آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره
نبذة عن حياة الامام السيد أبو القاسم الموسوى الخوئي (قدس سره):
لم تتعرض المرجعية الدينية في تاريخها وحوزتها العلمية منذ تحولها من بغداد الى النجف الأشرف عام 449 للهجرة (1057م)، على يد شيخ الطائفة الامام الطوسي (قده)، الي ظرف قاهر مشابه، كالذي مرت به خلال مرجعية الامام السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، اذ تزامنت مرجعيته مع حكم جائر في العراق جعل من الشيعة والتشيع هدفا لطغيانه وإرهابه، خصوصا بعد الثورة الاسلامية في ايران، التي قلبت كثيرا من الموازين واعتبرها النظام البعثي في العراق خطرا مباشرا عليه، لذلك جعل من الشيعة والمدن الشيعية هدفا لهذا الطغيان، وفي تلك الظروف الصعبة الموجهة ضد الحوزة العلمية، كانت مهمة المرجع الأعلى الامام الخوئي تكاد تتنحصر في المحافظة على دور الحوزة واستقلالها، لمتابعة مهامها العلمية والفقهية ، واستمرار الدور التاريخي لمدينة النجف الأشرف، التي تضم مرقد زميرالمؤمنين الامام على بن ابي طالب(ع)، في احتضان الحوزة الدينيةو معاهدها العلمية.
في حين ارادت السلطة العراقية انحياز المرجعية الى جانبها في مواقفها اللاانسانية واللااسلامية، وخصوصا في حروبها الظالمة مع الجيران، وطالبت السلطات الامام بإصدار فتوى ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية. وو عندما رفض ذلك رضوان الله تعالى عليه، كشرت السلطات العراقية أنيباها، وكانت أول بادرة اجرامية منها هى الاعتداء على منزل نجله الاكبر المغفور له السيد جمال الدين في محاولة لقتله عام 1979 م، والذي اضطر من جرائها مغادرة العراق الى سوريا حتى توفي بعدها في ايران عام 1984 م.
كما قامت السلطات باعتقال مجموعات كبيرة من رجال الدين وتلامذة الامام في الحوزة العلمية واعدمت الكثيرين منهم، وفي مقدمتهم تلميذ الامام وابنه البار الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وفي عام 1980 م قامت السلطات بتفجير سيارة الامام الخاصة وهو في طريقه الي جامع الخضراء لا داء صلاة الظهر، وقد نجا من تلك الحادثة بأعجوبة بالغة كذلك تم اعدام آية الله السيد محمد تقي الجلالي معاون الامام الخاص ي المام عام 1982 م، وفي عام 1985 م اغتيل صهر الامام سماحة آيةالله السيد نصر الله المستنبط، بواسطة زرقه بابرة سامة، كما اعتقل نجل الامام السيد ابراهيم، وصهر الامام السيد محمود الميلاني، وأكثر من مائة من افراد اسرته ومعاونيه من العلماء.
ولادته وهجرته الى النجف:
ولد الامام الخوئي في ليلة النصف من شهر رجب سنة 1317 هـ الموافق 19/11/1899 م، في مدينة خوى من اقليم آذربيجان ، وقد التحق بوالده العلامة المغفور له آية الله السيد علي اكبر الموسوي الخوئي الذي كان قد هاجر قبله الي النجف الأشرف، وحيث كانت المعاهد العلمية في النجف الأشرف هي الجامعة الدينية الكبرى التي تغذي العالم الاسلامي كله وترفده بالآلآف من رواد العلم والفضيلة على المذهب الامامي، فقد انضم سماحته وهو ابن الثالثة عشرة الى تلك المعاهد، وبدأ بدراسة علوم العربية والمنطق والاصول والفقه والتفسير والحديث.
