أقسام النيابة العامة:
المسار
العصر القديم

ابن الجنيد الاسكافي

 هو الفقيه المعظم، الشيخ الاجل ابو علي محمد بن احمد بن الجنيد الكتاب الاسكافي، من اعلام فقهاء الامامية، واعاظم مجتهديهم.
وهو ثاني القديمين اللذين مضت ترجمة الاول منهما.
توطن ببغداد، و شارك في التكوين الاول للمدرسة البغدادية الكبرى في القرن الرابع الهجري، فكان في الطليعة من الفقهاء الذين اسهموا في صياغة وتأسيس الاطار العلمي للمذهب وحفظ هويته واستقلاله في بيئة تجانست فيها المذاهب وتنوعت فيها المشارب في شتى الاتجاهات الفكرية والكلامية والفقهية والحديثية، فضلا عن الاوضاع السياسية التي سعت الى هضم الكيان الشيعي والانقضاض على ائمته ومن يتصل بهم من العلماء والنواب والسفراء في اخريات العهد العباسي.
هذا، وقد عرف لابن الجنيد مكانته ومشاركته في علوم شتى، وفنون عديدة، فكان الفقيه المحدث، والاصولي المتكلم، وقد جمع الى ذلك اطلاعه في الادب واللغة والفهرسة والكتابة ... فلننطلق مع لمحات فردية ولمعات علمية عن حياة هذا الفقيه ومكونات شخصيته.
كنيته وأشهر ألقابه:
محمد بن احمد بن الجنيد. وكنيته: ابوعلي، وهو المقصود بها على الاطلاق في كتب الفقهاء.
نعم، قد تطلق عندهم في ‏موارد قلة على ولد الشيخ الطوسي ولكن مع الاضافة، فيقال (ابو علي ولد الشيخ). واما القابه التي اشتهر وذاع صيته بها في كتب الفقهاء والرجاليين فهي (ابن الجنيد) و(الكاتب) و(الاسكافي) نسبة الى (اسكاف) ناحية ببغداد صوب النهروانات وينتسب اليها جماعة من العلماء.
ولقب بالكاتب لمهارته كما قيل في حسن الاملاء وفن الانشاء، حيث ان الاصطلاح قد استقر منذ القدم على التعبير عن صاحب هذه الصناعة بهذه اللفظة.
و مما يشير لصحة هذا الاستظهار ويعضده انه كتب كتابا في هذا الفن اسماه (علم النجابة في علم الكتابة). واما تلقبه بـ(ابن الجنيد) فهي نسبة الى جده الاعلى (الجنيد) كما سنوضحه عند الحديث عن اسرته، ولعله اشهر القابه واعرفها.
وقد يشترك معه فيه جماعة سنشير اليهم لاحقا. هذا، وربما يسمى ايضاً بـ(الجنيدي) كما في رسالة الشيخ المفيد المسماة (رسالة الجنيدي الى اهل مصر)، وكذا في مسائله الصاغانية، حيث عبر عنه المفيد والشيخ الحنفي النيسابوري بالجنيدي في عدة مواضع منها. و الذي يبدو انحصار هذه التسمية به في ايام عصره حسب، اذ لم يعهد التعبير عنه بذلك في معاجم الرجال ومصادر الفقه.
تمييز المشتركات:
اشترك مع صاحب الترجمة جماعة من اهل عصره وغيرهم. منهم من اشترك معه اشتراكاً تاماً في الاسم والنسب والنسبة و الطبقة، حتى كاد يذهب الوهم انه هو هو، ومنهم من اشترك معه اشتراكاً جزئياً. اما الاول الاشتراك التام فقد اشترك معه: محمد بن احمد بن الجنيد الاسكافي الجنيدي.
التمييز:
1- ذكروا عن هذا الرجل انه من اصفهان وكنيته ابو عبداللّه، ومترجمنا كنيته ابوعلي وهو بغدادي كما عرفت، وسياتي توكيده عند البحث عن بيئته.
2- يروي عن ابي عبداللّه القاسم بن الفضل الثقفي، ولم نعثر في مشايخ مترجمنا على من كان بهذا الاسم.
3- انه قتل في بلاد الترك سنة (360هـ) عندما بعثه والي خراسان منصور بن نوح اليها. و لم يؤرخ لابي علي سفره اليها وقتله فيها. بل مترجموه بين من اهمل تاريخ وفاته، وبين من ضبطها في سنة (381هـ).
4- ان تلقبه بالجنيد او الجنيدي ليس نسبة لاسرة بني الجنيد المعروفة، وانما نسبة لابيه اوجده ابو عبداللّه الذي كان يتكلم بكلام الجنيد بن محمد البغدادي العارف الشهير، فلقب به وعرف بابي عبداللّه الجنيد. 5- انه من علماء العامة، والمترجم من علماء الامامية. واما الثاني الاشتراك الجزئي فشاركه جماعة نذكر منهم:
1- ابو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب الاسكافي، حيث شاركه في الاسم واللقب والكنية والطبقة. ذكره النجاشي فقال عنه انه شيخ اصحابنا له منزلة عظيمة، ووثقه الشيخ. مات سنة (336هـ).
2- محمد بن محمد بن احمد بن مالك الاسكافي.
3- محمد بن عبدالمؤمن بن احمد الاسكافي.
4- محمد بن احمد بن الجنيد ابو جعفر الدقاق، المتوفى (267 او 266هـ)، ذكره الخطيب البغدادي.
5- ابو علي الاسكافي، ويلقب بالموفق، وكان مقدما عند بهاء الدولة فولاه بغداد، وتوفي في (394هـ).
6- محمد بن جنيد الكوفي، سمع عبداللّه بن عبدالملك بن ابي عبيدة. وهو نفس محمد بن جنيد الحجام على ما قيل.
7- محمد بن الجنيد الصيدناني شيخ بجرجان، روى عن محمد بن سعيد ابن الاصبهاني.
8- محمد بن الجنيد الواسطي، يروي عنه يزيد بن هارون، روى عنه اهل العراق والغرباء.
9- محمد بن جنيد بن سالم بن جنيد، روى عنه الطبري، عن ابيه، عن راشد ابن مزيد: انه شهد الحسين عليه السلام وصحبه من مكة وفي الطريق استاذنه ورجع.
أسرته:
اسرة بنو الجنيد من الاسر العريقة التي تتميز بالشرف والوجاهة في مجتمعها بمدينة (الاسكاف) . وتنحدر هذه الاسرة من الجد الاعلى لها وهو (الجنيد) الذي يرجع عصره الى عهد كسرى.
فهو الذي بنى الشاذروان في ايام كسرى، ولذا فقد كان لبني الجنيد موضع الصدارة والتقدم في مدينتهم، حتى انه قد اقترنت تسميتها وعرفت بهم، فيقال (اسكاف بني الجنيد). و لما ملك المسلمون العراق اقرهم الخليفة الثاني على تقدم المواضع فيها.
قال الحموي فيها: اسكاف: بالكسر ثم السكون... : اسكاف بني الجنيد كانوا رؤساء هذه الناحية، وكان فيهم كرم ونباهة فعرف الموضع بهم، وهو اسكاف العليا من نواحي النهروان بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي و هناك اسكاف السفلى بالنهروان ايضا.
خرج منها طائفة كثيرة من اعيان العلماء والكتاب و العمال والمحدثين لم يتميزوا لنا. وهاتان الناحيتان الان خراب بخراب النهروان منذ ايام الملوك السلجوقيين.
وقد نص الفيروزآبادي والسمعاني على انتساب جماعة من العلماء لها، ذكر الثاني طائفة منهم في كتابه، وهم من العامة، ويوجد فيها من الشيعة ايضا كمحمد بن همام المتقدم وغيره.
ولادته:
ولد الفقيه الاسكافي في مدينة اسرته واجداده (الاسكاف) على ما يقتضيه ظاهر النسبة اليها. و لم تمدنا مصادر حياته بشي‏ء عن بدايات نشاته وتحصيله، و هل انه كان فيها ام كان ذلك ببغداد ؟
كما انها امسكت عن تحديد زمان ولادته، الا ان روايته عن حميد بن زياد الدهقان المتوفى (310هـ) تساعد على ان يكون عمره وقتئذ في حدود العشرين عاماً على اقل تقدير، ليناسب تحمله و نقله عن شيخه حميد، فتكون ولادته على ضوء ذلك في حدود سنة (290هـ).
هذا كله على فرض روايته عنه في اخريات سني حميد بن زياد و الا لكانت ولادته قبل ذلك.
هذا، و ثمة روايات ثلاث قد وقع في اسانيدها عبيد بن كثير العامري، عن محمد بن الجنيد، كما في تفسير فرات الكوفي ومناقب الخوارزمي. وقد كانت وفاة العامري سنة (294هـ) مما يفترض في نفسه ان تتحدد ولادة ابن الجنيد في حدود سنة (250 الى 260هـ) ليناسب ذلك رواية ابن كثير عنه.
وهذا يعني انه ممن ادرك الامام العسكري عيله السلام او بدايات الغيبة الصغرى، وهو ما لا يمكن انطباقه على ابن الاسكافي، و ذلك من جهات: الاولى: ان ادراكه للامام العسكري عليه السلام او بداية الغيبة الصغرى وبقاؤه الى آخر سفرائها مما لم ينقل في نص او اثر، ولو كان لاهتم به كافة من ترجم له، لانه يعتبر خصوصية فريدة في حياة القدماء.
الثانية: ان من حدث عن الاسكافي كانوا من طبقة واحدة كالشيخ المفيد وابن عبدون والتلعكبري، ولم يكن في طبقتهم من هو بطبقة عبيد بن كثير المتقدمة.
الثالثة: انه لو كان معاصراً لتلك الفترة، لكان معناه انه قد نيف على المئة و عشر سنين او اكثر لما سياتي من سؤالات سبكتكين العجمي له، وكان قد ولي الحكم سنة (366هـ) .
ولو كان عمره كذلك لذكروه في المعمرين.
الرابعة: انه لو كان ادرك عصر الامام العسكري عليه السلام او النواب الاربعة لكان في مجموع ما روي عنه من الشواهد او الوقائع ما يدل على ذلك، كما هو الشان في نقله عن الشلمغاني وما كان بينه وبين السفير الثالث الحسين بن روح الذي كان قد ادركه.
وعليه فان الذي يقوى في نظرنا هو ان يكون المراد ب (محمد بن الجنيد) في هذه الروايات هو شخص آخر غير ابي علي الاسكافي، خصوصا وان الغالب في من يروي عنه ان يذكر بعض القرائن الدالة على شخصه كذكر كنيته ( ابوعلي) او اسم ابيه (احمد) او لقبه (الاسكافي) في حين ان هذه الروايات كانت مجردة عن كل ذلك. و الذي نحتمله ان يكون المراد فيها هو محمد بن احمد بن الجنيد ابوجعفر الدقاق المعتزلي المتوفى سنة (267 او 266هـ) المتقدم ذكره. و ان كان مضمون احدى روايتي تفسير فرات في فضائل الائمة(عليهم ‏السلام)، مما قد لا يناسب مذهبه. والامر سهل من هذه الناحية لامكان رواية ذلك من امثالهم.
بيئته وعصره:
مضت الاشارة الى انه بغدادي البيئة والنشاة. ولم ينقل في احواله اعراضه وخروجه منها، الا ما نقل من سفره الى نيسابور سنة (340هـ) .
ومما يعزز وجوده ببغداد وتوطنه فيها شهادة تلميذه الشيخ المفيد الذي اكد وجوده فيها وحلوله في جواره وعودته اليها بعد سفره لنيسابور. وبعد هذا التصريح من الشيخ المفيد بحلوله ووجوده في بغداد، فلا نجد محملاً لما ذكره بعض اعاظم اهل الفن من التشكيك في وجوده و سكناه في بغداد من دون استناد لدليل معترضا على ما ذكره العلامة المامقاني الذي صرح بسكناه في بغداد وان لم يستدل لذلك بشي‏ء و مثله ما اوردته بعض مصادر ترجمته من انه من اهل الري. على ان جملة مشايخه والرواة عنه كانوا ببغداد ايضا، كالشيخ المفيد وابن الغضائري وابن عبدون (ابن الحاشر) والعاصمي والشلمغاني وغيرهم.
وقد كانت بغداد آنذاك و هي ثقل العالم الاسلامي وعاصمة الخلافة تشهد احتداماً سياسياً وعلمياً و مذهبياً حاداً انعكست تفاصيله على مجمل الحياة البغدادية بشكل خاص، وعلى العالم الاسلامي بشكل عام، حيث ضعفت الدولة العباسية وتشتت امرها، وتسلط امراء الاقاليم على اقاليمهم، بل لم تسلم بغداد عاصمة الخلافة من نفوذهم وقبضتهم بعد انتقال القدرة (الحقيقية) فيها الى بني بويه اثر قدوم معز الدولة البويهي لبغداد وعزله المستكفي الخليفة العباسي، وتنصيب ابن المقتدر المطيع للّه محله شكلياً.
ولا ريب ان تغير اتجاه الولاء في السلطة الى العلويين عن طريق بني بويه حرك الولاءات القديمة لبني العباس من قبل مؤيديهم...
ومما زاد الوضع وخامة وادى الى تفاقم الحال فيه، نشوب الحرب الداخلية بين امراء اطراف الممالك الاسلامية كامراء بني حمدان في الموصل والبريديين وبني بويه.
وقد تاثر البعد المذهبي والعلمي للمجتمع البغدادي بهذه الاوضاع، حيث بدات الخصومات والانقسامات المذهبية تدب فيه، اثر اعلان بني بويه حرية الشعار الحسيني، واحياء ذكرى واقعة كربلاء، بل و مشاركتهم فيها شخصيا، وكذا الاحتفاء بيوم الغدير، مما جر الامر الى وقوع الخصومات وربما الفتن والقلاقل بين شطري البيئة البغدادية، الشيعة والسنة.
ولم تكن الاجواء العلمية بمناى عن تاثيرات الوضع العام، فقد توسعت ‏حلقات الدرس والبحث والمناظرة، ونشطت اندية العلم ودبت فيها الحياة بشكل ملحوظ، كما انه طرحت في الساحة العلمية اشد المسائل حساسية في الفقه والكلام والتفسير والحديث، وقام كل فريق برسم الاطر العلمية لمذهبه وتحصينها من الشبهات.
وكثر التصنيف في تلك الاونة، بل انها كانت بداية التصنيف العلمي المبتني على مراعاة الاصول والقواعد العلمية.
وقد كان لابن الجنيد وهو ابن تلك البيئة المترعرع في اكنافها حظا عظيما في عالم التصنيف و البحث كما انه كان يتمتع فيها بالمكانة والوجاهة كما تصفه عبارة النجاشي لا في اوساط مجتمعه فحسب بل ولدى امراء عصره كمعز الدولة البويهي(المتوفى 356هـ) وزير الخليفة العباسي الطائع، وسبكتكين الغزنوي مؤسس الدولة الغزنوية في (غزنة)، فكانت بينهما وبين ابن الجنيد مراسلات سالاه فيها عن جملة مسائل عرفت بجوابات معز الدولة وجوابات سبكتكين العجمي، ولم تنحصر شهرته ومرجعيته العلمية ببغداد فحسب، بل سرت الى بلاد المشرق ومصر وكانت تصله منها بعض الاموال.
توثيقه وآراء العلماء فيه:
وثقه النجاشي فقال: وجه في اصحابنا، ثقة، جليل القدر. وقال الشيخ الطوسي: كان جيد التصنيف حسنه، الا انه كان يرى القول بالقياس فتركت لذلك كتبه ولم يعول عليها.
واثنى عليه العلامة الحلي بقوله: شيخ الامامية جيد التصنيف حسنه، وجه في اصحابنا، ثقة، جليل القدر، صنف فاكثر.
وقد سبق العلامة(رحمه ‏اللّه) في ذلك شيخه المحقق(رحمه اللّه) فانه اكثر النقل عن ابن الجنيد ، وعده في مقدمات(المعتبر) ممن اختار النقل عنهم من الافاضل المعروفين بفقه الاخبار و صحة الاختيار وجودة الاعتبار من اصحاب كتب الفتاوى.
ووصفه ابن النديم: من اكابر الشيعة الامامية. ووصفه الزركلي: فاضل امامي.
وذكره كحالة: شيعي، امامي، فقيه، اصولي، مشارك في علوم.
ووصفه اسماعيل باشا البغدادي:انه من اكابر الامامية. واطراه ابن ادريس الحلي فقال: وهذا الرجل جليل القدر كبير المنزلة صنف فاكثر. ونعته ايضاً عند بحثه في مسائل الربا من السرائر فقال: من اجلة اصحابنا المتقدمين ورؤساء مشايخنا المصنفين. ثم قال: وابو علي بن الجنيد من كبار فقهاء اصحابنا ذكر المسالة وحققها واوضحها في كتابه: (الاحمدي في الفقه المحمدي).
وعده الشهيد الاول في الذكرى من اعاظم العلماء واعتبر مراسيله لوثاقته.
ووصفه الشهيد الثاني في المسالك بانه: عزيز المثل في المتقدمين بالتحقيق والتدقيق، يعرف ذلك من اطلع على كلامه.
وقال السيد بحر العلوم في شانه: من اعيان الطائفة واعاظم الفرقة و افاضل قدماء الامامية واكثرهم علماً وفقهاً وادباً وتصنيفاً، واحسنهم تحريرا وادقهم نظرا.
متكلم فقيه محدث اديب واسع العلم صنف في الفقه والكلام والاصول والادب والكتابة وغيرها... وهذا الشيخ على جلالته في الطائفة والرياسة وعظم محله قد حكي عنه القول بالقياس.
