المسار:
ذي الحجة

(٦) سنة (٢٩٣ هـ): مشاهدة نعيم الأنصاري مع ثلاثين رجلاً الإمام المهدي عليه السلام في مكّة عند المستجار وتعليمه لهم دعاء الإلحاح لجدّه الحسين عليه السلام وغيره من الأدعية:

(6 ذي الحجّة) سنة (293هـ):

مشاهدة نعيم الأنصاري مع ثلاثين رجلاً الإمام المهدي عليه السلام في مكّة عند المستجار وتعليمه لهم دعاء الإلحاح لجدّه الحسين عليه السلام وغيره من الأدعية:
روى الصدوق رحمه الله عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدَّثنا أبو القاسم جعفر بن أحمد العلوي الرقّي العريضي، قال: حدَّثني أبو الحسن علي بن أحمد العقيقي، قال: حدَّثني أبو نعيم الأنصاري الزيدي، قال: كنت بمكّة عند المستجار وجماعة من المقصّرة(1) وفيهم المحمودي وعلاَّن الكليني وأبو الهيثم الديناري وأبو جعفر الأحول الهمداني، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً، ولم يكن منهم مخلص علمته غير محمّد بن القاسم العلوي العقيقي، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائتين من الهجرة إذ خرج علينا شاب من الطواف عليه إزاران محرم (بهما)، وفي يده نعلان، فلمَّا رأيناه قمنا جميعاً هيبةً له، فلم يبقَ منّا أحد إلاَّ قام وسلَّم عليه، ثمّ قعد والتفت يميناً وشمالاً، ثمّ قال: (أتدرون ما كان أبو عبد الله عليه السلام يقول في دعاء الإلحاح؟).
قلنا: وما كان يقول؟ قال: (كان يقول: اللّهُمَّ إِنّي أسْألُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ، وَبِهِ تَقُومُ الأرْضُ، وَبِهِ تُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَقَّ وَالْبَاطِل، وَبِهِ تَجْمَعُ بَيْنَ الْمُتَفَرَّقِ، وَبِهِ تُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُجْتَمِع، وَبِهِ أحْصَيْتَ عَدَدَ الرَّمَال، وَزنَةَ الْجِبَال، وَكَيْلَ الْبِحَار، أنْ تُصَلّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَأنْ تَجْعَلَ لِي مِنْ أمْري فَرَجاً وَمَخْرَجَاً). ثمّ نهض فدخل الطواف، فقمنا لقيامه حين انصرف، وأنسينا أن نقول له: من هو؟ فلمَّا كان من الغد في ذلك الوقت خرج علينا من الطواف فقمنا كقيامنا الأوّل بالأمس، ثمّ جلس في مجلسه متوسّطاً، ثمّ نظر يميناً وشمالاً، قال: (أتدرون ما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول بعد صلاة الفريضة؟).
قلنا: وما كان يقول؟ قال: (كان يقول: إِلَيْكَ رُفِعَتِ الأصْوَاتُ، (وَدُعِيَتِ الدَّعَوَاتُ)، وَلَكَ عَنَتِ الْوُجُوهُ، وَلَكَ خَضَعَتِ الرَّقَابُ، وَإِلَيْكَ التَّحَاكُمُ فِي الأعْمَال، يَا خَيْرَ مَسْؤولٍ وَخَيْرَ مَنْ أعْطَى، يَا صَادِقُ يَا بَارئُ، يَا مَنْ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ، يَا مَنْ أمَرَ بِالدُّعَاءِ وتَكَفَّلَ بِالإجَابَةِ، يَا مَنْ قَالَ: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، يَا مَنْ قَالَ: (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وَيَا مَنْ قَالَ: (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)). ثمّ نظر يميناً وشمالاً بعد هذا الدعاء فقال: (أتدرون ما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول في سجدة الشكر؟).
قلنا: وما كان يقول؟ قال: (كان يقول: يَا مَنْ لاَ يَزيدُهُ إلْحَاحُ الْمُلِحّيِنَ إلاَّ جُودَاً وَكَرَماً، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْض، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ مَا دَقَّ وَجَلَّ، لاَ تَمْنَعْكَ إِسَاءَتِي مِنْ إِحْسَانِكَ إليَّ، إنّي أسْألُكَ أنْ تَفْعَلُ بِيَ مَا أنْتَ أهْلُهُ، وَأنْتَ أهْلُ الْجُودِ وَالْكَرَم وَالْعَفْو، يَا رَبّاهُ، يَا اللهُ افْعَلْ بِيَ مَا أنْتَ أهْلُهُ فَأنْتَ قَادِرٌ عَلَى الْعُقُوبَةِ وَقَدِ اسْتَحْقَقْتُهَا، لاَ حُجَّةَ لِي وَلاَ عُذْرَ لِي عِنْدَكَ، أبُوءُ لَكَ بِذُنُوبي كُلّهَا، وَأعْتَرفُ بِهَا كَيْ تَعْفُوَ عَنّي وَأنْتَ أعْلَمُ بِهَا مِنّي، بُؤتُ إِلَيْكَ بِكُلّ ذَنْبٍ أذْنَبْتُهُ، وَبِكُلّ خَطِيئَةٍ أخْطَئتُهَا، وَبِكُلّ سَيَّئَةٍ عَمَلْتُهَا، يَا رَبَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أنْتَ الأعَزُّ الأكْرَمُ)، وقام فدخل الطواف، فقمنا لقيامه، وعاد من غد في ذلك الوقت، فقمنا لاستقباله كفعلنا فيما مضى، فجلس متوسّطاً ونظر يميناً وشمالاً فقال: (كان علي بن الحسين سيّد العابدين عليه السلام يقول في سجوده في هذا الموضع _ وأشار بيده إلى الحجر نحو الميزاب _: عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِبَابِكَ، أسْألُكَ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلِيْه سِوَاكَ).
ثمّ نظر يميناً وشمالاً، ونظر إلى محمّد بن القاسم العلوي فقال: (يا محمّد بن القاسم، أنت على خير إن شاء الله)، وقام فدخل الطواف، فما بقي أحد منّا إلاَّ وقد تعلَّم ما ذكر من الدعاء و(أ)نسينا أن نتذاكر أمره إلاَّ في آخر يوم، فقال لنا المحمودي: يا قوم، أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا والله صاحب الزمان عليه السلام، فقلنا: وكيف ذاك يا أبا علي؟ فذكر أنَّه مكث يدعو ربّه عز وجل ويسأله أن يريه صاحب الأمر سبع سنين، قال: فبينا أنا يوماً في عشيّة عرفة فإذا بهذا الرجل بعينه، فدعا بدعاء وعيته فسألته ممَّن هو؟ فقال: (من الناس)، فقلت: من أيّ الناس؟ من عربها أو مواليها؟ فقال: (من عربها)، فقلت: من أيّ عربها؟ فقال: (من أشرفها وأشمخها)، فقلت: ومن هم؟ فقال: (بنو هاشم)، فقلت: من أيّ بني هاشم؟ فقال: (من أعلاها ذروة وأسناها رفعة)، فقلت: وممَّن هم؟ فقال: (ممَّن فلق الهام، وأطعم الطعام، وصلّى بالليل والناس نيام)، فقلت: إنَّه علوي فأحببته على العلوية، ثمّ افتقدته من بين يدي، فلم أدر كيف مضى في السماء أم في الأرض، فسألت القوم الذين كانوا حوله: أتعرفون هذا العلوي؟ فقالوا: نعم، يحجّ معنا كلّ سنة ماشياً، فقلت: سبحان الله، والله ما أرى به أثر مشي، ثمّ انصرفت إلى المزدلفة كئيباً حزيناً على فراقه، وبتُّ في ليلتي تلك فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمّد، رأيت طلبتك؟ فقلت: ومن ذاك يا سيّدي؟ فقال: الذي رأيته في عشيّتك فهو صاحب زمانكم. فلمَّا سمعنا ذلك منه عاتبناه على ألا يكون أعلمنا ذلك، فذكر أنَّه كان ناسياً أمره إلى وقت ما حدَّثنا.
قال الصدوق رحمه الله: وحدَّثنا بهذا الحديث عمّار بن الحسين بن إسحاق الأسروشني رضي الله عنه بجبل بوتك من أرض فرغانة، قال: حدَّثني أبو العبّاس أحمد بن الخضر، قال: حدَّثني أبو الحسين محمّد بن عبد الله الإسكافي، قال: حدَّثني سليم، عن أبي نعيم الأنصاري، قال: كنت بالمستجار بمكّة أنا وجماعة من المقصّرة فيهم المحمودي وعلاَّن الكليني، وذكر الحديث مثله سواء.
وحدَّثنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن علي بن محمّد بن حاتم، قال: حدَّثنا أبو الحسين عبيد الله بن محمّد بن جعفر القصباني البغدادي، قال: حدَّثني أبو محمّد علي بن محمّد بن أحمد بن الحسين الماذرائي، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي المنقذي الحسني بمكّة، قال: كنت جالساً بالمستجار وجماعة من المقصّرة وفيهم المحمودي وأبو الهيثم الديناري وأبو جعفر الأحول، وعلاَّن الكليني، والحسن بن وجناء، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً، وذكر الحديث مثله سواء(2).
ورواه الطوسي رحمه الله عن أحمد بن علي الرازي، عن علي بن عائذ الرازي، عن الحسن بن وجناء النصيبي، عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري. ورواه بسند آخر عن جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي علي محمّد بن همّام، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن محمّد بن جعفر بن عبد الله، عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري(3).
ورواه الطبري الشيعي رحمه الله عن أبي الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همّام، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري الكوفي، عن محمّد بن جعفر بن عبد الله، عن إبراهيم بن محمّد بن أحمد الأنصاري(4).

