتاب، وانظروا فيه شيء يخالفكم؟! فكتبوا إليه: إنه كله صحيح، وما فيه شيء يخالف إلّا قوله: الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام والطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع(287).
وأمّا كتاب التكليف وقد ذكرناه في عداد مؤلفات الشلمغاني؛ فلعلّه من تعليمات ابن روح أيضًا وهو كتاب في الحديث، وكان الشلمغاني – لعنه الله – قد أدخل فيه أمورًا كثيرة ونسبها إلى الأصحاب ولم يقولوا بها، وكان ابن روح يصلح كل ما يكتبه الشلمغاني(288).
أما روايته؛ فقد روى ابن روح النوبختي عن الأئمة (عليهم السلام) في شتى العلوم؛ فروى في الإمامة(289)؛ وإيمان أبي طالب (عليه السلام)(290)، والمتعة(291)، وزيارة العسكريين (عليهما السلام)(292) وغيرها.
قال التستري: والغريب مما وقع من بعض العلماء ولعله وقع منهم غفلة أن رجال الشيخ الطوسي غفل عن عنوانه مع عموم موضوعه(293)، وقد روى عن محمد بن زياد وروى عنه الحسن بن جمهور في باب فضل زيارة الإمامين العسكريين (عليهما السلام) كما تقدمت الرواية عنه(294).
وأمّا تراثه في الأدعية:
فقد روى أدعية مشهورة من الأئمة (عليهم السلام) ومنه أيضًا.. ونلخصها بما يلي:
أولًا– الأدعية الرجبية:
قال ابن طاووس: ومن الدعوات كل يوم من رجب ما رويناه عن جدي أبي جعفر الطوسي - قدس الله روحه – فقال: قال ابن عياش: وخرج إلى أهلي على يد الشيخ أبي القاسم (رض) في مقامه عندهم هذا الدعاء في أيام رجب: اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب.. إلخ(295).
ثانيًا – الزيارة الرجبية:
وروى الطوسي زيارة رواها ابن عياش قال: حدثني خير بن عبد الله عن مولانا أبي القاسم الحسين بن روح (رض) قال: زر أي المشاهد كنت بحضرتها في رجب ثم تقول إذا دخلت: الحمد لله الذي أشهدنا مشهد أوليائه في رجب.. إلخ(296).
ثالثًا– دعاء وصلاة يوم المبعث:
وروى ابن طاووس بإسناده إلى جده أبي جعفر الطوسي (رحمه الله) بإسناده إلى أبي القاسم بن روح (رحمه الله) قال: تصلّي في هذا اليوم اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وما تيسّر من السور.. إلخ(297).
رابعًا– التوسل بالإمام الحسين (عليه السلام):
وهو دعاء خرج منه (عليه السلام) على يد الحسين بن روح إلى القاسم بن العلاء الهمداني جاء فيه: إن مولانا الحسين (عليه السلام) وُلِد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان، فصمه وادع بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك بحق هذا المولود في هذا اليوم.. إلخ(298).
خامسًا– دعاء وزيارة الجامعة:
روى الطبرسي عن محمد بن عبد الله الحميري مع مسائله التي بعثها عام ثمان وثلاثمائة إلى ابن روح النوبختي ليوصلها إلى الإمام المهدي (عليه السلام) أنه قال: خرج توقيع من الناحية المقدسة حرسها الله بعد المسائل: بسم الله الرحمن الرحيم، لا لأمره تعقلون، حكمة بالغة، فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون... إلخ(299).
سادسًا– زيارة للصادق (عليه السلام):
روى المجلسي عن مجموع الدعوات لأبي محمد هارون بن موسى التلعكبري قال: روى أبو الحسين أحمد بن الحسين بن جابر الصيداوي هذه الزيارة لعثمان بن سعيد ومعه أبو القاسم بن روح قال: عند زيارتهما لمولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وقفا على باب السلام فقالا: السلام عليك يا مولاي وابن مولاي وأبا مولاي ورحمة الله وبركاته؛ السلام عليك يا شهيد دار الفناء، وزعيم دار البقاء.. إلخ(300).
أما تراثه من التوقيعات التي خرجت على يديه من الإمام المهدي (عليه السلام):
لقد خرجت توقيعات منه (عليه السلام) للأوضاع السياسية التي أحاطت تلك الفترة بالأمة؛ كقلع القرامطة للحجر الأسود ونقله إلى هجر، وتحذيره الوكلاء من السلطات وغيرها.. ونلخص بعض توقيعاته (عليه السلام):
التوقيع الأول– في أهل قُم:
ذكر ابن نوح أن هذا الدرج بعينه كتب به أهل قُم إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) وفيه مسائل، فأجابهم على ظهره؛ بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي وحصل الدرج عند أبي الحسن بن داوود.. نسخة الدرج: مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري: بسم الله الرحمن الرحيم، أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك وأتم نعمته وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عندك؛ وجعلني من السوء فداك وقدّمني قبلك، الناس يتنافسون في الدرجات، فمن قبلتموه كان مقبولًا، ومن دفعتموه كان وضيعًا، والخامل من وضعتموه، ونعوذ بالله من ذلك، وببلدنا – أيدك الله – جماعة من الوجوه يتساوون ويتنافسون في المنزلة؛ وورد أيدك الله كتابك إلى جماعة منهم... إلخ(301) وهو خبر طويل جدًا وردت فيه المسائل الفقهية والاجتماعية والسياسية فراجعه في مظانه.
