(١٢) المهدي الموعود في الأديان السماوية الثلاث
المهدي الموعود في الأديان السماوية الثلاث
نزار مصطفى
يعتقد المنكرون من معتنقي الديانات السماوية الثلاث - اليهودية والنصرانية والإسلام - أن المخلّص الموعود هو من نتاجات العقل الإنساني! وأن هذه العقيدة نشأت نتيجة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
جاءت هذه النظرية إثر ما لمسوه من اعتقاد أصحاب الديانات غير السماوية بوجود المخلّص الذي يُنقذ البشرية من الظلم والطغيان، حيث قالوا إن فكرة ظهور هذا المخلّص لا تنحصر بالديانات السماوية، إذ يؤمن بها كثير من البشر ومنهم الوثنيون. فإن الإنسان -على اختلاف العقائد والأديان- يأمل بمجيء يوم يتخلص فيه البشر من الظلم والاستبداد، وتنعم الأرض بالسلام والأمن والاستقرار. ففكرة المخلّص (المصلح) هو حلم الإنسانية المشترك، وقد يتحقق هذا الحلم وقد لا يتحقق...
والحقيقة أن هذا التصور الخاطئ لعقيدة المخلّص لدى هؤلاء جاء نتيجةً لقصور النظر وضيق الفكر، وعدم الموضوعية في قراءة التاريخ، وبالتالي اللامبالاة في إصدار الأحكام الجزافية.
إن أبسط قراءة للتاريخ تؤكد أن أصحاب الديانات غير السماوية هم أيضاً امتداد لنسل آدم ومن بعده نوح وإبراهيم (عليهم السلام) فليس من المستغرب أن تبقى بعض آثار النبوة في معتقداتهم رغم انحراف أتباعها وعدم إيمانهم بالتوحيد والنبوة، ولاسيما أن عقيدة المخلًّص (المنقذ) يمكن توظيفها كفكرة لدعم معتقداتهم.
كما أن الديانات السماوية الثلاث جاءت كامتداد طبيعي لرسالات هؤلاء الأنبياء الكرام التي تضمّنت البشارة بالموعود المخلص.
وقال البعض الآخر من المشككين بضعف النصوص الواردة في الكتب السماوية بخصوص المنقذ الموعود، وعدم دلالتها عليه، وحاولوا تأويل هذه النصوص على غير وجهتها الصحيحة، وبالتالي ذهبوا إلى رفض فكرة المخلّص جملة وتفصيلاً.
ومما لاشك فيه هو بطلان ما ذهب إليه هؤلاء، لأنهم خرجوا عن إجماع علماء الديانات السماوية الثلاث الذين أكدوا صحة هذه النصوص ووثاقتها.
كما أن النصوص التي جاءت مبشرة بالمخلّص الموعود في الديانات السماوية من الكثرة والوضوح بحيث لا يمكن لأي باحثٍ منصف التشكيك بها، أو محاولة تأويلها، وبالأخص ما جاء في دين الإسلام الحنيف - من قرآنٍ وأخبار وروايات - حيث حدد معالم شخصية المصلح وهويتها بتسميته بالمهدي، وكذلك حددت علامات ظهوره على الساحة السياسية بصورة تكاد تكون دقيقةً للغاية.
وفي هذه العجالة سوف نلقي الضوء على ما جاء في الديانتين اليهودية والنصرانية، وموقف علماء تلك الديانتين تجاه هذه الشخصية، ثم نورد بعض ما جاء في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، لنرى مدى مطابقة ما جاء في الأديان السماوية بخصوص المخلّص الموعود.
يعتقد اليهود أن المخلّص الموعود هو من بني إسرائيل، وأنه من نسل النبي داوود، وقالوا إن هذا المخلّص - والذي أسموه بالمسيح - سوف يخرج في آخر الزمان، فيقيم العدل ويُصلح ما فسد من أخلاق الناس وسلوكياتهم، وتنعم الأرض بعد مجيئه بالخير والبركات...
لم يحدد اليهود معالم شخصية هذا المخلص ولا مكان ظهوره، كما أحاطوه بالغموض واكتفوا بالقول إنهم ينتظرون هذا المخلّص ليكشف هو عن نفسه عند ظهوره. وهذا الموقف من اليهود له أسبابه الخاصة الكامنة في أنفسهم, لأن ما جاء في أسفارهم لا يتفق مع رغباتهم وأهوائهم في كون هذا المخلّص يعود إليهم نسب...
