البحوث والمقالات

(٢٦) معنى ومراتب غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

معنى ومراتب غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

يحيى غالي ياسين

معنى الغيبة على وجه العموم، مراتبها وشرائط تحققها:
الغيبة عند أهل اللغة تكون من مصدر(غيب)، والأخير عندهم يدل على (تستر الشيء عن العيون) ومنه يقيسون.
اما المحققون في معاني اللغة فيتوسعون في الأمر أكثر، ويقولون بأن الأصل الواحد في المادة هو ما يقابل الشهادة، قال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ ... انظر.. التحقيق في كلمات القران الكريم.
ومنه يتوصلون إلى خمسة مراتب وحالات ينطبق عليها مفهوم الغيب، منها مرتبتان ماديتان، ومرتبتان معنويتان، ومرتبة خامسة مشتركة بين المراتب المادية والمعنوية.. وكما يلي:
أولاً: الغيبة المادية: وتنقسم إلى مرتبتين: هما:
المرتبة الأولى: الغيبة في مقابل الحضور، مثل ﴿لا تَقْتُلُوا يوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَةِ الْجُبِّ﴾، فالغائب في هذه المرتبة يكون غائباً عن المكان المعين وغير حاضراً فيه.
المرتبة الثانية: الغيبة في مقابل الظهور، فالغائب عندها يكون حاضراً في ذلك المكان المعين ولكنه غير ظاهراً للحواس أو غير مدروك من قبلها. مثل حضور الملائكة معنا في كل زمان ومكان ولكنهم غير مدركين من قبلنا.
ثانياً: الغيبة المعنوية: وتنقسم إلى مرتبتين أيضاً:
المرتبة الأولى: غياب الهوية والعنوان، أي إن الغائب يكون حاضراً وظاهراَ ولكنه نكرة عند الآخرين وغير معروف عندهم أو معروفاً بغير صفته الحقيقية.
المرتبة الثانية: غياب الماهية أو غياب المعرفة الحقيقية، فالغائب قد يكون حاضراً وظاهراً ومعروف الهوية ولكنه غير معروف المنزلة والأهمية والمكانة والقدر التي يتحلى بهما، فيكون بمنزلة الغائب عنهم، ومن ذلك ما كان يخاطب به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب (عليه السلام) (يا علي لم يعرفك إلا الله وأنا)، فالإمام كان معروف عند الآخرين بأنه علي بن أبي طالب ولكنهم لا يدركونه حق إدراكه. والناس أعداء ما جهلوا..!
أما المرتبة المشتركة بين القسم المادي والمعنوي، هو ما كان علمه عند الله (جل وعلا)، فهناك غيباً لا يظهر منه الله (جل وعلا) إلا بمقدار محدود ولأناس محدودين أيضاً ﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيبِ نُوحِيهَا إِلَيكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ﴾.
وهناك مرتبة ثالثة في ودي أن أضيفها إلى القسم المعنوي من أقسام الغيبة أعلاه، وهي الغيبة في مقابل الوظيفة، بمعنى إن الغائب ليس غائباً عن المكان ولا غائباً بالعنوان ولا بالحواس ومعروف المنزلة والمكانة ولكنه لم يعط الوظيفة والمكانة التي تليق به، فهو مبعد عنها ويكون عند ذلك غائباً بالغيبة المعنوية عن تلك الوظيفة.
فهذه حالات ومراتب ستة للغيبة، عند وقوعها في شيء وانطباقها عليه يمكنه ان يكتسب صفة الغائب، أما الصفات الأخرى التي يجب أن تتوفر لاكتساب الصفة الحقيقية والكاملة لمعنى الغيبة فهي صفتان: هما:
الأولى: أن لا تكون الغيبة وبإحدى مراتبها السابقة صفة ثابتة له.
الثانية: أن تكون هناك حاجة وضرورة تدعوا إلى الخروج من مرتبة الغيبة وبأسرع وقت ممكن.
أما الأولى: فنقصد بها إن بعض حالات الغيبة السابقة تكون حاله مستمرة ودائمة وغير طارئة أو مكتسبة.. وللتوضيح نضرب المثاليين التاليين:
المثال الأول: إن الملائكة لدينا وهم رقيب وعتيد غير غائبين وان انطبقت عليهم المرتبة الثانية من القسم المادي للغيبة، وذلك لان خلقتهم التكوينية هي هكذا بحيث لا يمكن إدراكها من قبل حواسنا... أما ذكرهم كمثال في شرح المرتبة هو لغرض التوصيف فقط، أما الإنسان إذا استطاع أن يكتسب هذه الصفة ويكون موجوداً في مكان معين ولكن لا يمكن رؤيته فيمكن أن نقول عليه غائباً بالغيبة المادية من المرتبة الثانية.