التوقيع الثاني– أسئلة الحميري:
وقد روى الطوسي والطبرسي كتاب لمحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الإمام المهدي (عليه السلام) في مثل ذلك جاء فيه: رأيك أدام الله عزك في تأمل رقعتي والتفضل بما يسهل لأضيفه إلى سائر أياديك علي، واحتجت أدام الله عزك أن تسأل لي بعض الفقهاء: عن المصلي إذا قام من التشهد الأول للركعة الثانية هل يجب عليه أن يكبر.. إلخ(302) وهو خبر طويل أيضًا كسابقه وقد جاء في آخره: قال ابن نوح: نسخت هذه النسخة من المدرجين القديمين اللذين فيهما الخط والتوقيعات(303).
التوقيع الثالث– أسئلة في الحج:
وروى الطبرسي كتابًا آخر لمحمد بن عبد الله الحميري إلى صاحب الزمان (عليه السلام) من جواب مسائله التي سأله عنها في سنة سبع وثلاثمائة – أرسلها لابن روح – يسأل عن المحرم يجوز أن يشد المئزر من خلفه إلى عقبه الطول... إلخ(304) وهو طويل أيضًا اشتمل على مسائل عديدة في الحج.
التوقيع الرابع– الأسئلة الفقهية المتنوعة:
وأرسل محمد بن عد الله بن جعفر الحميري أيضًا مسائل عام ثمان وثلاثمائة إلى ابن روح النوبختي ليوصلها إلى الإمام المهدي (عليه السلام)، جاء فيه: أطال الله بقاك وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عليك وجزيل قسمه لك، وجعلني من السوء كله فداك وقدمني قبلك: إن قبلنا مشايخ وعجائز يصومون رجبًا منذ ثلاثين سنة... إلخ وهو خبر طويل اشتمل على مسائل فقهية عديدة متنوعة(305).
التوقيع الخامس– إنزال العقوبة في بعض المشعوذين:
روى الطوسي بإسناده عن جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داوود القمي قال: وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح (رض) على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل أنفذت من قُم يسأل عنها، وهي جوابات الفقيه (عليه السلام) أو جوابات محمد بن علي الشملغاني؛ لأنه حكي أنه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنها!! فكتب إليهم (عليه السلام) على ظهر كتابهم: بسم الله الرحمن الرحيم، قد وقعنا على هذه الرقعة وما تضمنته، فجميعه جوابنا.. إلخ(306).
وقال ابن نوح: أول من حدثنا بهذا التوقيع أبو الحسين محمد بن علي بن تمام وذكر أنه كتبه في ظهر الدرج الذي عند أبي الحسن بن داوود، فلما قدم أبو الحسن بن داوود قرأته عليه(307).
المبحث الخامس: معجزات الإمام المهدي (عليه السلام) على يدي الحسين بن روح النوبختي
إن المعجزة تترك آثارًا وتجاوبًا سريعًا في النفوس ما لا يمكن أن تتركه الأنظمة والتشريعات العامة، لأنها فرضتها الضرورات الملحة لإقناع من بهرتهم الحياة ولا يؤمن إلّا بالمحسوس، ولا يهمنا تحديد الشكل الذي كانت تتم فيه المعجزة، فإن المعجزات إنما ظهرت لدعم قولهم وصحة الانتساب، فإن ظهور المعجزات والكرامات على أيدي السفراء الذي هو من الممكن الذي ليس بواجب عقلًا ولا ممتنع قياسًا، قد جاءت الأخبار على التظاهر والانتشار بكونه منهم (عليهم السلام)، فقطع عليه من جهة السمع والآثار(308)، وإنهم (عليهم السلام) إنما جاءوا بخوارق العادات والمعجزات حيث مصلحة الدين التي تفرض عليهم ذلك(309)، وظهور المعجزات على المنصوبين من الخاصة والسفراء المنصّبين من قبل صاحب الأمر (عليه السلام) جائز لا يمنع منه عقل ولا سنة ولا كتاب(310).
ونذكر ملخصًا عن بعض المعجزات التي ظهرت على يد ابن روح النوبختي من قبل الإمام المهدي (عليه السلام):
أوّلًا– القرامطة والأسرار الغيبية:
روى الطوسي بإسناده عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه (رحمه الله) قال: حدثني جماعة من أهل بلدنا المقيمين كانوا ببغداد في السنة التي خرجت القرامطة على الحاج وهي سنة تناثر الكواكب أن والدي (رض) كتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله) يستأذن في الخروج إلى الحج فخرج الجواب عنه (عليه السلام): لا تخرج في هذه السنة، فأعاد وقال: هو نذر واجب، أفيجوز لي القعود عنه؟ فخرج في الجواب: إن كان لابد، فكن في القافلة الأخيرة؛ وكان في القافلة الأخيرة فسلم بنفسه وقتل من تقدمه في القوافل الأخر(311).
ثانيًا– ولادة الصدوق بدعاء المهدي (عليه السلام):
روى الطوسي بإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي الأسود (رحمه الله) قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (رض) بعد موت محمد بن عثمان العمري أن أسأل أبا القاسم الروحي – قدس الله روحه – أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أن يدعو الله أن يرزقه ولدًا ذكرًا، قال: فسألته فأنهى ذلك، ثم أخبرني بعد ثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين (رحمه الله) فإنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به، وبعده أولاد... قال: فولد لعلي بن الحسين (رض) تلك السنة محمد بن علي وبعده أولاد(312)... إلخ.