وعده العلامة الكاظمي في الثقات فقال عنه: ابن الجنيد الثقة شيخ الامامية وكبيرهم. وقال عنه السيد حسن الصدر: شيخنا الاقدم وفقيهنا الاعظم.
ووصفه القمي بانه: من اكابر علماء الشيعة الامامية، جيد التصنيف. وقال المدرس التبريزي: شيخ اجل اقدم ثقة فقيه اصولي اديب متكلم محدث واسع العلم جليل القدر.
وقال المامقاني: لم يتوقف احد في توثيقه الا ولد صاحب المعالم. ومما يدل على منزلته ووثاقته انه من مشايخ الاجازة التي هي في اعلى درجات الجلالة والوثاقة، وممن روى عنه الاجلاء كالمفيد والتلعكبري كما سياتي ذلك.
دعوى الوكالة عن الامام عليه السلام وصلته بالسفراء:
من الامور المسلمة التي لايساورها الشك ولا يعلوها غبار الريب، ان فقيهنا الاسكافي قد عاصر شطراً من الغيبة الصغرى، اذ انه قد روى كما تقدم عن حميد بن زياد المتوفى (310هـ)، وعن ابن ابي العزاقر الشلمغاني المتوفى (332هـ) الذي ادعى السفارة كذبا وزورا، ودافع في امرها السفير الثالث الحسين ابن روح النوبختي(رحمه ‏اللّه).
وعلى هذا الاساس فانه كان معاصراً للكليني الذي روى كثيراً في الكافي عن حميد بن زياد وابن بابويه القمي المتوفين سنة (329هـ) وابن ابي عقيل، وان كانوا هم اعلى منه طبقة.
ولم ينقل في شي‏ء من المصادر التاريخية والرجالية صلته في تلك الاونة بالامام الحجة عجل اللّه تعالى فرجه الشريف، ولا بنوابه رضوان اللّه عليهم، على الرغم من اتحاده معهم في الموطن ببغداد، ولم يصدر في حقه مدح او ذم. بيد ان قضية نقلها البعض، كان مصدرها كلام ذكره النجاشي حيث نقل عن بعض مشايخه سماعا: انه كان عنده مال للصاحب عليه السلام وسيف ايضا، وانه وصى به الى جاريته. وقد استشعر السيد بحر العلوم من هذا الكلام الوكالة.
ولربما يؤيده ما نقله الشيخ المفيد في المسائل الصاغانية عن شيخ الاحناف بنيسابور عن ابن الجنيد دعواه ذلك. واليك نص عبارته: قال اي الشيخ الحنفي : وقد كان وصل الى نيسابور في سنة اربعين وثلاثمئة رجل من هؤلاء الرافضة يعرف ب (الجنيدي)، يدعي معرفة بفقههم، ويتصنع بالنفاق لهم، فسلموا اليه مالاً كثيراً ليوصله الى امامهم الذي يدعون وجوده الان، ويحيلون في ذلك على السرداب وكان يذكر لهم ان بينه وبينه مكاتبة، وان مستقره بنواحي الحجاز. وهذا الكلام يشترك مع سابقه في امر (المال)، ويفترق عنه في ادعاء الوكالة. كما انه نص صريح في دعوى ايصال المال للصاحب عليه السلام بناء على صحة النقل عنه بعكس الاول فانه ظاهر في ذلك.
وقد حمل نقل النجاشي في كلمات البعض على انه ما كان يرى صرف حقوق الامام عليه السلام وامواله، بل كان يرى فيها الحفظ والايصاء فلذا حفظ واوصى كما هو مذهب بعض القدماء كالشيخ في المسائل الحائرية، وابن البراج، وابن ادريس، وابي الصلاح، والعلامة . او انه احد الاموال التي تجلب له عليه السلام من سائر الحقوق فلا يكون ذلك وكالة ولا مدحاً له.
الا انه قد يعارضه ما ذكره الشيخ المفيد تعليقاً على كلام الحنفي المتقدم من انه كان يصل اليه من ناحية المشرق بعد عوده الى بغداد ما كان يصون به وجهه عن البذلة ومسالة الناس.
ويمكن الجمع بينهما بحمل ما ذكره الشيخ المفيد من وصول الاموال اليه على انه من سائر الاموال غير الاخماس فلا يكون معارضاً لمفاد نقل النجاشي باعتبار عدم كون ما يصرفه من الاموال الواصلة اليه على نقل الشيخ المفيد من الاخماس.
على ان مبنى القدماء على الاحتياط في امر الخمس سيما سهمه الشريف عليه السلام، فكيف يصله المال ويصرفه في اموره الخاصة؟! هذا، ولقد حاولنا استطلاع رايه و فتواه في الخمس حال الغيبة فلم نعثر له على راي فيها، وانما المنقول عنه ناظر الى عصر الحضور، او ان القدر المحرز منه هو ذلك، فقد نقل عنه الفاضلان مناقشته دعوى التحليل المطلق للخمس بلحاظ السهمين معا، او بلحاظ جميع الازمنة بحيث ‏يشمل حتى الزمان الذي لم يصدر منه تحليل من امامه. وعلى ضوء ذلك فان حديث الايصاء بالمال والسيف حينئذ يعد تجسيدا لرايه الفقهي في الايصاء والحفظ.
واما ما نقله الشيخ المفيد عن الحنفي من دعواه الوكالة، فمعارض من وجوه:
الاول: ما ذكره الشيخ المفيد في معرض جوابه لمدعي ذلك حيث قال : «لسنا نثق بك فنصدقك فيما تحكيه، ولا نعلم كيف جرت حال الرجل الذي ذكرت وصوله الى نيسابور، ويغلب في الظن تخرصك فيما ذكرت عنه من قبض مال الامام، ونحن اعرف به منك لحلوله معنا في البلد وفي الجوار، ووقوفنا على كثير من خفي امره، ولم نسمع عنه قط دعوى مكاتبة الامام، ولا العلم بمكانه من البلاد».
الثاني: ما ذكره المفيد ايضا حيث قال: «ولو كان ادعى ذلك الموضع الذي ذكرت لم يخف ذلك، وتظاهرت به الاخبار، لمواصلة شيعة نيسابور وكثير من شيعة بغداد، ومكاتبتهم بما يتعلق بالديانة والاعتقاد، وكان ذلك ينتشر عن هذا الرجل، في الموافقين واهل الخلاف، كما انتشر عن غيره، ممن ادعى هذا المقام، كالعمري وابنه، وابن روح من الثقات(رحمهم ‏اللّه). والحلاج والعزاقري وامثالهم من المبطلين المعروفين بالفسق والخروج عن الايمان‏».
الثالث: ان النواب الخاصين المنصوبين بامر الامام عليه السلام للناس اربعة لا غير، وقد كانوا هم السفراء بين الناس والامام فحسب، ومن المعلوم انتهاء السفارة وختمها في عام (329هـ)، وورود ابن الجنيد لنيسابور كان في (340هـ) كما ذكر الناقل، اي بعد احد عشر عاما من انتهاء الغيبة، فكيف كان يتصل بالامام عيله السلام؟
وما هو الطريق الموصل اليه؟ وكيف يدعي الوكالة والوصول اليه مع ان من الضرورات المعلومة انقطاع من يلتقيه بعد وقوع الغيبة الكبرى وعدم وجود وكيل خاص له فيها؟ الا ان يراد منها الوكالة العامة. ولكن صراحة قرينة الايصال اليه عليه السلام كما في مفروض كلام الناقل، تمنع منه.
الرابع: ان دعوى الوكالة والايصال اليه عليه السلام مباشرة، تعارض نقل النجاشي من ايصاء ابن ‏الجنيد جاريته بمال للصاحب عليه السلام، اذ المال في هذه ‏العبارة سواء فسرناه بالمال الخاص للامام وكان اودعه عند ابن الجنيد، او المال العام اي المجموع من الاموال الشرعية، فان مقتضى الوكالة تسليمه لصاحبه لا جمعه والايصاء به.
ثقافته وآثاره:
لا شك ان تعدد الوان الثقافة واختلاف ضروبها من جهة و تقاطع التيارات والمدارس الفكرية وتباينها من جهة اخرى، من شانه ان يلقي بظلاله وآثاره على رواد العلم ومن يعنيه تحمل مسؤوليته، اذ تفرض عليه الحال ان يكون ملما بفنون زمانه واطراف الثقافة فيه، سيما لو كان في موقع التصدي والدفاع عن العقيدة والحق وتثبيت دعائمه وتشييد معالمه.
وقد كان الفقيه الاسكافي واحداً من اولئك النفر الذين اتسعت صدورهم للعلم فوعوه، واستنارت نفوسهم بنور الشرع فرعوه، ورفدت جداول العلم في محيطهم، وهطلت غيوث السماء في اوديتهم، فتالق نجمهم وذاع صيتهم، وصاروا اهلا لما سمعوا وحفظوا. وقد كان (رحمه اللّه) اضافة لوجوده ببغداد وتاثره بمحيطها المواج بفنون العلوم والمزدحم بمختلف التيارات والمدارس، على جانب عظيم من النباهة والفطنة، كما اعترف له بذلك معاصره وتلميذه الشيخ المفيد. ولذا فقد تمكن من الالمام والاحاطة والتصنيف في جملة علوم كالفقه والاصول والحديث والكلام، والادب واللغة وعلم الفهرسة والكتابة، كما اسلفنا ذلك.
ونحن نورد جملة مؤلفاته التي ناهزت الخمسين والتي ضاعت جميعها في الازمنة المتاخرة، والذي يبدو انها كانت موجودة الى بعيد وفاته، حيث نقل العلامة المجلسي عن ابي القاسم عبيد اللّه بن عبدالواحد الدارمي النصيبي انه وجد بخط ابي علي بن الجنيد بظهر بعض كتبه ثم نقل قصة وقعت لابي الوفاء الشيرازي كان قد حدث بها ابن الجنيد. وعلى كل حال فانا نورد كتبه مصنفة بترتيب الابواب والعلوم، معتمدين في ضبط اساميها وخصوصياتها بالدرجة الاولى على ما اورد النجاشي من فهرس كتبه، وعلى ما اورده الشيخ وابن النديم والسروي.
هذا، وينبغي التنبيه على ان لابن الجنيد فهرساً قد وضعه لكتبه، وقد فرقها بحسب الابواب، اشار اليه الشيخ الطوسي ووصفه بانه طويل، واعتذر عن عدم ايراده لخلوه من الفائدة... وليته اورده لنقف على حال بعض كتبه وموضوعاتها التي اشكل الامر فيها. وها نحن نوردها بهذا الشكل تعويلا على ظاهر الاسم فيها، وعلى القرائن التي ذكرها الرجاليون وعلماء الفهرسة.
مؤلفاته في الفقه:
اولا: كتاب تهذيب الشيعة لاحكام الشريعة: وهو كتاب واسع جداً قل نظيره في كتب القدماء، وعدد مجلداته عشرون مجلدا، حاو لابواب الفقه من الطهارة الى الديات.
وصفه الشيخ بانه كبير يشتمل على عدد كتب الفقه على طريقة الفقهاء. وفيما يلي الخطة التي اعتمدها المؤلف في البحث:
1- كونه في الفقه الاستدلالي، حيث يستدل للمسالة بادلة الفريقين.
2- استيفاء المسائل الفرعية والاصول.
3- التعرض لاراء المذاهب الاخرى.
4- اشراق العبارة، وغزارة المعنى ودقته. هذا ما يمكن استفادته وتحصيله بجلاء من عبارة السيد محمد بن معد الموسوي الذي ظفر باحد اجزاء الكتاب وشاهده واثنى عليه غاية الثناء.
قال العلامة الحلي المتوفى (726هـ) في الايضاح: «وجدت بخط السعيد صفي الدين محمد بن معد الموسوي ما صورته: وقع الي من هذا الكتاب مجلد واحد، وقد ذهب من اوله اوراق، فتصفحته ولمحت مضمونه، فلم ار لاحد من الطائفة كتابا اجود منه ولا ابلغ، ولا احسن عبارة ولا ادق معنى، وقد استوفى فيه الفروع والاصول، وذكر الخلاف في المسائل، واستدل بطرق الامامية وطرق مخالفيهم.
وهذا الكتاب اذا امعن النظر فيه وحصلت معانيه واديم الاطالة فيه، علم قدره وموقعه، وحصل نفع كثير لا يحصل من غيره. وكتب محمد بن معد الموسوي‏».
ويعد هذا الكتاب من التراث المفقود لابن الجنيد. وتدل العبارة السابقة على وصول بعض اجزائه الى القرن الثامن الهجري.
ولعل عدم نقل الفقهاء عنه يرجع الى كبر حجمه مما يعيق استنساخه ووصوله اليهم كما تدل عليه عبارة السيد السالف الذكر، حيث لم يقع له منه الا كتاب النكاح، و لذا فان مؤلفه كان قد اختصره في كتابه (المختصر الاحمدي في الفقه المحمدي).
الذي اعتمده الفقهاء في النقل عنه. واما كتب هذا الكتاب فهي:
كتاب الطهارة
1- كتاب المسح على الخفين.
2- كتاب المياه.
3- كتاب الاواني.
4- كتاب الانجاء والاستطابة.
5- كتاب الطهور.
6- كتاب ما ينقض الطهور.
7- كتاب ما ينجس البدن والثوب.
8- كتاب الغسل.
9- كتاب التيمم.
10- كتاب طهر الحائض.
كتاب الصلاة
ابواب هذا الكتاب:
11- كتاب الاوقات.
12- كتاب الاذان والاقامة.
13- كتاب لباس المصلي.
14- كتاب استقبال القبلة.
15- كتاب احكام الصلاة.
16- كتاب عدد الفرض والتطوع.
17- كتاب اقامة الصلاة.
18- كتاب الجمعة.
19- كتاب السهو.
20- كتاب قضاء الصلاة.
21- كتاب صلاة السفر والسفينة.
22- كتاب صلاة العيدين.
23- كتاب صلاة الكسوف.
24- كتاب صلاة الخوف.
25- كتاب صلاة الاستسقاء.
26- كتاب حكم تارك الصلاة.
27- كتاب احتضار الميت وغسله.
28- كتاب الاكفان.
29- كتاب الجنائز.
30- كتاب الصلاة على الجنائز.
31- كتاب القبور والنياحة.
32- كتاب الزكاة والصدقة.
33- كتاب تفرقة الصدقات.
34- كتاب زكاة الفطرة.
35- كتاب الصيام.
36- كتاب زيادة الصلاة في شهر رمضان.
37- كتاب الاعتكاف.
38- كتاب الحج.
39- كتاب الاشربة.
40- كتاب المآكل.
41- كتاب الاطعمة.
42- كتاب الذبائح.
43- كتاب الصيد.
44- كتاب الاضاحي.
45- كتاب القرعة.
46- التحير او التخير.
47- كتاب النكاح وما يحل‏منه وما يحرم.
48- كتاب الرضاع.
49- كتاب الاولياء.
50- كتاب الصداق.
51- كتاب خطبة النساء.
52- كتاب عشرة النساء.
53- كتاب العيب والتدليس.
54- كتاب نكاح اهل الذمة.
55- كتاب الاستبراء.
56- كتاب نفقات الازواج.
57- كتاب احكام الطلاق.
58- كتاب رجعة النساء.
59- كتاب التخيير والنشوز.
60- كتاب الايلاء.
61- كتاب الخلع.
62- كتاب الظهار.
63- كتاب اللعان.
64- كتاب عدة المطلقات.
65- كتاب عدة الوفاة والسكنى والنفقة ومن احق بالولد.
كتب الايمان والنذور والكفارات (اربعة كتب):
66- كتاب الايمان واخواتها وما يجري بين الناس منها.
67- كتاب النذور.
68- كتاب الكفارات.
69- كتاب الوقف والحبس والصدقة.
70- كتاب السكنى والعمرى والطعمة.
71- كتاب الهبات والنحل.
72- كتاب الوصايا.
73- كتاب العتق، مفردا ومشتركا.
74- كتاب التدبير.
75- كتاب المكاتب وجناياته.
76- كتاب الولاء.
كتب البيوع وما يجري مجراها:
77- كتاب احكام البيوع.
78- كتاب الشرائط فيها.
79- كتاب الاثمان والارباح.
80- كتاب الخيار والافتراق.
81- كتاب العتق.
82- كتاب العيوب.
83- كتاب السلم.
84- كتاب الربا والصرف.
85- كتاب الشركة والبضاعة.
86- كتاب الاجارة.
87- كتاب المزارعة والمساقاة.
88- كتاب الغصب.
89- كتاب الشفعة.
90- كتاب الرهون او الرهن.
91- كتاب اللقيط، والضوال والابق.
92- كتاب الوديعة.
93- كتاب العارية.
94- كتاب امهات الاولاد.
95- كتاب الوكالة.
96- كتاب الكفالة والحوالة والضمان.
كتب الحدود:
97- كتاب احكام السرقة.
98- كتاب حد الزنا.
99- كتاب القذف.
100- كتاب احكام المحاربين.
101- كتاب المرتدين.
102- كتاب الساحر والساحرة.
103- كتاب المشترك في الحدود.
104- كتاب الجنايات.
105- كتاب القسامة.
106- كتاب الديات.
107- كتاب العقل.
108- كتاب جراح العمد.
كتب السير:
109- كتاب الجهاد للمشركين.
110- كتاب الانفال والغنائم.
111- كتاب الاسرى (الاسراء).
112- كتاب الامان.
113- كتاب الهدنة.
114- كتاب الجزية.
115- كتاب قتل اهل البغي.
116- كتاب الفي‏ء.