المثال الثاني: إن طالب المرحلة الدراسية المتقدمة لا يمكن أن يسجل غائباً في المرحلة المتأخرة لان ليس من شأنه الحضور فيها وإنما يعتبر له الحضور والغياب في مرحلته.
أما الثانية: فهي وان كانت الحالة التي يقع فيها ذلك الشيء حالة طارئة، وانه من شأنه أن يخرج إلى ما يقابلها ولكنه يحتاج إلى حاجة وضرورة للخروج من تلك الحالة التي هو فيها وان كانت طارئة.. فمثلاً هنالك أشخاص يمكنهم الحضور في بعض التجمعات العلمية والندوات السياسية.. الخ.. وان عدم الحضور أو الحضور بيده، ولكن حضوره وعدم حضوره لا يعني شيء لذلك التجمع لا سلباً ولا إيجاباً فهو كما يقال (إن حضر لا يعد وان ذهب لا يفتقد)، فمثل هذه الحالة يكون فاقداً لصفة الغيبة الحقيقية عند عدم الحضور وفاقداً لصفة الحضور الحقيقية عند عدم الغيبة.
إذن.. إذا أردنا أن نقول إن س غائبة عن ص.. فعلى س ان تتصف بما يلي:
• أن تتخذ إحدى حالات ومراتب الغيبة الستة السابقة.
• أن تكون س قادرة على الخروج من حالتها السابقة وان حالتها الحالية هي الصفة الطارئة لها.
• أن يكون حضور س ذو حاجة وضرورة بالنسبة ل ص أو بالعكس أو كلاهما.
وإلا لا يمكن أن تكون س مكتسبة للصفة الحقيقية والكاملة للغيب وان سميت غائبة بعد أن بينا أهمية معرفة غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والاهتمام بها، وبينا بعض الطرق والمصاديق الخاصة بطبيعة ذلك الاهتمام.
ثم انتقلنا إلى بحث خاص بمعنى الغيبة على وجه العموم وبينا مراتبها وحالاتها وشرائط انطباقها، أردنا هنا أن نبحث ونتمعن في غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) فيما يخص تحديد مرتبتها ومقدار انطباق الشرائط عليها، وهذا كما قلنا نوع من أنواع الاهتمام بهذه القضية المباركة.
بحثنا هنا لا يستدعي جهدا كبيراً، وإنما كل ما هو مطلوب محاولة تطبيق الغيبة الخاصة بالإمام على كل مرتبة من المراتب السابقة وملاحظة درجة انطباقها، معتمدين في ذلك على الأحاديث الواردة والقواعد الإسلامية المسلُمة.
فما كان ينطبق نأخذ به ويرقى إلى درجة الاحتمال وإلا فلا يمكننا أن نقول باحتمال شمول الغيبة الخاصة به (عجّل الله فرجه) إلى ذلك الأسلوب من الغيبة.
لذا سنبدأ إن شاء الله تعالى بتعداد المراتب وتطبيق غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) عليها.
أولاً: القسم المادي:
المرتبة الأولى: وهي الغيبة المقابلة للحضور المكاني.
إن مكان الإمام (عجّل الله فرجه) الذي نعنيه هنا في حالة تطبيق هذه المرتبة هو المجتمعات البشرية الموجودة على الأرض والأماكن المأهولة بالسكان بغض النظر عن اللون والمعتقد...
ولعدم الحضور في هذه المجتمعات شكلان:
الشكل الأول: أن يكون الإمام (عجّل الله فرجه) غير موجود على وجه الأرض إطلاقاً، أي مرفوعاً إلى السماء أو في كوكب آخر أو ما شاكل ذلك، ويكون حاله كحال سيدنا عيسى (عليه السلام) وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام.
وهذا الشكل أيضاً له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون الرفع عن الأرض مستمراً وبصورة دائمية خلال فترة الغيبة.
الحالة الثانية: أن يكون منقطعاً وتتخلله فترات نزول إلى الأرض.
