المسار:
العربية » التقويم المهدوي » رجب المرجّب
رجب المرجّب

سنة (١٣٠١ هـ): تشرف الحاجّ علي البغدادي بملاقاة الإمام المهدي عليه السلام في قصَّة رائعة:

سنة (1301هـ):

تشرف الحاجّ علي البغدادي بملاقاة الإمام المهدي عليه السلام في قصَّة رائعة:
ذكر النوري رحمه الله في النجم الثاقب: قضيّة الصالح الصفي التقي الحاجّ علي البغدادي الموجود حالياً في وقت تأليف هذا الكتاب وفَّقه الله...، ولو لم يكن في هذا الكتاب الشريف إلاَّ هذه الحكاية المتقنة الصحيحة التي فيها فوائد كثيرة، وقد حدثت في وقت قريب، لكفت في شرفه ونفاسته، وتفصيلها كما يلي:
في شهر رجب السنة الماضية كنت مشغولاً بتأليف رسالة جنَّة المأوى فعزمت على السفر إلى النجف الأشرف لزيارة المبعث، فجئت الكاظمين ووصلت بخدمة جناب العالم العامل والفقيه الكامل السيّد السند والحبر المعتمد الآقا السيّد محمّد ابن العالم الأوحد السيّد أحمد ابن العالم الجليل والدوحة النبيل السيّد حيدر الكاظميني(1) أيَّده الله وهو من تلامذة خاتم المجتهدين وفخر الإسلام والمسلمين الأستاذ الأعظم الشيخ مرتضى أعلى الله تعالى مقامه، ومن أتقياء علماء تلك البلدة الشريفة، ومن صلحاء أئمّة جماعة الصحن والحرم الشريف، وكان ملاذاً للطلاَّب والغرباء والزوّار، وأبوه وجدّه من العلماء المعروفين، وما زالت تصانيف جدّه سيّد حيدر في الأصول والفقه وغيرهما موجودة.
فسألته إذا كان رأى أو سمع حكاية صحيحة في هذا الباب أن ينقلها، فنقل هذه القضيّة، وكنت قد سبقتها سابقاً ولكنّي لم أضبط أصلها وسندها فطلبت منه أن يكتبها بخطّ يده.
فقال: سمعتها من مدَّة وأخاف أن أزيد فيها أو أنقص، فعليَّ أن ألتقي به وأسأله ومن ثَمَّ أكتبها، ولكن اللقاء به والأخذ منه صعب فإنَّه من حين وقوع هذه القضيّة قلَّ اُنسه بالناس وسكناه في بغداد وعندما يأتي للتشرّف بالزيارة فإنَّه لا يذهب إلى مكان ويرجع بعد أن يقضي وطراً من الزيارة، فيتَّفق أن لا أراه في السنة إلاَّ مرَّة أو مرَّتين في الطريق، وعلى ذلك فإنَّ مبناه على الكتمان إلاَّ على بعض الخواصّ ممَّن يأمن منه الإفشاء والإذاعة خوف استهزاء المخالفين المجاورين المنكرين ولادة المهدي عليه السلام وغيبته، وخوفاً من أن ينسبه العوامّ إلى الفخر وتنزيه النفس.
قلت: إنّي أطلب منك أن تراه مهما كان وتسأله عن هذه القضيّة إلى حين رجوعي من النجف، فالحاجة كبيرة والوقت ضيّق.
ففارقته لساعتين أو ثلاث ثمّ رجع إليَّ وقال: من أعجب القضايا أنّي عندما ذهبت إلى منزلي جائني شخص مباشرةً وقال: جاؤوا بجنازة من بغداد ووضعوها في الصحن الشريف وينتظرونك للصلاة عليها.
فقمت وذهبت وصلَّيت فرأيت الحاجّ المذكور بين المشيّعين فأخذته جانباً، وبعد امتناعه سمعت هذه القضيّة، فشكرت الله على هذه النعمة السنية، فكتبت القصَّة بكاملها وثبَّتها في جنَّة المأوى.
وقد تشرَّفت بعد مدَّة مع جماعة من العلماء الكرام والسادات العظام بزيارة الكاظمين عليهما السلام وذهبت من هناك إلى بغداد لزيارة النوّاب الأربعة رضوان الله عليهم فبعد أداء الزيارة وصلت بخدمة جناب العالم العامل والسيّد الفاضل الآقا سيّد حسين الكاظميني، وهو أخ جناب الآقا السيّد محمّد المذكور، وكان يسكن في بغداد وعليه مدار الأمور الشرعية لشيعة بغداد أيَّدهم الله، وطلبت منه أن يحضر الحاجّ علي المذكور، وبعد أن حضر، طلبت منه أن ينقل القضيّة في ذلك المجلس، فأبى، وبعد الإصرار رضي أن ينقلها ولكن في غير ذلك المجلس، وذلك بسبب حضور جماعة من أهل بغداد، فذهبنا إلى مكان خال ونقل القضيّة، وكان الاختلاف في الجملة في موضعين أو ثلاثة وقد اعتذر عن ذلك بسبب طول المدَّة.