منهجه العلمي:
يمتاز سماحة الامام الخوئي (قده) بمنهج علمي متميز واسلوب خاص به في البحث والتدريس، ذلك انه كان يطرح في أبحاثه الفقهية والاصولية العليا موضوعا، ويجمع كل ما قيل من الأدلة حوله، ثم يناقشها دليلا دليلا، وما أن يوشك الطالب على الوصول الى قناعة خاصة، حتى يعود الامام فيقيم الادلة القطعية المتقنة على قوة بعض من تلك الادلة وقدرتها على الاستنباط، فيخرج بالنتيجة التي يرتضيها، وقد سلك معه الطالب مسالك بعيدة الغور في الاستدلال والبحث، كما هو شأنه في تأليفاته القيمة، بما يجد المطالع فيها من تسلسل للافكار وبيان جميل مع الدقة في التحقيق والبحث، ولذا فقد عرف بعلم الاصول والمجدّد.
ولا تقتصر أبحاثه وتحقيقاته على هذين الحقلين في الاصول والفقه، فهو الفارس المجلّي في علم الرجال و(الجرح والتعديل) وقد شيّد صرحا علميا قويما لهذا العلم ومدخليته في استنباط المسائل الاسلامية، جمعها في كتابه الشهير ‘‘ معجم رجال الحديث وتفصيل طبيقات الرواة ‘‘ ، كما بذل جهدا كبيرا في التفسير وعلوم القرآن وضعها في مقدمة تفسيره ‘‘ البيان في تفسير القرآن ‘‘ ، وغيرها من الحقول العلمية.
و لهذا فقد جمع من حوله طيلة فترة تدريسه اعدادا كبيرة من طلبة العلوم الدينية والاساتذة اللامعين ، ينتمون الى بلدان العالم المختلفة ، فكان هناك طلاب من سوريا ولبنان والاحساء والقطيف والبحرين والكويت وايران والباكستان والهند وافغانستان ودول شرق آسيا وافريقيا مضافا الي الطلبة العراقيين، ولم يكتف سماحة الامام بتغذيتهم علميا وثقافيا، ورعايتهم روحيا، بل امتد ذلك ليشمل تغطية نفقاتهم المعيشية من الحقوق الشرعية التي كانت تصل اليه، وهكذا فقد أسس سماحته مدرسة فكرية خاصة به ذات معالم واضحة في علوم الفقه والتفسير والفلسفة الاسلامية والبلاغة وأصول الفقه والحديث.
مشايخه:
تتلمذ الامام الخوئي (قده) على كوكبة من أكابر علماء الفقه والاصول، ومراجع الدين العظام في بحوث الخارج، ومن أشهر أساتذته البارزين:
آية الله الشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة، المتوفى سنة 1339 هـ.
آية الله الشيخ مهدي المازندراني ، المتوفى سنفة 1342 هـ.
آية الله الشيخ ضياء الدين العراقي، 1278-1361 هـ.
آية الله الشيخ محمد حسين الغروي، 1296-1361هـ.
آية الله الشيخ محمد حسين النائيني ، 1273 – 1355 هـ ، الذي كان آخر أساتذته.
كما حضر قدس سره ، ولفترات محددة عند كل من:
آية الله السيد حسين البادكوبه أي ، 1293 – 1358 هـ ، في الحكمة والفلسفة.
آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي، 1282 – 1352 هـ ، في علم الكلام والتفسير.
آية الله السيد ميرزا علي آقا القاضي، 1285 – 1366 هـ ، في الاخلاق والسير والسولك والعرفان.
وقد نال درجة الاجتهاد في فترة مبكرة من عمره الشريف، وشغل منبر الدرس لفترة تمتد الى أكثر من سبعين عاما، ولذا لقب بـ ‘‘ أستاذ العلماء والمجتهدين ‘‘.
وله أجازة في الحديث يرويها عن شيخه النائيني عن طريق خاتمة المحديثين النوري، المذكور في آخر كتاب ‘‘ مستدرك الوسائل ‘‘ لكتب الامامية، وأهمها الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار، ووسائل الشيعة، وبحار الانوار، والوافي، كما وله إجازة بالرواية عن طرق العامة، عن العلامة الشهير السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي قدس سره، المتوفي سنة 1377 هـ.