ثالثًا– رسالة تكتب بلا مداد!!
روى الطوسي بإسناده عن الصفواني قال: وافى الحسن بن علي بن الوجناء النصيبي سنة ثلاثمائة، ومعه محمد بن الفضل الموصلي وكان رجلًا شيعيًا غير أنه ينكر وكالة أبي القاسم بن روح (رض) ويقول: إن هذه الأموال تخرج في غير حقوقها!!
فقال الحسن بن علي الوجناء لمحمد بن الفضل: يا ذا الرجل؛ اتقِ الله، فإن صحة وكالة أبي القاسم كصحة وكالة أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، وقد كانا نزلا ببغداد على الزاهر، وكنا حضرنا للسلام عليهما، وكان حضر هناك شيخ لنا يُقال له: أبو الحسن بن ظفر، وأبو القاسم بن الأزهر، فطال الخطاب بين محمد بن الفضل وبين الحسن بن علي، فقال الحسن بن علي الوجناء: أبيّن لك ذلك بدليل يثبت في نفسك، وكان مع محمد بن الفضل دفتر كبير فيه ورق طلحيّ مجلد بأسود، فيه حساباته، فتناول الدفتر الحسن وقطع منه نصف ورقة كان فيه بياض وقال لمحمد بن الفضل: ابروا لي قلمًا!! فبرى قلمًا، واتفقا على شيء بينهما، لم أقف أنا عليه، واطلع عليه أبا الحسن بن ظفر وتناول الحسن بن علي الوجناء القلم، وجعل يكتب ما اتفقنا عليه في تلك الورقة بذلك القلم المبري بلا مداد!! ولا يؤثر فيه، حتى ملأ الورقة ثم ختمه وأعطاه لشيخ كان مع محمد بن الفضل أسود يخدمه، وأنفذ بهما إلى أبي القاسم الحسين بن روح، ومعنا ابن الوجناء لم يبرح، وحضرت صلاة الظهر فصلينا هناك ورجع الرسول فقال: قال لي: امضِ فإن الجواب يجيء!! وقدمت المائدة، فنحن في الأكل إذ ورد الجواب مكتوب بمداد عن فصل فصل!! فلطم محمد بن الفضل وجهه ولم يتهنأ بطعامه، وقال لابن الوجناء: قم معي، فقام معه حتى دخل على أبي القاسم بن روح وبقي يبكي ويقول: يا سيدي أقلني!! أقالك الله؛ فقال أبو القاسم: يغفر الله لنا ولك إن شاء الله(313).
أقول:
وهناك معاجز كثيرة للإمام المهدي (عليه السلام) ظهرت على يدي ابن روح النوبختي رواها أهل السير والأخبار؛ ومنها: معجزات ظهرت للقاسم بن العلاء وقد عمّر مائة وسبعة عشر عامًا وصار أعمى لا يبصر فأعاد الله إليه بصره وظهرت له معاجز أخرى من الإمام (عليه السلام)(314)؛ ومعجزات ظهرت للزراري وحلّ مشكلاته العائلية(315)؛ وشفاء الأخرس على يديه (عليه السلام)(316)، وقصة السبائك الذهبية(317)؛ وظهور معجزته (عليه السلام) لرجل أنكر ولده(318)؛ وقصة الحقّة التي ألقتها المرأة في ماء الفرات فرأتها في بيتها بعد رجوعها(319)، وكلام ابن روح النوبختي باللسان الآبيّ لأهل قم(320)، وقصة رجل شكى قلبه ونصائح الإمام (عليه السلام) له(321).
المبحث السادس: وفاة الحسين بن روح النوبختي
ذكرت النصوص التاريخية أن تاريخ وفاة ابن روح النوبختي كان في يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة من شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة(322)، وقبره في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى درب الآجر وإلى قنطرة الشوك(323) - ويوجد اليوم في الجانب الشرقي من بغداد وهو في آخر زقاق يمرّ في وسط سوق العطارين، يقع في وسط بيت ينبغي الاستيذان والدخول فيه(324).
ومع الأسف الشديد لم يتبرع ولحد الآن رجل من أهل الخير لشراء هذا البيت ليُبنى فيه صحن مختصر مع مجموعة من الغُرف والحياض، فإن له منافع خيرية لا تحصى علاوة على تجليل وتعظيم لصاحب هذا القبر الشريف، فإن غالب الزوار في بيع وشراء ومعاملات، وهم يحتاجون إلى مكان للاستراحة فيه بضع ساعات والتطهير والصلاة، ولا يوجد في بغداد محلًّا كهذا لهم في الكاظميين (عليهما السلام)، ولو بُني هذا المقام لصار مقرًّا لآلاف الزوار في كل أسبوع وشهر وسوف يجلب له الإعانات الدينية والدنيوية ويكون حاميًا للنفوس والأعراض. وقد حقق الدكتور مصطفى جواد البغدادي في نشرته مجلة العرفان حول قبر ابن روح النوبختي فقال: إن قبره في الجانب الغربي، وقد درس فيما درس من قبور العظماء والعلماء في ذلك الجانب، واستدل لذلك بقول ابن خلكان في ترجمة الحسن بن محمد المهلبي الوزير: أنه دفن بمقابر قريش في مقبرة النوبختية، فعلم من هذا: أن مقبرة النوبختية كانت في مقابر قريش التي دفن فيها الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بالجانب الغربي من بغداد(325)، فإن أراد الطوسي من النوبختية هي محلة النوبختية لا مقبرتهم فلا يضر، لأن محلّة النوبختية كانت في الجانب الغربي أيضًا، ويدل عليه قول هبة الله الكاتب؛ أن النوبختية في الدرب النافذ إلى درب الآجر(326).