117- كتاب الخمس.
118- كتاب السرايا والجنود.
119- كتاب السبق والرمي.
120- كتاب الشهادات.
121- كتاب الصلح والمهاياة.
122- كتاب التدليس.
123- كتاب الجحد.
124- كتاب الدعاوى والبينات.
125- كتاب دعاوى الولد والقافة.
126- كتاب القرعة.
127- كتاب الاقرار والانكار.
128- كتاب القسمة.
129- كتاب القضاء وآدابه (ادبه).
كتب المواريث:
130- العول.
131- العصبة.
132- الرد.
133- الصلب.
134- الكلالة.
135- ذووا الارحام.
136- الوجوه المفردة.
137- الولاء.
138- ميراث المعتق بعضه.
139- ميراث الزوجات.
140- كتاب التعيش والتكسب.
141- كتاب احكام الاءرش.
ثانيا: كتاب الاحمدي للفقه المحمدي او المختصر الاحمدي في الفقه المحمدي: وقد ضبطه بالشكل الاول النجاشي والعلامة الحلي الذي صرح بوصول الكتاب اليه. وضبطه بالشكل الثاني الشيخ الطوسي. وتفرد السيد المرتضى فعبر عنه ب ( الفقه الاحمدي) ولعله من المسامحة في التعبير. والذي يرجع في النظر الضبط الثاني، لان ظاهر الشيخ الطوسي انه ينقل من نفس الفهرست الذي رتب فيه ابن الجنيد كتبه وبوبها. هذا اولا، وثانيا: تصريح السيد ابن طاووس والعلامة الحلي بانه اختصار لكتاب التهذيب السابق فكان الانسب ان يكون ذلك اسمه.
واما منهج الكتاب فقد ذكر الشيخ الطوسي انه في الفقه المجرد (غير الاستدلالي). الا ان المتتبع لارائه المنقولة في مختلف العلامة والسرائر والذكرى وغيرها من كتب الفقهاء يلاحظ انه في الفقه الاستدلالي.
هذا ، وقد وصل الكتاب الى زمن السيد ابن طاووس ا لمتوفى (664 هـ) حيث نقل عنه في الاقبال ويفهم من عبارته انه اكثر من جزء واحد لانه نقل عن الجزء الاول منه في بحث الصوم، ثم وصل الكتاب الى زمن المحقق المتوفى (676 هـ) والعلامة الحلي المتوفى(726هـ)، حيث ينقلان عنه في المعتبر والمختلف، والى الشهيد الاول وينقل عنه في الذكرى، والى الشيخ حسن المتوفى (1011هـ) في «المعالم‏» في الفقه. ثم لم يعلم بعد ذلك عن امره شيئا.
قال العلامة حول الكتاب: قد وقع الي من مصنفات هذا الشيخ المعظم الشان كتاب (الاحمدي في الفقه المحمدي) وهو مختصر هذا الكتاب اي كتاب تهذيب الشيعة وهو كتاب جيد يدل على فضل هذا الرجل وكماله، وبلوغه الغاية القصوى في الفقه وجودة نظره، وانا ذكرت خلافه واقواله في كتاب (مختلف الشيعة في احكام الشريعة).
ثالثاً: كتاب الاستنفار.
رابعاً: كتاب تبصرة العارف ونقد الزائف، في الفقه. ذكر فيه الاحتجاج للمذهب والرد على المخالفين فيه والانفصال من المعارضات التي يعارضون بها في الاحكام.
خامساً: كتاب رسالة البشارة والنذارة والاستنفار الى الجهاد. الصحيح هو البدارة او البدار، لانه يناسب المقام كمال المناسبة.
سادساً: كتاب المسح على الخفين. ولعله نفس ما تقدم في كتاب التهذيب.
سابعاً: كتاب مناسك الحج.
ثامناً: كتاب مفرد في النكاح.
تاسعاً: كتاب اشكال جملة المواريث.
عاشراً: كتاب فرض المسح على الرجلين.
حادي عشر: كتاب زكاة العروض.
ثاني عشر: الحاسم للشنعة في نكاح المتعة.
ثالث عشر: كتاب الانتصاف من ذوي الانحراف عن مذهب الاشراف في مواريث الاخلاف.
رابع عشر: مسالة في وجوب الغسل على المراة اذا انزلت ماءها في يقظة او نوم.
خامس عشر: كتاب حدائق القدس، في الاحكام التي اختارها لنفسه.
سادس عشر: كتاب الارتياع في تحريم الفقاع . وكان قد وصل الى الشيخ الطوسي ونقل عنه في رسالة تحريم الفقاع.
سابع عشر: كتاب الافصاح والايضاح للفرائض والمواريث.
ثامن عشر: له نحو الفي مسالة في نحو الفين وخمسمئة ورقة. جميعها او بعضها في الفقه. تاسع عشر: النصرة لاحكام العترة.
مؤلفاته في اصول الفقه:
1- الفسخ على من اجاز النسخ لما تم نفعه وجمل شرعه.
2- اظهار ما ستره اهل العناد من الرواية عن ائمة العترة في امر الاجتهاد.
3- كشف التمويه والالباس على اغمار الشيعة في امر القياس.
4- المسائل المصرية: انفرد بذكرها الشيخ المفيد في المسائل السروية واضاف: «انه جمعها وكتبها الى اهل مصر، وجعل الاخبار فيها ابوابا وظن انها مختلفة في معانيها، ونسب ذلك الى قول الائمة عليهم السلام فيها بالراي‏». اقول: ذكر النجاشي في ترجمة الشيخ المفيد: ان له (النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الراي ) كما ذكر ان له ايضا (رسالة الجنيدي الى اهل مصر).
مؤلفاته في الكلام:
1- كتاب التحرير والتقرير.
2- كتاب الالفة.
3- كتاب ازالة الران (في الفهرست: الداء) عن قلوب الاخوان، (واضاف الشيخ: في معنى كتاب الغيبة).
4- كتاب خلاص المبتدئين من حيرة المجادلين.
5- كتاب تنبيه الساهي بالعلم الالهي.
6- كتاب من شنع على الشيعة في امر القرآن، لعله رد على دعوى تحريف القرآن.
7- كتاب قدس الطور وينبوع النور في معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم.
8- كتاب الظلامة لفاطمة (عليهم السلام).
9- كتاب الاسفار، وهو الرد على المؤبدة (او المرتدة كما في فهرست ابن النديم والمعالم).
10- كتاب نقض ما نقضه الزجاجي النيشابوري على الفضل بن شاذان. ولعل من كتبه في الكلام ايضا:
11- كتاب نور اليقين وبصيرة العارفين، (وفي فهرست الشيخ: نوادر اليقين وتبصرة العارفين) ، (وفي فهرست ابن النديم: نور اليقين ونصرة العارفين).
12- كتاب الشهب المحرقة للاباليس المسترقة، يرد فيه على ابي القاسم بن البقال.
13- كتاب الذخيرة لاهل البصيرة.
تأليفه في علم الكتابة:
كتاب علم النجابة في علم الكتابة.
تأليفه في علم اللغة:
تفسح العرب في لغاتها واشاراتها الى مراداتها في معنى ما الاشارات الى ما ينكره العوام (في فهرست ابن النديم ، وفي المعالم يكره) وغيرهم من الاسلوب (في المعالم الاسباب).
تأليفه في الفهارس:
فهرست كتبه. صنفها هو بابا بابا و هو طويل كما وصفه الشيخ في الفهرست. وقد ذكر له فيه ايضا وكذا النجاشي في رجاله في مواضع عديدة روايته و اخباره بكتب جماعة من الرواة والمحدثين مما يدل على اطلاعه في هذا الفن. مؤلفات لم يعرف موضوعها:
1- كتاب اللطيف.
2- كتاب نثر طوبى.
3- كتاب التراقي الى اعلى المراقي.
4- كتاب الوعظ المشترط.
5- كتاب كشف الاسرار.
6- كتاب سبيل الفلاح (و في الفهرست: سبل الصلاح) لاءهل النجاح.
7- جوابات معز الدولة.
8- جوابات سبكتكين العجمي.
9- الايناس بائمة الناس.
10- كتاب استخراج المراد من مختلف الخطاب.
11- مسائل كثيرة.
12- حديث الشيعة، لعله في الحديث.
13- النوادر (انفرد بنقله في المعالم) ولعله في الحديث ايضا.
14- الافهام لاصول الاحكام، يجري مجرى رسائل الطبري لكتبه.
آراء علماء الطائفة في مصنفاته:
1- قال الشيخ النجاشي في حقه: «ابو علي الكاتب الاسكافي وجه في اصحابنا، ثقة، جليل القدر، صنف فاكثر». فقد دلت شهادته على (وجاهته) و(وثاقته) و(جلالة قدره) و(كثرة مصنفاته). ثم انه ذكر بعد ايراد كتبه ومؤلفاته : «وسمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه: انه كان يقول بالقياس. واخبرونا جميعا بالاجازة لهم بجميع كتبه ومصنفاته‏». و هذه الشهادة ايضا كاختها تدل على مكانة مصنفاته لدى الاصحاب والمشايخ وروايتهم لها بالاجازة طبقة بعد اخرى. والظاهر من مجموع كلامه توثيق جميع مصنفاته واعتمادها.
2- واثنى الشيخ الطوسي على طريقته في التصنيف فقال: «محمد بن احمد بن الجنيد، يكنى ابا علي، وكان جيد التصنيف حسنه، الا انه كان يرى القول بالقياس فتركت لذلك كتبه ولم يعول عليها». ويفهم من شهادة الشيخ المدح والثناء لكتبه وطريقته في التصنيف مع اخباره عن ترك كتبه وعدم التعويل عليها.
الا ان هذا الترك و الاهمال ليس على اطلاقه من جميع القدماء و لجميع كتبه، وتشهد لذلك عبارة النجاشي المتقدمة حيث ذكر عن شيوخه الثقات الرواية لها اي‏كتبه ومصنفاته بالاجازة، مع اعترافهم بقوله بالقياس ، مما يظهر في ان ذلك غير ضار بوثاقته وقيمة مصنفاته، بل ان النجاشي قد صرح بوثاقته في مبدا كلامه، ولمزيد اهتمامه بكتبه صرح بانه ذاكر في فهرست كتبه.
بل ان الشيخ نفسه من المعولين على ‏كتبه ونقله، حيث صرح في رجاله بانه ينقل عنه عن طريق جماعة لم يسمهم. ونقل عنه ايضا في رسالة تحريم الفقاع في مواضع، ونقل فيها ايضا عن رسالته المسماة بـ(الارتياع في تحريم الفقاع)، بل انه صرح في مقدمة ( الفهرست) بان كثيراً من مصنفي اصحابنا واصحاب الاصول، ينتحلون المذاهب الفاسدة وان‏كانت كتبهم معتمدة. وقد سبق الشيخ الطوسي في النقل من كتبه واعتمادها استاذه الشريف المرتضى، حيث نقل عنه في كتابه (الانتصار) وبعض رسائله.
3- ما اورده الشيخ المفيد في معرض كلامه عن عمل ابن الجنيد بالقياس حيث قال: «ولذلك اهمل جماعة من اصحابنا امره واطرحوه، ولم يلتفت احد منهم الى مصنف له ولا كلام‏». وكلامه صريح في اعتماد جماعة على كتبه و اهمال اخرى لها و نبذها. وقال ايضاً في المسائل السروية: «فاما كتب ابي علي بن الجنيد، فقد حشاها باحكام عمل فيها على الظن، واستعمل فيها مذهب المخالفين في القياس الرذل، فخلط بين المنقول عن الائمة عليهم السلام وبين ما قاله برايه‏».
4- ما تقدم عن قول ابن ادريس فيه: من انه صنف فاكثر، وانه من اجلة اصحابنا المتقدمين ورؤساء مشايخنا المصنفين.
5- ما تقدم ايضا عن العلامة في اطرائه على كتابه (المختصر الاحمدي) وانه جيد يدل على فضل الرجل وكماله و بلوغه الغاية في الفقه وجودة النظر. وكذا ما نقله عن السيد معد الموسوي في خصوص كتاب (التهذيب).
6- ما ذكره السيد بحر العلوم بعد تجليله الرجل حيث قال: واختلفوا في كتبه فمنهم من اسقطها ومنهم من اعتبرها.. واما المتاخرون من اصحابنا كالشهيدين والسيوري وابن فهد و الصيمري والمحقق الكركي وغيرهم فقد اطبقوا على اعتبار اقوال هذا الشيخ و الاستناد اليها في الخلاف والوفاق.
ولم اقف على من توقف في رعاية اقوال هذا الشيخ من المتاخرين الا صاحب (كشف الرموز) تلميذ المحقق ... الى ان قال: ان الصواب اعتبار اقوال ابن الجنيد ... وان ما ذهب اليه من امر القياس ونحوه لا يقتضي اسقاط كتبه ولا عدم التعويل عليها.
7- وقال القمي عنه: بانه جيد التصنيف.
الحصيلة:
يتلخص من نقل آراء العلماء في كتبه واعتبارها ما يلي:
اولاً: بالرغم من اختلاف القدماء في اعتبار تصانيفه، فان منهم من اخذ بها كالسيد المرتضى والنجاشي ومشايخه وابن ادريس، وهو الظاهر من الشيخ الطوسي.
ثانياً: ان اكثر المتاخرين على اعتبارها والاخذ بها والنقل عنها.
ثالثاً : ان اساس ترك البعض لكتبه كان عبارة عن عمله بالقياس. فاسقط البعض مصنفاته لذلك، فيما اخذ بها البعض مع اعترافهم بعمله بالقياس، وكان ذلك لايخدش بوثاقته، وهو الصحيح في المقام كما عليه عامة المتاخرين، اذ ان عمله بالقياس على فرض ثبوته كما سياتي الكلام حوله في العدد القادم في بعض المسائل التي لم يرد فيها نص خاص لايسقط كافة مصنفاته عن الاعتبار كما هو واضح. ومما يشهد لذلك ان بعض قدماء الطائفة انكروا العمل بخبر الاحاد اشد الانكار، وجعلوا بطلانه والقياس على حد واحد من الضرورات المسلمة في الدين ، بل ان البعض منهم جعلها من المحالات العقلية واستدل عليه،كما يعلم ذلك من راجع كلام الشريف المرتضى وابن ادريس، بل بالغ الثاني في رده وانكاره حتى قال: «فهل هدم الاسلام الا هي‏» ، ومع ذلك نجدهم ينقلون وياخذون عن كتب من يرى حجيتها كالشيخ الطوسي وغيره ممن نقل عنه ذلك.
لم تحدد كتب التراجم والرجال مشايخ فقيهنا الاسكافي، وكذا الحال بالنسبة لتلامذته والراوين عنه، وانما ظفرنا باسماء البعض منهم من خلال البحث في كتب الفقه والرجال، فعثرنا على مجموعة ممن ياخذ عنهم او ياخذون منه. ونبدا الحديث بسرد اسماء المجموعة الاولى وهم مشايخه واساتذته:
مشايخه:
1 - العاصمي، احمد بن محمد بن عاصم ابو عبداللّه، وهو ابن اخي علي ابن عاصم المحدث.
ذكر الشيخ في رجاله -في من لم يرو عنهم عليهم ‏السلام انه روى عنه ابن الجنيد وابن داود، وفي الفهرست نقل تصريح ابن الجنيد بروايته عن العاصمي.
2 - حميد بن زياد بن حماد الدهقان، (المتوفى سنة 310هـ)، كوفي، سكن سوراً.
قال فيه النجاشي: «كان ثقة، واقفاً، وجهاً فيهم‏»، ونقل عنه في ترجمة الحسن بن ايوب قال: «قال ابن الجنيد: حدثنا حميد بن زياد قال: حدثنا محمد بن عبداللّه بن غالب، عن الحسن بن ايوب‏».
3 - الشلمغاني، محمد بن علي بن ابي العزاقر، (المتوفى سنة 322هـ).
قال عنه النجاشي: «كان متقدما في اصحابنا، فحمله الحسد لابي القاسم الحسين ابن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الرديئة، حتى خرجت فيه توقيعات، فاخذه السلطان وقتله وصلبه‏».
وقد ذكر الحجة السيد حسن الصدر انه روى عنه في ايام استقامته، الا ان الشيخ روى عنه في الغيبة ما يؤكد النقل عنه حتى بعد انحرافه، قال الشيخ: «وذكر ابو محمد هارون بن موسى قال: قال لي ابو علي بن الجنيد: قال لي ابو جعفر محمد بن علي الشلمغاني: ما دخلنا مع ابي القاسم الحسين ابن روح‏2 في هذا الامر الا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، لقد كنا نتهارش على هذا الامر كما تتهارش الكلاب على الجيف...».
4 - عبد الواحد بن عبد اللّه بن يونس، (المتوفى سنة 326هـ).
ذكر النجاشي انه روى عنه، قال في ترجمة حنان بن سدير انه روى عن ابي عبداللّه وابي‏ الحسن عليهما السلام، ثم قال: «اخبرنا شيخنا ابو عبداللّه، عن محمد ابن احمد بن الجنيد قال: حدثنا عبدالواحد بن عبداللّه بن يونس قال: حدثنا محمد بن احمد ابن يعقوب بن اسحاق بن عمار قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال قال: حدثني اسماعيل بن مهران، عن حنان بن سدير، عن ابي عبداللّه عليه السلام».
5 - محمد بن علي بن معمر الكوفي.