مؤلفاته:
لقد ألف سماحته عشرات الكتب في شتى الحقول العلمية المختلفة نذكر المطبوع منها:
1- أجود التقريرات، في أصول الفقه.
2- البيان ، في علم التفسير.
3- نفحات الاعجاز، في علوم القرآن.
4- معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، في علم الرجال، في 24 مجلدا.
5- منهاج الصالحين ، في بيان أحكام الفقه، في مجلدين وقد طبع 28 مرة.
6- مناسك الحج ، في الفقه.
7- رسالة في اللباس المشكوك ، في الفقه.
8- توضيح المسائل، في بيان أحكام الفقه، الرسالة العملية لمقلديه، طبع أكثر من ثلاثين مرة وبعدة لغات.
9- المسائل المنتخبة، في بيان أحكام الفقه، الرسالة العملية لمقلديه باللغة العربية، طبع أكثر من عشرين مرة.
10- تكملة منهاج الصالحين، في بيان أحكام الفقه ، في القضاء والشهادات والحدود والديات والقصاص.
11- مباني تكملة المنهاج، في أسانيد الأحكام الفقهية، في القضاء والشهادات والحدود والديات والقصاص.
12- تعليقة العروة الوثقى، لبيان آرائه الفقهية على كتاب ‘‘ العروة الوثقى ‘‘ لفقيه الطائفة المغفور له آية الله العظمي السيد محمد كاظم اليزدي قدس سره، كما ولا يزال البعض الآخر من مؤلفاته مخطوطا.
تلامذته:
لقد تتلمذ بين يدي سماحته عدد كبير من أفاضل العلماء المنتشرين في المراكز والحوزات العلمية المدينيية الشيعية في أنحاء العالم، والذين يعدون من أبرز المجتهدين من بعده، ومنهم:
1 - آية الله السيد علي البهشتي – العراق.
2 - آية الله السيد علي السيستاني – العراق.
3 - آية الله الشيخ محمد اسحاق الفياض – العراق.
4 - آية الله الشيخ ميرزا علي الفلسفي – ايران.
5 - آية الله الشيخ ميرزا جواد التبريزي – ايران.
6 - آية الله السيد محمد رضا الخلخالي – العراق.
7 - آية الله الشيخ محمد آصف المحسني – افغانستان.
8 - آية الله السيد علي السيد حسين مكي – سوريا.
9 - آية الله السيد تقي السيد حسين القمي – ايران.
10- آية الله الشيخ حسين وحيد الخراساني – ايران.
11- آية الله السيدعلاء الدين بحرالعلوم – العراق.
12- آية الله المرحوم الشيخ ميرزا علي الغروي – العراق.
13- آية الله المرحوم السيد محمد الروحاني – ايران.
14- آية الله المرحوم الشيخ ميرزا يوسف الايرواني – ايران.
15- آية الله المرحوم السيد محي الدين الغريفي – البحرين.
16- آية الله الشهيد السيد عبدالصاحب الحكيم – العراق.
17- آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر – العراق.
18- وغيرهم كثير من السادة العلماء والمشايخ كبار وأفاضل الأستاتذة ، ممن تتلمذ على الامام مباشرة وعلى تلامذته في جميع الحوزات العلمية الدينية المعروفة.
تقريرات بحوثه:
وقد ترك آية الله العظمى الامام الخوئي (قده) أبحاثا قيمة كثيرة في حقلي الفقه والاصول، وهي الدروس التي كان يلقيها سماحته خلال مدة تزيد على نصف قرن على عدد كبير من أفاضل العلماء وأساتذة الحوزة العلمية الدينية في النجف الأشرف، من المجتهدين ذوي الاختصاص في الدراسات الدينية العليا، المعروفة بـ ‘‘ البحث الخارج ‘‘ (فقد ابتدأ رضوان الله تعالى عليه، بتدريس بحث الخارج سنة 1352 الى 1410 هـ، من دوز انقطاع) وقد قررت ودوّنت نظرياته الجديدة ، وآرائه العلمية القيمة تلك، في تقريرات كثير من السادة والمشايخ العلماء من تلامذته الافاضل، والتي تعتبر اليوم من أمهات المصادر الفقهية والاصولية الحديثة للباحثين والعلماء، مما لا يستغني منها الاساتذة والطلاب معا، وعليها يدور رحى البحوث والدروس في هذين الحقلين في جميع الحوزات الدينية المعروفة.