 

 

 

 

 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(1) سُئل زين العابدين عليه السلام عن المقصّرة، فقال: (الذين يقصرون عن معرفة الأئمّة وعن معرفة ما فوّض إليهم من روحه) (الهداية الكبرى: 230). وعن الصادق عليه السلام أنَّه قال: (المقصّرة هم الذين هداهم الله إلى فضل علمنا وأفضى إليهم سرّنا، فشكّوا فينا وأنكروا فضلنا، وقالوا: لم يكن الله ليعطيهم سلطانه ومعرفته) (الهداية الكبرى: 431). أمَّا ما جاء في الرواية عن علاَّن الكليني وأنَّه من المقصّرة فنرجّح أن يكون ذلك اشتباهاً في التشخيص من قِبَل الراوي، إذ أنَّ علاَّن هو علي بن محمّد خال الشيخ الكليني رحمه الله، قال عنه النجاشي رحمه الله في رجاله (ص 260/ الرقم 682): علي بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلاَّن، يكنّى أبا الحسن، ثقة، عين.
(2) كمال الدين: 470 - 473/ باب 43/ ح 24.
(3) الغيبة للطوسي: 259 - 263/ ح 227.
(4) دلائل الإمامة: 542 - 545/ ح (523/127).

ذي الحجة : ٢٠١٣/١٠/١٤ : ٦.١ K : ٠ : اليوم: ٦، الشهر: ١٢، السنة: ٢٩٣
التعليقات:
لا توجد تعليقات.