قال ياقوت الحموي في كلمة الآجر: إن درب الآجر محلة من محال نهر طابق ببغداد وخربت، وبنهر معلّى درب الآجر بالجعفرية، عامر أهل(327)، ونهر طابق كان في الجانب الغربي.
قال ياقوت الحموي: إن نهر طابق محلة كانت ببغداد من الجانب الغربي ونهر معلى كان بالجانب الشرقي(328).
وأراد هبة الله بدرب الآجر المحلة التي كانت بالجانب الغربي؛ لذكر قنطرة الشوك التي هي في الجانب الغربي.
قال ياقوت الحموي: نهر عيسى كورة كبيرة في غربي بغداد؛ يأخذ الفرات ثم يتفرع منه أنهار تخرق إلى مدينة السلام وتمر بعدّة قناطر؛ وعد منها قنطرة الشوك ثم يصب في دجلة(329)، فعلم من ذلك أن النهر الذي على بعضه قنطرة الشوك يأتي من الفرات ويصب في دجلة؛ فتكون قنطرة الشوك غربي دجلة(330).
لقد ترك ابن روح النوبختي من الأولاد الذكور ابنًا اسمه (روح) وقد ذكره العلماء وأثنوا عليه، وكان أحد أعلام الشيعة وثقاتهم والمرضيين عندهم، وكان محدثًا فاضلًا ومتكلمًا مناظرًا، روى عنه الحسين بن علي بن موسى بن بابويه وجماعة من كبار الشيعة(331)، قال الخوئي: وكان روح ابن أبي روح النوبختي يروي عن أبيه (رض) وغيره من أئمة العلم الكبار في المائة الثالثة(332)، وقد روى له الطوسي في كتاب الغيبة: أنه قرأ الحسين بن روح هذا الكتاب من أوله إلى آخره وقال: ما فيه شيء إلّا وقد روي عن الأئمة.. الخبر(333).
وطوى ابن روح صفحة مشرقة من حياته بعد تمهيده للسمري في أمر السفارة كما سيأتي؛ وانتقل إلى الرفيق الأعلى ولم يكن عمر الإمام المهدي (عليه السلام) سوى واحد وسبعين عامًا(334).
الهوامش:
(1) الدرر الكامنة للطباطبائي: 182.
(2) الغيبة للطوسي: 226، الأوراق للصولي: 147.
(3) الغيبة للطوسي: 225 و195.
(4) رجال الكشي للطوسي: 345، مجمع الرجال للقهبائي: 1/95.
(5) الاحتجاج للطبرسي: 2/478.
(6) رجال النجاشي ورجال العلامة.
(7) الغيبة للطوسي: 225.
(8) وهو محمد بن يوسف قاضي قضاة كان يضرب المثل بعقله وحلمه، توفي عام 320ه له ترجمة في تاريخ بغداد 3/401 - 405.
(9) سير أعلام النبلاء: 15/222.
(10) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
(11) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
(12) الوافي بالوفيات: 2/266، لسان الميزان: 2/283، معجم رجال المؤلفين: رضا كحالة: 4/8، دائرة المعارف الإسلامية المعربة: 1/181.
(13) لسان الميزان: 2/283، صلة عريب: 141، تجارب الأمم لابن مسكويه: 5/195 حوادث عام 317ه.
(14) مرآة الجنان: 2/285.
(15) الكامل في التاريخ: 8/290.
(16) عدة رسائل للمفيد: 361، المناقب: 4/460.
(17) الغيبة للطوسي: 238، التهذيب للطوسي: 6/93، جامع الرواة للأردبيلي: 1/240.
(18) الغيبة للطوسي: 227، تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
(19) الغيبة للطوسي: 227.
(20) وسائل الشيعة: 20/174.
(21) تأسيس الشيعة: 412.
(22) معجم رجال الحديث: 5/236.
(23) قاموس الرجال: 3/284.
(24) تنقيح المقال: 1/328؛ وبحار الأنوار للمجلسي: 50/310.
(25) الغيبة للطوسي: 238، الأوراق للصولي: 104، الوافي بالوفيات للصفدي: 12/366، سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/222، تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190 وغيرهما.
(26) الكنى والألقاب للقمي: 1/95.
(27) تأسيس الشيعة للصدر: 362 نقلاً عن أخبار الحكماء للقطفي.
(28) فرج المهموم لابن طاووس: 121.
(29) تأسيس الشيعة للصدر: 362.
(30) تاريخ بغداد للبغدادي: 1/67.
(31) نهر جويبر هو نهر الحويزة، ذكره ابن الاثير في الكامل: 5/570، وتاريخ الطبري: 7/648.
(32) ابن خرداذبه: 7.
(33) الأغاني لأبي الفرج: 3/161.
(34) تجارب الأمم لابن مسكويه: 5/271 و6/197.
(35) تاريخ اليعقوبي: 1/321.