ومن تلك البحوث التي عرضت على ساحته وأجاز طبعها هي:
1- التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقرير الشيخ ميرزا علي الغروي، عشرة أجزاء (فقه).
2- تحرير العروة الوثقى ، تقرير الشيخ قربانعلي الكابلي (قده)، جزء واحد (فقه).
3- دروس في فقه الشيعة ، تقرير السيد محمد مهدي الخلخالي، أربعة أجزاء(فقه).
4- محاضرات في اصول الفقه، تقرير الشيخ محمد اسحاق الفياض، خمسة أجزاء(اصول).
5- المستند في شرح العروة الوثقى، تقرير الشيخ مرتضى البروجردي (قده) عشرة أجزاء (فقه).
6- الدرر الغوالي في فروع العلم الاجمالي، تقرير الشيخ رضا اللطفي، جزء واحد (اصول).
7- مباني الاستنباط ، تقرير السيد ابوالقاسم الكوكبي ، أربعة أجزاء (اصول).
8- مصباح الفقاهة، تقرير الشيخ محمد على التوحيدي (قده)، ثلاثة أجزاء (فقه).
9- مصابيح الاصول، تقرير السيد علاء الدين بحرالعلوم، جزء واحد (اصول).
10- المعتمد في شرح المناسك، تقرير السيد محمد رضا الخلخالي، خمسة أجزاء (فقه).
11- مصباح الاصول، تقرير السيد محمد سرور البهسودي (قده)، جزءان (اصول).
12- مباني العروة الوثقى ، تقرير الشهيد السيد محمدتقي الخوئي (قده)، أربعة أجزاء (فقه).
13- دراسات في الاصول العملية، تقرير السيد علي الحسيني الشاهرودي (قده)، جزء واحد(اصول).
14- فقه العترة في زكاة الفطرة، تقرير الشهيد السيد محمد تقي الجلالي (قده)، جزء واحد (فقه).
15- الرأي السديد في الاجتهاد والتقليد، تقرير الشيخ غلام رضا عرفانيان (قده)، جزء واحد(فقه).
16- محاضرات في الفقه الجعفري ، السيد علي الحسيني الشاهرودي(قده)، ثلاثة أجزاء (فقه).
17- جواهر الاصول، تقرير الشيخ فخر الدين الزنجاني، جزء واحد (اصول).
18- الأمر بين الأمرين، في مسألة الجبر والاختيار، تقرير الشيخ محمد تقي الجعفري، جزء واحد (اصول).
19- الرضاع، تقرير السيد محمد مهدي الخلخالي والشيخ محمد تقي الايرواني، جزء واحد (فقه).
مرجعيته:
تدرج سماحته في نبوغه طالبا للعلم، فأستاذا، ثم مجتهدا ومحققا يعد المجتهدين، فما أن التحق في عنفوان شبابه بدورس الخارج وتقرير بحوث أساتذته على زملائه، سرعان ما عقب شيوخه في أروقة العلم، بالتصدي لتدريس بحث الخارج، فانهالت عليه هجرة طالبي العلم من كل مكان، وقلدته المرجعية العليا جميع مسؤولياتها وشؤونها ، حتى أصبح زعيمها دون منازع، ومرجعا أعلى للمسلمين الشيعة، يقلده ملايين المؤمنين من أتباع مذهب الامامية في مختلف بقاع العالم، وطبعت رسائله العملية لبيان الاحكام الشرعية لمقلديه وبعدة لغات، وتلك بفضل نبوغه وتضلعه في مختلف العلوم الاسلامية ، وبلوغه الغاية من التقوى، وألمعيته في إدارة الحوزات، واهتمامه البالغ برفع مستوى العلماء، علميا ومعيشيا، وفي رعايته للمسلمين عموما. فكان (قده) منذ أيامه الاولى يعدّ بحق، زعيمها الواعد، حتى أصبح رمزا بارزا من رموز المرجعية الرشيدة، وعلما من أعلام الاسلام، يخفق علي قمة الحوزات العلمية في كل مكان.
