البحوث والمقالات

(١٠) دور الإمام الهادي (عليه السلام) في تثبيت أركان العقيدة المهدوية

دور الإمام الهادي (عليه السلام) في تثبيت أركان العقيدة المهدوية

الشيخ ميثم الفريجي

نحن نعلم - وبحسب ما دلت عليه الأدلة الشرعية الصحيحة - أن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) نور واحد مستمد من نور جدهم النبي الخاتم (صلّى الله عليه وآله) ونوره مستمد من نور الله تبارك وتعالى.
كما جاء في الروية حينما سأل جابر بن عبد الله الأنصاري النبي (صلّى الله عليه وآله): ما أول شيء خلقه الله تبارك وتعالى. قال (صلّى الله عليه وآله): أول ما خلق الله نور نبيكم يا جابر ومنه خلق كل شيء.
وكذلك نؤمن أن الأئمة (عليهم السلام) هدفهم واحد وهو هدف الأنبياء والرسل والأوصياء وهو إيصال الناس إلى الكمال المنشود, وإيقاظ الفطرة السليمة في نفوسهم (فطرة الله التي فطر الناس عليها) وهي الإسلام الخالص ليكونوا بذلك أدلاء عن الله تعالى، وإن تعددت أدوارهم واختلفت ممارساتهم العملية (آلياتهم) للوصول إلى ذلك الهدف بحسب ما تحيطهم من ظروف وملابسات تختلف من زمان إلى آخر وبالنتيجة أنهم (عليهم السلام) وإن تعددت أدوارهم وآلياتهم إلا أن هدفهم واحد (تعدد ادوار، وحدة هدف).
ومن هنا:
نجد أن كلاًّ منهم (عليهم السلام) قد اختص بما يناسبه في ظرفه، فترى أمير المؤمنين (عليه السلام) قد اختص في القتال على التأويل كما قاتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على التنزيل ويقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين حتى قال له النبي (صلّى الله عليه وآله): يا علي لولا أنت لما عُرف المؤمنين من بعدي. فهو (عليه السلام) المائز والفرقان بين اليمان والكفر.
وكذلك يختص ولده الإمام الحسن (عليه السلام) بامتحان عظيم للأمة حيث يبرم شروطا للهدنة مع معاوية ابن أبي سفيان (بالمعنى التي نفهمه من الصلح).
ويختص الإمام الحسين (عليه السلام) بكربلاء الشهادة والإباء.
ويختص الإمام الصادق (عليه السلام) بالمدرسة الكبرى للتشييع حتى يقرن اسم المذهب به.
وهكذا بقية الأئمة (عليهم السلام) إلى أن يصل الأمر إلى الإمام الهادي (عليه السلام) فيختص بأمر عظيم لم يسبقه به أحد من آبائه وأجداده البررة أعني به: التخطيط المباشر لغيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه). وإن كان جميع الأئمة (عليهم السلام)، بل ومن سبقهم من الأنبياء والرسل والأوصياء يشتركون جميعاً في هذه المهمة وهي التخطيط والتمهيد لقضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
إلا أن دوره ومن بعده ولده الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) كان دوراً مركّزاً أكثر من غيره لقرب زمنه من الغيبة، وبعد أزمنة من قبله من الأنبياء والمعصومين (عليهم السلام) لذا اختص (عليه السلام) بذلك ومهّد تمهيداً ناجحا وهيأ النفوس والعقول لتقبّل فكرة غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من خلال آليات يمكن أن نجملها بما يلي:
* توعية الأمة من خلال النصوص والإشارات على شخصية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وما يميزه عن غيره من الأئمة (عليهم السلام) بما يحدث له من غيبة لا يرى الناس فيها شخصه، حيث كان يخص بهذه النصوص والإشارات خلص أصحابه، ولم يكن يعمّمها للآخرين، وقد ورد بذلك عدة أحاديث نقتصر على بعضها فمن ذلك ما جاء في كلام له: ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده، قال الراوي، فقلت: وكيف ذلك يا مولي قال: لأنه لا يرى شخصه، ولا يحل ذكر أسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
فبالرغم من الظروف الصعبة والكتمان الذي كان يحيط قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وانتشار العيون والجواسيس المتتبعة له إلّا إن الفكرة والعقيدة كانت واضحة لدى مجموعة من الموالين وبدأت تكبر وتنمو إلى أن وصلتنا غضة طرية لا عواج واضمحلال فيها وما ذلك إلّا لما الإمام الهادي (عليه السلام) من دور بارز في ذلك.
* التخطيط لتقبل فكرة ارتباط القواعد الشيعية بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في زمن غيبته الصغرى وذلك من خلال العمل بمشروع الوكلاء فقد وضع الإمام الهادي (عليه السلام) وحدّد وكلاء معينين يمثلونه وترجع الناس إليهم بأخذ الفتوى ونقل الحقوق الشرعية والاتصال بالإمام (عليه السلام) والذين أصبح البعض منهم فيما بعد وكلاء لولده الإمام العسكري (عليه السلام)، فقد حدّث محمد ابن إسماعيل وعلي ابن عبد الله الحسنيان أنهما دخلا على أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) بسرّ من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدر خادمه فقال: يا مولي بالباب قوم شُعثٌ غبر، فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا في اليمن....، ثم ساق حديثا طويلاً حتى انتهي الحديث إلى أن الحسن العسكري (عليه السلام) قال لبدر فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العمري فما لبثنا إلا يسيرا إلا دخل علينا عثمان فقال له سيدنا أبو محمد الحسن (عليه السلام): امضي يا عثمان فإنك الوكيل والثقة والمأمون على مال الله واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال ثم ساق الحديث إلى أن قالها: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا والله إن عثمان لمن خيار شيعتك ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وإنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى.
قال: نعم واشهدوا علي أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمد وكيل إبني مهديكم.
وبذلك استطاع الإمام الهادي (عليه السلام) أن يهيأ الذهنية العامية لشيعة وأتباع أهل البيت (عليهم السلام) لاستقبال الوضع الجديد الذي سيحل بهم عند غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لئلا يفاجأوا بأمور لا يعرفون كيفية التعامل معها مثل ما يحصل بعد الغيبة من الحيرة والاختلاف بين الشيعة, وما ينبغي لهم من الصبر والانتظار للفرج والثبات على اليمان والدعاء للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لتعجيل فرجه الشريف.
هذا ما وددنا بيانه بوجه من الاختصار ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعجّل لنا الفرج بظهور مهدي هذه الأمة ليملأ الأرض قسطا وعدلا وحبا وسلاما، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ﴾.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠١ : ٤.٤ K : ١
: الشيخ ميثم الفريجي
التعليقات:
: مرتضى سعيد
: العراق
: السلام عليكم
شكرا لكم وجازاكم الله خيرا, نرجوا منكم التدقيق الاملائي لكي تكتمل جمال المقال.
: ٢٠١٥/٠٥/١١