(٢٤) عيد الندبة!
عيد الندبة!
عبير المنظور
وحلّ العيد، واختنقتْ الأنفاس بعبرتها، وارتعشت الأوصال وتوضأت بدموع الآماق حينما رمتُ الدخول إلى محراب العشق الأقدس في صباح يوم العيد، حيث موعد الخلوة والنجوى، بين آهاتٍ تتناثر وسط كلمات دعاء الندبة، وزفرات تتخلل المعاني المختبئة بين السطور، وبين حبر الأدمع وقرطاس القلب ترتسم لوحة الولاء الحقيقي لإمام الزمان (عجّل الله فرجه) وشدة الاشتياق ولوعة الغياب وألم الانتظار وبث الشكوى، إنها باختصار لوحة العيد التي يرسمها الانتظار بريشة الشوق وبرعاية دعاء الندبة.
نعم، هو الدعاء الذي تُعد قراءته من المستحبات المؤكدة في الأعياد الأربعة (عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد الغدير والجمعة) فهو بمثابة دورة تربوية مكتملة الجوانب في أدب التعامل مع إمام الزمان (عجّل الله فرجه)، فقراءة دعاء الندبة ليس مجرد دعاء نقرؤه أو لقلقة لسان بكلمات مأثورة من الأدعية، ولا هو دعوة للتشاؤم والسلبية للبكاء والنحيب في العيد، وإنما هو تعبير عن الصلة القوية بينك وبين إمام زمانك، ومؤشر لشدة التقارب الروحي منه، فمن الطبيعي جداً أن يتأثر الإنسان في لحظات فرحه العارمة بتذكره لأحبّته ممن غابوا عنهم أو غيّبتهم المنيّة تحت الثرى، ويتمنى أن يشاركوه فرحته، ولعله من هذا المنطلق ينبغي تكرار قراءة دعاء الندبة في الأعياد، لأنه يشعرك بأنك مع الإمام في فرحك وحزنك وأنك على قدر مسؤولية انتظاره الفعّال في عصر الغيبة الكبرى عن طريق التمهيد لظهوره المبارك بالعمل والسعي الجاد.
إذن فهو يمثّل دافعاً إيجابياً نحو التقدم لا التقهقر وندب الحظ، بحيث ينطلق بنا الدعاء من إطار الفردية إلى التعاون والعمل الجمعي مما يوحّد جهود المنتظرين للإمام في زمن الغيبة بالكم والكيف، مما يسهل بالتأكيد التمهيد للظهور ويشد ويؤازر بعض المنتظرين مع البعض الآخر، لنكوّن بذلك الوحدة الحقيقية للانتظار الواعي والفاعل الذي ينتشر في جميع الاتجاهات وفي جميع نواحي الحياة، لنعيش بذلك عيدنا الحقيقي وهو النظرة الأبوية الرحيمة من المولى صاحب الأمر (روحي فداه) الذي أدعوه بـ (عيد الندبة) ولكن بشرطه وشروطه.