خدماته الاجتماعية:
لم تتوقف قضية الخدمة والاهتمام بالشؤون الاجتماعية لديه عند حد دون حد، وبلد دون بلد بل كان للامة بحق بمثابة الاب المشفق علي ابنائه والمرجع الاعلى لهم، ومثلا لقيادة أهل البيت عليهم السلام، الذين هم خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله، الذى يصفه الله تعالى يصفه الله تعالى بقوله (بالمؤمنين رؤوف رحيم)، وقد تجلت هذه المشاعر الابوية بشكل عملي واضح في كل يوم من ايام حياته الشريفة، وخصوصا في المحن والشدائد التي حفل بها تاريخ هذه الامة المعاصر.
كان الامام الراحل يحمل بين جنبيه قلبا كبيرا يتحرق ويتألم لمعاناة المسلمين، ولم يكتف بالتحرق الصادق بل قام بكل ما كان بوسعه لمساعدتهم عمليا، وتخفيف معاناتهم. وكان رضوان الله تعالى عليه يتابع بنفسه اخبار المسلمين ويصرف وقتا غير قليل من وقته الثمين، لمتابعة اهم الاخبار التي تتعلق بالاسلام والمسلمين، وطالما كان يؤرق ويترك النوم جرّاء حادثة محزنة يمني بها المسلمون هنا وهناك ويمكن تناول خمسة محاور رئيسية لتوضيح اهتمام ورعاية الامام الراحل بشؤون الامة:
أولا: الحوزات العلمية:
لقد تجاوزت رعاية الامام الراحل رضوان الله تعالى عليه للحوزات العلمية كل الحدود السابقة التي كانت مألوفة قبل مرجعيته العامة. فبعد ان كان الاهتمام منصبا على رعاية طلاب ومدرسي حوزة النجف الاشرف وقم المقدسة والمشهد المقدس في خراسان، فقد توسع اهتمام الامام السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه ليشمل الحوزات العلمية في كل المدن العراقية والايرانية بتوسع أكثر، فشمل المدارس العلمية في باكستان والهند، ثم تايلند وبنغلاديش ، ثم افريقيا ، ثم اوروبا وامريكا.
وكذلك من جانب الرعاية المالية حيث لم تشهد الحوزات العلمية ازدهارا معاشيا في عصورها المختلفة كما شهدت تحت رعاية الامام الخوئي رضوان الله تعالى عليه.
ومن جانب التوسع الكمي والكيفي الذين شهدتهما الحوزات العلمية تحت توجيهاته ورعايته، فيكفي ذكر انه أمر بانشاء عشرات المدارس العلمية التي أصبحت مراكز للتعليم والتعلم في بلاد كثيرة، نذكر بعضا منها في بلاد الهند وبنغلادش، كمدرسة صاحب الزمان في كهولنا – بنغلاديش ، ومدرسة أهل البيت في هوالي - البنغال الغربية، ومدرسة أميرالمؤمنين التي تعد اليوم نموذجا للحوزات العلمية في تلك البلاد، ومدرسة الامام الباقر عليه السلام في بهيوندي، ومدرسة الامام المهدي في علي ئور، والمدرسة الايمانية في نبراس والحوزة العلمية في حيدر آباد، بالاضافة الي كثير من المدارس المنتشرة في أنحاء البلاد الهندية التي انشئت بأمره، أوالتي تم احياؤها بعد أن اضمحلت بسبب صروف الدهر.
