اللقاء (٣٦): حسن بن مثلة الجمكراني وأمر الإمام ببناء المسجد المشتهر بمسجد (جمكران)
اللقاء (36): حسن بن مثلة الجمكراني وأمر الإمام ببناء المسجد المشتهر بمسجد (جمكران) (*) (1)
في تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل الحسن بن محمد بن الحسن القمي من كتاب مونس الحزين في معرفة الحق واليقين ، من مصنفات أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربية : باب ذكر بناء مسجد جمكران ، بأمر الامام المهدي عليه صلوات الله الرحمن وعلى آبائه المغفرة ، سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الامام عليه السلام على ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال : كنت ليلة الثلاثا السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلارث وتسعين وثلاثمائة نائما في بيتي فلما مضى نصف من الليل فاذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني ، وقالوا : قم وأجب الامام المهدي صاحب الزمان فانه يدعوك.
قال : فقمت وتعبأت وتهيأت ، فقلت : دعوني حتى ألبس قميصي ، فاذا بنداء من جانب الباب : " هو ما كان قميصك " فتركته وأخذت سراويلي ، فنودي : " ليس ذلك منك ، فخذ سراويلك " فالقيته وأخذت سراويلي ولبسته ، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي " الباب مفتوح ".
فلما جئت إلى الباب ، رأيت قوما من الاكابر ، فسلمت عليهم ، فردوا ورحبوا بي ، وذهبوا بي إلى موضع هو المسجد الآن ، فلما أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فراش حسان ، وعليها وسائد حسان ، ورأيت فتى في زي ابن ثلاثين متكئا عليها ، وبين يديه شيخ ، وبيده كتاب يقرؤه عليه ، وحوله أكثر من ستين رجلا يصلون في تلك البقعة ، وعلى بعضهم ثياب بيض ، وعلى بعضهم ثياب خضر.
وكان ذلك الشيخ هو الخضر عليه السلام فأجلسني ذلك الشيخ عليه السلام ، ودعاني اللمام عليه السلام باسمي ، وقال : اذهب إلى حسن بن مسلم ، وقل له : إنك تعمر هذه الارض منذ سنين وتزرعها ، ونحن نخربها ، زرعت خمس سنين ، والعام أيضا أنت على حالك من الزراعة والعمارة ؟ ولا رخصة لك في العود إليها وعليك ردما انتفعت به من غلات هذه الارض ليبنى فيهامسجد وقل لحسن بن مسلم إن هذه ارض شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الاراضي وشرفها ، وأنت قد أضفتها إلى ارضك.
وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابين ، فلم تنتبه من غفلتك ، فان لم تفعل ذلك لاصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر.
قال حسن بن مثلة : ( قلت ) يا سيدي لا بد لي في ذلك من علامة ، فان القوم لا يقبلون مالا علامة ولا حجة عليه ، ولا يصدقون قولي ، قال : إنا سنعلم هناك فاذهب وبلغ رسالتنا ، واذهب إلى السيد ابي الحسن وقل له : يجيئ ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين ، ويعطيه الناس حتى يبنوا المسجد ، ويتم ما نقص منه من غلة رهق ملكنا بناحية أردهال ويتم المسجد ، وقد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد ، ليجلب غلته كل عام ، ويصرف إلى عمارته.
وقل للناس : ليرغبوا إلى هذا الموضع ويعزروه ويصلوا هنا اربع ركعات للتحية في كل ركعة يقرأ سورة الحمد مرة ، وسورة الاخلاص سبع مرات ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات ، وركعتان للامام صاحب الزمان عليه السلام هكذا : يقرأ الفاتحة فاذا وصل إلى " إياك نعبد وإياك نستعين " كرره مائة مرة ثم يقرؤها إلى آخرها وهكذا يصنع في الركعة الثانية ، ويسبح في الركوع و السجود سبع مرات ، فاذا أتم الصلاة يهلل ويسبح تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام فاذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلي على النبي وآله مائة مرة ، ثم قال عليه السلام : ما هذه حكاية : فمن صلاها فكأنما في البيت العتيق.
قال حسن بن مثلة : قلت في نفسي كأن هذا موضع أنت تزعم أنماهذا المسجد للامام صاحب الزمان مشيرا إلى ذلك الفتى المتكئ على الوسائد فأشار ذلك الفتى إلي أن اذهب.
فرجعت فلما سرت بعض الطريق دعاني ثانية ، وقال : إن في قطيع جعفر الكاشاني الراعي معزا يجب أن تشتريه فان أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلا فتعطي من مالك ، وتجبئ به إلى هذا الموضع ، وتذبحه الليلة الآتية ثم تنفق يوم الاربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم ذلك المعز على المرضى ، ومن به علة شديدة ، فان الله يشفي جميعهم ، وذلك المعر أبلق ، كثير الشعر ، وعليه سبع علامات سود وبيض : ثلاث على جانب وأربع على جانب ، سود وبيض كالدراهم.
فذهبت فأرجعوني ثالثة ، وقال عليه السلام : تقيم بهذا المكان سبعين يوما أو سبعا فان حملت على السبع انطبق على ليلة القدر ، وهو الثالث والعشرون وإن حملت على السبعين انطبق على الخامس والعشرين من ذي القعدة ، وكلاهما يوم مبارك.
قال حسن بن مثلة : فعدت حتى وصلت إلى داري ولم أزل الليل متفكرا حتى اسفر الصبح ، فأديت الفريضة ، وجئت إلى علي بن المنذر ، فقصصت عليه الحال ، فجاء معي حتى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة ، فقال : والله إن العلامة التي قال لي الامام واحد منها أنهذه السلاسل والاوتاد ههنا.