فهم يجدون نصوص أسفارهم تُعيّن شخصيةً لا تمت إليهم بصلة، لا من الناحية العقائدية ولا من الناحية النسبية، فهو ابن النبي الموعود في آخر الزمان الذي تدين جميع البشرية بدينه. ويكون هذا النبي من نسل إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام) وليس هو من نسل إسحاق كما كانوا يتمنون. فتعمدوا إلى إخفاء الكثير من معالم هاتين الشخصيتين وأحاطوهما بالرموز والكنايات كي لا يتعرف عليهما غيرهم من الأمم.
وعلى الرغم من ذلك فقد جاءت بعض النصوص واضحة المعالم بينة الحجة، كما في الفقرة (20) من الفصل (17) من سفر التكوين وفيه: لقد سمعت دعاءك بخصوص إسماعيل. ها أنا أباركه وأثمره وأجعله كبيراً (أو عظيماً) بما ماد واثني عشر إماماً يكونون من نسله، وسيكون أمة عظيمة (1).
هذا النص التوراتي جاء استجابةً من الله تعالى لدعاء السيدة هاجر زوجة إبراهيم الخليل لابنها إسماعيل، بعدما عزم إبراهيم (عليه السلام) أن يأخذها وابنها إلى مكة المكرمة بيت الله العتيق، الذي لا زرع فيه ولا ماء.
والنص واضح على ما فيه من الرموز، فقد جاء في الحديث الشريف عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة) ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلتُ لأبي: ما قال؟ فقال: (كلهم من قريش)(2).
وجاء في المزمور (72) من مزامير داوود (عليه السلام) ما نصه: اللهم أعط شريعتك للملك، وعدلك لابن الملك، ليحكم بين شعبك بالعدل، ولعبادك المساكين بالحق. فلتحمل الجبال والآكام السلام للشعب في ظل العدل. ليحكم لمساكين الشعب بالحق، ويخلص البائسين ويسحق الظالم. يخشونك ما دامت الشمس وما أنار القمر على مر الأجيال والعصور. سيكون كالمطر يهطل على العشب وكالغيث الوارف الذي يروي العطشى. يشرق في أيامه الأبرار ويعمُّ السلام إلى يوم يختفي القمر من الوجود، ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض (3).
في بداية هذا النص يدعو النبي داوود (عليه السلام) ربه بإعطاء شريعته للملك. وهذا الدعاء لا بد وأن يكون بخصوص الشريعة الخاتمة التي تجمع كافة الأديان السماوية تحت ظلها وتهيمن عليها، كما بيّنت ذلك الفقرات اللاحقة من النص. فهذه الشريعة هي التي ستحكم جميع الأمم والشعوب، لذلك عُبر عن مالكها ب- (الملك).
وجملة (وعدلك لابن الملك) إشارة إلى المخلّص الموعود الذي يحكم بشريعة أبيه التي ستعم العالم، ويملك الأرض من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. فهذه الفقرة جاءت لتؤكد أن المخلّص الموعود الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، هو ابن صاحب الدين الخاتم الذي تُهيمن شريعته على كافة العالم، وهو النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وابنه المهدي كما جاء في الحديث الشريف.
فقد ورد عن علي (عليه السلام) قال: قلتُ: يا رسول الله! أمنّا - آل محمد- المهدي أم من غيرنا؟ فقال: لا، بل منّا. يختم الله به الدين كما فتح، بنا يُنقذون من الفتنة كما أنقذوا من الشرك، وبنا يُؤلف الله بين قلوبهم، وبنا يُصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم(4).
وجاء في الإصحاح (46) من سفر أرميا ما نصه: اصعدي أيتها الخيل، وهيجي أيتها المركبات، ولتخرج الأبطال، فهذا اليوم للسيد رب الجنود يوم نقمة الانتقام من مبغضيه فياكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم، لأن للسيد الرب ذبيحةً في أرض الشمال عند نهر الفرات (5).
يُشير هذا النص إلى واقعة عظيمة عند نهر الفرات، حيث يُذبح هناك أحد أولياء الله المقربين، لأن النص ينسب هذه الذبيحة إلى (الله) مما يدل على سمو مكانته ورفعة مقامه. وسيقوم وليّ لله وهو (السيد ربّ الجنود) بالانتقام لذبح هذا الوليّ المقرّب، ويقتل مبغضيه بعد معارك عنيفة يخوضها ضدهم.