ولن ينسى أربعون مليون مسلم شيعي في الهند، أن الامام الخوئي رضوان الله تعالي عليه، كان محيي الحوزات العلمية والمراكز الدينية وباعث النهضة الاسلامية الجديدة في ربوع تلك البلاد الواسعة.
واما في باكستان فقد تأسست العشرات من المدارس العلمية وازدهرت عشرات أخرى بسبب الاهتمام الكبير الذي اولاه هذا المرجع العظيم، وفي افريقيا انشئت بأمره وتحت رعايته مدارس علمية في عدة بلدان ، خرجت وتخرج المبلغين الكثر الذين يرشدون الناس الي دين الحق. وفي بريطانيا انشئت مدرسة السيد الخوئي في لندن للدراسات الحوزوية، وفي امريكا الشمالية انشئت المدرسة الدينية في مدينة مداينا وكذلك في لبنان وسوريا وتركيا ، فان رعاية سماحة الامام الراحل عبر وكلاءه قد أدت الى تطور كبير في وضع طلبة العلوم الدينية في تلك البلاد، مضافا لما قدمه من خدمات جليلة وما أضفى على الحوزات العلمية الرئيسية ومدارسها ومكتباتها ووضع طلابها وأساتذتها كحوزة النجف الاشرف وحوزة قم المقدسة وحوزة المشهد الرضوي، بتوابعها المختلفة المتعددة، التي تعتبر اليوم أساس وقوام الحوزات الدينية للطائفة وباختصار يمكن القول بأن الامام الخوئي رضوان الله تعالى عليه، كان رائد النهضة العلمية الحديثة وراعيها في العالم الاسلامي الشيعي المعاصر من دون منازع.
ثانيا: المشاريع
لقد كان الامام الراحل رضوان الله تعالى عليه ينتظر لسنوات طويلة ان تتوفر لديه الامكانات اللازمة لا نشاء مشاريع كبيرة يستمر نفعها الى الاجيال القادمة وتتسع دائرة الاستفادة منها الى ابعد حد ممكن كان ذلك ادراكا منه بطبيعة ظروف هذا العصر، وضرورة انشاء المشاريع التي ترفع شأن المؤمنين وتوفر لهم مصدرا ومركزا باقيا من مراكز النفع العام، فتوجه رضوان الله تعالى عليه الى انشاء مدينة متكاملة لطلاب العلم ومدرسي الحوزة العلمية في قم المقدسة وهي اليوم مدينة شامخة باسم »مدينة العلم« وهي غنية عن التعريف لشهرتها وذيوع صيتها في اوساط أهل العلم.
كما أنشئ بأمره رضوان الله تعالى عليه، مدرسة علميه في مدينة مشهد المقدسة تعد أكبر مدرسة علمية حوزوية في العالم الشيعي أجمع، وهي عماد ومركز الحوزة في الوقت الحاضر، وفي لبنان كان مشروعه الكبير المعروف باسم ‘‘ مبرة الامام الخوئي ‘‘ دارا للايتام، تضم اليوم أكثر من الف ومائتي يتيم ويتيمة، يعيشون منعمين بوسائل الراحة والرعاية، وقد شهدت بعض المنظمات الدولية المتخصصة ، لهذه المبرة، بأنها من أفضل دور رعاية الايتام في منطقة الشرق الاوسط.
ومضافا لما ذكر في الهند، فقد تفضل رضوان الله تعالى عليه بالامر بانشاء مجمع ثقافي ضخم قرب مدينة بومبي على مساحة من الارض تقارب المليون قدم مربع، يعد أكبر مشروع اسلامي شيعي في العالم على الاطلاق، يشمل مدارس وثانويات وكليات أكاديمية، ومدارس حوزوية، ومعاهد مهنية، ومستشفى كبيرا، ومسجدا ضخما وتوابع كثيرة، تجعل من المشروع مدينة متكاملة.
