(٣٤) المهدي والمسيح (عليهما السلام) - الخصائص والهدف المشترك
المهدي والمسيح (عليهما السلام) - الخصائص والهدف المشترك
سحر جبار يعقوب
المقدمة:
لا شك أن المشكلة الأولى التي تعاني منها البشرية في عالم اليوم، وبخاصة المسلمين هي حالة التخبط الناشئة من فراغ عقائدي. مما دعا الكثير من ضعفاء النفوس من المتسلقين على أكتاف الآخرين من استغلال هذا الفراغ بغية الوصول إلى بعض المكاسب الدنيوية. لهذا ولغيره وجدنا من المفيد الإشارة ولو بعدة وريقات إلى مسألة التشابه بين الإمام الغائب (عجّل الله فرجه) والمسيح (عليه السلام) كونهما يظهران معاً ويبذلان جهوداً مشتركة في إنقاذ العالم وتطبيق العدل الكامل، وإن كانت القيادة العليا للإمام المهدي (عجّل الله فرجه). لهذا وجدنا من الضروري الإلماع إلى أوجه الشبه بين هاتين الشخصيتين بصورة مختصرة من خلال مبحثين: الأول يشير إلى تناول ماهية الخصائص المشتركة بين عيسى المسيح والإمام المهدي (عليهما السلام)، أمّا الثاني فعرج على الهدف المشترك الذي يجمع كلا الشخصين، مع تفصيل في مطالب المبحثين. وختم البحث بخاتمة تضمنت ما تم التوصل إليه.
المبحث الأول: ماهية الخصائص المشتركة بين عيسى المسيح (عليه السلام) والإمام المهدي (عجّل الله فرجه):
مما هو مقطوع فيه أن المنقذ العالمي شخص واحد سماه الإسلام (المهدي) وسماه السابقون - اليهود والنصارى - بـ(المسيح)، وسماه آخرون بأسماء أخرى. ومعه يثبت أن المسيح والمهدي شخصان مختلفان إلّا أنه توجد ثمة مشتركات تجمع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مع النبي عيسى (عليه السلام). لذا حاولنا في هذا المبحث الخوض في بيان تلك الخصائص وإيراد بعض منها في ثلاث مطالب:
تناول الأول منها مرحلة الطلب قبل الولادة، أمّا الثاني فقد أشار إلى ملابسات الولادة، في حين تطرق الثالث إلى الغيبة والاختلاف.
المطلب الأول: مرحلة الطلب قبل الولادة:
ورد في الوصية الثانية من الإنجيل الأول بلفظ الأجيال وفيها (ذكر مولد عيسى المسيح وإقبال مجوس من المشرق إلى بيت المقدس يقولون أين هو ملك اليهود، لأننا رأينا نجمة في المشرق، فقدمنا لندخل في طاعته. فلما سمع الملك اضطرب وتشاءم وجمع رؤساء الكهنة والكتبة وسألهم أين يولد المسيح؟ فقالوا: في بيت لحم من أرض يهوذا هو مكتوب نبي).
ما ورد في هذه الوصية يؤكد لنا معرفة علماء المجوس المسبقة بولادة نبي الله عيسى (عليه السلام) من خلال إشارات موجودة في كتبهم، والتي تؤكد ولادته، وبيان تلك الحادثة وكيفية التنبؤ من خلال ظهور نجمة في السماء، لذلك جدّوا في طلبه للدخول في طاعته والإيمان برسالته.
في مقابل هذا الموقف نجد المعسكر الآخر الذي يمثل ملك اليهود هيردوس الذي عزم على معرفته لا لشيء سوى القضاء عليه خوفاً على سلطانه، من هنا نجد أن نقطة الالتقاء الأولى بين عيسى المسيح (عليه السلام) والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هي عزم السلطات الحاكمة على اكتشاف أمر الوليد للتخلص منه.
من هذا كله نرى أن دولة الظلم والقابضين على السلطة فيها كانت جادة في طلب الإمام على مر الأزمان لوجود علم مسبق، إذ إن من يقيم دولة الحق والعدل الإلهي شخص يحمل مؤهلات ومواصفات معينة لا تتوفر في أحد منهم، هذا الشخص مؤيد ومسدد بقدرة إلهية تجعله قادراً على إعادة العباد إلى حظيرة العبادة بعد الابتعاد عنها. هذا المنقذ يزيل دولة الشرك من على وجه الأرض ويفتح هذا العالم على عوالم أخرى قصرت عقولنا عن إدراكها.
إذن قضية المهدي المخلص قضية لا غبار عليها. فقد روى أحاديث المهدي بالذات جماعة من أهل السنة في صحاحهم كالترمذي، وأبي داود، والحاكم ابن ماجة، وأسندوها إلى جماعة من خيار الصحابة كعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، وابن عباس، وابن عمرو، وابن مسعود، وطلحة، وأم سلمه، وغيرهم.