فذهبنا إلى السيد الشريف أبي الحسن الرضا فلما وصلنا إلى باب داره رأينا خدامه وغلمانه يقولون إن السيد أبا الحسن الرضا ينتظرك من سحر ، أنت من جمكران ؟ قلت : نعم ، فدخلت عليه الساعة ، وسلمت عليه وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني ومكن لي في مجلسة ، وسبقني قبل أن احدثه وقال : يا حسن بن مثلة يأتيك إني كنت نائما فرايت شخصا يقول لي : إن رجلا من جمكران يقال له : حسن بن مثلة يأتيك بالغدو ، ولتصدقن ما يقول ، واعتمد على قوله ، فان قوله قولنا ، فلا تردن عليه قوله فانتهبت من رقدتي ، وكنت أنتظرك الآن.
فقص عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحا فأمر بالخيول لتسرج ، وتخرجوا فركبوا فلما قربوا من القرية رأوا جعفرالراعي وله قطيع على جانب الطريق فدخل حسن بن مثلة بين القطيع ، وكان ذلك المعز خلف القطيع فأقبل المعز عاديا إلى الحسن بن مثلة فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به فأقسم جعفر الراعي أني ما رأيت هذا المعز قط ، ولم يكن في قطيعي إلا أني رأيته وكلما أريد أن آخذه لا يمكنني ، والآن جاء إليكم ، فأتوا بالمعز كما أمر به السيد إلى ذلك الموضع وذبحوه.
وجاء السيد أبوالحسن الرضا رضي الله عنه إلى ذلك الموضع ، وأحضروا الحسن بن مسلم واستردوا منه الغلات وجاؤا بغلات رهق ، وسقفوا المسجد بالجزوع وذهب السيد أبوالحسن الرضا رضي الله عنه بالسلاسل والاوتاد وأودعها في بيته فكان يأتي المرضى والاعلاء ويمسون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله تعالى عاجلا ويصحون.
قال أبوالحسن محمد بن حيدر : سمعت بالاستفاضة أن السيد أبا الحسن الرضا في المحلة المدعوة بموسويان من بلدة قم ، فمرض بعد وفاته ولد له ، فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والاوتاد ، فلم يجدها.
انتهت حكاية بناء هذا المسجد الشريف ، المشتملة على المعجزات الباهرة والآثار الظاهرة التي منها وجود مثل بقرة بني إسرائيل في معز من معزى هذه الامة.
قال المؤلف : لا يخفى أن مؤلف تاريخ قم ، هو الشيخ الفاضل حسن بن محمد القمي وهو من معاصري الصدوق رضوان الله عليه ، وروى في ذلك الكتاب ، عن أخيه حسين بن علي بن بابويه رضوان الله عليهم ، وأصل الكتاب على على اللغة العربية ولكن في السنة الخامسة والستين بعد ثمان مائة نقله إلى الفارسية حسن بن علي ابن حسن بن عبدالملك بأمر الخاجا فخرالدين إبراهيم بن الوزير الكبير الخاجا عماد الدين محمود بن الصاحب الخاجا شمس الدين محمد بن علي الصفي.
قال العلامة المجلسي في أول البحار : إنه كتاب معتبر ، ولكن لم يتيسر لنا أصله ، وما بأيدينا إنماهو ترجمته وهذا كلام عجيب ، لان الفاضل الالمعي الآميرزا محمد أشرف صاحب كتاب فضائل السادات كانمعاصرا له ومقيما باصفهان ، وهو ينقل من النسخة العربية بل ونقل عنه الفاضل المحقق الآغا محمد علي الكرمانشهاني في حواشيه على نقد الرجال ، في باب الحاء في اسم الحسن ، حيث ذكر الحسن ابن مثلة ، ونقل ملخص الخبر المذكور من النسخة العربية ، وأعجب منه أن أصل الكتاب كان مشتملا على عشرين بابا.
وذكر العالم الخبير الآميرزا عبدالله الاصفهاني تلميذ العلامة المجلسي في كتابه الموسوم برياض العلماء في ترجمة صاحب هذا التاريخ إنه ظفر على ترجمة هذا التاريخ في قم ، وهو كتاب كبير حسن كثيرة الفوائد في مجلدات عديدة.
ولكني لم اظفر على أكثر من مجلد واحد ، مشتمل على ثمانية أبواب بعد الفحص الشائع.
وقد نقلنا الخبر السابق منه خط السيد المحدث الجليل السيد نعمة الله الجزائري عن مجموعة نقله منه ولكنه كان بالفارسية فنقلناه ثانيا إلى العربية ليلائم نظم هذا المجموع ، ولا يخفى أن كلمة " التسعين " الواقعة في صدر الخبر بالمثناة فوق ثم السين المهملة ، كانت في الاصل سبعين مقدم المهملة على الموحدة واشتبه على الناسخ لان وفاة الشيخ الصدوق كانت قبل التسعين ، ولذا نرى جمعا من العلماء يكتبون في لفظ السبع أو السبعين بتقديم السين أو التاء حذرا عن التصحيف والتحريف والله تعالى هو العالم.
الهوامش:
(*) موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام لمحمد تقي أكبر نژاد
(1) مستدرك الوسائل ج 3 ص 447 54_ باب نوادر.
بحار الأنوار ص 230 ج 53 الحكاية الثامنة.