(36) كشف الظنون: حاجي خليفة: 5/35.
(37) فرج المهموم لابن طاووس: 121.
(38) الفهرست لابن النديم: 333 وتاريخ الحلاج: «ماسينون» في ترجمة الفضل بن نوبخت.
(39) الفهرست لابن النديم: 333 وتاريخ الحلاج: «ماسينون» في ترجمة الفضل بن نوبخت.
(40) روضات الجنات للخونساري: 1/111، رجال النجاشي، خلاصة العلامة، تاريخ ابن خلكان؛ الملل والنحل للشهرستاني، لسان الميزان.. قال الذهبي عنه: كان كاتباً بليغاً وشاعراً،... وغيرها.
(41) لسان الميزان لابن حجر العسقلاني: 1/251.
(42) أعيان الشيعة: محسن الأمين 12/21.
(43) خاندان نوبختي (بالفارسية): عباس إقبال: 212.
(44) تجارب الأمم: ابن مسكويه: 5/360 حوادث عام 325ه.. قال الصولي: مات في هذا الوقت علي بن العباس النوبختي وقد قارب ثمانين عاماً وكان حسن الادب والشعر، وكان الحسين بانه يكتب لابن رائق ويدبر أموره.. الأوراق: 76 و87 و106...
(45) تجارب الأمم: ابن مسكويه: 5/362.
(46) تجارب الأمم: ابن مسكويه: 5/362.
(47) تجارب الأمم: ابن مسكويه: 5/363.
(48) الغيبة للطوسي: 228، وتأسيس الشيعة 372.
(49) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222، وخاندان نوبختي (بالفارسية): عباس إقبال: 312.
(50) رجال الكشي للطوسي: 345.
(51) مجمع الرجال للقهبائي: 1/95.. و(حلوان) مدينة واقعة على طريق كرمانشاهان وبغداد.. أعيان الشيعة للأمين: 7/263.
(52) الغيبة للطوسي: 195.. و(آية) مدينة قريبة من قم.
(53) خاندان نوبختي (بالفارسية) عباس إقبال: 212.
(54) الغيبة للطوسي: 227.
(55) الغيبة للطوسي: 227.
(56) الغيبة للطوسي: 225.
(57) الغيبة للطوسي: 236، تأسيس الشيعة للصدر: 412.
(58) الغيبة للطوسي: 237، صلة عريب: 141، تجارب الأمم لابن مسكويه: 5/195، اللسان لابن حجر: 2/283، مرآة الجنان لليافعي: 2/285، الكامل لابن الاثير: 8/290.
(59) الغيبة للطوسي: 237.
(60) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
(61) سيرة أعلام النبلاء: 15/222.
(62) الوافي بالوفيات: 12/366.
(63) الغيبة للطوسي: 237؛ 227.
(64) الغيبة للطوسي: 237؛ 227.
(65) الغيبة للطوسي: 238.
(66) الغيبة للطوسي: 237.
(67) الغيبة للطوسي: 237.
(68) ديوان ابن الرومي: 122 و123.
(69) بحار الأنوار للمجلسي: 14/352 - 355.
(70) شرح نهج البلاغة لان أبي الحديد: 1/295، ومروج الذهب للمسعودي: 7/157، تلبيس إبليس لان الجوزي.
(71) معجم الأدباء للحموي: 2/279.
(72) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/597.
(73) ابن أبي أصبعة: 1/309.
(74) أوائل المقالات للمفيد: 41 وغيرها.
(75) أعيان الشيعة للأمين: 12/12.
(76) الغيبة للطوسي: 165.
(77) الغيبة للطوسي: 160.
(78) الغيبة للطوسي: 240.
(79) الغيبة للطوسي: 225.
(80) الغيبة للطوسي: 225.
(81) الغيبة للطوسي: 226.
(82) الغيبة للطوسي: 225.
(83) بحار الأنوار للمجلسي: 50/310.
(84) الغيبة للطوسي: 219 و146 و215.
(85) الغيبة للطوسي: 216 و221.
(86) الغيبة للطوسي: 225.
(87) الغيبة للطوسي: 225.
(88) الغيبة للطوسي: 226.
(89) الغيبة للطوسي: 225.
(90) الغيبة للطوسي: 225.
(91) تاريخ الاسلام للذهبي: 24/190، وسير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222، والوافي بالوفيات للصفدي: 12/366.
(92) الغيبة للطوسي: 227.
(93) الغيبة للطوسي: 227.
(94) الغيبة للطوسي: 225.
(95) الغيبة للطوسي: 223.
(96) الغيبة للطوسي: 224.
(97) الغيبة للطوسي: 223.
(98) الغيبة للطوسي: 226.
(99) الغيبة للطوسي: 226.
(100) الغيبة للطوسي: 227.
(101) الغيبة للطوسي: 224.
(102) الغيبة للطوسي: 225.
(103) تاريخ الإسلام للذهبي: 23/190، سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/322.
(104) الغيبة للطوسي: 240.
(105) الغيبة للطوسي: 223، الكامل لابن الاثير: 8/109، المختصر لأبي الفداء: 1/69.
(106) الغيبة للطوسي: 227 و228.
(107) الغيبة للطوسي: 237 و238.
(108) الغيبة للطوسي: 223.
(109) الغيبة للطوسي: 183، تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222؛ الوافي بالوفيات للصفدي: 12/366.
(110) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190؛ الوافي بالوفيات للصفدي: 12/366.