كما أكَّد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عشرات المناسبات على قضية المهدي، إذ تواترت النصوص عليه من الأئمة (عليهم السلام) واحد بعد آخر، لا سيما الإمام الحادي عشر وخلال الشهور الأخيرة من شهادته تأكيداً منه على إمامته وبحضور ثقات أصحابه وخواصهم، كما أنه استخدم طريقة المشاهدة لتثبيت إمامة الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، والتأكيد على ولادته ووجوده ونفي كل ما قيل بعدم ولادة ولد للإمام العسكري (عليه السلام).
لذلك بات من اللازم أن تتخذ تدابير الغيبة، وإجراءاتها بما يضمن الإبقاء على هذا الإمام حياً بعيداً عن السلطة العباسية التي تعاملت مع الأطروحة المهدوية تعاملاً حقيقياً. ومن المؤكد أن من يعيش هذه الهواجس، سيتعامل مع الأئمة (عليهم السلام) تعاملاً مشوباً بالحذر والخوف. فقد وضعت العيون، وفرضت الإقامة الجبرية على بعض الأئمة (عليهم السلام) ولاسيما الإمام العسكري (عليه السلام). إذ تم اتِّخاذ إجراءات أمنية كفيلة بدرء الخطر أو تطويقه على أقل قدر قبل استكمال مرحلة الولادة.
المطلب الثاني: ملابسات الولادة المباركة:
في هذا المطلب يجد الفرد العديد من نقاط الالتقاء بين المسيح والحجة (عليهما السلام):
الفرع الأول: خفاء الولادة:
لقد ذكرت الروايات الشريفة ولادة النبي عيسى والإمام المهدي المنتظر (عليهما السلام) فقد كانت ولادتهما تحمل جانباً إعجازياً. إذ خفي أمر الحمل والولادة عن أقرب المقربين ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل: «أن مريم (عليها السلام) ظهر عليها الحمل، وكانت في وادٍ فيه خمسمائة بكر يعبدون». وقال: «حملته لسبع ساعات، فلما ضربها الطلق خرجت من المحراب إلى بيت دير لحم».
لا شك أن الكل متفق على الخطوط العامة الرئيسية لولادة المسيح، إلّا أن الاختلاف دب في بعض الجزئيات والتفاصيل أو كيفية إلقاء الروح أو مدة الحمل، إلّا أن مما هو مقطوع فيه أن عيسى (عليه السلام) ولد من غير أب مثله كآدم (عليه السلام) خلق من غير أب أو أُم، لذلك لا يمكن أن ينكر أحد ولادة المسيح بن مريم (عليه السلام).
وبالعودة إلى ولادة صاحب العصر (عجّل الله فرجه) نجد ذات الشيء، إلّا أننا متَّفقون على الأمور الكلية والجزئية المتعلقة بحادثة الولادة المباركة. فقد جاء في الروايات الواردة عن أهل السنة والشيعة الصحيحة التي تثبت أن السيدة نرجس (عليها السلام) لم تعلم بالحمل إلّا قبل الولادة بلحظات، ويدل على ذلك قول السيدة حكيمة عمة الإمام العسكري (عليه السلام) التي نقلت حادثة الولادة وكل ما يتعلق بها، فقد روت في حديث طويل أنه بعث إليها الإمام فقال: «يا عمة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان وأن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في أرضه»، فقالت: من أُمّه؟ قال: «نرجس»، قالت له: والله جعلني فداك ما بها أثر حمل، فقال: «هو ما أقول لك»...، ثم قال لي أبو محمد (عليه السلام): «إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحمل فإن مثلها مثل أُم موسى لم يظهر بها الحمل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى (عليه السلام) وهذا نظير موسى (عليه السلام)».
يظهر في هذه الرواية أن السيدة نرجس لم تظهر عليها علامات الحمل التي تظهر على النساء في الحالة الاعتيادية للحمل، مما يدلل على خفاء ولادة الإمام، وأن ولادته كانت تحمل جنبة إعجازية.
الفرع الثاني: النطق:
لا نقصد بهذا العنوان القدرة على النطق الاعتيادية التي تكون حينما يبلغ الطفل المرحلة العمرية التي تؤهله لذلك، وإنما قصدنا الحالة الإعجازية، وهي التكلم في ظلمة الرحم، والتكلم بعد الولادة مباشرة، بحيث يستحيل على أقران الطفل التحدث في تلك السن المبكرة. لقد أشارت الروايات أن عيسى (عليه السلام) تكلم في بطن أُمّه وبعد وضعه مباشرة ليعلم أُمّه كيفية تجهيزه، ثم لينفي عنها ما اتَّهمها به بنو إسرائيل حينما جاءت به تحمله. فقد ورد في البحار أن مريم حينما وضعت عيسى (عليه السلام) نظرت إليه وقالت: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ ماذا أقول لخالي؟ وماذا أقول لبني إسرائيل؟ فناداها عيسى (عليه السلام) من تحتها؟ ﴿أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا[أي نهراً] وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾.