أما الحالة الأولى فغير محتملة إطلاقاً وذلك لـ:
١) غير واردة المعنى في الروايات الخاصة بغيبته (عجّل الله فرجه).
٢) متعارض مع الروايات التي تشير إلى تواجده مع الناس في موسم الحج وروايات قيامه ببعض التكاليف وقضاء الحوائج واخبار المشاهدة.
٣) مخالف للعقيدة الراسخة بأن الأرض لا تخلوا من حجة وإنها لو خلت لساخت بأهلها.
أما الحالة الثانية: فمرفوعة الاحتمال أيضاً لانطباق النقطتان الأولى والثالثة عليها في رد احتمال الحالة الأولى... فانظر.
الشكل الثاني: أن يكون (عجّل الله فرجه) موجوداً على الأرض ولكنه منزوياً ن المجتمعات البشرية والأماكن المأهولة بالسكان وانه موجود في مكان غير متوقع العيش فيه.
وهذا الشكل أيضاً له حالتان:
الحالة الأولى: استمرارية الانزواء.
الحالة الثانية: تخلل ذلك الانزواء فترات اختلاط بالناس.
أما الاستمرارية فمنقوضة بإخبار المشاهد واخبار حضور الموسم وغيرها مما لا يمكن الشك فيه.
وأما الحالة الثانية فمحتملة وغير متعارضة مع ما ذكرناه بل تؤيدها بعض الأخبار والتي منها:
١) من كلام للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لمحمد بن إبراهيم بن مهزيار حين قابله: يا بن المازيار: أبي عهد الي أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب اليم، وأمرني أن لا اسكن من الجبال إلا وعرها، ومن البلاد إلا عفرها.... الخ كلامه (عجّل الله فرجه).
٢) ما ورد في دعاء الندبة الذي ينسب إليه (عليه السلام) ما يدل على هذا الاحتمال (لَيتَ شِعْري أَينَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى؟ بَلْ أي أَرْض تُقِلُّكَ أو ثَرى؟ أَبِرَضْوى أو غَيرها أَم ذي طُوى؟...).
وعندما تجتمع هذه الأخبار مع الأخبار الدالة على اختلاطه في المجتمعات البشرية مثل اخبار المشاهدة أو حضور الموسم أو قضاءه لبعض الحوائج التكاليف. نستطيع عندها أن نحتمل الحالة الثانية من الشكل الثاني من المرتبة الأولى من أقسام الغيبة المادية والتي هي (للإمام (عجّل الله فرجه) سكنى في مناطق وأماكن منزوية عن المجتمعات البشرية ولكن يتخلل هذا الانزواء خروج ولبث في بعض المناطق المأهولة بالسكان).
إذن نلخص هذه المرتبة.

إن هناك شكلان من الغيبة المادية المقابلة للحضور ولكل شكل حالتان. فيكون الناتج أربعة أقسام:
١) مرفوعاً عن الأرض بصورة مستمرة... وقد أبطلناه.
٢) مرفوعاً عن الأرض بصورة متقطعة.... وقد أبطلناه أيضاً.
٣) منزوياً في الأرض بصورة مستمرة.. وهذا ما قلنا ببطلانه.
٤) منزوياً في الأرض بصورة يتخللها خروجاً ولبثاً في بعض المناطق، وهو احتمال قائم ومنسجم مع الأحاديث الواردة.
المرتبة الثانية: وهي الغيبة المقابلة للظهور.
وعندها يكون الإمام (عجّل الله فرجه) لا يمكن رؤيته أو النظر إلى جسده الشريف رغم حضوره وتواجده في المكان. وهو ما يعبر عنه بـ(خفاء الشخص).
وهذه المرتبة أيضاً لها حالتان محتملتان هما:
الحالة الأولى: الاستمرارية: أي استمرار حالته هذه خلال غيبته.
الحالة الثانية: الانقطاع: أي تارة يكون غير مرئي وتارة أخرى يكون مرئي. أو التقطع يكون بالنسبة للرائي، أي شخص يراه وشخص لا يمكنه أن يراه رغم تواجده أمامهم معاً.