ولم ينقل لنا التاريخ -ولا الكتب السماوية- أن هناك ولياً لله ذُبح عند الفرات غير الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) والذي يأخذ بثأره هو ولده المهدي (عليه السلام) كما جاء في تفسير الآية (33) من سورة الإسراء عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث سئل عن قول الله تعالى: ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْل إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا﴾.
قال (عليه السلام): ذلك قائم آل (بيت) محمد (عليهم السلام) يخرج فيقتل بدم الحسين (عليه السلام) فلو قتل أهل الأرض لم يكن مسرفاً، وقوله (فلا يُسرف في القتل) أي لم يكن ليصنع شيئاً فيكون مسرفاً.
ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): يقتل والله ذراري قتلة الحسين (عليه السلام)(6).
جمع النصارى كتب وأسفار اليهود مع كتبهم وأسفارهم في كتاب واحد أسموه (الكتاب المقدس).وأطلقوا على هذا الكتاب تسمية (العهد القديم) على كتب وأسفار اليهود، وأطلقوا على كتبهم وأسفارهم (العهد الجديد) أي العهد الذي يبدأ بظهور عيسى بن مريم (عليه السلام) على ساحة الدعوة إلى الله.
آمن النصارى بوجود المخلّص الذي سينقذ البشرية في آخر الزمان، اعتقاداً منهم بما هو موجود في (الكتاب المقدس) وقالوا إنّ المخلّص الموعود الذي بُشرَ به في أسفار العهد القديم - والذي أسماه اليهود بالمسيح - هو عيسى بن مريم. لذا أطلقوا عليه اسم (السيد المسيح).
حاول علماء النصارى تأويل ما جاء في أسفار العهد القديم، ليبرهنوا على أن شخصية المخلّص الموعود هو نفسه عيسى بن مريم لكنهم واجهوا الكثير من الإشكاليات، لعدم تطابق أوصاف المخلّص الموعود مع أوصاف نبيهم وما جرى معه. كالنص الذي أوردناه فيما تقدم، وهو الفقرة الأولى من المزمور (72) من مزامير داوود وهو :(اللهم أعط شريعتك للملك، وعدلك لابن الملك).
فلم يتمكن النصارى من إعطاء جواب مقنع لهذه الفقرة. فإذا كان عيسى هو صاحب الشريعة فمن يكون ابنه، وهو لم يتزوج أصلاً؟!. وإذا كان هو ابن الملك صاحب الشريعة الذي يبسط سلطانه على ممالك الأرض، فمن هو أبوه؟!.
وهكذا تبقى الإشكاليات في النصوص الأخرى التي أوردناها سابقاً، كذبيحة الربّ في الشمال عند نهر الفرات، وبقية النصوص الأخرى، كالنص التالي الذي جاء في سفر دانيال: (كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحاب السماء مثل ابن الإنسان، أتى وجاء إلى قديم الأيام، فقرّبوه قدامه، فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً، لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته مالا ينقرض)(7).
فالنصارى يؤمنون بأن المسيح هو ابن الله، فمن يكون ابن الإنسان؟!. إن ابن الإنسان هو ابن صاحب الشريعة الذي يبسط سلطان شريعة أبيه على كافة الأمم والشعوب، وهو مهدي آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وكذلك عجز النصارى عن تفسير ما جاء في كتبهم وأسفارهم حول المخلّص الموعود، ولم يتمكنوا من تفسيرها تفسيراً منطقياً يُرضي العقل. ومثال ذلك ما جاء في سفر الرؤيا ليوحنا صاحب إنجيل يوحنا، في رؤياه الثانية عشر:
1- (وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً.
2- وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد.
3 - وظهرت آية أخرى في السماء. هوذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى رؤوسه سبعة تيجان.
4- وذنبه يجرُّ ثلث نجوم السماء فطرحها إلى الأرض، والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت.
5 - فولدت إبناً ذكراً عتيداً أن يرعى الأمم بعصاً من حديد. واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه.
6 - ولما رأى التنين أنه طرح إلى الأرض اضطهد المرأة التي ولدت الإبن الذكر.