(111) الغيبة للطوسي: 199.
(112) الغيبة للطوسي: 250.
(113) الغيبة للطوسي: 236.
(114) الغيبة للطوسي: 236.
(115) الغيبة للطوسي: 237.
(116) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190، سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
(117) الغيبة للطوسي: 239.
(118) الغيبة للطوسي: 239.
(119) الغيبة للطوسي: 238.
(120) الغيبة للطوسي: 198، الاحتجاج للطوسي: 2/472.
(121) الفخري: ابن طقطقا: 235.
(122) تجارب الامم، ابن مسكويه: 5/189 - 192.
(123) تجارب الامم، ابن مسكويه: 5/351، الكامل لابن الاثير: 8/176، الحضارة الاسلامية: آدم متز: 1/172.
(124) قال الشهيد في الذكرى/155 ما لفظه: (ومن المساجد الشريفة مسجد براثا غربي بغداد وهو باقٍ إلى الآن وفيه فضائل عديدة...)، الحضارة الإسلامية: آدم متز 1/88 نقلاً عن المنتظم: 29.
(125) الحضارة الاسلامية: آدم متز 1/88 نقلاً عن المنتظم: 29.
(126) تاريخ الاسلام، حسن ابراهيم حسن: 3/23.
(127) مروج الذهب: المسعودي: 2 و4 و5.
(128) المقدسي: 126.
(129) الكامل في التاريخ، ابن الاثير: 9/146.
(130) معجم البلدان للحموي: 4/255.
(131) سورة الإسراء: الآية 79.
(132) البداية والنهاية، ابن كثير: 11/162.
(133) الحضارة الإسلامية، آدم منز: 1/88.
(134) تجارب الأمم، ابن مسكويه: 5/260.
(135) الحضارة الإسلامية: آدم متز: 1/88؛ المختصر لأبي الفداء: 1/83، تجارب الأمم: ابن مسكويه: 5/320.
(136) الكامل في التاريخ، ابن الاثير: 6/204.
(137) تاريخ الشعوبية الاسلامية: 2/75.
(138) اللسان، ابن حجر: 2/383، معجم المؤلفين، رضا كحالة: 4/8.
(139) تجارب الأمم، ابن مسكويه: 5/195؛ وصلة عريب: 141.
(140) دائرة المعارف الاسلامية المعربة: 1/181.
(141) الغيبة للطوسي: 187 و252.
(142) الغيبة الصغرة للصدر: 445.
(143) الغيبة للطوسي: 227.
(144) الوافي بالوفيات للصفدي: 12/366.
(145) أعيان الشيعة للأمين: 12/22.
(146) تجارب الأمم، ابن مسكويه: 5/360.
(147) خاندان نوبختي (فارسي) إقبال اشتياقي: 112.
(148) تأسيس الشيعة: 371.
(149) تأسيس الشيعة: 371.
(150) تأسيس الشيعة: 371.
(151) الغيبة للطوسي: 236، تاريخ الاسلام للذهبي: 24/190، سير اعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
(152) دائرة المعارف الاسلامية المعربة: 1/181.
(153) اللسان، ابن حجر: 2/283، الوافي بالوفيات للصفدي: 12/366.
(154) تجارب الأمم، ابن مسكويه: 5/195.
(155) تجارب الأمم لابن مسكويه: 5/695، صلة عريب: 141، الغيبة للطوسي: 187 و252.
(156) اللسان لان حجر: 2/183.
(157) تجارب الأمم: 5/195.
(158) الغيبة للطوسي: 252.
(159) الغيبة للطوسي: 183 و252.
(160) تجارب الأمم، ابن مسكويه: 5/195.
(161) تاريخ الاسلام للذهبي: 24/190، سير اعلام النبلاء للذهبي: 15/222، الوافي بالوفيات للصفدي: 12/366.
(162) المصدر السابق.
(163) الكامل في التاريخ، ابن الاثير: 6/202.
(164) تاريخ الطبري: 11/122 في حوادث عام 317ه.
(165) تجارب الأمم، ابن مسكويه: 5/195، تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190، سير أعلام النبلاء: 15/222، الوافي بالوفيات للصفدي: 12/366.
(166) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190، الوافي بالوفيات للصفدي: 12/366.
(167) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
(168) الإرشاد للمفيد: 332.
(169) تاريخ الطبري: 11/317.
(170) الغيبة للطوسي: 227.
(171) الكامل في التاريخ، ابن الاثير: 6/241.
(172) سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
(173) الوافي بالوفيات للصفدي: 12/366.
(174) سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
(175) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
(176) سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
(177) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
(178) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
(179) سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
(180) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
(181) تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
(182) الأوراق للصولي: 122.
(183) تجارب الأمم لابن مسكويه: 5/363.
(184) الأوراق: 122.
(185) الأوراق للصولي: 147، خاندان نوبختي (بالفارسي): 220.
(186) الغيبة للطوسي: 244.
(187) روضات الجنات للأصبهاني: 3/144.
(188) أوائل المقالات للمفيد: 240.
(189) سفينة البحار، القمي: 1/296.
(190) الغيبة للطوسي: 246.
(191) روضات الجنات للأصبهاني: 3/144.
(192) الفهرست: ابن النديم: 241.
(193) ميزان الاعتدال للذهبي: 1/548.
(194) البداية والنهاية لابن كثير: 11/139 نقلاً عن الصولي.
