كتاب الإمام المهدي عليه السلام في جعفر بن علي
كتاب الإمام المهدي عليه السلام في جعفر بن علي لم تزل رعاية الامام الحجة عليه السلام لشيعة أهل البيت أثناء الغيبة الصغرى شاملة لكل القضايا التي تبرز في الساحة السياسية والاجتماعية والفقهية، وكان الشيعة في هذه الفترة يتعاطون مع الامام بكل دقائق حياتهم وتفاصيل شؤونهم، وقد شملت المسائل العقائدية جانباً مهماً في تثبيت موقع الإمامة وردّ الشبهات التي تعترض حياتهم من خلال التعامل مع المدّعين لمنصب الإمامة وغيرهم، وإليك نموذجاً من هذه التوقيعات الشريفة: ما ورد في جعفر بن علي في الاحتجاج عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن سعد الاشعري قدس سره أنه جاء بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي كتب إليه كتاباً يعرّفه نفسه، ويُعلمه أنّه القيّم بعد أخيه، وأن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلها، قال إسحاق: فلما قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان وصيّرت كتاب جعفر في درجه، فخرج إليّ الجواب في ذلك. بسم الله الرحمن الرحيم أتاني كتابك ـ أبقاك الله ـ والكتاب الذي أنفذت في درجه، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنّه على اختلاف ألفاظه وتكرر الخطأ فيه، ولو تدبّرتَه لوقفتَ على بعض ما وقفتُ عليه منه، والحمد لله رب العالمين حمداً لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا، أبى الله عز وجل للحقّ الا إتماماً، وللباطل إلاّ زهوقاً، وهو شاهد عليّ مما أذكره ولي عليكم بما أقوله إذا إجتمعنا اليوم الذي لا ريب فيه ويسألنا عمّا نحن فيه مختلفون، وانه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعاً إمامة مفترضة ولا طاعة ولا ذمّة، وسأبيّن لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله، يا هذا يرحمك الله إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثاً، ولا أهملهم سدى، بل خلقهم بقدرته، وجعل لهم اسماعاً وأبصاراً وقلوباً وألباباً، ثم بعث إليهم النبييّن مبشّرين ومُنذرين، يأمرونهم بطاعته، وينهونهم عن معصيته، ويعرّفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم، وأنزل عليهم كتاباً، وبعث إليهم ملائكة، وباين بينهم وبين مَن بعثهم إليهم بالفضل الذي جعل لهم عليهم وما أتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة والآيات الغالبة، فمنهم من جعل النار عليه برداً وسلاماً واتّخذه خليلاً، ومنهم من كلّمه تكليماً وجعل عصاه ثعباناً مبيناً، ومنهم من أحيى الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، ومنهم من علّمه منطق الطير وأُوتي من كل شيء، ثم بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين وتمّم نعمته وختم به أنبياءه وأرسله إلى الناس كافة وأظهر من صِدقه ما أظهر، وبيّن من آياته وعلاماته ما بيّن، ثم قبضه صلى الله عليه وآله وسلم حميداً فقيداً سعيداً وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيّه ووارثه علي ابن ابي طالب عليه السلام ثم إلى الأوصياء من ولده واحداً بعد واحد، أحيى بهم دينه وأتمّ بهم نوره، وجعل بينهم وبين اخوانهم وبنيّ عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقاً بيّناً تعرف به الحجّة من المحجوج والإمام من المأموم، بأن عصمهم من الذنوب وبرّأهم من العيوب، وطهّرهم من الدنس، ونزّههم من اللبس، وجعلهم خزّان علمه ومستودع حكمته وموضع سره، وأيّدهم بالدلائل، ولولا ذلك لكان الناس على سواء، ولادّعى أمر الله عزوجل كلّ أحد، ولما عُرف الحق من الباطل ولا العلم من الجهل، وقد ادّعى هذا المُبطل المدّعي على الله الكذب بما ادّعاه، فلا أدري بأي حالة هي له رجا أن يتمّ دعواه في دين الله، فو الله ما يعرف حلالاً من حرام، ولا يفرّق بين خطأ وصواب، فما يعلم حقّاً من باطل، ولا محكماً من متشابه، ولا يعرف حدّ الصلاة ولا وقتها، أم بورعٍ فالله شهيد على تركه الصلاة الفريضة أربعين يوماً، يزعم ذلك لطلب الشعوذة (الشعبدة) ولعل خبره تأدّى إليكم، وهاتيك طروق منكره منصوبة، وآثار عصيانه لله عز وجل في كتابه مشهورة قائمة، أم بآيةٍ فليأتِ بها، أم بحجّة فليعمها، أم بدلالةٍ فليذكرها، قال الله عزّوجل في كتابه بسم الله الرحمن الرحيم (حم، تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأْرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ، قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الأْرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ، وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) فالتمس ـ تولّى الله توفيقك ـ من هذا الظالم ما ذكرت لك وامتحنه واسأله عن آية من كتاب الله يفسّرها أو صلاة يبيّن حدودها وما يجب فيها لتعلم حاله ومقداره، ويظهر لك عواره ونقصانه والله حسيبه، حفظ الله الحق على أهله وأقرّه في مستقره، وقد أبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في أخوَين إلاّ في الحسن والحسين وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحلّ الباطل وانحسر عنكم، وإلى الله أرغب في الكفاية وجميل الصنع والولاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على محمّد وآل محمّد. |