7- فأعطيت المرأة جناحي النسر العظيم لكي تطير إلى البرية، إلى موضعها حيث تُعال زماناً وزمانين ونصف زمان من وجه الحّية.
8- فألقت الحية من فمها وراء المرأة ماءً كنهر لتجعلها تُحمل بالنهر.
9- فأعانت الأرض المرأة، وفتحت الأرض فمها وابتلعت النهر الذي ألقاه التنين من فمه.
10- فغضب التنّين على المرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح)(8).
هذه مقتطفات من رؤيا القديس يوحّنا التي تحكي لنا ملحمةً إلهية بشكل رمزي كنائي، يدور فيها صراع بين المرأة المتسربلة بالشمس والمكللة بإكليل من اثني عشر كوكباً ونسلها ضد التنين، الذي هو رمز الطغيان والشر.
فسّر علماء الكنيسة المرأة التي تتسربل بالشمس بأنها مريم (عليها السلام) وأن الكواكب الاثني عشر التي فوق رأسها هم الحوارين أصحاب عيسى (عليه السلام) وأن ابنها الذي يرى الأمم بعصاه - وهو ما يرمز هنا إلى المخلّص الموعود - فسّروه بأنه المسيح عيسى بن مريم.
التفسير ظاهر البطلان، بصريح نصوص الأناجيل الأربعة التي يدينون بها. فمريم لم يكن لها نسل كثير - كما ينص الإنجيل - سوى ابنها عيسى (عليه السلام) وكذلك عيسى لم يكن له نسل قام بالجهاد في سبيل الله ومقاومة الطغاة والمستبدين بل ليس له ابن أصلاً.
كما أن عيسى (عليه السلام) نفسه لم يأمر أصحابه بالجهاد ضد المفسدين من رؤساء الكهنة والحكام وغيرهم بل جاءت دعوته سليمةً، لأنه لم يجد الأعوان على ذلك. والذي يفهم من الأناجيل أيضاً أن مريم (عليها السلام) لم يكن لها أي دور في تبليغ رسالة السماء مع ابنها، حيث كان دورها هامشياً لا يتعدى كونها أم المسيح.
فالمرأة العتيدة في هذه الرؤيا، بالتأكيد هي ليست مريم بل هي امرأة أخرى لها نسل كثير يقارعون الظلمة والطواغيت، ولها ابن يخشاه هؤلاء الطغاة فيحاولون قتله (فيخطفه الله إلى عرشه).
وهذه المرأة العظيمة هي فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي كان لها دور عظيم في إرساء قواعد الإسلام الحنيف، وكذلك نسلها الذي قدم الكثير من الأموال والأنفس فداءً للإسلام، أولهم ابنها الحسين (عليه السلام) وأهل بيته الأطهار الذين قتلوا ظلماً عند نهر الفرات وهو مَن تشير إليه عبارة الإنجيل: (ذبيحة الرب في الشمال عند نهر الفرات).
وقد جاء في سنن ابن ماجة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنا أهل بيتٍ اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً حتى ياتي قوم من المشرق معهم رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينتصرون فيُعطون ما سألوا، فلا يقبلون حتى يدفعوها إلى رجلٍ من أهل بيتي فيملؤها قسطاً كما مُلئت جوراً.(9).
أما تفسيرهم (الكواكب الاثني عشر) بأنهم حواري عيسى (عليهم السلام) فهو أوهي من سابقه، وبشهادة أناجيلهم التي بين أيديهم. فما جاء في الأناجيل يصرح بأن بعض هؤلاء الحواريين قد أنكر المسيح في ساعة المحنة، وأن بعضهم كان يشك في صدق حديثه، مما حدا به إلى أن يصرخ بهم متهماً إياهم بقّلة الإيمان؟!.
ومنهم من تآمر مع رؤساء كهنة اليهود ليسلمه إليهم لقاء حفنة من الدراهم. فهذا هو حال الحواريين الذين وصفته لنا أناجيلهم، فكيف يكونون - وهم بهذا الحال - كواكب تهتدي بها البشرية؟!.