وكانت تظهر من سيمائه آثار الصدق والصلاح بنحو واضح، بحيث ظهر لجميع الحاضرين مع كثرة تدقيقهم في الأمور الدينية والدنيوية القطع بصدق الواقعة.
نقل الحاجّ المذكور أيَّده الله: اجتمع في ذمَّتي ثمانون توماناً من مال الإمام عليه السلام فذهبت إلى النجف الأشرف فأعطيت عشرين توماناً منه لجناب علم الهدى والتقى الشيخ مرتضى أعلى الله مقامه، وعشرين توماناً إلى جناب الشيخ محمّد حسين المجتهد الكاظميني، وعشرين توماناً لجناب الشيخ محمّد حسن الشروقي، وبقي في ذمَّتي عشرون توماناً، كان في قصدي أن أعطيها إلى جناب الشيخ محمّد حسن الكاظميني آل ياسيني أيَّده الله عند رجوعي. فعندما رجعت إلى بغداد كنت راغباً في التعجيل بأداء ما بقي في ذمَّتي، فتشرَّفت في يوم الخميس بزيارة الإمامين الهمامين الكاظمين عليهما السلام وبعد ذلك ذهبت إلى خدمة جناب الشيخ سلَّمه الله وأعطيته مقداراً من العشرين توماناً وواعدته بأنّي سوف أعطي الباقي بعد ما أبيع بعض الأشياء تدريجياً، وأن يجيزني أن أوصله إلى أهله، وعزمت على الرجوع إلى بغداد في عصر ذلك اليوم، وطلب جناب الشيخ منّي أن أتأخَّر فاعتذرت بأنَّ عليَّ أن اُوفي عمّال النسيج أجورهم، فإنَّه كان من المرسوم أن اُسلّم أجرة الأسبوع عصر الخميس، فرجعت وبعد أن قطعت ثلث الطريق تقريباً رأيت سيّداً جليلاً قادماً من بغداد من أمامي، فعندما قرب منّي سلَّم عليَّ وأخذ بيدي مصافحاً ومعانقاً وقال: أهلاً وسهلاً، وضمَّني إلى صدره وعانقني وقبَّلني وقبَّلته، وكانت على رأسه عمامة خضراء مضيئة مزهرة، وفي خدّه المبارك خال أسود كبير، فوقف وقال: حاجّ علي على خير، على خير، أين تذهب؟ قلت: زرت الكاظمين عليهما السلام وأرجع إلى بغداد. قال: هذه الليلة ليلة الجمعة فارجع. قلت: يا سيّدي لا أتمكَّن. فقال: في وسعك ذلك، فارجع حتَّى أشهد لك بأنَّك من موالي جدّي أمير المؤمنين عليه السلام ومن موالينا، ويشهد لك الشيخ كذلك، فقد قال تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) [البقرة: 282].
وكان ذلك منه إشارة إلى مطلب كان في ذهني أن ألتمس من جناب الشيخ أن يكتب لي شهادة بأنّي من موالي أهل البيت عليهم السلام لأضعها في كفني. فقلت: أيّ شيء تعرفه، وكيف تشهد لي؟ قال: من يوصل حقّه إليه، كيف لا يعرف من أوصله؟ قلت: أيُّ حقّ؟ قال: ذلك الذي أوصلته إلى وكيلي. قلت: من هو وكيلك. قال: الشيخ محمّد حسن. قلت: وكيلك؟ قال: وكيلي. وكان قد قال لجناب الآقا السيّد محمّد، وكان قد خطر في ذهني أنَّ هذا السيّد الجليل يدعوني باسمي مع أنّي لا أعرفه، فقلت في نفسي: لعلَّه يعرفني وأنا نسيته. ثمّ قلت في نفسي أيضاً: إنَّ هذا السيّد يريد منّي شيئاً من حقّ السادة، وأحببت أن اُوصل إليه شيئاً من مال الإمام عليه السلام الذي عندي. فقلت: يا سيّد، بقي عندي شيءٌ من حقّكم فرجعت في أمره إلى جناب الشيخ محمّد حسن لاُؤدّي حقّكم يعني السادات بإذنه. فتبسَّم في وجهي وقال: نعم قد أوصلت بعضاً من حقّنا إلى وكلائنا في النجف الأشرف. فقلت: هل قبل ذلك الذي أدَّيته؟ فقال: نعم.
خطر في ذهني أنَّ هذا السيّد يقول بالنسبة إلى العلماء الأعلام: (وكلائنا) فاستعظمت ذلك، فقلت: العلماء وكلاء في قبض حقوق السادات وغفلت. ثمّ قال: ارجع زُر جدّي. فرجعت وكانت يده اليمنى بيدي اليسرى فعندما سرنا رأيت في جانبنا الأيمن نهراً ماؤه أبيض صاف جار، وأشجار الليمون والنارنج والرمّان والعنب وغيرها كلّها مثمرة في وقت واحد مع أنَّه لم يكن موسمها، وقد تدلَّت فوق رؤوسنا. قلت: ما هذا النهر؟ وما هذه الأشجار؟ قال: إنَّها تكون مع كلّ من يزورنا ويزور جدّنا من موالينا. فقلت: اُريد أن أسألك؟ قال: اسأل. قلت: كان الشيخ المرحوم عبد الرزّاق رجلاً مدرّساً فذهبت عنده يوماً فسمعته يقول: لو أنَّ أحداً كان عمره كلّه صائماً نهاره قائماً ليله وحجَّ أربعين حجّة وأربعين عمرة ومات بين الصفا والمروة ولم يكن من موالي أمير المؤمنين عليه السلام، فليس له شيء؟ قال: نعم، والله ليس له شيء. فسألته عن بعض أقربائي هل هو من موالي أمير المؤمنين عليه السلام؟ قال: نعم، هو وكلّ من يرتبط بك. فقلت: سيّدنا، لي مسألة. قال: اسأل. قلت: يقرأ قرّاء تعزية الحسين عليه السلام أنَّ سليمان الأعمش جاء عند شخص وسأله عن زيارة سيّد الشهداء عليه السلام فقال: بدعة. فرأى في المنام هودجاً بين الأرض والسماء، فسأل مَنْ في الهودج؟ فقيل له: فاطمة الزهراء وخديجة الكبرى عليهما السلام. فقال: إلى أين تذهبان؟ فقيل: إلى زيارة الحسين عليه السلام في هذه الليلة فهي ليلة الجمعة، ورأى رقاعاً تتساقط من الهودج مكتوب فيها: (أمان من النار لزوّار الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة أمان من النار يوم القيامة)، فهل هذا الحديث صحيح؟ قال: نعم، صحيح وتامّ.
قلت: سيّدنا يقولون: من زار الحسين عليه السلام ليلة الجمعة فهي له أمان. قال: نعم والله _ وجرت الدموع من عينيه المباركتين وبكى _. قلت: سيّدنا مسألة. قال: اسأل. قلت: زرنا الإمام الرضا عليه السلام سنة تسع وستّين ومائتين وألف والتقينا بأحد الأعراب الشروقيين من سكّان البادية في الجهة الشرقية من النجف الأشرف في درود، واستضفناه وسألناه كيف هي ولاية الرضا عليه السلام؟ قال: الجنّة. ولي خمسة عشر يوماً آكل من مال مولاي الإمام الرضا عليه السلام فكيف يجرؤ منكر ونكير أن يدنيا منّي في قبري وقد نبت لحمي ودمي من طعامه عليه السلام في مضيفه؟! فهل هذا صحيح أنَّ علي بن موسى الرضا عليه السلام يأتي ويخلّصه من منكر ونكير؟ فقال: نعم والله، إنَّ جدّي هو الضامن. قلت: سيّدنا اُريد أن أسألك مسألة صغيرة. قال: اسأل. قلت: وهل زيارتي للإمام الرضا عليه السلام مقبولة؟ قال: مقبولة إن شاء الله.
قلت: سيّدنا مسألة؟ قال: بسم الله. قلت: إنَّ الحاجّ محمّد حسين القزّاز (بزّاز باشي) ابن المرحوم الحاجّ أحمد القزّاز (بزّاز باشي) هل زيارته مقبولة أم لا؟ _ وقد كان رفيقنا في السفر وشريكنا في الصرف في طريق مشهد الرضا عليه السلام _. قال: العبد الصالح زيارته مقبولة.
قلت: سيّدنا مسألة؟ قال: بسم الله. قلت: إنَّ فلاناً من أهل بغداد _ وكان رفيقنا في السفر _ هل زيارته مقبولة؟ فسكت.
قلت: سيّدنا مسألة؟ قال: بسم الله. قلت: هل سمعت هذه الكلمة أم لا؟ فهل إنَّ زيارته مقبولة أم لا؟ فلم يجبني.
ونقل الحاج المذكور أنَّه كان ذلك الشخص وعدَّة نفر من أهل بغداد المترفين قد انشغلوا في السفر باللهو واللعب، وكان ذلك الشخص قد قتل اُمّه.
فوصلنا في الطريق إلى مكان واسع على طرفيه بساتين مقابل بلدة الكاظمين الشريفة، وكان موضع من ذلك الطريق متَّصلاً ببساتين من جهته اليمنى لمن يأتي من بغداد وهو ملك لبعض الأيتام السادة وقد أدخلته الحكومة ظلماً في الطريق، وكان أهل التقوى والورع من سكنة هاتين البلدتين يجتنبون دائماً المرور من تلك القطعة من الأرض. ورأيته عليه السلام يمشي في تلك القطعة فقلت: يا سيّدي، هذا الموضع ملك لبعض الأيتام السادة ولا ينبغي التصرّف فيه. قال: هذا الموضع ملك جدّنا أمير المؤمنين عليه السلام وذرّيته وأولادنا ويحلُّ لموالينا التصرُّف فيه.
وكان في القرب من ذلك المكان على الجهة اليسرى بستان ملك لشخص يقال له: الحاجّ الميرزا هادي، وهو من أغنياء العجم المعروفين، وكان يسكن في بغداد، قلت: سيّدنا، هل صحيح ما يقال بأنَّ أرض بستان الحاجّ ميرزا هادي ملك الإمام موسى بن جعفر عليه السلام؟ قال: ما شأنك بهذا؟ وأعرض عن الجواب.