(195) دائرة المعارف الإسلامية المعربة: 8/19.
(196) الفهرست: ابن النديم: 191.
(197) تاريخ بغداد للبغدادي: 8/124.
(198) مجالس المؤمنين للشوشتري: 271.
(199) الغيبة للطوسي: 246؛ وفي تاريخ البغدادي 8/124، بعد ذكره ما أراده أبو سهل إسماعيل بن علي من وصل شعره ورد لحيته سوداء قال: «آمنت بما يدعوني إليه كائناً ما كان إن شاء قلت أنه باب الإمام ووكيله وإن شئت قلت: الإمام... إلخ».
(200) الغيبة للطوسي: 247 و248.
(201) دائرة المعارف الإسلامية المعربة: 14/77.
(202) الغيبة للطوسي: 244.
(203) الاحتجاج للطبرسي: 3/479.
(204) مجالس المؤمنين للشوشتري: 271.
(205) تلبيس إبليس لابن الجوزي: 271، تاريخ بغداد للبغدادي: 8/127 و135.
(206) تاريخ الخلفاء للسيوطي: 380.
(207) الحضارة الإسلامية: آدم متز 2/43.
(208) تاريخ بغداد للبغدادي: 8/127.
(209) الحضارة الإسلامية: آدم متز 2/43.
(210) تاريخ بغداد للبغدادي: 8/135.
(211) تاريخ بغداد للبغدادي: 8/135.
(212) كشف المحجوب - نيكلسون: 260؛ الحضارة الإسلامية - آدم متز: 2/43.
(213) رسالة الغفران للجمعية الآسيوية Jras, 1902 - 9 S.833.
(214) الكامل في التاريخ - ابن الأثير: 8/290.
(215) التنبيه للمسعودي: 396 - 397.
(216) رجال النجاسي: 293.
(217) خاندان نوبختي (بالفارسي) عباس إقبال: 222.
(218) الغيبة للطوسي: 183.
(219) الغيبة للطوسي: 184.
(220) الفهرست للطوسي: 173، رجال النجاشي: 293، الغيبة للطوسي: 183.
(221) رجال النجاشي: 293.
(222) الفهرست للطوسي: 512.
(223) رجال الطوسي: 512.
(224) الكامل في التاريخ - ابن الأثير: 8/292.
(225) الغيبة للطوسي: 250.
(226) معجم الأدباء للحموي: 1/2387؛ تجارب الأمم - ابن مسكويه: 8/123؛ الغيبة للطوسي: 249.
(227) معجم الأدباء للحموي: 1/236.
(228) معجم الأدباء للحموي: 1/238؛ الغيبة للطوسي: 250 و251؛ الكامل لابن الأثير: 8/292.
(229) الفهرست: 425، رجال النجاشي: 293؛ الغيبة للطوسي: 240 - 241.
(230) الغيبة للطوسي: 251 - 252.
(231) الخلاصة للعلامة: 254؛ رجال الأسترآبادي: 207.
(232) الغيبة للطوسي: 252.
(233) الغيبة للطوسي: 239.
(234) الغيبة للطوسي: 240.
(235) وهو محمد الإسكافي من كبار شيوخ الإمامية، وأجداده من الزرادشتية الفرس، له كتاب في تاريخ الأئمة يسمى الأنوار، وُلِد سنة 258هـ وتوفي سنة 326هـ، وكان أول من أسلم من أهله وهداه الله إلى الحق.. رجال النجاشي: 295.
(236) الغيبة للطوسي: 208 و209.
(237) الغيبة للطوسي: 208 و209؛ رجال النجاشي: 293.
(238) الغيبة للطوسي: 240 - 241.
(239) بنو فضال هم ثلاثة أولاد لأبي الحسن بن فضال الكوفي المتوفى عام 224هـ، وأولاده الثلاثة هم من الفقهاء الفطحيين وهم أحمد المتوفى عام 260هـ، ومحمد، وعلي البالغة كتبه الثلاثون كتاباً وله كتاب في تأييد مذهبه.. رجال الكشي للطوسي: 319؛ ورجال النجاشي وغيرهما.
(240) الغيبة للطوسي: 239.
(241) الغيبة للطوسي: 248.
(242) الغيبة للطوسي: 248.
(243) الكامل في التاريخ: 6/173.
(244) الكامل في التاريخ: 6/177.
(245) مروج الذهب للمسعودي: 4/214.
(246) الكامل في التاريخ: 6/174.
(247) الكامل في التاريخ: 6/174.
(248) الكامل في التاريخ: 8/290.
(249) الغيبة للطوسي: 250.
(250) الغيبة للطوسي: 183.
(251) الغيبة للطوسي: 187.
(252) مهج الدعوات - ابن طاووس: 45؛ وخاندان نوبختي (فارسي) - إقبال: 222.
(253) الغيبة للطوسي: 183.
(254) الغيبة للطوسي: 183.
(255) الغيبة للطوسي: 183.
(256) الغيبة للطوسي: 249.
(257) الغيبة للطوسي: 249.
(258) معجم الأدباء للحموي: 1/238 - ترجمة ابن أبي عون.
(259) الغيبة للطوسي: 248.
(260) تأسيس الشيعة للصدر: 368.
(261) الغيبة للطوسي: 250.
(262) الغيبة للطوسي: 252 - 253.
(263) الغيبة للطوسي: 253.
