المسار:
العربية » التقويم المهدوي » شعبان المعظّم
شعبان المعظّم

(١١) سنة (٢٧٨ هـ): تذاكر عظمة مقام الإمام الحسن العسكري والاعتراف بوجود ولد له عليه السلام في مجلس الناصبي أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان عامل السلطان على الخراج في قم:

(11) سنة (278هـ):

تذاكر عظمة مقام الإمام الحسن العسكري والاعتراف بوجود ولد له عليه السلام في مجلس الناصبي أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان عامل السلطان على الخراج في قم:
روى الصدوق رحمه الله عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا من حضر موت الحسن بن علي بن محمّد العسكري عليهم السلام ودفنه ممَّن لا يوقف على إحصاء عددهم ولا يجوز على مثلهم التواطؤ بالكذب: وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين وذلك بعد مضي أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام بثمانية عشرة سنة أو أكثر مجلس أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وهو عامل السلطان يومئذٍ على الخراج والضياع بكورة قم، وكان من أنصب خلق الله وأشدّهم عداوةً لهم، فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسُرَّ من رأى ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السلطان، فقال أحمد بن عبيد الله: ما رأيت ولا عرفت بسُرَّ من رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا عليهم السلام، ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم والخطر، وكذلك القوّاد والوزراء والكتّاب وعوام الناس، فإنّي كنت قائماً ذات يوم على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجّابه فقالوا له: إنَّ ابن الرضا على الباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له، فدخل رجل أسمر أعين، حسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن، حدث السنّ، له جلالة وهيبة، فلمَّا نظر إليه أبي قام فمشى إليه خطى ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هشام ولا بالقوّاد ولا بأولياء العهد، فلمَّا دنا منه عانقه وقبَّل وجهه ومنكبيه وأخذ بيده فأجلسه على مصلاَّه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه، مقبلاً عليه بوجهه، وجعل يكلّمه ويكنّيه، ويفديه بنفسه وبأبويه، وأنا متعجّب ممَّا أرى منه إذ دخل عليه الحجّاب فقالوا: الموفَّق(1) قد جاء، وكان الموفَّق إذا جاء ودخل على أبي تقدَّم حجّابه وخاصَّة قوّاده، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً عليه يحدّثه حتَّى نظر إلى غلمان الخاصَّة فقال حينئذٍ: إذا شئت فقم جعلني الله فداك يا أبا محمّد، ثمّ قال لغلمانه: خذوا به خلف السماطين كيلا يراه الأمير _ يعني الموفَّق _، فقام وقام أبي فعانقه وقبَّل وجهه ومضى، فقلت لحجّاب أبي وغلمانه: ويلكم من هذا الذي فعل به أبي هذا الذي فعل؟ فقالوا: هذا رجل من العلوية يقال له: الحسن بن علي يعرف بابن الرضا، فازددت تعجّباً، فلم أزل يومي ذلك قلقاً متفكّراً في أمره وأمر أبي وما رأيت منه حتَّى كان الليل وكانت عادته أن يُصلّي العتمة، ثمّ يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان، فلمَّا صلّى وجلس جئت فجلست بين يديه، فقال: يا أحمد، ألك حاجة؟ فقلت: نعم يا أبة، إن أذنت سألتك عنها؟ فقال: قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت، فقلت له: يا أبة، من كان الرجل الذي أتاك بالغداة وفعلت به ما فعلت من الإجلال والإكرام والتبجيل، وفديته بنفسك وبأبويك؟ فقال: يا بني ذاك إمام الرافضة، ذاك ابن الرضا، فسكت ساعة فقال: يا بني لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العبّاس ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا، فإنَّ هذا يستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيّراً فاضلاً، فازددت قلقاً وتفكّراً وغيظاً على أبي ممَّا سمعت منه فيه، ولم يكن لي همَّة بعد ذلك إلاَّ السؤال عن خبره، والبحث عن أمره، فما سألت عنه أحداً من بني هاشم ومن القوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلاَّ وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه وغيرهم وكلّ يقول: هو إمام الرافضة، فعظم قدره عندي إذ لم أرَ له وليّاً ولا عدوّاً إلاَّ وهو يحسن القول فيه والثناء عليه. فقال له بعض أهل المجلس من الأشعريين: يا أبا بكر، فما خبر أخيه جعفر؟ فقال: ومن جعفر فيسأل عن خبره أو يقرن به، إنَّ جعفراً معلن بالفسق، ماجن، شرّيب للخمور، وأقلّ من رأيته من الرجال وأهتكهم لستره، فَدْم(2)، خمّار، قليل في نفسه، خفيف، والله لقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي عليهما السلام ما تعجَّبت منه وما ظننت أنَّه يكون، وذلك أنَّه لمَّا اعتلَّ بعث إلى أبي أنَّ ابن الرضا قد اعتلّ، فركب من ساعته مبادراً إلى دار الخلافة، ثمّ رجع مستعجلاً ومعه خمسة نفر من خدّام أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته وخاصَّته فمنهم نحرير(3)، وأمرهم بلزوم دار الحسن بن علي عليهما السلام وتعرّف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطبّبين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساءً، فلمَّا كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره أنَّه قد ضعف، فركب حتَّى بكَّر إليه، ثمّ أمر المتطبّبين بلزومه وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممَّن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن عليه السلام وأمرهم بلزوم داره ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتَّى توفّي عليه السلام لأيّام مضت من شهر ربيع الأوّل من سنة ستّين ومائتين، فصارت سُرَّ من رأى ضجَّة واحدة: مات ابن الرضا، وبعث السلطان إلى داره من يفتّشها ويفتّش حجرها، وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاؤوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن على جواريه فنظرن إليهنَّ فذكر بعضهنَّ أنَّ هناك جارية بها حمل فأمر بها فجعلت في حجرة ووكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثمّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته، وعُطّلت الأسواق وركب أبي وبنو هاشم والقوّاد والكتّاب وسائر الناس إلى جنازته عليه السلام، فكانت سُرَّ من رأى يومئذٍ شبيهاً بالقيامة، فلمَّا فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكّل فأمره بالصلاة عليه، فلمَّا وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى منها فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعبّاسية والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء والمعدّلين، وقال: هذا الحسن بن علي بن محمّد، ابن الرضا مات حتف أنفه على فراشه، حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان، ومن المتطبّبين فلان وفلان، ومن القضاة فلان وفلان، ثمّ غطّى وجهه وقام فصلّى عليه وكبَّر عليه خمساً وأمر بحمله فحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه عليه السلام. فلمَّا دفن وتفرَّق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقَّفوا على قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي توهَّموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر حتَّى تبيَّن لهم بطلان الحبل، فقسّم ميراثه بين اُمّه وأخيه جعفر وادَّعت اُمّه وصيَّته، وثبت ذلك عند القاضي. والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده، فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي، وقال له: اجعل لي مرتبة أبي وأخي وأوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار مسلّمة، فزبره أبي وأسمعه وقال له: يا أحمق، إنَّ السلطان أعزَّه الله جرَّد سيفه وسوطه في الذين زعموا أنَّ أباك وأخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك فلم يقدر عليه ولم يتهيَّأ له صرفهم عن هذا القول فيهما، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيَّأ له ذلك، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى السلطان يرتبك مراتبهم ولا غير السلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا، واستقلَّه (أبي) عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب عنه، فلم يأذن له بالدخول عليه حتَّى مات أبي وخرجنا والأمر على تلك الحال، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي عليهما السلام حتَّى اليوم)(4).
قال الطوسي رحمه الله: أحمد بن عبيد الله بين يحيى بن خاقان، له مجلس يصف فيه أبا محمّد الحسن بن علي عليهما السلام، أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حضرت وحضر جماعة من آل سعد بن مالك وآل طلحة وجماعة من التجّار في شعبان لإحدى عشرة ليلة مضت منه سنة ثمان وسبعين ومائتين مجلس أحمد بن عبيد الله بكورة قم، فجرى ذكر من كان بسُرَّ من رأى من العلوية وآل أبي طالب، فقال أحمد بن عبيد الله: ما كان بسُرَّ من رأى رجل من العلوية مثل رجل رأيته يوماً عند أبي عبيد الله بن يحيى، يقال له: الحسن بن علي عليهما السلام...، ثمّ وصفه وساق الحديث(5).

