ثأر الإمام المهدي للحسين في الكتاب المقدس
ثأر الإمام المهدي للحسين عليهما السلام في الكتاب المقدس
د. ليث الاسدي
من المعلوم أن المهدي المنتظر ينتظر وبشوق إلى ذلك اليوم الذي يثأر فيه لجده الحسين عليه السلام وينتقم من قاتليه وظالميه والراضين بفعلهم والمحبين لهم.
ولذا تجد أن شيعته يندبونه صباح مساء ويقولون (أين الطالب بدم المقتول بكربلاء) ويستنهضونه للثأر لذلك الشهيد الذي لم يؤخذ له ثأره إلى الساعة:
ماذا يهيجك إن صبرت لوقعة الطف الفظيعة
أترى تجئ فجيعة بأمض من تلك الفجيعة
حيث الحسين على الثرى خيل العدى طحنت ضلوعه
قتلته آل أمية ضام مخضب فاطلب رضيعه
ورضيعه بدم الوريد إلى جنب الشريعة
ولمّا كان الحسين عليه السلام ثأر الله , فالله عز وجل هو المتكفل بالثأر لدماء الحسين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته والانتقام ممن أمر وبايع وشايع وتابع على قتله وممن بلغه ذلك فرضي به وممن أسس أساس الظلم على أهل البيت النبوي.
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في ثار آل محمد عليهم السلام (ألا وإن لكل دم ثائرا، ولكل حق طالبا، وإن الثائر في دمائنا كالحاكم في حق نفسه، وهو الله الذي لا يعجزه من طلب، ولا يفوته من هرب. فأقسم بالله يا بني أمية عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم ، وفي دار عدوكم).
فقوله إن لكل دم ثائرا يطلب القود والثائر بدمائنا ليس إلا الله وحده، الذي لا يعجزه مطلوب، ولا يفوته هارب.
ومعنى قوله عليه السلام: (كالحاكم في حق نفسه)، أنه تعالى لا يقصر في طلب دمائنا كالحاكم الذي يحكم لنفسه، فيكون هو القاضي وهو الخصم، فإنه إذا كان كذلك يكون مبالغا جدا في استيفاء حقوقه.
فالله عز وجل قد أوكل تلك المهمة إلى حجته على أرضه وخليفته في عباده وجعل ذلك الثائر من صلب الإمام الحسين عليه السلام.
ولذا فقد ورد في الروايات إن من جملة ما يقوم به الإمام المهدي عليه السلام هو الأخذ بثأر الحسين عليه السلام، فعن الإمام الصادق عليه السلام (ذلك قائم آل محمد يخرج فيقتل بدم الحسين عليه السلام، فلو قتل أهل الأرض لم يكن مسرفا، وقوله: فلا يسرف في القتل، لم يكن ليصنع شيئا يكون سرفا. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: يقتل والله ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها).
وفي الأثر عن أئمتنا عليهم السلام: (إذا ظهر القائم عليه السلام قام بين الركن والمقام وينادي بنداءات خمسة: الأول: ألا يا أهل العالم أنا الإمام القائم، الثاني: ألا يا أهل العالم أنا الصمصام المنتقم، الثالث: ألا يا أهل العالم أن جدي الحسين عليه السلام قتلوه عطشان، الرابع: ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين عليه السلام طرحوه عريانا، الخامس: ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين عليه السلام سحقوه عدوانا).
وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (لما قتل جدي الحسين عليه السلام ضجت الملائكة إلى الله عزوجل بالبكاء والنحيب وقالوا إلهنا وسيدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك فأوحى الله عز وجل إليهم قروا ملائكتي فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين ثم كشف الله عز وجل عن الأئمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة، فسرت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلي. فقال الله عز وجل: بذلك القائم أنتقم منهم).
وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، قال: (زاد الفرات على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فركب هو وابناه الحسن والحسينL فمر بثقيف، فقالوا: قد جاء علي يرد الماء، فقال علي عليه السلام: أما والله، لأقتلن أنا وابناي هذان، وليبعثن الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد من حاجة).