إن الكواكب التي تهتدي بنورها البشرية أئمة الهدى خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أمته وأمناؤه على رسالته، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم الحجة بن الحسن (عليهم السلام أجمعين) الذي يرعى الأمم بعصاً من حديد، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً. وهو الذي يغيب شخصه عن الأبصار لأنه (اختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه) كي لا يهتدي إليه طغاة بني العباس فيقتلوه.
فقد جاء في الحديث الشريف عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعتُ جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لما أنزل الله عز وجل على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم..
قلت يا رسول الله! عرفنا الله ورسوله، فمن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هم خلفائي ياجابر وأئمة المسلمين من بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسين، ثم الحسن، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف بالتوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فإقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي وكني حجّة الله في أرضه وبقيته في عباده أبن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله (تعالى ذكره) على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبةً لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان(10).
أما القمر الذي هو تحت رجلي المرأة العتيدة، فهو يرمز إلى صالحي شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم كالقمر الذي يستمد نوره من الشمس. فهم يستمدون نور هدايتهم من نور الرسالة والولاية. وكون القمر تحت رجلي المرأة، فهذا كناية عن كون الشيعة هم المرتكز الأساس لتبليغ مهام الرسالة والولاية والدفاع عنها وعن حقوق أصحابها الذين هم أهل البيت (عليهم السلام): فهم كالأرض التي يثبت الإنسان عليها دعائمه ومرتكزاته.
وهناك نصوص أخرى عن المخلّص الموعود موجودة في أناجيل وأسفار النصارى أعرضنا عن إيرادها مخافة التطويل.
جاء دين الإسلام ليؤيد ما جاء في الأديان السماوية السابقة، من وجود المخلّص الذي بُشر به، وسُمي المخلص عند المسلمين بالمهدي. واعتبر الدين الإسلامي أن الإيمان به هو أصل من أصول الدين، لا يجوز لأي فرد ينتسب إلى الإسلام إنكاره.
فلذا نرى أن النصوص التي تحدثت عن شخصية المهدي كثيرة جداً، وقد أحاطت بجميع خصوصيات هذه الشخصية التي ستكون من أمة الإسلام. ولكثرة هذه النصوص يمكن تقسيمها إلى نوعين من حيث دلالاتها.
(النوع الأول): من النصوص جاءت بخصوص عقيدة المهدي، كالأحاديث التي تُحدد نسبه، والأحاديث التي تبين أوصافه وأحوال ولادته وغيبته. ومن هذه الأحاديث: ما أخرجه أبو داوود وابن ماجة والطبراني عن أم سلمة قالت: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة. (11)
وما رواه الصدوق في (إكمال الدين) بإسناده عن عبد الرحمن بن سليط، قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام): منّا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي وهو الإمام القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون، فيُؤذون ويقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين. (12)
ومن الأحاديث التي ذكرت ملامح المهدي (عليه السلام) ما روي عن الإمام الباقر بسنده عن آبائه (عليهم السلام) عن سيد العترة الطاهرة الإمام أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنه قال وهو على المنبر: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض اللون، مشربٌ بالحمرة، مندح البطن، عريض الفخذين، عظيم شاش المنكبين، شامة على لون جلده، وشامته على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(13).
أما (النوع الثاني) من النصوص، فهي تلك التي تتحدث عن خروج الإمام المهدي (عليه السلام) من بين الركن والمقام ليبدأ عملية التغيير.
منها ما روي عن أبي حمزة الثمالي قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): واختلاف بني فلان من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم. (14)
وأخرج نعيم بن حماد عن علي بن أبي طالب قال: يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية عشر شهراً، يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت. (15)
وأخرج الدارقطني في سننه عن محمد بن علي قال: لمهدينا آيتان لم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض، يخسف القمر لأول ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه، ولم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض.(16)
وهناك نصوص أخرى تتضمن كلا النوعين وهي كثيرة أيضاً، ويمكن استخراجها من مصادر كلا الفريقين الشيعة والسنة.
إن عقيدة المخلص الموعود هي من الحقائق التي أثبتتها الديانات السماوية الثلاث بنصوص واضحة المعالم كالتي أوردنا قسماً منها فيما تقدم. ولاحظنا في هذه النصوص كيف أنها ربطت بين المخلص الموعود والنبي الخاتم للأديان، مما يدل على وحدة العقيدة والنسب بين كلا الشخصيتين.