 

 

 

 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(1) قال الزركلي في الأعلام (ج 3/ ص 229/ الرقم 652): طلحة (الموفَّق بالله) بن جعفر (المتوكّل على الله) ابن المعتصم، العبّاسي، أبو أحمد، أمير، من رجال السياسة والإدارة والحزم، لم يل الخلافة اسماً، ولكنَّه تولاَّها فعلاً. ولد ومات في بغداد. ابتدأت حياته العملية بتولّي أخيه (المعتمد على الله) الخلافة (سنة 256هـ) وآلت إليه ولاية العهد. وظهر ضعف المعتمد عن القيام بأعباء الدولة، فنهض بها الموفَّق، وصدَّ عنه غارات الطامعين بالملك، ثمّ حجر عليه، حتَّى كان المعتمد يتمنّى الشيء اليسير فلا يحصل عليه... توفّي في أيّام أخيه المعتمد.
(2) الفَدْم: الأحمق الجافي، (راجع: لسان العرب 12: 450).
(3) من خواصّ خدم بني العبّاس، وحفظة أسرارهم، وكان شقياً من الأشقياء.
(4) كمال الدين: 40 - 44؛ الكافي 1: 503 - 506/ باب مولد أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام/ ح1؛ الإرشاد 2: 321 - 325.
(5) الفهرست للطوسي: 82/ الرقم 40.

شعبان المعظّم : ٢٠١٦/٠٣/٢٢ : ٥.٣ K : ٠ : اليوم: ١١، الشهر: ٨، السنة: ٢٧٨
التعليقات:
لا توجد تعليقات.