أما الاستمرارية فغير متوقعة، لمعارضتها لأخبار المشاهدة. وأما الانقطاع، فيمكن توقعه إذا أخذنا بنظر الاعتبار أخبار المشاهدة الدالة على اختفاءه في بعض الحالات وبصورة غير طبيعية عند انتهاء المقابلة وذلك حفظاً على نفسه وبالتالي على المهمة الموكول بها، ومن هذه الأخبار، الخبر الذي يقول بأنه (عجّل الله فرجه) ظهر لعمه جعفر الكذاب مرتين خلال الغيبة الصغرى ثم اختفى من دون أن يعلم أين ذهب. أو الأخبار التي تدل على رؤيته من شخص دون آخر.
ثانياً: القسم المعنوي
المرتبة الأولى: خفاء العنوان، وعندها يكون الإمام (عجّل الله فرجه) يعيش في المجتمعات البشرية (وقد يكون بالحالتين المنقطعة أو المستمرة) ولكن ليس بعنوانه الحقيقي، أي ليس بعنوان انه الإمام المهدي الموعود، وإنما يتخذ لنفسه عنواناً آخر وهوية مغايرة كان قد اكتسبها (عجّل الله فرجه) بين الناس.
واحتمال هذا النوع من الغيبة قوي جداً ومن جوانب عديدة:
١) ينسجم وقسم من الأخبار التي تشير إلى معنى مقارب من هذا المعنى والتي منها خبر العمري: والله إن لصاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرنه ولا يعرفونه أو الروايات التي تشير إلى عدم تسميته باسمه.
٢) كونها أسهل أداءً من قبله (عجّل الله فرجه)، باعتباره إنساناً من ناحية يحتاج إلى مجتمع، وباعتباره إماماً منوطة به بعض التكاليف التي هي على مستوى الغيبة.
٣) لهذا الأسلوب في حالة الإيمان به من قبل القواعد الشعبية الأثر النفسي والتربوي الروحي من جانب وما ستؤثر عليه تلك التربية على تصرف الموالي من جانب آخر. حيث إن المؤمن حينما يتوقع أن يكون هذا الشخص أو ذاك هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، سيكون عندها تعامله معه أكثر انضباطاً مما لو كان هذا التوقع غير موجود وهذا قريب من التعاليم التربوية الإسلامية التي تشير إلى التحذير من الإساءة إلى أي شخص أو احتقار ضعيف لاحتمال كونه ولياً من أولياء الله (جل وعلا).
٤) المصاديق التي دلت عليها أخبار المشاهدة الخاصة وبالعناوين الثانوية التي يتقلدها (عجّل الله فرجه) عندما يلتقي بشخص معين أو يقضي حاجة أخرى، فتارة يرتدي العقال العربي على اختلاف أشكاله وأخرى بزي أهل البادية أو يرتدي زياً مهيباً أو فلاحاً يحمل المسحاة أو سيد جليل من رجال الدين، وقد يركب الفرس أو الجمل أو يكون ماشياً أو قد يتكلم بلغات مختلفة...الخ
المرتبة الثانية: غياب الماهية، بمعنى ان الإمام (عجّل الله فرجه) ذو حقيقة مختفية عن الناس، والحقيقة هي المقام والرفعة والمستوى والشرف والمنزلة والقرب الإلهي والوظيفة الربانية التي يتصف بها الإمام، وهذه الغيبة لمن يدقق موجودة عند جميع الأئمة والأنبياء والأولياء، وما خطاب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) بأنه لا يعرفه إلا الله والنبي إلا إشارة لهذه الغيبة.
وهذا النوع من مراتب الغيبة تارة يكون متعمداَ من قبل الغائب نفسه، أي يخفي مستواه ومنزلته ومرتبته للآخرين لأسباب مختلفة، كأن تكون تواضعاً أو حفاظاً على النفس أو حفاظاً على الآخرين أو ما شاكل ذلك، وتارة أخرى يكون منشئها قصور الغائب عنه أو تقصيره.

أي قد يكون الإنسان الجاهل للإنسان الآخر ليس بمستوى معرفة ذلك الإنسان وقيل كنهه، وأخرى قد يكون مقصراً وكسولاً عن استقصاء الحقائق والتعرف على بعض الذين يستحقون المعرفة.
وهذا النوع من مراتب الغيبة يعتبر من أخطر المراتب على الإطلاق بالإضافة إلى كونه سبباً في كثير من الأحيان لتهيأت أسباب مراتب الغيبة الأخرى، فبه يظلم الناس، وبه يحرم الذين هم بأشد الحاجة إلى من هم أهلاً للاحترام والقيادة، ويحرم الذين هم بأشد الحاجة إلى القيادة وإرشادات وتوجيهات وبركات أصحاب المقامات العالية
فهذه المرتبة متحققة ويتصف بها الإمام (عجّل الله فرجه).