سمع منه التلعكبري سنة (329هـ) كما في رجال الشيخ، وقد اورد النجاشي في رجاله في ترجمة «صبيح الصائغ‏» ان ابن الجنيد حدث عن محمد بن معمر عن محمد بن بكر بن جناح بكتابه -اي كتاب صبيح‏ ولم نعثر لابن الجنيد على رواية‏ الحديث عن ابن معمر ، الا انه غير مستبعد -كما وجدناه في مجموعة ممن سبق ذكرهم من مشايخه حيث انه يروي عنهم تارة او ينقل عنهم كتابا لراو ما تارة اخرى، على ان طبيعة الامور تقتضي ذلك ايضاً، اذ من المستبعد انه نقل عن ابن معمر خصوص هذا المورد حسب ولم ينقل عنه ما عداه.
6 - ابو عثمان بن عثمان بن احمد الذهبي.
ذكره الشيخ في رسالة تحريم الفقاع.
تنبيه: ذكر العلامة الكاظمي في مشتركاته ان ابن الجنيد يروي عن المحدث والرجالي الشهير احمد بن محمد بن عقدة الهمداني (المتوفى سنة 332 او 333هـ)، وقد نقل عنه ذلك المامقاني والبروجردي في طرائف المقال من دون اعتراض، وهو وهم، والمنشا فيه ما ذكره الشيخ في ترجمة ابن عقدة بعد ايراد اسمه ونسبه انه اخبره بذلك احمد بن عبدون عن محمد بن احمد بن الجنيد، وهو اعم من روايته عنه كما افاده المحقق التستري، وان كان ممكنا في ذاته، لمعاصرة احدهما الاخر، الا انه لا مثبت له، اذ لم تذكر كتب الرجال والحديث ذلك اصلا.
تلامذته والرواة عنه:
1 - الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، (المتوفى سنة 413هـ).ذكر ذلك الشيخ في الفهرست والرسائل العشر.
2 - الحسين بن عبيد اللّه الغضائري، (المتوفى سنة 411هـ).نص عليه النجاشي في مواضع من كتابه، وورد ايضا في الرسائل العشر للشيخ الطوسي.
3 - احمد بن عبدالواحد بن عبدون.ذكره الشيخ في مواضع من الفهرست.
4 - الرجالي الكبير ابو العباس احمد بن علي النجاشي، (المتوفى سنة 450هـ).حيث روى عن شيوخه: الحسين بن عبيد اللّه الغضائري، والشيخ المفيد، وسائر مشايخه الثقات المجاز عنهم رواية كتب ابن الجنيد ومصنفاته، كما صرح به النجاشي.
5 - جميع مشايخ النجاشي الذين اجازهم ابن الجنيد، واجازوا النجاشي رواية مصنفاته.
6 - الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، (المتوفى سنة 460هـ). ينقل عنه بواسطة واحدة. عن ابن عبدون والشيخ المفيد كما في الفهرست، وعن جماعة -لم يحددهم‏كما في الرجال .
7 - الشيخ الاجل هارون بن موسى التلعكبري.
حيث اورد الشيخ في «الغيبة‏» عنه، كما تقدم نقله عند الحديث عن ابن ابي العزاقر الشلمغاني.
ابن الجنيد والقول بالقياس:
لا يختلف اثنان في ان الفقه المذهبي الذي تاسس رسمياً بظهور المذاهب الاربعة في القرن الثاني، قد حمل معه معالم خاصة تميزت على ضوئها مدارس المسلمين الفقهية، فكان من الطبيعي ان تستقل كل مدرسة باتجاهها ومنحاها الخاص بها، فمدرسة العراق كان العمل بالراي والقياس هو المعلم البارز فيها، فيما كان العمل بالحديث هو المعلم الاساس لمدرسة الحجاز.
واما مدرسة اهل البيت عليهم‏ السلام -والتي تمثلت وقتئذ في الامامين الباقرين عليهم السلام اللذين عاصرا ظهور الفقه المذهبي ومدارسه فقد كان لها شان اخر تجاه ذلك الوضع، اذ شيدت موقفها على رفض القياس والراي، وسعت الى تاصيل وتجذير هذا الموقف كركن مهم من اركان المدرسة في نفوس اتباعها من الفقهاء والرواة، معتمدة في ذلك اسلوبين اساسيين:
الاول: اسلوب الرفض العملي للقياس في مقام بيان الاحكام الشرعية وتحديد مداركها، بمعنى ان ائمة اهل البيت عليهم‏السلام لم يعولوا على القياس كمصدر من مصادر التشريع في مجال التطبيق.
الثاني: رفض القياس واقصاؤه عن دائرة الفقه والاستدلال من خلال ما ورد عنهم عليهم‏ السلام من التحذير والردع عن العمل بالقياس باشد انحاء الردع، حتى قيل: ان الاحاديث في ذمه قد بلغت الخمسمئة حديث.
وبذلك فقد كان لمدرسة اهل البيت عليهم ‏السلام موقف معلن وصريح تجاه القياس، تنقطع معه كل اسباب الشبهة والالتباس.
وتاسيساً على ذلك، فكيف يقع لفقيه لامع كابن الجنيد ان ياخذ بالقياس -كما نسب له ويجعله مصدراً له من مصادر الاجتهاد والافتاء، سيما بعد اتضاح معالم التشيع طوال الفترة ما بين عصر الباقرين عليهما السلام الى زمن الغيبة الصغرى؟! وقد وجدت عدة محاولات للاجابة على ذلك، وقبل التعرض لتلك المحاولات نشير الى اهم واقدم النصوص الدالة على عمله بالقياس، وهي كالاتي:
1 - ما ذكره معاصره وتلميذه الشيخ المفيد (المتوفى سنة 413هـ) -ويعتبر اهم هذه النصوص واقدمها حين اجاب فيه على بعض مشايخ الاحناف بنيسابور لما ادعى وصول ابن الجنيد اليها وقوله بالقياس . قال(قدس ‏سره): «فاما قوله بالقياس في الاحكام الشرعية واختياره مذاهب لابي حنيفة وغيره من فقهاء العامة لم يات بها اثر عن الصادقين عليهما السلام، فقد كنا ننكره عليه غاية الانكار، ولذلك اهمل جماعة من اصحابنا امره واطرحوه ولم يلتفت احد منهم الى مصنف له ولا كلام.
واجاب المفيد على ما ذكره الشخص المذكور من محاورة جرت بينه وبين ابن الجنيد في امر القياس فقال: «مع انه لو كان الجنيدي قد قال بما حكيت عنه ولم يرد فيه ولم ينقض فهو من جنس ما كنا ننكر عليه من الهذيان، وليس علينا عهدته في غلطه، لما قد بينا خطاه وزايلناه‏».
2 - ما ذكره الشيخ المفيد ايضا في المسائل السروية حيث قال: «فاما كتب ابي علي بن الجنيد فقد حشاها باحكام عمل فيها على الظن، واستعمل فيها مذهب المخالفين في القياس الرذل، فخلط بين المنقول عن الائمة عليهم‏ السلام وبين ما قاله برايه، ولم يفرد احد الصنفين من الاخر».
3 - ما ذكره الشيخ النجاشي بعد ايراد فهرست كتبه، قال: «وسمعت‏شيوخنا الثقات يقولون عنه: انه كان يقول بالقياس‏».
4 - ما تقدم نقله عن الشيخ الطوسي: «انه كان يرى القول بالقياس، فتركت لذلك كتبه ولم يعول عليها».
5 - كتبه التي كتبها في الدفاع عن القياس كما هو ظاهر الحال من عناوينها، مثل: «كشف التمويه والالتباس على اغمار الشيعة في امر القياس‏».
6 - ما ذكره الشيخ الحنفي السابق ذكره من ان ابن الجنيد -بعد محاورة جرت بينهما قد تشاغل بالثناء على اصحابنا القائسين وقال: «فلاجل قولكم بمثل هذا المقال على اصحابي قلت بالقياس، وخالفت اصحابي كلهم في اعتقادهم فيه‏». قال الشيخ الحنفي: فضحكت من تبرئه الي، ومصانعته لي، وحمدت اللّه على ما اولى.
وقال ايضاً في موضع اخر: وقايسته -اي ابن الجنيد فوجدته من اجهل الناس، وابعدهم عن طريق العلم، وتقرب الي بوفاق ابي حنيفة في مسائل وبالقول بالقياس في الاحكام والراي، ولم يكن يحسن من ذلك كله شيئا».
ولئن كان الناقل المذكور قد انفرد بنقله لكان متهما به، ولكن ما سبق نقله يعضد كلامه ويؤيده.
وهذه الادلة هي في غاية الوضوح في الدلالة على المقصود، وقد عول متاخرو علماء الرجال والتراجم -سيما النجاشي والطوسي في نسبة القياس له.
واما المحاولات والاجابات على النسبة المذكورة فهي:
المحاولة الاولى:
وهي لجمع من الاعلام كالسيد بحرالعلوم الطباطبائي والعلامة المامقاني والشيخ ابي علي الحائري والسيد الخوئي.
واليك عبارة الاول من هؤلاء الاعلام في تقرير هذه المحاولة وبيانها، اذ بالغ اكثر من غيره ببيان طويل في معالجة الموضوع ودراسته فقال(قدس ‏سره): والوجه في الجمع بين ذلك وبين ما نراه من اتفاق الاصحاب على جلالته وموالاته وعدم قطع العصمة بينهم وبينه حمله على الشبهة المحتملة في ذلك الوقت لعدم بلوغ الامر فيه الى حد الضرورة، فان المسائل قد تختلف وضوحا وخفاء باختلاف الازمنة والاوقات، فكم من امر جلي ظاهر عند القدماء قد اعتراه الخفاء في زماننا لبعد العهد وضياع الادلة، وكم من شي‏ء خفي في ذلك الزمان قد اكتسى ثوب الوضوح والجلاء باجتماع الادلة المنتشرة في الصدر الاول او تجدد الاجماع عليه في الزمان المتاخر. ولعل امر القياس من هذا القبيل، فقد ذكر السيد المرتضى في مسالة له في اخبار الاحاد انه قد كان في رواتنا ونقلة احاديثنا من يقول بالقياس كالفضل بن شاذان ويونس بن عبدالرحمان وجماعة معروفين. وفي كلام الصدوق ‏رحمه ‏اللّه في الفقيه ما يشير الى ذلك حيث قال في باب ميراث الابوين مع ولد الولد: «وقال الفضل بن شاذان بخلاف قولنا في هذه المسالة ... وهذا مما زلت به قدمه عن الطريقة، وهذا سبيل من يقيس‏».
ثم ايد ما افاد فقال: «ومما يدل على ما قلناه من قيام الشبهة التي يعذر بها ابن الجنيد في هذه المقالة -مضافا الى اتفاق الاصحاب على عدم خروجه بها من المذهب واطباقهم على جلالته وتوثيقهم وتصريحهم بتوثيقه وعدالته ان هذا الشيخ كان في ايام معز الدولة من ال بويه وزير الطائع من الخلفاء العباسية، وكان المعز امامياً عالماً، وكان امر الشيعة في ايامه ظاهرا معلنا، حتى انه كان قد الزم اهل بغداد بالنوح والبكاء واقامة الماتم على الحسين عليه السلام يوم عاشوراء في السكك والاسواق، وبالتهنئة والسرور يوم الغدير ... فكيف يتصور من ابن الجنيد في مثل ذلك الوقت ان ينكر ضروريا من ضروريات المذهب، ويصنف في ذلك كتابا يبطل فيه ما هو معلوم عند جميع الشيعة، ولا يكتفي بذلك حتى يسمي من خالفه فيه «اغمارا وجهالا»، ومع ذلك فسلطانهم مع علمه وفضله يساله ويكاتبه ويعظمه؟! ولولا قيام الشبهة والعذر في مثله لامتنع مثله بحسب العادة... فظهر: ان خطاه في امر القياس وغيره في ذلك الوقت كان كالخطا في مسائل الفروع التي يعذر فيها المخطئ ولا يخرج به عن المذهب‏».
ومحصل المحاولة المذكورة هو كون فكرة القياس في تلك الفترة من المسائل الفرعية والاجتهادية التي قد يخطا فيها الفقيه كما يخطا في غيرها، ولم تكن في طبيعتها ترقى الى حد الضرورة المذهبية، كما هو الامر في مفهوم العصمة او الامامة مثلا.
المناقشة:
ان فكرة القياس كمبدأ اساسي من مبادئ الاجتهاد قد تحركت في واقع الممارسة الفقهية لدى البعض بكل فاعلية وزخم في النصف الاول من القرن الثاني، وذلك على يد ابي حنيفة النعمان بن ثابت (المتوفى سنة 150هـ) مؤسس المذهب الحنفي، وقد تصدى الامام الصادق عليه السلام في تلك الاونة لابطال هذا المبدا، واقصائه عن دائرة الاجتهاد والافتاء، كما انه نبه الى خطره على الدين والشريعة باحاديث قلما نجد لها نظيرا في شدة لحنها وقوة ردعها، وله عليه السلام في هذا المضمار مناظرات جرت مع ابي حنيفة اثبت له خواء هذه الفكرة وعدم جدواها في ضوء الواقع الفقهي.
وقد كان هذا الموقف من قبل ائمة اهل البيت عليهم ‏السلام صريحاً ومشهوراً لدى العام والخاص، ولا يكاد يخفى على ادنى من يتعاطى امر الفقه والحديث، وهكذا كان الامر يزداد وضوحاً وجلاء كلما تقادمت الاعوام حتى شكل امر القياس معلما بارزا تتميز به مدرسة اهل البيت عليهم ‏السلام.
وفي ضوء ذلك فلا يمكن تصحيح الفرضية التي قامت عليها المحاولة المزبورة من عدم وصول الامر في ذلك الى حد الضرورة، سيما وان الفترة التي برز فيها نشاط ابن الجنيد هي النصف الاول من القرن الرابع، مما يعني مرور فترة كافية لترسيخ موقف اهل البيت عليهم ‏السلام من القياس في اذهان المتربين في مدرستهم، ومن ثم تحويل ذلك الموقف الى ضرورة يعرفها اصاغر اتباعهم فضلا عن اجلائهم وفقهائهم.
وقد افصح السيد المرتضى علم الهدى عن هذه الحقيقة واشار اليها في معرض كلامه عن القياس واخبار الاحاد فقال: «ان اصحابنا كلهم سلفهم وخلفهم ومتقدمهم ومتاخرهم يمنعون من العمل باخبار الاحاد ومن القياس في الشريعة، ويعيبون اشد عيب الذاهب اليهما والمتعلق في الشريعة بهما، حتى صار هذا المذهب لظهوره وانتشاره معلوما ضرورة منهم وغير مشكوك فيه من المذاهب‏».
وفي العدة دعوى اجماع الطائفة المحقة على ذلك قال: «وهو اقوى ما اعتمد في ذلك‏».
بل ان ابطال القياس بلغ عند جماعة منا -كما افاده السيد المرتضى الى حد دعوى الاستحالة من جهة العقل.
هذا، وان مما يدعم كون المسالة من المسائل المسلم بطلانها اعراض جمهور قدماء الاصحاب عن كتبه كما سمعت من كلماتهم الانفة، فلو كانت المسالة اجتهادية لما استحق هذا الاعراض الواسع، ولكان الشان فيها كباقي المسائل الفرعية التي يكثر فيها الخلاف ولا تؤدي الى اعراض بعضهم عن بعض واسقاط كتبه عن الاعتبار.
ثانيا: على فرض تسليم الفرضية التي ابتنت عليها المحاولة من كون المسالة اجتهادية وانها لم تبلغ حد الضرورة الا ان هذا الدفاع ايضا لا يجدي شيئاً، اذ المسالة مما ورد فيها النص القطعي ولم تكن مسكوتاً عنها من قبل الائمة عليهم ‏السلام، كما انها لم تكن مثار الخلاف والجدل في لسان الاخبار واقوال الفقهاء ليقال انه استند لروايات معارضة لما ورد من ذم القياس والنهي عنه، وعليه فلا يمكن خفاء مثل هذه الاحاديث الرادعة على متفقه فضلا عن فقيه، فيكون الاجتهاد فيها على غير وجهه الصحيح، لانه اجتهاد في مقابل النص.
واما ما ايد به كلامه من ان ابن الجنيد كان معاصراً لمعز الدولة وقد كان اماميا عالما، فلو كان بطلان القياس بتلك الدرجة من الوضوح والضرورة لاقتضى معاملته من قبل هذا السلطان بغير ما نقل عنه من اجلاله وتعظيمه، فالجواب عليه:
اولا: ان الاخذ بالقياس او رفضه شان علمي يعرفه الفقهاء ويهمهم امره كما مر نقله عن الشيخ المفيد والطوسي والنجاشي، ولذا قد يخفى مثله على معز الدولة -الذي عرف باحترامه لعلماء الشيعة سيما الشيخ المفيد ولم ينقل عنه انه كان من العلماء، وحتى على فرض علمه به فانه قد يكون ترك الخوض في ذلك لمصالح اقتضت السكوت.
ثانيا: ان ابن الجنيد حتى مع تسليم كونه يعمل بالقياس فانه معدود في زمرة علماء الامامية وفقهائها كما طفحت به عباراتهم واراؤهم السالف ذكرها، وعليه فان مكاتبة معز الدولة له قد تاتي في هذا السياق ومن هذا المنظار.
المحاولة الثانية:
ما ذكره السيد السيستاني في كتابه «الرافد الى علم الاصول‏» على نحو الاحتمال فقال: «ان نسبة العمل بالقياس لابن الجنيد وردت في عدة كتب، ولكننا نحتمل ان تكون النسبة في غير محلها بمقتضى تتبعنا لاستعمال كلمة القياس، فلعل المراد بهذه الكلمة هو ما نعبر عنه بالموافقة الروحية للكتاب والسنة.