فوصلنا إلى ساقية ماء فُرِّعت من شطّ دجلة للمزارع والبساتين في تلك المنطقة، وهي تمرُّ في ذلك الطريق، وعندها يتشعَّب الطريق إلى فرعين باتّجاه البلدة، أحد الطريقين سلطاني، والآخر طريق السادة، فاختار عليه السلام طريق السادة. فقلت: تعال نذهب من هذا الطريق، يعني الطريق السلطاني. قال: لا، نذهب من طريقنا. فما خطونا إلاَّ عدَّة خطوات فوجدنا أنفسنا في الصحن المقدَّس عند موضع خلع الأحذية (كفش داري) من دون أن نمرّ بزقاق ولا سوق، فدخلنا الإيوان من جهة باب المراد التي هي الجهة الشرقية ممَّا يلي الرجل، ولم يمكث عليه السلام في الرواق المطهَّر، ولم يقرأ إذن الدخول، ودخل، ووقف على باب الحرم، فقال: زُر. قلت: إنّي لا أعرف القراءة. قال: أقرأ لك؟ قلت: نعم. فقال: أأدخل يا الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، وهكذا سلَّم على كلّ إمام من الأئمّة عليهم السلام حتَّى بلغ في السلام إلى الإمام العسكري عليه السلام وقال: السلام عليك يا أبا محمّد الحسن العسكري، ثمّ قال: تعرف إمام زمانك؟ قلت: وكيف لا أعرفه؟ قال: سلّم على إمام زمانك. فقلت: السلام عليك يا حجّة الله يا صاحب الزمان يا ابن الحسن، فتبسَّم، وقال: عليك السلام ورحمة الله وبركاته، فدخلنا في الحرم المطهَّر وانكببنا على الضريح المقدَّس، وقبَّلناه، فقال لي: زُر. قلت: لا أعرف القراءة. قال: أقرأ لك الزيارة؟ قلت: نعم. قال: أيّ زيارة تريد؟ قلت: زوّرني بأفضل الزيارات. قال: زيارة أمين الله هي الأفضل، ثمّ أخذ بالقراءة وقال: (السلام عليكما يا أميني الله في أرضه وحجَّتيه على عباده...) الخ.
واُضيئت في هذه الأثناء مصابيح الحرم فرأيت الشموع مضاءة ولكن الحرم مضاء ومنوَّر بنور آخر مثل نور الشمس والشموع تضيء مثل المصباح في النهار في الشمس. وكنت قد أخذتني الغفلة بحيث لم انتبه إلى هذه الآيات. فعندما انتهى من الزيارة جاء إلى الجهة التي تلي الرجل فوقف في الجانب الشرقي خلف الرأس، وقال: هل تزور جدّي الحسين عليه السلام؟ قلت: نعم، أزوره فهذه ليلة الجمعة. فقرأ زيارة وارث، وقد فرغ المؤذّنون من أذان المغرب، فقال لي: صلِّ والتحق بالجماعة، فجاء إلى المسجد الذي يقع خلف الحرم المطهَّر وكانت الجماعة قد انعقدت هناك، ووقف هو منفرداً في الجانب الأيمن لإمام الجماعة محاذياً له، ودخلت أنا في الصفّ الأوّل حيث وجدت مكاناً لي هناك.
فعندما انتهيت لم أجده، فخرجت من المسجد وفتَّشت في الحرم فلم أرَه، وكان قصدي أن اُلاقيه وأعطيه عدَّة قرانات وأستضيفه في تلك الليلة، ثمّ جاء بذهني: من يكون هذا السيّد؟! وانتبهت للآيات والمعجزات المتقدّمة ومن انقيادي لأمره في الرجوع مع ما كان لي من الشغل المهمّ في بغداد، وتَسْمِيَتُهُ لي باسمي، مع أنّي لم أكن قد رأيته من قبل، وقوله: (موالينا) وأنّي أشهد، ورؤية النهر الجاري والأشجار المثمرة في غير الموسم، وغير ذلك ممَّا تقدَّم ممَّا كان سبباً ليقيني بأنَّه الإمام المهدي عليه السلام، وبالخصوص في فقرة إذن الدخول وسؤاله لي بعد السلام على الإمام العسكري عليه السلام، هل تعرف إمام زمانك؟ فعندما قلت: أعرفه، قال: سلّم، فعندما سلَّمت، تبسَّم وردَّ السلام.
فجئت عند حافظ الأحذية وسألت عنه، فقال: خرج، وسألني: هل كان هذا السيّد رفيقك؟ قلت: نعم. فجئت إلى بيت مضيفي وقضيت الليلة، فعندما صار الصباح، ذهبت إلى جناب الشيخ محمّد حسن ونقلت له كلَّما رأيت. فوضع يده على فمي ونهاني عن إظهار هذه القصَّة وإفشاء هذا السرّ، وقال: وفَّقك الله تعالى.
فأخفيت ذلك ولم أظهره لأحد إلى أن مضى شهر من هذه القضيّة، فكنت يوماً في الحرم المطهَّر، فرأيت سيّداً جليلاً قد اقترب منّي وسألني: ماذا رأيت؟ وأشار إلى قصَّة ذلك اليوم! قلت: لم أرَ شيئاً. فأعاد عليَّ ذلك الكلام، وأنكرت بشدَّة. فاختفى عن نظري ولم أرَهُ بعد ذلك(2).