فهل يا ترى نجد نصا في الكتاب المقدس يذكر تلك الدماء وذلك الثار؟
في العهد القديم وبالتحديد في سفر إرميا 46: 3 -10 (هيئوا الدروع والترس وازحفوا للقتال, أسرجوا الخيل واركبوا أيها الفرسان, انتصبوا بالخوذ, اصقلوا الرماح والبسوا الدروع,الرعب من كل جانب, لماذا أراهم مرتعبين و مدبرين إلى الوراء وقد تحطمت أبطالهم وفروا هاربين ولم يلتفتوا, الخوف حواليهم يقول الرب, الخفيف لا يهرب والبطل لا ينجوا في الشمال عند نهر الفرات عثروا وسقطوا, من هذا الصاعد كالنيل كأنهار تتلاطم أمواهها ... فهذا اليوم يوم السيد رب الجنود يوم انتقام من أعدائه فيأكل السيف ويشبع ويروي من دمائهم لان للسيد رب الجنود ذبيحة في الشمال عند نهر الفرات).
فالنص يبين الاستعداد للقتال بأجلى معانيه وإعداد القوة اللازمة لذلك فما أن يبدأ القتال حتى يدب الرعب في صفوف الأعداء ولا يبقى من قوي ولا ضعيف حتى يرتوي السيف من دمه حتى يشبع وكل هذا لأن قائد تلك الجنود له ثار لم يؤخذ لصاحبه على كرور الليالي والأيام وذلك الثار هو ذبيح ذبح عند نهر الفرات.
ولو تتبعنا التاريخ لم نجد رجلا ذبح هو وأهل بيته وارتوت السيوف من دمائهم حتى اقشعرت لهم أظلة العرش سوى سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام فانه ذبح كما يذبح الكبش إلى جانب الفرات عطشانا فكان ثار الله عز وجل فلا يثار له إلا حجة الله على أرضه والقائم في عباده.
فاليهود لم يكن لهم ذبيح عند الفرات ولا النصارى أيضا فلم تذكر كتبهم إن لهم مثل هذا الرجل الذبيح الذي يثار له ذلك القائد (السيد رب الجنود) بذلك الاستعداد العسكري العظيم.
وهذا الإخبار من قبل النبي ارميا يدل على عظمة ذلك الدم الذي سفك في كربلاء وفي الروايات عندنا إن ما من نبي إلا وبكى على الحسين عليه السلام وقد بكاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند مولده وبكاه أبوه أمير المؤمنين عليه السلام عندما مر بكربلاء وقال اصبر يا أبا عبد الله وبكته أمه الزهراء عليها السلام وأخوه الحسن عليه السلام وبكته ملائكة السماء وما ذاك إلا لأن دم الحسين عليه السلام سال على خط الأنبياء عليهم السلام ولإعلاء كلمة الله ودينه وضمان استمراريته وعدم اندراسه على أيدي الطغاة والمبتدعة الذين نصبوا العداء للإسلام ورسول الإسلام من بداية الدعوة الإسلامية لكن الله تعالى أبى إلا أن يظهر دينه فدخلوا في الإسلام كرها وكادوا له المكائد وحاربوا الرسول بنفاقهم ثم عدوا على أهل بيته بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى كي يزول الحق عن مقره ويغلب الباطل على أهله لكن الله حفظ دينه بعترة نبيه فكما قيل إن الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء والاستمرار فكان دم الحسين عليه السلام اكبر فضيحة للنظام الحاكم الذي كان يتلبس بلباس الخلافة وليبقى صوتا مدويا صارخا يهز النفوس ويحرك الضمائر ويلهم الإنسانية معنى الحرية والإباء ويعلمهم رفض الظلم والضيم والاستكانة وهذا ما سيحققه حفيده القائم المنتظر عند ظهوره.