بيان ذلك: ان معظم الاصوليين المتاخرين فسروا الاحاديث الامرة بعرض الخبر على الكتاب والسنة نحو: «ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف فذروه‏» بالموافقة والمخالفة النصية، بمعنى ان يعرض الخبر على اية قرانية معينة، فان كانت النسبة بينهما هي التباين او العموم من وجه طرح الخبر، وان كانت النسبة هي التساوي او العموم المطلق اخذ.
ولكننا نفهم ان المراد بالموافقة الموافقة الروحية، اي توافق مضمون الحديث مع الاصول الاسلامية العامة المستفادة من الكتاب والسنة، فاذا كان الخبر مثلا ظاهره الجبر فهو مرفوض، لمخالفته قاعدة الامر بين الامرين المستفادة من الكتاب والسنة بدون مقارنته مع اية معينة، وهذا المفهوم الذي نطرحه هو الذي يعبر عنه علماء الحديث المتاخرون بالنقد الداخلي للخبر، اي مقارنة مضمونه مع الاصول العامة والاهداف الاسلامية، وهو المعبر عنه في النصوص بالقياس، نحو: «فقسه على كتاب اللّه».
اذن، فمن المحتمل كون المراد من عمل ابن الجنيد بالقياس هو كونه من المدرسة المتشددة في قبول الحديث التي تلتزم بنظرية النقد الداخلي للحديث والموافقة الروحية فيه للكتاب والسنة، في مقابل مدرسة المحدثين التي تعتقد بقطعية صدور اكثر الاحاديث دون مقارنتها مع الاصول الاسلامية‏».
المناقشة:
اولا: انا لا ننكر اشتراك لفظة القياس بين معناه الاصطلاحي وبين المعنى المذكور في قوله عليه السلام «فقسه على كتاب اللّه» الذي هو بمعنى العرض، الا ان المتامل في كلمات من نسب اليه العمل بالقياس كالشيخ المفيد والطوسي والنجاشي يجزم -لصراحتها بعدم ارادة المعنى الثاني من كلامهم، والا لو كان المراد ذلك لما استوجب الذم والمقاطعة لارائه وكتبه، فان الرجوع لكتاب اللّه وعرض الحديث وقياسه عليه باي معنى فسرناه مما لا ينبغي فيه التوقف او الاشكال.
ثانيا: ان من المستبعد تبلور فكرة النقد الداخلي للحديث عند القدماء، ولا شاهد له في كتبهم واستنباطاتهم، وانما تبلورت هذه الافكار تزامنا مع تطور واتساع علمي الحديث والاصول.
المحاولة الثالثة:
ان ابن الجنيد لم يكن يعمل بالقياس، وذلك لامكان ان يكون رميهم له بالقياس لاستدلاله في كتابه الكبير بطريق الامامية وطريق مخالفيهم. ويشير اليه قول الشيخ في العدة -وان لم يصرح باسمه عند محاولة الاستدلال بعمل الطائفة على اخبار الاحاد الذي يكشف عن ذلك انه لما كان العمل بالقياس محظوراً في الشريعة عندهم لم يعملوا به اصلاً، واذا شذ واحد منهم عمل به في بعض المسائل على وجه المحاجة لخصمه وان لم يعلم اعتقاده ردوا قوله وانكروا عليه وتبراوا من قوله.
ثم استشهد صاحب المحاولة لرايه وعدم تمامية النسبة بان من جملة كتبه كتاب كشف التمويه والالتباس على اغمار الشيعة في امر القياس.
وقد ذهب الى هذا التفسير الشيخ ابو علي الحائري والسيد الخوانساري، واحتمله السيد بحر العلوم الطباطبائي، ولكنه عدل عنه وضعفه كما نقل عنه ذلك العلامة المامقاني.
وهذه المحاولة هي اقرب من سابقتيها للواقع، وذلك لارتكازها على تبرير موضوعي ومنشا ما في معالجة المشكلة، وهذا التبرير الموضوعي يتلخص في طبيعة كتابه «تهذيب الشيعة الى احكام الشريعة‏» الذي يستعرض فيه الاراء والاتجاهات المخالفة في كل مسالة -كما تقدم نقله سابقا عند الحديث عن هذا الكتاب ويستدل لها بما تقتضيه طريقتهم من قياس او غيره مما لا نقره ولا نعمل به، الامر الذي اوجب ايهام البعض فحملوه على العمل بالقياس.
ولكن هذا التفسير لوحظ عليه ايضا:
اولا: بانه كالاجتهاد في قبال تنصيص كثير من اجلاء الاصحاب، قال الشيخ المفيد رحمه ‏اللّه: «فاما كتب ابي علي فقد حشاها باحكام عمل فيها على الظن، واستعمل فيها مذهب المخالفين في القياس الرذل‏».
وثانيا: ان الوهم قد يحصل لواحد او اثنين او لجماعة اذا كانوا يستندون الى مصدر واحد، ولكن من المستبعد وقوعه لجماعة كمشايخ النجاشي والشيخ المفيد، هذا مع توفر كتبه وتداولها بين ايديهم مما يعطي فرصة اكبر للتامل والامعان فيها.
المحاولة الرابعة:
وتبتني على احتمال انه كان يرى صحة الاستناد في مقام الافتاء الى ما يسمى بـ’«وحدة المناط او وحدة الملاك والغاء الخصوصية‏»، وهو في الحقيقة لون من القياس كقياس الاولوية ومنصوص العلة، وجميعها مقبول من زاوية اصولية.
اقول: ومما يؤيد هذه المحاولة راي ذهب اليه ابن الجنيد في باب الشفعة، حيث ذهب -خلافاً للمشهور الى ثبوت الشفعة للشريك، سواء انتقلت اليه ببيع او غيره من المعاوضات كالصلح والاجارة والهبة، والمشهور على انها لا تثبت الا بالبيع.
واحتج ابن الجنيد لذلك: «بان الحكمة الباعثة لايجاب الشفعة في صورة البيع موجودة في غيره من عقود المعاملات، فلا اعتبار في خصوصية العقود في ذلك في نظر الشرع، فاما ان يثبت الحكم في الجميع او ينتفي عن الجميع، فاثباته عن البعض دون بعض ترجيح من غير مرجح‏».
ولكن يلاحظ على ذلك: بان المدار في الاستناد الى وحدة المناط حصول القطع به دون الظن، والا عاد الامر ودخل في ربقة القياس المذموم، وهذا اللون من وحدة المناط القطعي نادر الاتفاق جدا على ما صرح به الاعاظم، لتعسر احراز المناط قطعا من الخارج.
وعلى ضوء ذلك فان نسبته الى القياس وترك كتبه واعراض مشهور القدماء عنه يفقد مبرره، اذ ان مثل هذا الاستعمال النادر لوحدة المناط -الذي حسبه البعض قياساً لا يقتضي مثل هذا التقاطع والنفرة والجفاء لفقهه واسقاط كتبه، على ان عبارة الشيخ المفيد دالة بوضوح على وصف كتبه بانها مشحونة بالعمل بالظن والقياس. على ان مجموعة من فتاواه «القياسية‏» التي سننقل بعضها لا تستند الى مسالة وحدة المناط والغاء الخصوصية وانما ظاهرها الاستناد الى القياس.
وعلى كل حال، فان هذه المحاولة تفسير جيد للجمع بين كلمات الاعلام، اذ يقوى في النفس كون كلام الشيخ في العدة ناظرا الى موقف الاصحاب من ابن الجنيد لولا صراحة كلام مثل الشيخ المفيد -وغيره من الشواهد في دعوى العمل بالقياس.
هذا كله اذا درسنا المسالة من زاوية كلام الاعلام اشكالاً ودفاعاً، واما لو نظرنا اليها من زاوية فقهه وارائه فانا قد نجد مؤشرات متضادة ايضا، منها ما يدل على عدم عمله او اعتقاده بالقياس، ومنها ما هو بعكسها.
فمن الاول: ما ورد عنه في باب القضاء حيث قال: «لا باس ان يشاور الحاكم غيره فيما اشتبه عليه من الاحكام، فان خبروه بنص او اجماع او سنة خفي عليه عمل به‏».
اذ لم يعد القياس في جملة الادلة، في حين ان العامة اضافت القياس في هذه المسالة على ما نقله عنهم شيخ الطائفة في المبسوط.
ومن الثاني: عبارة عن مجموعة فتاوى يشم منها بدوا رائحة القياس ننقلها بالنص من كلام العلامة الحلي مع تعليقاته عليها:«المشهور انه بعد نفض يديه يمسح وجهه الى طرف الانف بكفيه معا.
وقال ابن الجنيد: فاذا حصل الصعيد براحتيه مسح بيمينه وجهه.لنا: ما تقدم من الاحاديث الدالة على المسح بكفيه.احتج: بان الوضوء يغسل باليمنى فكذا التيمم يمسح بها.والجواب: القياس اذا لم ينص فيه على العلة لم يجز الاحتجاج به.وعند باقي علمائنا انه لا يجوز مطلقا».
2 - «المشهور عندنا طهارة المذي، ذهب اليه الشيخان والسيد المرتضى وابن بابويه وجمهور علمائنا.
وقال ابن الجنيد: ما كان من المذي ناقضاً طهارة الانسان غسل منه الثوب والجسد، ولو غسل من جميعه كان احوط. وجعل المذي الناقض ما خرج عقيب شهوة لا ما كان من الخلقة، والصحيح ما تقدم.لنا: الاجماع من الامامية على طهارته، وخلاف ابن الجنيد غير معتد به، فان الشيخ ‏رحمه‏ اللّه لما ذكره في كتاب فهرست الرجال واثنى عليه قال: الا ان اصحابنا تركوا خلافه لانه كان يقول بالقياس. احتج ابن الجنيد: بما رواه الحسين بن ابي العلا ... ولانه خارج من احد السبيلين، فكان نجسا كالبول.والجواب: بالفرق بين بما افترق به الاصل والفرع والا اتحدا، وهو ينافي القياس، على ان القياس عندنا باطل‏».
3 - «المشهور انه لا شفعة الا اذا انتقلت الحصة بالبيع، ولو انتقلت بغيره من المعاوضات كالصلح والاجارة والهبة بعوض وغيره... وقال ابن الجنيد: اذا زال ملك الشريك عنه بهبة منه بعوض شرط بعوضه اياه او غير عوض كانت للشفيع شفعة فيه ... احتج ابن الجنيد: بان الحكمة الباقية لايجاب الشفعة في صورة البيع موجودة في غيره من عقود المعاملات، والاعتبار في خصوصية العقود في ذلك في نظر الشرع، فاما ان يثبت الحكم في الجميع او ينتفي عن الجميع، فاثباته عن البعض دون بعض ترجيح عن غير مرجح.والجواب ... ان القياس عندنا باطل‏».
4 - «اذا وقف على اولاده ولم يفضل بعضا على بعض فيتساوى الذكور والاناث فيه عند اكثر علمائنا.
وقال ابن الجنيد: يكون للذكر مثل حظ الانثيين، وكذا لو قال: لورثتي.
لنا: الاصل يقتضي التسوية، فلا يجوز العدول عنه الا بدليل، كما لو اقر لهم او اوصى لهم.
احتج ابن الجنيد: بالحمل على الميراث.والجواب: القياس عندنا باطل مع ثبوت الجامع، فكيف مع عدمه وثبوت الفارق؟!».
5 - «المشهور ان الدين المؤجل لا يحل على المفلس بالافلاس.وقال ابن الجنيد: انه يحل.
وكذا لا يحل الدين الذي له اذا كان مؤجلاً بافلاسه.وقال ابن الجنيد: انه يحل ايضاً.لنا: الاصل بقاء ما كان على ما كان عليه.احتج: بالقياس على الدين على الميت وله.والجواب: الفرق في الاول، لتضرر الورثة لو منعوا من التصرف وصاحب الدين لو لم يمنعوا، بخلاف المفلس.
ونمنع الحكم الثاني في الميت‏».
ومما يجدر الالتفات اليه هو ان هذه الموارد -التي ذكرناها من مجموع فقهه مضافا الى امكان المناقشة في بعضها تعتبر ضئيلة في نفسها اذا ما قسناها بفقه من يقيس، مما يقوي في النفس احتمال ان يكون لابن الجنيد فهم وتصور اخر عن القياس غير المعنى المشهور له.
دور ابن الجنيد في تطوير حركة الاجتهاد:
ليس بامكان اي باحث في تاريخ الفقه ومراحل تطوره ان يغفل الدور الحساس للفقيه الاسكافي في تدشين منهج جديد لطريقة البحث الفقهي، فهو ثاني شخصية علمية -من بعد ابن ابي عقيل العماني تتجاوز المنهج المعتمد لدى الطائفة طيلة ثلاثة قرون متوالية.
لقد حاول الاسكافي من خلال مصنفاته الفقهية الواسعة ان يحقق نقلة جوهرية في الفقه شكلا ومضمونا. ويمكن رسم الملامح العامة لذلك فيما يلي:
اولا: تاسيس الفقه التفريعي:
لم تعهد مدرسة بغداد فقيها سبق الفقيه الاسكافي في الدعوة للفقه التفريعي وترك الفقه المنصوص. وكانه اراد لعلم الفقه ان يخرج من ربقة النص وانحصاره في مجموعة قضايا منصوصة الى حيث القدرة على التفريع وفرض المسائل وتكثيرها.
يقول الامام الشهيد الصدر(قدس ‏سره) في دراسته لطبيعة تلك المرحلة وتحديد بدايات طرح الفقه التفريعي: «ويجب ان لا نفهم من النصوص المتقدمة التي كتبها الشيخ الطوسي ان نقل الفكر الفقهي من دور الاقتصار على اصول المسائل والجمود على صيغ الروايات الى دور التفريع وتطبيق القواعد قد تم على يد الشيخ فجاة وبدون سابق اعداد، بل الواقع ان التطور الذي انجزه الشيخ في الفكر الفقهي كان له بذوره التي وضعها قبله استاذاه السيد المرتضى والشيخ المفيد، وقبلهما ابن ابي عقيل وابن الجنيد كما اشرنا سابقا، وكان لتلك البذور اهميتها من الناحية العلمية، حتى نقل عن ابي جعفر ابن معد الموسوي -وهو متاخر عن الشيخ الطوسي انه وقف على كتاب ابن الجنيد الفقهي، واسمه التهذيب، فذكر انه لم ير لاحد من الطائفة كتابا اجود منه، ولا ابلغ ولا احسن عبارة ولا ارق معنى منه، وقد استوفى فيه الفروع والاصول، وذكر الخلاف في المسائل، واستدل بطريقة الامامية وطريقة مخالفيهم. فهذه الشهادة تدل على قيمة البذور التي نمت‏حتى اتت اكلها على يد الطوسي‏».
ثم ذكر ان «كتاب المبسوط لم يكن الا تجسيدا للتوسع والتكامل للفكر الفقهي الذي كان قد بدا بالتوسع والنمو والتفريع على يد ابن الجنيد».
وقد كان المعتمد له في انطلاقته التجديدية هذه ركيزتان:
1 - التوسعة في ادلة الحكم الشرعي وادوات الاستنباط بما يشمل الدليل العقلي والاجماع والاصول العملية، على ما سنبينه لاحقا.
2 - مسلكه في حجية خبر الواحد.
ولا شك في ان هذين العاملين يضاعفان من قدرة الفقيه على الاستنباط واثراء الفقه، ولذا فان تراثه الفقهي جاء متميزا من هذه الجهة، فنحن نقرا عن كتابه «تهذيب الشيعة لاحكام الشريعة‏» انه كان في عشرين مجلدا، فاختصره في «المختصر الاحمدي‏»، وان عدد ابوابه تربو على المئة واربعين بابا ... وهو عمل لا شك انه لم تسبقه اليه جهود فقهاء مدرسة الحديث، بل وحتى جهود البعض من اعلام الفقه التفريعي.
اجل، ان مختصرات الفقهاء الرواة -كالرسالة لعلي بن بابويه والمقنع والهداية لولده الصدوق وكتب ابن قولويه في الفقه وغير هؤلاء من الاجلاء لم تعهد هذا النوع من البسط والسعة في عرض المضمون الفقهي. وسياتي الكلام في تطبيقات ذلك عند الحديث عن خصوصيات فقهه بشكل اكثر تفصيلاً.
ثانيا: ادخال عنصر الاستدلال:
بمعنى ان الفقه الذي دعا اليه ابن الجنيد هو الفقه التفريعي الاستدلالي لا الفقه الفتوائي المجرد، وقد تلا في ذلك تلو الفقيه العماني في كتابه «المستمسك بحبل ال الرسول صلى الله عليه واله وسلم».
وايا كان، فان بداية هذا النمط من البحث والتدوين الفقهي لدى الطائفة كان على يدي هذين الفقيهين القديمين، فهما رائدا هذا الميدان، ثم تلاهما شيخ الطائفة الطوسي، فتوج تلك الجهود المباركة بكتابه العظيم «المبسوط‏»، فكان اية في هذا الفن واعجوبة بارى من خلالها فقه المذاهب الاسلامية الاخرى التي كان البعض منها يستحقر فقه اصحابنا ويستنزره وينسبه الى قلة الفروع والمسائل.
بيد ان الطابع العام لكتاب المبسوط ليس هو الاستدلال وانما التفريع وذكر المسائل، اذ الغاية من تاليفه هو ذلك، وربما اوما الى الدليل فيما لو كان الفرع غريبا او مشكلا على ما رسمه في مقدمة الكتاب.
ثالثا: التوسعة في ادوات الاستنباط:
اعتمدت مدرسة الفقه الماثور النص مرجعا وحيدا في اجتهادها، فيما وسع الفقهاء المحصلون تلك المرجعية لمايشمل الدليل العقلي والاجماع والاصول العملية.