 

 

 

 

 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(1) هو حيدر بن إبراهيم بن محمّد بن علي بن سيف الدين الحسني البغدادي الكاظمي، ابن أخي الفقيه الشاعر السيّد أحمد العطّار وصهره على ابنته، وجدّ الأسرة المعروفة بـ (آل السيّد حيدر) أو (الحيدري). كان فقيهاً إمامياً محدّثاً مناظراً، من مراجع الدين في عصره. ولد في الكاظمية سنة خمس ومائتين وألف. ويمَّم وجهه شطر الحوزة العلمية في النجف الأشرف، فأقام مدَّة طويلة متتلمذاً على أعلامها وكبار المدرّسين بها. ثمّ عاد إلى الكاظمية، ودأب على البحث والتأليف والإرشاد، وقصده ذوي الحاجات والمهمّات، ورجع إليه في التقليد أهالي الكاظمية وسائر مناطق بغداد وأطرافها، ولم يزل قائماً بوظائفه إلى أن قضى نحبه في سنة خمس وستّين ومائتين وألف، فقام مقامه ابنه الفقيه أحمد. وقد ترك المترجم عدَّة مؤلّفات، منها: المجالس الحيدرية في المراثي الحسينية، عمدة الزائر وعدَّة المسافر، البوارق الحيدرية في الردّ على الكشفية. (أنظر: موسوعة طبقات الفقهاء 13: 249 و250/ الرقم 4087).
(2) النجم الثاقب: 150 - 160/ الحكاية الحادية والثلاثون.

رجب المرجّب : ٢٠١٦/٠٣/٠٩ : ٤.٥ K : ٠ : الشهر: ٧
التعليقات:
لا توجد تعليقات.