وهذا المشروع الثقافي الخيري الاسلامي العملاق لوحده كاف لبيان عظمة الامام الراحل وسعة افقه وبعد نظره، وعلوّ همته كما وقد أمر رضوان الله تعالى عليه بانشاء مشروع تعليمي ضخم آخر في مدينة اسلام آباد في باكستان.
كما وأن مشروع المركز الاسلامي للامام الراحل مشهور في نيويورك ، ومعه مدرسة للاطفال التي أصبحت محط آمال المؤمنين هناك، لانها السبيل الوحيد لانقاذ أبنائهم من الضياع في ذلك المجتمع الملوث الفاسد وهناك مشاريع كثيرة تفضل سماحته بدعمها ماديا ومعنويا منتشرة في أنحاء العالم كالمكتبات العامة والمشاريع المتعددة في العراق وباكستان والهند وتايلند وافريقيا وغيرها من البلاد.
وينبغي ان نوضح هنا جانبا هاما آخر من جوانب رعاية سماحته رضوان الله تعالى عليه للمشاريع النافعة، وذلك عن طريق اجازاته السخية للمؤمنين بدفع الحقوق الشرعية المتعلقة بذمتهم للمشاريع الخيرية العامة مباشرة، ولا نبالغ اذا قلنا ان الالوف من المدارس والمساجد والحسينيات ودور الايتام والمستشفيات والمستوصفات وغيرها من مشاريع الخير لكم تكن لتنجح وتتطور لولا اجازات سماحته ودعمه المادي والمعنوي لها ، وهي منتشرة في أنحاء المعمورة، ويحتاج رصدها الى كتاب ضخم.
كما ان رعايته رضوان الله تعالى عليه للامة تجاوزت ذلك الحد وتعدته الى تشجيعه للرجال المخلصين أن ينظموا صفوف الامة وينضموا أعمالها ومشاريعها وخدماتها. فكان رحمه الله تعالى، يشجع كثيرا ويؤكد على (تنظيم الامور) في الاعمال الدينية والخيرية والاجتماعية ولقد لقيت منه الجمعيات الشيعية المعروفة والنشيطة في مختلف البلدان كل الدعم والاسناد والتأييد، بل أجاز بعضها باستلام الحقوق الشرعية وصرف جزء منها في المشاريع النافعة للامة.
وكم هو ضروري لنا وللعاملين جميعا الاستمرار علي هدى مرجعنا الاعلى الراحل رضوان الله تعالى عليه، والسير قدما في تنظيم صفوف المسلمين وأتباع أهل البيت عليهم السلام وتنسيق جهودهم، ففي ذلك عزهم وفوزهم في الدنيا والآخرة.
ثالثا: مواقفه في معالجة أضرار الكوارث الطبيعية:
كان الامام الخوئي رضوان الله تعالى عليه سباقا لاغاثة الملهوفين ونجدة المنكوبين في أية بقعة من بقاع الارض يسكنها اتباع آل البيت ويتوطن فيها التشيع، وليس أدل على ذلك موقفه الرائع لا غاثة المنكوبين في الزلزال الاخير الذي ضرب أجزاء من شمال ايران، حتي أسعفهم بمبلغ تجاوز المليون دولار آمريكي لاعادة الاعمار وبناء وتعمير المدارس والمنازل والمرافق العامة والقرى المتضررة، وكذلك مساعدته الفورية لمنكوبي الخسف الذى أصاب كركيل في كشمير قبل بضع سنوات، وكذلك مساعدته لضحايا الجفاف في الهند.
رابعا: مواقفه في الازمات والمحن
كان حريصا على ان يتباع الازمات والمحن التي يتعرض لها المؤمنون والمسلمون في انحاء الرض ويسعي بكل جهده لمساعدتهم ففي ايام الحرب العراقية الايرانية قدم رضوان الله تعالى عليه لمنكوبي ومشردي الحرب كل انواع الرعاية والمساعدات الممكنة. وكان في الوقت نفسه طودا شامخا امام الظالم الطاغية الذي حاول بكل وسائل الضغط والايذاء ان ينتزع منه ولو كلمة واحدة لصالح نظامه الجائر فلم يفلح وانتصر الصبر الحسني والجهاد الراسخ للامام الراحل رضوان الله تعالى عليه على ظلم الطاغية ودهائه خصوصا ان المعونات والخدمات كانت متواصلة في المدن على طرفي النزاع تقدم المساعدات وتقدم الخدمات للمتضررين المقهورين في ايران والعراق طوال ثمان سنوات من الحرب وبعدها.