وقد كان لهذه التوسعة اثر ايجابي كبير في تطوير وانماء حركة الاجتهاد، ويمكن ان نقول انه حقق نقلة نوعية في واقع الممارسة الاجتهادية عند الطائفة بحيث جعلتها على ابواب بل في واقع مرحلة جديدة.
رابعا: عدم التقيد بالنص:
نلاحظ ان فقيه هذه المرحلة الجديدة وضع صياغات خاصة للمضمون الفقهي بعيدا عن الالتزام بحرفية النص متنا وسندا، فتحرير النص الفقهي يكون من انشاء الفقيه، وهذه نتيجة طبيعية تلازم تاسيس الفقه التفريعي، اذ ثمة فروع فقهية لم يرد فيها النص بالخصوص وانما اجتهد فيها الفقيه بالتمسك بعموم او اطلاق او اصل عقلي او شرعي او اجماع.
ومن هنا فان من افرازات المرحلة الجديدة (الفقه التفريعي) التجديد في لغة الفقه واليات البيان والتعبير فيه، فلا تقيد في بيان الفتوى بالفاظ النص او سنده ما دامت الحاجة لا تحتم ذلك، وبالطبع فان هذا الكلام لا يعني عدم الافادة من متون الاحاديث وهجرها بالمرة من قبل فقهاء هذه المرحلة، بل ان التاليف بهذا الاسلوب بقي مستمرا الى عصر شيخ الطائفة، حيث الف بنفسه كتاب النهاية في مجرد الفقه والفتوى الذي هو متون الاخبار ومضامينها مع حذف الاسناد.
خامسا: تأسيس الفقه المقارن:
لا نبالغ اذا اعتبرنا الفقيه الاسكافي اول فقيه من فقهاء الطائفة وربما فقهاء الاسلام يضع مصنفا فيما يسمى ب«علم الخلاف‏» او الفقه المقارن.
فقد كتب كتابه التهذيب وتعرض فيه للاراء والاتجاهات المخالفة عند العامة مستعرضا ادلة المسالة من الجانبين، كما ورد ذلك في عبارة السيد محمد ابن معد الموسوي حيث وصفه بانه «قد استوفى فيه الفروع والاصول، وذكر الخلاف في المسائل، واستدل بطرق الامامية وطرق مخالفيهم‏».
كما انه كتب «تبصرة العارف ونقد الزائف‏» حيث ذكر فيه الاحتجاج للمذهب والرد على المخالفين فيه والانفصال من المعارضات التي يعارضون بها في الاحكام.
وظاهرة المناظرة والمقارنة بين الاراء تعد امرا طبيعيا في مثل بغداد التي كانت تحتضن مختلف المذاهب والمدارس والتيارات الفقهية والكلامية والفلسفية، وعليه فكان من الطبيعي ان يدرك فقهاء الامامية ضرورة هذا الامر ولزومه من اجل اعطاء صورة واضحة ومشرقة عن مذهب اهل البيت عليهم ‏السلام والتعريف به والكشف عن اصالته وتفوقه مقارنا باراء باقي المذاهب الاخرى، فانبرى لذلك شيخنا الاسكافي وكان المؤسس في هذا المضمار.
مكانة فقه ابن الجنيد:
اتسم التراث العلمي لابن الجنيد الاسكافي بالموسوعية والاستيعاب لفنون عديدة وعلوم كثيرة، ولتراثه الفقهي مساحة واسعة وحظ وافر من ذلك، فقد ناهزت مصنفاته في ذلك التسعة عشر كتابا ما بين دورة فقهية كاملة او مفرد في موضوع خاص. وياتي في الصدارة من كتبه الفقهية كتاب «تهذيب الشيعة‏» وكتاب «المختصر الاحمدي‏»، وكلاهما في الفقه الاستدلالي، والاول منهما -كما قلنا سابقا يقع في عشرين مجلدا، فهو عبارة عن موسوعة فقهية استدلالية فريدة من نوعها في فقه الاقدمين.
الا ان مسلكه وطريقته لم تلق ترحيبا من قبل الطبقة المعاصرة له، وواجهت اعراضا كبيرا من قبل معظم تلك الطبقة، فلهذا تركت كتبه، وكان السبب من وراء ذلك -كما تقدم هو قوله بالقياس.
نعم، تعرض السيد المرتضى لارائه في مواضع من «الانتصار» مشيرا في بعضها الى مخالفاته للاجماع، وان ذلك لا يضر بانعقاده، لانه قد تقدمه وتاخره، كما انه عرض بطريقته وقوله بالراي في مواضع من الانتصار ورسائله.
ولم يتعرض له الشيخ المفيد في كتبه الموجودة الا في المسائل السروية والصاغانية منتقدا طريقته، وكذا الشيخ لم ينقل عنه شيئا سوى ما في «رسالة تحريم الفقاع‏» حيث نقل عنه بعض الاراء ومقاطع من رسالته «الارتياع في تحريم الفقاع‏».
واول من اثنى على فقهه ونقل اراءه ببالغ الاجلال والتعظيم هو ابن ادريس الحلي (المتوفى سنة 598هـ) في «السرائر»، ثم تلاه في ذلك المحقق في المعتبر وتلميذه الابي، والعلامة وولده الفخر، وابن فهد الحلي، والسيد ابن طاووس في الاقبال. وبهذا تكون مدرسة الحلة هي اول كيان علمي للشيعة يتفاعل مع فقه ابن الجنيد وينظر الى ارائه نظر الجد والاحترام.
ومنذ تلك الاونة بدات النظرة السلبية عن ابن الجنيد تاخذ بالافول، واطرد الاهتمام بفقهه الالتفات الى عمقه ودقته حتى صار ينظر اليه انه من كبار فقهاء الاصحاب واجلهم كما في عبارة ابن ادريس، وعده المحقق الحلي من الافاضل المعروفين بفقه الاخبار وصحة الاختيار وجودة الاعتبار ومن اصحاب كتب الفتاوى الذين اختار النقل عنهم، ووصفه العلامة بانه شيخ الامامية ووجه في اصحابنا ثقة جليل القدر، وبخصوص كتابه الاحمدي اطراه بما هو شانه فقال: «كتاب جيد، يدل على فضل هذا الرجل وكماله، وبلوغه الغاية القصوى في الفقه، وجودة نظره‏».
وكفى بمثل العلامة له مادحا، وفي كلام السيد محمد بن معد ما يدلل على ذلك حيث قال في وصف كتابه التهذيب: «قد وقع الي من هذا الكتاب مجلد واحد، وقد ذهب من اوله اوراق، فتصفحته ولمحت مضمونه فلم ار لاحد من الطائفة كتابا اجود منه، ولا ابلغ ولا احسن عبارة، ولا ادق معنى، وقد استوفى فيه الفروع والاصول‏».
وتابعهم في ذلك الشهيدان سيما الاول منهما، فانه اكثر النقل عنه في الذكرى، والظاهر وصول كتابه «المختصر الاحمدي‏» بيده وقد وثقه واعتبره من اعاظم العلماء، وقال الشهيد الثاني في حقه: انه عزيز المثل في المتقدمين بالتحقيق والتدقيق، مؤيدا كلامه بقوله: يعرف ذلك من اطلع على كلامه.
وخير كلام جامع يعكس طبيعة تعامل المتاخرين مع فقهه ما افاده العلامة المحقق السيد بحر العلوم، قال:
«وممن يحكي قول ابن الجنيد ويعتبر ما في الاجماع والنزاع من القدماء السيد الاجل المرتضى، فانه قد اكثر النقل عنه والاعتذار عن مخالفته في بعض المسائل، واما المتاخرون من اصحابنا كالشهيدين والسيوري وابن فهد والصيمري والمحقق الكركي وغيرهم فقد اطبقوا على اعتبار اقوال هذا الشيخ والاستناد اليها في الخلاف والوفاق، حتى ان الشهيد الثاني في المسالك -في مسالة حرمان الزوجة‏اورد على السيد المرتضى بان الاوفق بمذهبه القول بعدم الحرمان مطلقا كما ذهب اليه ابن الجنيد . ولم اقف على من توقف في رعاية اقوال هذا الشيخ من المتاخرين الا صاحب كشف الرموز تلميذ المحقق فانه قال: «واخللت بذكر ابن الجنيد الا نادرا معتذرا بما سبق نقله من الشيخ من ترك كتبه لقوله بالقياس‏».
وكتب من تاخر عن المذكورين في العبارة السالفة كصاحب المدارك والجواهر والحدائق و الرياض وعشرات المصادر الفقهية الاخرى مشحونة بنقل ارائه وفتاواه.
وصفوة القول هنا: ان فقه ابن الجنيد قد شق طريقه الى مصنفات الفقهاء والمراكز العلمية على يد مدرسة الحلة، وبشكل خاص على يد ابن ادريس الحلي، بل ان العلامة الحلي قد اكثر النقل عنه في كتاب المختلف الذي اعده لمقارنة اراء اكابر فقهاء الامامية وبيان ادلتها، حتى بلغ مجموع ما نقل عن فقهه وقضاياه في حدود «1600» مسالة، في الوقت الذي لم يتجاوز نقله عن الشيخ المفيد التسعمئة مسالة وعن العماني الستمئة مسالة. بل انه قد يفرد النقل عنه في بعض المسائل ولا يذكر غيره فيها، كما في اول مسائل بحث «الحجر».
هذا مضافا الى انه قد يرجح رايه في جملة من المسائل قبال راي الشيخ الطوسي، وربما المشهور ايضا.
وتجدر الاشارة الى ان فقه ابن الجنيد قد تم جمعه وتبويبه من خلال اصدارين صدرا لحد الان، ولا شك انها خطوات تستحق الثناء والتقدير في طريق احياء التراث الفقهي للطائفة، بيد انهما اقتصرا في النقل عن «مختلف الشيعة‏» حسب، ولم تنقل عن كتب الشهيد والمحقق وابن ادريس والشيخ حسن صاحب المعالم وغيرهم ممن وصله كتاب ابن الجنيد، عسى ان يوفق من ينهض لاتمام ذلك واستدراكه.
أضواء على فقه الاسكافي:
يصعب على الباحث ان يتحدث باسهاب وتفصيل عن خصائص فقه الاسكافي، وذلك لعدم توفر شي‏ء من كتبه وقد قدمنا فيما سبق لمحات عامة عن فقهه وارائه، ونريد الان الاشارة الى مجموعة مقارنات ونكات متفرقة عن فقهه، عسى ان تكشف عن جانب من خصائصه ونقاط القوة او الضعف فيه.
ولا ادعي ان ذلك يؤدي دور الدراسة الشاملة لفقهه، وانما هي مجموعة اثارات ونكات مقتطفة من خلال البحث في ارائه وفتاواه.
1 - القدرة على التفريع: من الخصائص التي توفر عليها فقه الاسكافي القابلية على التفريع ودراسة المسالة بمختلف صورها وحالاتها، وهذا من الواضحات لكل من وقف على جانب من ارائه وكتاباته. وقد يمكن القول انه سجل بذلك تفوقا على كتابات معاصريه كالرسالة والهداية والمقنع والمقنعة والنهاية ولربما المبسوط ايضا في بعض الموارد. ولنقرا النص التالي لابن الجنيد في بحث الجهاد مقارنين ذلك بكلام للشيخ في المبسوط على ما نقله عنهما العلامة في المختلف حيث قال:
«قال الشيخ: لو جعل لدليل جارية من قلعة، وفتحت صلحا على ان لصاحب القلعة اهله، وكانت الجارية من اهله، قيل للدليل: اترضى بالقيمة؟ فان رضي فلا بحث، وان امتنع قيل لصاحب القلعة: اترضى بالقيمة عنها؟ فان رضي فلا بحث، وان امتنع قيل لصاحب القلعة: ارجع الى قلعتك باهلك، ويزول الصلح، لانه قد اجتمع امران متنافيان لا يمكن الجمع بينهما، وحق الدليل سابق، فوجب تقديمه.
وقال ابن الجنيد: ولو ان علجا دل المسلمين على قلعة وشرط عليهم جارية سماها، فلما انتهوا الى القلعة صالحوا صاحب القلعة على ان يفتحها لهم ويخلي بينه وبين اهله ففعل، وكانت زوجته تلك الجارية المشروطة للعلج، فان كان المسلمون صالحوا صاحب القلعة قبل قدرتهم عليها من غير استظهار على من فيها كان الصلح جائزا، ولم يجب ان تسلم الجارية الى العلج، ويفسخ شرط صاحب القلعة، واحب ان يعوض العلج قيمتها من الغنيمة، وان كانوا انما صالحوا بعد الاستظهار على القلعة ومن فيها فان علموا بحال الجارية لم يشترطوها، فان شرطوها بجهل او لم يعلموا فواجب عندي تعويض العلج، فان ابى الا الجارية المشروطة له قيل لصاحب القلعة: ان احببت ان تسلمها وتتعوض منها -لان شرطنا تقدم بها لغيرك، ووقع لك شرطنا على جهل منا بما قد صار لغيرنا فعلنا ذلك، فان لم تسلمها نبذنا اليك وقاتلناك الى ان تسلم المراة الى العلج الذي شرطناها له.
والاقرب عندي: اعتبار المصلحة، فان كانت مصلحة المسلمين في بقاء الصلح عوض العلج عنها كما قال ابن الجنيد، ولم يجب فسخ الصلح، كما لو اسلمت، وان لم يكن في فساد الصلح ضرر على المسلمين جاز فسخه مع التعاسر». نص اخر ذكره العلامة ايضا وقد تضمن مقارنة بين راي المشهور وراي ابن الجنيد، قال فيه: «المشهور انه لا يجوز بيع دار المفلس التي يسكنها ولا خادمه الذي يخدمه ولا ثوب تجمله.
وقال ابن الجنيد: ويستحب للغريم اذا علم عسر من عليه الدين ان لا يحوجه الى بيع مسكنه وخادمه الذي لا يجد غنى عنهما ولا ثوبه الذي يتجمل به، وان ينظره الى ان ينهي خبره الى من في يده الصدقات ان كان من اهلها او الخمس ان كان من اهله، فان لم يفعل وثبت دينه عند الحاكم وطالب الحاكم ببيع ذلك فلا باس ان يجعل ذلك الملك رهنا في يد غريمه، فان ابى الا استيفاء حقه امره الحاكم بالبيع وتوفية اهل الدين حقوقهم، فان امتنع حبسه الى ان يفعل ذلك، فان دافع باع عليه الحاكم‏».
2 - الاستدلال: وهو من اهم العناصر الدخيلة في عملية الاستنباط، وهو اضافة الى ذلك كاشف عن قدرة الفقيه واحاطته. ونحن نشاهد في فقه الاسكافي نماذج متميزة من الاستدلال اذا ما قايسناه بفقه غيره من القدماء، فهو يحاول ان يحشد اكبر عدد ممكن من الادلة لدعم رايه، واليك نموذجا من ذلك:
فقد ذهب في بحث الزكاة الى ان المسكين اسوا حالا من الفقير -بخلاف من يرى انهما متحدان اذا افترقا لوجوه:
الاول: ما رواه ابوبصير -في الصحيح قال: قلت لابي عبداللّه عليه السلام : قول الله عز وجل: (انما الصدقات للفقراء والمساكين) فقال:
«الفقير الذي لا يسال الناس، والمسلين اجهد منه‏».
الثاني: ان العادة في عبارات اهل اللسان تاكيد الاضعف معنى بالاقوى منه، وان المؤكد يفيد زيادة على ما يفيده المؤكد، ولا شك في انه يحسن تاكيد الفقير بالمسكين، فيقال: فقير مسكين، دون العكس، فلولا ان وجود الحاجة في المسكين اقوى لما حسن هذا التاكيد.
الثالث: قوله تعالى: (او مسكينا ذا متربة) معناه: انه لشدة فقره وحاجته قد الصق بطنه بالتراب، لشدة جوعه.
الرابع: قول الشاعر:
اما الفقير الذي كانت ‏حلوبته ***وفق العيال فلم يترك له سبد

جعل للفقير حلوبة وفق عياله، فيكون حاله اجود من المسكين.وقد ذهب الى هذا الراي الشيخ المفيد والطوسي في النهاية وسلار، ولم يتعرضوا لشي‏ء من الادلة المذكورة.
3 - قد يوافق في بعض فتاواه اراء اهل الحديث، كما في مسالة من مر على بستان او ماشية، فانه ينادي ثلاثا ويستاذن فان اجابوه والا فليجني ولياكل.
4 - قد يلاحظ في مسالة ما التزامه براي لا يعرف دليله ووجهه، كما في من مس قطعة من حي اوميت وفيها عظم ما بينه وبين سنة، واطلق الباقون ولم يقيدوه بالسنة، ولا يعرف الوجه في تقييده بذلك.
5 - من الملاحظات على فقه ابن الجنيد تعلقه باخبار ضعيفة او شاذة او هناك ما هو اوضح منها طرقاً.
قال السيد المرتضى في مسالة ان يشترط الواقف لنفسه بيع الوقف: «لا اعتبار بابن الجنيد، وقد تقدمه اجماع الطائفة وتاخر ايضا عنه، وانما عول في ذلك على ظنون وحسبان واخبار شاذة لا يلتفت الى مثلها».