المرتبة الثالثة: غياب الوظيفة: وهذا أوضح من الشمس وأبين من الأمس، ويشترك (عجّل الله فرجه) في هذه المرتبة مع آبائه (عليهم السلام) كالمرتبة السابقة، حيث وبعد أن فارق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الحياة وبعد أن بلغ ما بلغ من القرآن الكريم وأوصى ما أوصى إلى الخليفة بعده وحدد مواصفاته وعين اسمه ورسمه وشكله، بل اخذ البيعة له على رؤوس الأشهاد، وبعد كل ذلك وغيره انحرفت الأمة وأزالت الحق عن أهله ووضعت الأمور في غير موازينها فبات الخلفاء الحقيقيون والأئمة الهادون هم الطريدون وهم المشردون وهم الخارجون...!
فلم يأخذوا دورهم الحقيقي في قيادة الأمة، وليت شعري لو كان كذلك، ولعمري لو تحقق ما أراده الله ورسوله ماذا نكون الآن وأين سنكون غدا.!
هذا النوع من الغيبة بسببه اندرس الإسلام وانمسخت ملامحه، هذه الغيبة تفرق بسببها المسلمون وقتل بعضهم بعضا.
إذن هذه الغيبة واقعة وحادثة وجارية الحدثان لشديد الأسف.
أما المرتبة المشتركة بين القسم المادي والمعنوي، والتي تنسب إلى الله (عز وجل)، فأن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وحسب الأخبار الواردة هو من أوضح مصاديقها.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ قال: من آمن بقيام القائم (عليه السلام) انه حق.
وعن يحيى بن ابي القاسم قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾؟ قال المتقون شيعة علي (عليه السلام) والغيب: فهو الحجة الغائب، وشاهد ذلك قول الله (عز وجل) ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾.
وعن الإمام الباقر (عليه السلام)، بأن لغيب هو البعث والنشور وقيان القائم والرجعة.
نتيجة البحث:
بعد أن حددنا مراتب الغيبة وبينا ما يمكن أن ينطبق على الإمام (عجّل الله فرجه) وإلا يمكن ذلك، ندرج الآن ما نرشّحه أن يكون احتمالاً علمياً قائماً حول شكل غيبة الإمام وبعضها يكون مجتمعاً فيه (عجّل الله فرجه) وكما يلي:
١) خفاء الشخص وبصورتيه المنقطعة.
٢) خفاء المكان وبصورته المنقطعة.
٣) خفاء العنوان
٤) خفاء الماهية
٥) غيبة الوظيفة
٦) انتسابه إلى غيب الله (عز وجل).
أما الشرطان اللذان حددناهما بضرورة اتصاف الغائب بهما:
• إمكانية وشأنية ترك حالة الغيبة.
• حاجة وضرورة ترك حالة الغيبة.
فهما متحققان، فإنه ليس من شأنه ان يكون غير مرئي أو غير مدرك من قيل الحواس كونه بشر، ولنفس السبب ليس من شأنه ان يكون منزوياً عن الأوساط الاجتماعية كون الإنسان اجتماعي الطبع. بالإضافة إلى إمكانية إبراز العنوان وتوضيح الماهية، وامتلاكه لأهلية قيادة المجتمعات البشرية على وجه المعمورة.
أما حاجة المجتمع إلى ظهور شخصه وعنوانه وماهيته وقرب مكانه واتخاذ وظيفته الحقيقية فهو الخيار الذي لا خيار معه وخاصة في ظروف الأرض الجارية.
وكذلك بالنسبة إلى الغيبة المنسوبة إلى الله جل وعلا، فتحتاج إلى توفيقات خاصة من قبل الإنسان للاطلاع عليها والاستفادة من بركاتها.
إذن الإمام (عجّل الله فرجه) وحسب ما احتملناه غائباً عنا بأكثر من غيبة، وترك الغيبة أو الغيبات تلك ممكنة بل وضرورة ملحة للبشر بل للكون.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠١ : ٥.١ K : ٠
: يحيى غالي ياسين
التعليقات:
لا توجد تعليقات.