وكان موقفه رضوان الله تعالى عليه من محنة المسلمين في افغانستان واضحا جليا ، فقد قدم كل انواع الدعم، حتى انه اجاز المؤمنين بدفع الحقوق الشرعية لتمويل عمليات الجهاد ضد الغزاة السوفيت وكان رضوان الله تعالى عليه يرسل مبالغ كبيرة مباشرة لدعم جهاد المؤمنين الافغان ضد الكفار.
وفي لبنان وفلسطين كان الامام رضوان الله تعالى عليه يشجب باستمرار اعمال اعداء الاسلام ، ويستنهض المسلمين لجمع صفوفهم في مواجهة عدوهم، وكان اضافة الى ذلك يرعى فقراء لبنان بتوزيع المواد الغذائية عليهم، ويدعم الوجود الاسلامي لهم بكل الوسائل الممكنة.
كما وفي أثناء غزو الكويت من قبل النظام الجائر في العراق عام 1990 م ، كان للامام الراحل رضوان الله تعالى عليه أروع المواقف في احتضان أبناء الكويت المشردين والمنكوبين ، فقد أمر وكلاءه في كافة البلاد التي تواجدوا فيها، لاحتضان أبناء الكوبت المشردين من بلادهم، وبدفع مبالغ كافية لرعياة شؤونهم وعوائلهم، الى ان انجلت الازمة، وأصدر فتواه الشهيرة إبان الغزو الغاشم، بحرمة الاستفادة والبيع والشراء من مسروقات الكويت، وهو يرزخ في العراق تحت سلطة النظام الجائر الذي لا يرحم.
وكذلك موقفه الخيّر في مساعدة المظلومين من المهرين العراقيين قبل الانتفاضة الاخيرة وبعدها في الخارج ، ورعاية أهليهم في الداخل، وغير ذلك من المواقف التي تثبت أنه كان رضوان الله تعالى عليه، كهفا يلوذ به اللائذون ويلجأ اليه المؤمنون.
خامسا: تأسيس مؤسسة الامام الخوئي الخيرية
أمر سماحة الامام الراحل رضوان الله تعالى عليه بتأسيس مؤسسة خيرية عالمية مسجلة رسميا، تجاوبا مع إحساسه بضرورة إرساء قواعد مؤسسات قوية قادرة على تقديم خدمات مستمرة للمؤمنين فلقد كانت المرجعيات الدينية تبني بنيانها وترعاه، حتى اذا توفي المرجع توقف النمو وتراجع تدريجيا بينما تقوم مؤسسة الامام الخوئي الخيرية بوضعها الشرعي والقانوني اليوم برعاية المشاريع الكبرى التي اسسها سماحة الامام رضوان الله تعالى عليه، وهي مؤهلة للاستمرار لوقت طويل جدا ان شاء الله تعالى في خدمة المسلمين.
ان تأسيس هذه المؤسسة بادرة مباركة ترسي مشاريع الطائفة على أسس قوية وتكلف لها الاستمرار والتطور، وهي انجاز رائع وخطوة شجاعة قام بها المرجع الاعلى الذي ترك لهذه الامة تراثا ضخما من العلم والعلماء، والمساجد والمدارس، والمشاريع النافعة... وفوق كل ذلك المبادئ العظيمة التي عاش من اجلها وكرس كل حياته الشريفة لها … الا وهي إعلاء كلمة الله تعالى ورفع راية محمد وآل محمد صلوات الله تعالي عليهم ، وخدمة المؤمنين.