وقال ايضاً في مسالة ما اذا بلغت الابل خمسا وعشرين: «ففيها خمس شياه، وخالف ابن الجنيد فقال: فيها ابنة مخاص، فان لم تكن في الابل فابن لبون، فان لم يكن فخمس شياه. فان قيل: قد خالف ابو علي بن الجنيد في ذلك ... قلنا: اجماع الامامية قد تقدم ابن الجنيد وتاخر عنه، وانما عول ابن الجنيد في هذا المذهب على بعض الاخبار المروية عن ائمتنا عليهم ‏السلام، ومثل هذه الاخبار لا يعول عليها».
وذكر العلامة في مسالة الفار بالسبك من الزكاة ان «الاجماع قد تقدم ابن الجنيد وتاخر عنه، وانما عول ابن الجنيد على اخبار رويت عن ائمتنا عليهم ‏السلام تتضمن انه لا زكاة عليه وان فر، وبازاء تلك الاخبار ما هو اظهر منها».
وذكر العلامة الحلي موارد اخرى لا نطيل بذكرها.
6 - قد يتمسك برواية توافق العامة مع وجود رواية اخرى لاصحابنا، كما في مسالة الجهر مكان الاخفات وبالعكس، حيث جوز ذلك استنادا الى ما رواه علي بن جعفر -في الصحيح عن اخيه موسى عليه السلام. ومستند المشهور في عدم جواز ذلك ما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام، واطرحوا الاول لموافقته العامة.
وعمل ايضاً في باب الرهن برواية موافقة للعامة معارضة برواية منا.
7 - قد يلاحظ على بعض فتاواه بانه ياخذ ببعض روايات المسالة دون بعض، وقد يكون السر فيه عدم اطلاعه على جميع مداركها، كما وقع له في مسالة حضور الجمعة لمن نوى اقل من خمسة ايام فاوجب عليه ذلك اذا نوى خمسة ايام، والمشهور لا يجيزون ذلك. وقد تمسك ابن الجنيد بما رواه محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام التي اوجبت ذلك.
الا ان ثمة رواية اخرى خصصت لزوم ذلك بمن كان في مكة والمدينة، وقد اشار الشيخ الطوسي الى احتمال ان يراد من رواية محمد بن مسلم هو من كان فيهما.
8 - استقلاله في الفتوى وبيان الراي: قد نراه يخالف الاجماع وروايات عديدة تمسكاً بدليل اخر، كما صنع في مسالة دفع السهم الثاني من الخمس (سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل) الى غير المؤمن من اهل هذه الصفات اذا لم يوجد تمسكاً بعموم اية الخمس، مع ان هذا العموم مخصوص بالاجماع بالايمان، فيكون مخصوصا بالقرابة مع وجود طائفة من الاخبار التي خصت الحكم بخصوص المؤمن.
9 - قد يعمل برواية عامية مع وجود نصوص من طرقنا، كما في مسالة افراد يوم الجمعة بالصوم حيث قال: لا يستحب ذلك، فان تلا به ما قبله او استفتح به ما بعده جاز. والمشهور الاستحباب مطلقاً، لرواية ابن سنان في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: رايته صائماً يوم الجمعة فقلت له: جعلت فداك، ان الناس يزعمون انه يوم عيد، فقال: «كلا انه يوم خفض ودعة‏».
واحتج ابن الجنيد برواية عبدالملك بن عمير قال: سمعت رجلاً من بني الحارث بن كعب قال: سمعت ابا هريرة يقول: ليس انا انهى عن صوم يوم الجمعة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: «لا تصوموا يوم الجمعة الا ان تصوموا قبله او بعده‏».
والجواب -كما ذكره العلامة عن الشيخ: ان طريقه رجال العامة لا نعمل به، بل الاول هو المعمول به.
10 - ثمة عمليات استدلالية من فقهه قد تكون غير جامعة لشرائط الاستنباط الصحيح، كما في مسالة دفع زكاة الفطرة على الفقير، حيث ذهب المشهور الى عدم لزومها باصالة البراءة واحاديث كثيرة تدل على ذلك، منها ما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال سئل: رجل ياخذ من الزكاة، عليه صدقة الفطرة؟ قال: «لا».
واما حجة ابن الجنيد فهي قوله تعالى: (قد افلح من تزكى × وذكر اسم ربه فصلى)، وروايتا زرارة والحلبي‏ حيث اوجبتا ذلك.
ولكن يلاحظ ان هذا النوع من الاستدلال غير تام، اذ الاية غير دالة على الوجوب، وان دلت فانما بمفهوم الخطاب وهو ضعيف. واما الاخبار فانها محمولة على الاستحباب بملاحظة الاخبار النافية للوجوب، فوجب حملها على الاستحباب عملاً بالدليلين وتنزيلا لها على ما يوافق البراءة الاصلية.
دوره في علم الاصول:
ان الامامية بمجرد ان انتهى عصر النصوص بالنسبة اليهم ببدء الغيبة او بانتهاء الغيبة الصغرى بوجه خاص تفتحت ذهنيتهم الاصولية، واقبلوا على درس العناصر المشتركة، وحققوا تقدماً في هذا المجال على يد الرواد النوابغ من فقهائنا، من قبيل الحسن بن ابي عقيل ومحمد بن احمد بن الجنيد الاسكافي في القرن الرابع. ودخل علم الاصول بسرعة دور التصنيف والتاليف، فالف الشيخ محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (المتوفى سنة 413هـ) كتاباً في الاصول واصل فيه الخط الفكري الذي سار عليه ابن ابي عقيل وابن الجنيد قبله، ونقدهما في جملة من ارائهما.
وقد كان لابن الجنيد مصنفات في الاصول سردناها في تعداد مؤلفاته. وبهذا يكون الفقيه الاسكافي -من خلال مؤلفاته الاصولية ومنهجيته في الفقه التي اعتمد فيها قواعد علم الاصول دون الية النص فقط قد مهد لظهور العصر التمهيدي الاول، كما اطلق عليه السيد الشهيد الصدر وهو يحدد الادوار التي مر بها علم الاصول، واضاف في توضيح معالم هذا العصر قائلا:
العصر التمهيدي: وهو عصر وضع البذور الاساسية لعلم الاصول، ويبدا هذا العصر بابن ابي عقيل وابن الجنيد، وانتهى بظهور الشيخ.
وعده في موضع اخر من رواد الاجتهاد وواضعي بذور علم الاصول في الفقه الامامي. واما الادلة والعناصر الاصولية التي شيد عليها فقهه وكان لها دور كبير في رفده واغنائه فهي بعد الكتاب والسنة: الاجماع، الدليل العقلي، الاصول العملية، حجية خبر الواحد، تخصيص العام. وفيما يلي نتحدث باقتضاب عن كل واحد من هذه العناصر:
الاجماع:
ويراد به عند الامامية ما كان كاشفاً عن راي المعصوم عليه السلام، وحينئذ فماله الى السنة.
ولهم في الكشف عنه مسالك ونظريات، ونظرية المتقدمين فيه هي الاجماع الدخولي. ولم اعثر في حدود بحثي عن حياة الفقيه العماني والصدوق عما يشير الى تمسكهما بهذا الدليل في شي‏ء من مصنفاتهم، والذي يحدس قوياً عدم وجوده ايضاً في تراث الرواد الاوائل، مثل الشيخ الكليني وعلي بن بابويه وابن قولويه والجعفي واضرابهم من القدماء، ولعل ادخاله على يد ابن الجنيد في فقه الامامية لاول مرة كان تاثراً بفقه غيرنا من المذاهب التي هي اسبق منا في اكتشاف هذا الدليل والاخذ به وتطبيقه في الفقه، وهم يرونه دليلاً مستقلاً في عرض باقي الادلة، وبهذا يختلف مضمونه عن الاجماع الذي يعتقد به فقهاء مدرسة اهل البيت عليهم ‏السلام.
وقد اخذ الاجماع موقعه بين ادلة الاستنباط في فقه الشيعة منذ تلك الفترة، فتداولته مدرسة الشيخ المفيد بشكل واسع وبشكل خاص في مؤلفات السيد المرتضى والشيخ الطوسي.
واما المواضع التي وجدناه يرى فيها حجية الاجماع ففي‏كتاب الطهارة والقضاء والخلع، ولعل المتتبع يجد موارد اخرى لذلك.
الدليل العقلي:
وهو كل قضية يدركها العقل، ويمكن ان يستنبط منها حكماً شرعياً.
ولم يكن لهذا الدليل اي اعتبار في فقه مدرسة الحديث، لاعتمادها على مرجعية النص لا غير. واول من اخذ بدلالته وسلك به في فقه الامامية بشكل ملحوظ وواسع الفقيهان القديمان العماني وابن الجنيد الاسكافي. وعن اهمية الدور الذي نهضا به يحدث السيد العلامة بحرالعلوم فيقول: «هو -اي العماني ‏اول من هذب الفقه واستعمل النظر وفتق البحث عن الاصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى ، وبعده الشيخ الفاضل ابن الجنيد، وهما من كبار الطبقة السابعة‏».
والملاحظ لفقه الاسكافي يجد مجموعة من الممارسات الاجتهادية التي ترتكز على دلالة العقل، كما في موارد التمسك بوحدة المناط والغاء الخصوصية -وقد تقدم مثاله في بحث الشفعة وبقياس الاولوية -كما في مسالة الصلاة على الميت وان امام المسلمين اولى بها، لان له الولاية في الصلاة على الفرائض ففي الجنائز اولى، وكما في مسالة حضور جماعة من الاولياء في صلاة الميت ايضاً وبالاطلاقات والعمومات حيث تمسك في مواضع عديدة من فقهه بذلك، كتمسكه بعموم اية الخمس في دفع النصف الثاني للخمس -وهو سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل الى عامة اهل هذه الصفات، سواء كانوا هاشميين ام لا، وخص الحكم عند المشهور بالهاشميين، وهكذا في الطلاق تمسك بعموم «حتى يذوق عسيلتها» في الحكم بجواز تحليل المراهق للمطلقة.
الاصول العملية:
ثمة موارد عديدة استند فيها ابن الجنيد الى الاصول العملية كالاحتياط والبراءة، ومن جملة تلك الموارد:
1 - الحكم بصحة الطواف وفي ثوب احرامه دم، محتجاً بالاصل.
2 - الحكم بصحة صلاة المراة مكشوفة الراس لا يراها غير ذي محرم لها، محتجا ببراءة الذمة.
3 - يجوز الاخفات في موضع الجهر وبالعكس حال القراءة، محتجا بالاصل. والمشهور عدم جوازه.
بيد ان عمله بهذه الاصول وغيرها قد ياتي في بعض الموارد مع توفر النص الدال على خلاف مؤدى الاصل او كونه معارضا باصل اخر، وقد انتقد العلامة الحلي بعض اجتهادات ابن الجنيد المبنية على ذلك.
فمثلا نحن نلاحظ في مسالة صحة طواف من كان في ثوبه نجاسة ان الاصل المدعى فيه معارض بالاحتياط، للشك في براءة ذمته من وجوبه والاحتياط يقتضي اشتغالها. وكذا في قضية صلاة المراة مكشوفة الراس.
وفي مسالة الاخفات مكان الجهر توجد رواية صحيحة في المقام، وهي صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه او اخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه، فقال:
«اي ذلك فعل متعمدا فقد نقص صلاته وعليه الاعادة، وان فعل ذلك ناسياً او ساهياً لا يدري فلا شي‏ء عليه وقد تمت صلاته‏».
حجية خبر الواحد:
وهي واحدة من اكثر المسائل حساسية ومثاراً للبحث والجدل عند المتقدمين، باعتبار ان اكثر الاحكام الفرعية طريقها الاخبار، ولذا نجد الفقهاء الاوائل في عصر الغيبة كانوا يحرصون اشد الحرص في امر الاخبار والتثبت من استكمالها شرائط الصحة والقبول، سيما وانهم في تلك البرهة كانوا يزاولون دور تنقية التراث الروائي وتهذيبه وتصنيف المجاميع الروائية فيه، حتى تمخضت تلك الجهود عن تصنيف الكتب الاربعة.
ومن هنا فقد حصر بعضهم حجية الخبر بخصوص المتواتر ولم يعمل باخبار الاحاد، كالشيخ ابن ابي عقيل والسيد المرتضى وتبعهما ابن ادريس، بل نقل السيد المرتضى وكذا الشيخ في العدة عن جماعة منا استحالة ان يتعبدنا الشرع بخبر الاحاد.
ومنهم من عمل بخصوص خبر الواحد المقرون بدليل يفضي الى العلم بصحة مخبره، والدليل تارة يكون من العقل واخرى من العرف وثالثة الاجماع، وهذا ما اختاره الشيخ المفيد.
ومنهم من راى حجيته فيما لو كان واردا من طرقنا عن النبي صلى الله عليه واله وسلم او احد المعصومين عليهم ‏السلام، وكان ناقله ممن لا يطعن في روايته، ولم تكن قرينة على صحة ما تضمنه الخبر، لانه لو كانت كان الاعتبار بها وكان ذلك موجباً للعلم، وقد ذهب الى ذلك الشيخ ابوجعفر رحمه ‏اللّه.
وبشكل عام، فان قدماء الطائفة رفضوا العمل بخبر الواحد بالجملة، فيما كان قبوله مطلقا، هو راي العامة.
قال الشيخ في العدة بعد ايراد رايه: «فان قيل: اليس شيوخكم لا تزال يناظرون خصومهم في ان خبر الواحد لا يعمل به، ويدفعونهم عن صحة ذلك، حتى ان منهم من يقول: لا يجوز ذلك عقلاً، ومنهم من يقول: لا يجوز ذلك لان السمع لم يرد به، وما راينا احدا منهم تكلم في جواز ذلك، ولا صنف فيه كتاباً، ولا املى فيه مسالة، فكيف تدعون انتم خلاف ذلك؟!» ثم اجاب ‏رحمه‏ اللّه بما حاصله: بان المنكر لذلك انكر ما كان من طرق غيرنا من اخبار الاحاد لا ما كان من طرقنا.
وقد خالف شيخنا الاسكافي راي معاصريه فذهب الى حجية خبر الواحد، وقد اعمل هذا الراي واستند اليه في جملة واسعة من فتاواه، واشار السيد المرتضى الى وجود هذا الراي عنده في بحث الشهادات من كتاب «الانتصار».
بيد انا لم نقف على دليل لابن الجنيد في مسلكه هذا. وعلى اي تقدير، فانه بوسعنا القول عنه انه اول فقيه واصولي من الامامية يؤمن بحجية خبر الواحد بشكل مطلق، ومن ثم انفتح الباب على مصراعيه لدى باقي الاصوليين فامنوا ايضا بذلك، وصار هو الراي السائد والمشهور لديهم.
تخصيص العام:
ذكر السيد المرتضى في باب الشهادات فقال: «وكان ابو علي بن الجنيد من جملة اصحابنا يمنع من شهادة العبد وان كان عدلا، ولما تكلم على ظواهر الايات في الكتاب التي تعم العبد والحر ادعى تخصيص الايات بغير دليل، وزعم ان العبد من حيث لم يكن كفواً للحر في دمه وكان ناقصاً عنه في احكامه لم يدخل تحت الظواهر ... وهذا منه غلط فاحش، لانه اذا ادعى ان الظواهر اذا اختصت بمن تتساوى احكامه في الاحرار كان عليه الدليل، لانه ادعى ما يخالف الظواهر، ولا يجوز رجوعه في ذلك الى اخبار الاحاد التي يروونها، لانا قد بينا ما في ذلك‏».
نلاحظ في النص المذكور ان ابن الجنيد قام بتخصيص العمومات الكتابية -مثل قوله تعالى: (ذوي عدل منكم) وقوله تعالى: (شهيدين من رجالكم) بنكتة استفادها من الاخبار المروية في العبد وانه لا يساوي الحر في احكامه، ولذا افتى بخروجه من هذه العمومات وبعدم قبول شهادته.
ويستفاد من هذا النص ايضا مسلكه في تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد، الامر الذي رفضه غيره من الاصوليين.
دوره في علم الحديث والرواية:
لم يكن الفقيه الاسكافي محدثا صرفا بالمعنى المعهود لاصطلاح المحدث، اذ كانت طريقته -كما عرفنا تختلف عن طريقة مدرسة الحديث وفقهها ، فلم يكن ينظر الى الحديث على انه كل شي‏ء لتكون غايته في ضبطه وجمعه حسب، ولذا لم نعهد له مؤلفا في الحديث. بيد ان هذا لا يعني انقطاعه عن هذا العلم، كيف؟! وقد كان له شيوخ وطرق في الرواية -كما تقدم الحديث عن مشايخه علما ان تلك الفترة شهدت رواجا لحركة الحديث والاهتمام به، كما ان له روايات اسندها الفقهاء اليه نقلاً عن كتبه، وفيها ما ينحصر طريقه به ولم ترد به الرواية عن غيره.
مما يشكل ذلك قيمة خاصة لتراثه الروائي، هذا، وقبل الاشارة الى طائفة من تلك الاخبار التي رواها ينبغي الالتفات الى ان في جملة ذلك مجموعة من المراسيل التي اسندها مباشرة الى المعصوم عليه السلام او الى الراوي المباشر عنه. وقد صرح الشهيد بتوثيق مراسيله وقبولها معللاً ذلك بانه ثقة، وارساله في قوة السند، ولانه من اعاظم العلماء.
1 - ما ذكره العلامة في المختلف نقلا عن ابن الجنيد انه روى ان رجلاً جاء الى امير المؤمنين عليه السلام ليبايعه، فقال: يا امير المؤمنين، ابسط يدك ابايعك على ان ادعو لك بلساني وانصحك بقلبي واجاهد معك بيدي، فقال: «حر انت ام عبد؟» فقال: عبد، فقبض امير المؤمنين عليه السلام يده، فبايعه. ونقله عنه ايضا صاحب الوسائل.