إن علماء اليهود والنصارى الذين وضعوا كتبهم وأسفارهم قديماً يدركون يقيناً أن هذا المخلّص الموعود ابن النبي الخاتم وهو رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قال الله (عز وجل) في كتابه العزيز: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾.
فاليهود تمنوا أن يكون هذا المخلص يهودياً من نسل داوود، لذلك حاولوا تأويل بعض النصوص وإخفاء البعض الآخر وتحريفه حسداً من عند أنفسهم، لأنهم عرفوا أن هذا المخلّص هو من نسل إسماعيل ابن إبراهيم الخليل (عليهما السلام)ووضعوا في أسفارهم علامات خروج هذا المخلّص بشكل لا يمت إلى الواقع بصلة، بل هي مجموعة من الأمنيات بالثراء وإذلال الآخرين.
أما علماء النصارى فقد قالوا إن المسيح الذي جاء ذكره في أسفار العهد القديم هو عيسى بن مريم، وهو المخلص الموعود. لكنهم توقفوا عند تفسير النصوص التي تدل على وحدة الكيان بين المخلص الموعود والنبي الخاتم.
إن عدم الإيمان بقدسية النصوص عند اليهود والنصارى هو الذي دفعهم إلى التحريف والتأويل وتضييع الحقائق إرضاءً لأهوائهم وشهواتهم، لذلك نرى أن فكرة المخلّص الموعود تتناقض دلالاتها في كلا الديانتين اليهودية والنصرانية.
فاليهود لم يحددوا هوية هذه الشخصية، ولكن وضعوا علامات لخروجه. أما النصارى فقد عيّنوا الشخصية ولم يحددوا علامات خروجه. والذي جاء في الدين الإسلامي، يضع حداً لهذه الإشكاليات والتناقضات التي وقع بها اليهود والنصارى.
فقد حدد الدين الإسلامي هوية هذا المخلّص بدقة وسمّاه بالمهدي وصرّح بأنه من نسل رسول الله خاتم النبين، ودينهُ خاتم الأديان. ثم ذكرت الروايات علامات خروجه بتفاصيل دقيقةً، مما يثبت بشكل قطعي إن هذا المخلّص الموعود هو ابن النبي الخاتم.
وألفتنا النظر في بداية مقالتنا إلى أن البشارة بالموعود المخلّص لا تقتصر على الأديان السماوية الثلاث، بل جاءت هذه البشارة عبر الأنبياء والرسل الذين سبقوا هذه الأديان، وأولهم نبي الله آدم أبو البشر.
فدين الله واحد، وخط الأنبياء والرسل واحد، وهو الدعوة إلى الله تعالى. وهذه الأديان السماوية الثلاث تعتبر الامتداد الطبيعي لخط هؤلاء الأنبياء العظام (عليهم السلام) لذلك نرى أن كل البشرية ورثت هذه البشرى من مختلف الأديان سواء أكانت سماوية أم غير سماوية.
وأخيراً لا بد من القول إن المخلّص الموعود هو أمل البشرية في تحريرهم من شرور أعمالهم، وإن الله (سبحانه) وعدهم في كتبه التي أنزلها على أنبيائه بإرسال المصلح المنقذ لخلاصهم في آخر الزمان بعد أن تُملأ الأرض ظلماً وجوراً، فيملؤها قسطاً وعدلاً. إن الله لا يخلف الميعاد.
الهوامش:
(1) كتاب بشائر الأسفار بمحمد وآله الأطهار، ص55.
(2) صحيح مسلم ج6/ 4 الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.
(3) كتاب بشائر الأسفار، ص 130.
(4) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان ص91.
(5) بشائر الأسفار ص239.
(6) المحجّة في ما نزل في القائم الحجّة ص127، عن كتاب كامل الزيارات ص63.
(7) بشائر الأسفار بمحمد وآله الأطهار ص141.
(8) بشائر الأسفار بمحمد وآله الأطهار، ص219.
(9) بشائر الأسفار بمحمد وآله الأطهار ص230.
(10) كتاب الإمام المهدي ص66، عن الدمعة الساكبة 3/ 238.
(11) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان ص89.
(12) الإمام المهدي من المهد إلى الظهور ص79.
(13) حياة الإمام المهدي ص 32.
(14) كتاب الغيبة للطوسي ص 435.
(15) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان ص103.
(16) المصدر السابق ص 107.