(264) الاحتجاج - للطبرسي: 3/474 - 475؛ الغيبة للطوسي: 253.
(265) الغيبة للطوسي: 250.
(266) الغيبة للطوسي: 240.
(267) الغيبة للطوسي: 241.
(268) الغيبة للطوسي: 228.
(269) الغيبة للطوسي: 228.
(270) الكامل في التاريخ: 1/290؛ الفَرق بين الفِرق للبغدادي: 264؛ تاريخ الإسلام للذهبي.
(271) الكامل في التاريخ: 8/290.
(272) معجم البلدان للحموي: 1/235؛ تجارب الأمم - ابن مسكويه: 5/123؛ حوادث عام 312هـ
(273) تجارب الأمم - ابن مسكويه: 5/123.
(274) قرب جزيرة ابن عمر من نواحي الموصل بالعراق.. رجال النجاشي.
(275) الفَرق بين الفِرق للبغدادي: 264؛ العبر للذهبي: 3/190.
(276) الكامل في التاريخ: 8/290 وقائع عام 322هـ.
(277) الغيبة للطوسي: 186 - 187.
(278) الغيبة للطوسي: 250.
(279) معجم الأدباء للحموي: 1/248.
(280) الكامل في التاريخ: 8/291؛ الفَرق بين الفِرق للبغدادي: 264؛ العبر للذهبي: 3/190.
(281) معجم الأدباء للحموي: 1/251.
(282) الفَرق بين الفِرق: 264؛ العبر للذهبي: 2/190.
(283) معجم الأدباء: 1/252.
(284) الغيبة للطوسي: 250.
(285) الغيبة للطوسي: 240؛ الرقعية للطهراني: 3/210؛ معجم المؤلفين - رضا كحالة: 4/8.
(286) الغيبة للطوسي: 240.
(287) الغيبة للطوسي: 240.
(288) الغيبة للطوسي: 239.
(289) الغيبة للطوسي: 239.
(290) كمال الدين الصدوق: 2/198؛ البحار: 35/79؛ معاني الأخبار للصدوق: 286.
(291) الغيبة للطوسي: 240.
(292) التهذيب للطوسي: 6/93؛ جامع الرواة للأردبيلي: 1/240.
(293) قاموس الرجال للتستري: 3/284.
(294) معجم رجال الحديث للخوئي: 5/236.
(295) مصباح المتهجد للطوسي: 743؛ الإقبال: 647.
(296) مصباح المتهجد للطوسي: 755.
(297) مصباح المتهجد للطوسي: 752؛ الإقبال لابن طاووس: 675 - 676.
(298) مفاتيح الجنان للقمي: 164.
(299) الصافات: 130؛ الاحتجاج للطبرسي: 2/492.
(300) مستدرك الوسائل للنوري: 10/351.
(301) الغيبة للطوسي: 230؛ الاحتجاج للطبرسي: 3/481.
(302) الغيبة للطوسي: 232؛ الاحتجاج للطبرسي: 2/483.
(303) الغيبة للطوسي: 232؛ الاحتجاج للطبرسي: 2/483.
(304) الاحتجاج للطبرسي: 3/485.
(305) الاحتجاج للطبرسي: 2/487.
(306) الغيبة للطوسي: 228 - 229.
(307) الغيبة للطوسي: 228 - 229.
(308) أوائل المقالات للمفيد: 80.
(309) التصوف والتشيع - هاشم معروف الحسيني: 146.
(310) أوائل المقالات للمفيد: 80.
(311) الغيبة للطوسي: 196؛ بحار الأنوار للمجلسي: 51/293.
(312) الغيبة للطوسي: 188 و195.
(313) الغيبة للطوسي: 192.
(314) الغيبة للطوسي: 188 وما بعدها.
(315) الغيبة للطوسي: 184 - 185؛ مدينة المعاجز للبحراني: 614، نقلًا عن الراوندي.
(316) الغيبة للطوسي: 188.
(317) كمال الدين للصدوق: 2/196؛ بحار الأنوار للمجلسي: 51/342؛ وروى الصدوق قصة مشابهة لها أيضًا في كمال الدين 2/193؛ البحار: 51/340.
(318) الغيبة للطوسي: 187.
(319) كمال الدين للصدوق: 2/196؛ بحار الأنوار للمجلسي: 51/342.
(320) الغيبة للطوسي: 195.
(321) الغيبة للطوسي: 196.
(322) الغيبة للطوسي: 238؛ الوافي بالوفيات للصفدي: 12/366؛ تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
(323) الغيبة للطوسي: 238.
(324) تتمة المنتهى للقمي: 3/403.
(325) الغيبة للطوسي: 238؛ مجلة العرفان: 4/379؛ أعيان الشيعة للأمين: 6/21.
(326) مراصد الاطلاع للحموي باب (آجر).
(327) مراصد الاطلاع للحموي باب (آجر).
(328) مراصد الاطلاع للحموي باب (آجر).
(329) مراصد الاطلاع للحموي: 5/403.
(330) تاريخ بغداد للبغدادي: 1/91؛ مناقب بغداد لابن الجوزي: 18؛ مراصد الاطلاع للحموي: 5/403.
(331) تأسيس الشيعة للصدر: 273.
(332) معجم رجال الحديث للخوئي: 7/305؛ وتأسيس الشيعة للصدر: 273.
(333) الغيبة للطوسي: 267.
(334) الغيبة الصغرى للصدر: 547.