2 - ما في المختلف ايضاً: «وقال ابن الجنيد: روى ابن سعيد -يعني الحسين عن ابي عبد اللّه عليه السلام جواز الاعتكاف في كل مسجد صلى فيه امام عدل صلاة الجمعة جماعة، وفي المسجد الذي يصلى فيه الجمعة بامام وخطبة‏». ورواه في الوسائل ايضا نقلا عن المختلف.
3 - ما في الوسائل في ابواب النكاح: «وقال ابن الجنيد في كتابه الاحمدي على ما نقل عنه علماؤنا: روي عن ابي عبداللّه وابي الحسن موسى عليهما السلام كراهة رؤية الخصيان الحرة من النساء، حراً كان او مملوكاً».
4 - ما نقله السيد المرتضى عنه عن ابن محبوب عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام ان رسول اللّه صلى الله عليه واله وسلم قضى ان يتقدم صاحب اليمين في المجلس بالكلام.
5 - وقال السيد المرتضى ايضا: «قال ابن الجنيد الا ان ابن محبوب فسر ذلك -اي الحديث السابق في حديث رواه عن عبداللّه بن سنان، عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه قال: اذا تقدمت مع خصم الى وال او قاض فكن عن يمينه‏». وروى في الوسائل هذين الحديثين ايضاً.
6 - قال في المختلف: «قال ابن الجنيد: وقد روى توقيت الدرهم ابن سعيد عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام، وابن منصور عن زيد بن علي‏».
7 - وفيه ايضاً: روى ابن الجنيد عن جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام قال: «المتمتع له المتعة الى زوال الشمس من يوم عرفة‏».
8 - وفيه ايضا: وقال ابن الجنيد: في اكل الجراد عمدا دم، كذلك روى ابن يحيى عن عروة الحناط عن ابي عبداللّه عليه السلام.
آراؤه النادرة:
ربما تعد مخالفات ابن الجنيد لمشهور الامامية امراً طبيعياً بعد ان عرفنا ان له مباني خاصة في الفقه، وانه يحتفظ بحرية الراي واستقلاله من دون تاثر بفقه الاخرين واجتهاداتهم. وقد يكون -فيما سنذكره من اراء انفرد بها موافقاً للعامة او بعضهم، وعلى كل حال فنحن نذكر ما ظفرنا به من ارائه المخالفة لمشهور الطائفة معتمدين في الاغلب على كتاب مختلف الشيعة مع تعليقات العلامة الحلي على ارائه.
كتاب الطهارة:
1 - القهقهة في اثناء الصلاة عمداً تقطع الصلاة، وتوجب اعادة الوضوء. والاكثر على عدم كونها ناقضة للوضوء.
2 - من قبل بشهوة للجماع ولذة في المحرم نقض الطهارة، والاحتياط اذا كانت في محلل اعادة الوضوء. وذهب الاكثر الى انها لا تنقض.
3 - مس ما انضم عليه الثقبان ناقض للوضوء، ومس ظهر الفرج من الغير اذا كان بشهوة فيه الطهارة واجبة في المحلل والمحرم احتياطاً، ومس باطن الفرجين من الغير ناقض للطهارة من المحلل والمحرم. وذهب اكثر علمائنا الى ان مس القبل والدبر باطنا او ظاهرا من المحرم والمحلل لا ينقض الوضوء.
4 - اذا خرج المذي عقيب شهوة ففيه الوضوء، ولا خلاف في انه لا يوجبه عند علمائنا.
5 - الحقنة ناقضة للوضوء.
6 - الدم الخارج من احد السبيلين اذا شك في خلوه من النجاسة كان ناقضا للطهارة.
7 - يستحب حال التغوط في الصحراء ان يتجنب استقبال القبلة او الشمس او القمر. والمشهور وجوب ذلك.
8 - اذا ترك غسل موضع البول ناسيا حتى صلى وجبت الاعادة في الوقت، ويستحب بعده. والمشهور وجوبه قبله وبعده
9 - الظاهر من عبارته في مسالة غسل الوجه لزوم دلكه في الوضوء. والمشهور خلافه.
10 - يجوز ان يستانف المتوضئ ماء جديدا لمسح الراس والرجلين. واكثر علمائنا لا يجيزون ذلك، وهو مذهب العامة.
11 - يجب الترتيب في مسح الرجلين. والمشهور جواز المسح دفعة.
12 - يستحب ان لا يشرك الانسان في وضوئه غيره بان يوضئه او يعينه. والمشهور بين علمائنا تحريم التولية في الطهارة.
13 - اذا بقي موضع عضو من الاعضاء التي يجب عليه غسلها لم يكن بله فان كان دون سعة الدرهم بلها وصلى، وان كان اوسع اعاد على العضو وما بعد ان لم يكن قد جف ما قبلها، وان كان قد جف ابتدا الطهارة. ولا يعرف هذا التفصيل عند فقهائنا.
14 - يجب الغسل على من مس ما قطع من الانسان الحي من قطعة فيها عظم ما بينه وبين سنة. واطلق الفقهاء ذلك ولم يقيدوه بسنة.
15 - يكره للجنب والحائض مس الكتابة من المصحف او الدراهم التي عليها القران او اسم اللّه تعالى. والمشهور الحرمة.
16 - اذا حل به الموت غمض وليه عينيه ... ووضع على بطنه شيئا يمنع من ربوها. والمشهور كراهة جعل الحديد على بطنه.
17 - لا يجوز التيمم بالارض السبخة. وكرهه باقي علمائنا.
18 - اذا حصل الصعيد براحتيه مسح بيمينه وجهه. والمشهور انه بعد نفض يديه يمسح وجهه الى طرف الانف.
19 - بول الصبي الذكر الذي لم ياكل اللحم طاهر. والمشهور نجاسته.
20 - الظاهر من كلامه غسل الثوب من لبن الجارية وجوبا.
21 - ما كان من المذي ناقضا طهارة الانسان غسل منه الثوب والجسد. والمشهور طهارة المذي.
22 - اذا ولغ الكلب في الاناء غسل سبع مرات. والمشهور ثلاثاً.
23 - يغسل اناء الولوغ بالتراب او ما يقوم مقامه في المرة الاولى. والمشهور انه بالتراب فقط.
24 - جلد الميتة يطهر بالدباغ ان كان الحيوان طاهر العين في حياته. والمشهور انه لا يطهر.
كتاب الصلاة:
25- لا باس ان تصلي المراة الحرة وغيرها وهي مكشوفة الراس حيث لا يراها غير ذي محرم لها. والمشهور وجوب ستر الراس للحرة البالغة.
26 - لا يعتد باذان الفاسق. والمشهور خلافه.
27 - يجوز الاجهار مكان الاخفات عامداً. والمشهور عدم جوازه.
28 - اذا نوى المسافر مقام خمسة ايام في البلد وجب عليه حضور الجمعة. والمشهور لزومها عند اقامة عشرة ايام.
29 - جواز التسليم للامام عن يمينه في صلاة الميت ليعلم بها انصرافه. والمشهور انه لا تسليم فيها.
30 - يصلى على الطفل اذا استهل. والمشهور انه يصلى على الطفل اذا بلغ ستا دون ما اذا نقص عنها.
31 - الموصى اليه اولى بالصلاة على الميت من القرابات. ولم يعتبر علماؤنا ذلك.
32 - يجوز رفع الجنازة من اي جوانبها. والمشهور استحباب التربيع.
33 - يصعد الامام في صلاة الاستسقاء المنبر قبل الصلاة وبعدها. والمشهور انه يصلي ثم يصعد المنبر ويخطب.
كتاب الصوم:
34- يستحب للصائم الامتناع من الحقنة، لانها تصل الى الجوف.
35 - لا يستحب افراد يوم الجمعة بصيام، فان تلا به ما قبله او استفتح به ما بعده جاز. والمشهور الاستحباب مطلقا.
36 - صوم يوم الاثنين والخميس منسوخ، وصيام يوم السبت منهي عنه. ولم يذكر ذلك المشهور من علمائنا.
كتاب الحج:
37 - ظاهر كلامه يعطي وجوب الغسل وصلاة الاحرام عند الاحرام. والاشهر الاستحباب.
38 - الوقوف بالمشعر ركن، من تركه متعمدا بطل حجه، ذهب اليه علماؤنا الا ابن الجنيد.
39 - تجب الاضحية. والمشهور استحبابها.
40 - يجب الحج على المملوك والامة وان كانا ممنوعين عنه كالمصدود والمحصور، فان اذن لهما سيدهما فيه فقد لزمهما اداؤه. وهو خلاف المشهور من ان الحرية شرط، وقد اجمع علماؤنا سواه عليه.
كتاب الجهاد:
41 - المشهور انه لا حد للجزية بل هو بحسب ما يراه الامام، وقال ابن الجنيد بعدم جواز الاقتصار عن كل راس بدينار.
كتاب الذباحة:
42- المشهور بين الاصحاب انه يعتبر في الذبح قطع اربعة اعضاء من الحلق. واقتصر ابن الجنيد على قطع الحلقوم.
كتاب الخمس:
43 - المشهور بين علمائنا ايجاب الخمس في ارباح التجارات والصناعات والزراعات. وقال ابن الجنيد: فاما ما استفيد من ميراث او كد بدن او صلة اخ او ربح تجارة او نحو ذلك فالاحوط اخراجه، لاختلاف الرواية في ذلك.
44 - جواز دفع سهم المساكين وابناء السبيل واليتامى في اية الخمس الى اهل هذه الصفات من ذوي القربى وغيرهم من المسلمين اذا استغنى عنها ذوو القربى. والمشهور عدم جواز ذلك.
كتاب الرهن :
45- لا يجوز توكيل الراهن المرتهن في البيع. والاشهر جوازه.
كتاب الحجر:
46 - حد بلوغ الصبي اربع عشرة سنة. والمشهور انه خمس عشرة سنة.
47 - تعليق رفع الحجر في الصبية بالتزويج. وليس ذلك بشرط عند علمائنا.
كتاب المفلس:
48 - يستحب للغريم ان لا يحوج من عليه الدين الى بيع مسكنه وخادمه اللذين لا يجد غنى عنهما. والمشهور عدم جواز ذلك.
49 - يحل الدين المؤجل بالافلاس. والمشهور انه لا يحل.
50 - اقرار السكران من شرب محرم مختارا نافذ، دون ما كان سكره بعلة اخرى. والمشهور عدم نفوذه مطلقا.
كتاب اللقطة:
51 - لا يجوز للعبد ان يلتقط لقطة. والمشهور جواز لقطته.
كتاب الغصب:
52 - لو غصب مسلم مسلماً خمراً فاستهلكها حكم له بقيمتها خلا. والاشهر عدم ضمانه.
كتاب المساقاة:
53 - لا يشترط تعيين المدة في المساقاة. والمشهور اشتراط ذلك.
كتاب الوقف:
54 - اذا وقف على اولاده ولم يفضل بعضا على بعض فانه يكون للذكر مثل حظ الانثيين. وعند اكثر علمائنا يتساوى الذكور والاناث فيه.
كتاب النكاح:
55- المحرم من الرضاع باعتبار العدد كل ما وقع عليه اسم رضعة، وهو ما ملات بطن الصبي اما بالمص او بالوجور.
56 - يحرم الرضاع حتى لو كان بعد الحولين اذا لم يتوسط بين الرضاعين فطام بعد الحولين. وعلماؤنا اجمع على ان يكون الرضاع المحرم قبل ان يبلغ سن المرتضع كمال الحولين.
57 - يكفي الوجور في نشر الحرمة في الرضاع. والمشهور انه لا يؤثر، فلا بد من الاخذ من الثدي مباشرة.
58 - ثبوت الولاية للام في النكاح والجد لها. والمشهور عند علمائنا اجمع خلافه.
كتاب الطلاق:
59- يقع الطلاق بقوله: اعتدي. والمشهور انه لا يقع.
60 - لا يجوز الطلاق للمملوك بل هو بيد سيده، وذهب اليه من علمائنا ابن ابي عقيل. والمشهور انه يملك ذلك.
كتاب الكفارات:
61 - لا يجوز عتق ولد الزنا في الكفارة. والمشهور جوازه.
كتاب الصيد:
62- يجوز الصيد بالكلاب سلوقية كانت او غيرها مما علمها المسلمون ما لم يكن اسود بهيما. واطلق علماؤنا اباحة كل ما يقتله الكلب المعلم.
63 - التعليم الذي يحل به صيد الكلب هو ان يكون الكلب يفعل ما يريده صاحبه.
والمشهور ان تعليمه يكون بشروط ثلاثة: اذا ارسله استرسل، واذا زجره انزجر، وان لا ياكل مما يمسكه، مع تكرر ذلك حتى يقال في العادة انه تعلم.
كتاب القضاء:
64 - ليس للامام ولا الحكام من قبله ان يقضوا بعلمهم. واجماع الامامية على خلافه.
65 - لا يجوز كتاب قاض الى قاض في حقوق اللّه تعالى، واما حقوق الناس بعضهم على بعض في الاموال وما يجري مجراها دون الحدود في الابدان فجائز كتاب القضاة من امام المسلمين بعضهم الى بعض.
كتاب الارث:
66- ذوو الارحام من قبل الام يتقاسمون المال بالسوية كذوي الارحام من قبل الاب. والمشهور ذلك في ذوي ارحام الاب فقط.
كتاب الحدود:
67 - لو زنى الزاني مرارا بامراة واحدة وجب حد واحد، فان زنى بجماعة نساء في ساعة واحدة حد لكل امراة حدا. وبه قال الصدوق، والمشهور انه لو زنى اربع مرات او اكثر لم يقم عليه فيها الحد فليس عليه اكثر من مئة جلدة.
68 - يظهر منه جعل الارتداد قسماً واحداً وان المرتد يستتاب، فان تاب والا قتل. وهو مذهب العامة، والمشهور انه قسمان.
69- قال ابن الجنيد: روي عن ابي جعفر محمد بن علي وابي عبداللّه جعفر بن محمد عليهم السلام ان القطع في خمس دينار او في درهمين، وروي ايضا الدرهمين عن موسى بن جعفر عيلهما السلام.
والمشهور ان النصاب الذي فيه القطع ربع دينار ذهبا خالصا او ما قيمته ذلك.
كتاب القصاص والديات:
70 - يثبت لولي المقتول عمدا القود او اخذ الدية او العفو. والمشهور ان الواجب بالاصالة في قتل العمد القود، والدية انما تثبت صلحا.
71 - زاد ابن الجنيد في الجراحات الثمانية «العود»، وهي التي تعود في العظم فلا تخرقه، وجعل ديتها عشرين من الابل. قال العلامة الحلي: ولم يصل الينا في ذلك حديث‏يعتمد عليه.
72 - لا يقاد والد ولا والدة ولا جد ولا جدة لاب ولا لام بولد، ولا ولد اذا قتله عمدا. والمشهور ان الام تقتل بالولد لو قتلته عمدا، وكذا الاجداد من قبلها.
وفاته:
من المقطوع به بقاء ابن الجنيد الى سنة (340هـ)، وهي السنة التي دخل فيها نيسابور، كما ان له رواية مؤرخة بتاريخ نفس السنة نقلها الشيخ عنه في بعض رسائله.
كما ان من المقطوع به ايضاً مراسلة معز الدولة -المتوفى سنة (356هـ) له. وعلى كل حال، فان وفاته كانت قبل سنة (380هـ)، وهي سنة وفاة ابن‏النديم، حيث ذكر عنه انه كان قريب العهد منا.
واما ما عن الشيخ عبد اللطيف بن ابي جامع في رجاله من ان وفاته كانت بالري في سنة (381هـ) وهي سنة وفاة الصدوق فبعيد من وجوه:
الاول: ان المصادر المعتمدة في ترجمة ابن الجنيد -ونعني بها المصادر الاولى كرجال الشيخ وفهرسته ورجال النجاشي والمعالم وغيرها قد خلت من تحديد زمان ومكان وفاته، وعليه فلا مستند واضح لما ذكره.
الثاني: ان بقاءه لهذا التاريخ يفترض كونه من المعمرين، ولم يذكر ذلك عنه كما اعتاد ذكره الرجاليون، وذلك ان ولادته كانت في حدود سنة (280 - 290هـ)، لروايته عن حميد بن زياد (المتوفى سنة 310هـ)، وبقاؤه لسنة (380هـ) يعني انه نيف على التسعين او المئة.
الثالث: ما نقلناه من عبارة ابن النديم، فانها صريحة في عدم بقائه الى ذلك التاريخ.
الرابع: ان سنة (381هـ) توفي فيها الصدوق‏ رحمه‏ اللّه، فلو كانت وفاة ابن الجنيد فيها لاقترن ذكرهما فيها كما هي عادتهم في مثل سنة (329هـ)، حيث توفي فيها السمري اخر السفراء وعلي بن بابويه والكليني، ولذا فانهم يقرنون بينهم في هذا التاريخ، ولا شي‏ء من ذلك لا في حياة الصدوق ولا الاسكافي.
واما كون وفاته بالري فهذا ايضاً مما لم يعلم ماخذه ومستنده فيه، حيث لم تحدد مصادر ترجمته شيئا من ذلك، ولم يذكره الا هو، وتبعه عليه اخرون.
ولعل المناسبة تقتضي -باعتبار سكنه ببغداد ان تكون وفاته فيها، اذ لم ينقل عن اسفاره ورحلاته سوى سفره الى نيسابور.
واللّه العالم بحقائق الأمور.

العصر القديم : ٢٠١٣/٠٦/٠٥ : ١٢.٦ K : ٠
التعليقات:
لا توجد تعليقات.