هذا مورد تكلم فيه المسيح (عليه السلام)، ولعل المورد الآخر، حينما جاءت به تحمله إلى قومها فلما رأوها فزعوا واختلفوا في شأنه. فقال بعضهم هو الله وقال البعض هو عبد الله ونبيه. وقالت اليهود ابن الله، لعل المسيح (عليه السلام) تكلم رحمة لأُمّه كي يبرئ ساحتها مما أصابها من بني إسرائيل بعدما قذفوها بالزنا حينما قالوا (يا أخت هارون لقد جئت شيئاً فرياً) وقبل هذا تكلم المسيح في بطن أُمّه، فقد روى مجاهد أنه قال: (قالت مريم إذا كنت خلوت حدثني وكلمني وإذا كنت بين الناس سبح في بطني). وقد روى أن أُم يحيى قالت لمريم بنت عمران: إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك. ولعل هذا تفضيل لعيسى على يحيى ابن زكريا.
وعند مقارنة هذه الحالة مع ولادة المصلح العالمي، نجد أن السيدة حكيمة تروي أنه لما ظهرت آثار الحمل فجأة على السيدة نرجس طلب الإمام العسكري (عليه السلام) منها أن تقرأ عليها سورة القدر. تروي السيدة حكيمة كلما قرأت آية أجابني الجنين بنفس الآية، فضلاً عن هذا تروي (أنه لما ولد الخلف الصالح ولد ساجداً يتلقى الأرض بمساجده... فصاح أبو محمد (عليه السلام): «هلم إليَّ ابني يا عمة»،... ثم قال: «تكلم يا بني»، فقال: «أشهد أن لا اله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)» ثم صلى على علي أمير المؤمنين وعلى الأئمة إلى أن وقف على أبيه ثم أحجم).
الفرع الثالث: النشأة:
مما يشترك به المسيح (عليه السلام) والإمام المنتظر (عجّل الله فرجه)، هو النشأة المخالفة لنشأة الأطفال. فقد ورد عن أبي الجارود عن زياد بن المنذر عن الإمام الباقر (عليه السلام) لما ولد عيسى (عليه السلام) كان ابن يوم كأنه ابن شهرين فلما كان ابن سبعة أشهر أخذته والدته وأقعدته عند المعلم فقال المؤدب: قل بسم الله الرحمن الرحيم، قال عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال المؤدب: قل أبجد فقال: يا مؤدب ما أبجد؟ وإن كنت لا تدري فاسألني حتى أفسر لك. قال فسره لي: فقال عيسى (عليه السلام) الألف آلاء الله، الباء بهجة الله، الجيم جمال الله، والدال دين الله، أمّا تفسير هوز: الهاء هول جهنم، الواو ويل لأهل جهنم، الزاي زفير جهنم. حطي، الحاء حطت الخطايا على المذنبين والمستغفرين. كلمن كلام الله لا مبدل لكلماته. سعفص صاع بصاع والجزاء، بالجزاء، قرشت قرشهم فحشرهم. فقال المؤدب: أيها المرأة لا حاجة له إلى التعليم، أمّا الإمام الغائب (عجّل الله فرجه) فقد دلت الروايات ومنها ما ذكرته السيدة حكيمة أن نشأته كانت بصورة تخالف نشأت الأولاد العادية. تذكر أنه بعد أربعين يوماً رد الغلام ووجه إليّ ابن أخي (عليه السلام) فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بصبي يتحرك يمشي بين يديه فقلت: يا سيدي هذا ابن سنتين، فتبسم (عليه السلام) ثم قال: «إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة فإنهم ينشؤون على خلاف ما ينشأ غيرهم، وأن الصبي إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة، وأن الصبي منا ليتكلم في بطن أُمّه، ويقرأ القرآن، ويعبد ربه (عزَّ وجلَّ) وعند الرضاعة تعطيه الملائكة، وتنزل عليه كل صباح ومساء»، قالت السيدة حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي كل أربعين يوماً إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبو محمد (عليه السلام) بأيام قلائل فلم أعرفه، فقلت لأبي محمد (عليه السلام) من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال: «ابن نرجس وهو خليفتي من بعدي». من هذا كله نخرج بنتيجة هي أن هؤلاء أناس مختارون من قبل الباري لقيادة البشرية ولاستلام مهمة إلهية، وهي إقامة دولة عالمية على الأرض، لذلك اقتضت الحكمة الإلهية أن يوجد مثل هذا التشابه الواضح بين الطرفين.
المطلب الثالث: الغيبة والاختلاف:
مما يلتقي به المسيح (عليه السلام) والإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) هو الغيبة، إذ كانت لكل منها غيبة مع اختلاف في تفاصيل كل غيبة. فضلاً عن هذا اختلف الناس بشأن هذين الشخصين، ولعلنا سنذكر في هذا المطلب ذلك.
الفرع الأول: الغيبة:
يذكر القرطبي في تفسيره كيفية رفع المسيح (عليه السلام) (أنه حينما أراد اليهود قتل عيسى (عليه السلام) هنا قال المسيح (عليه السلام) للحواريين أيكم يخرج ويقتل ويكون معي في الجنة؟ فقال: رجل أنا يا نبي الله، أما المسيح فكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، فطار مع الملائكة إلى السماء)، بلا أدنى شك إذا كنا نتحدث عن الغيبة فمولانا المنتظر كانت له غيبة إلّا أنها ليست واحدة، وإنما غيبتان: إحداهن أطول من الأخرى، ففي الأولى رجع إلى أهله وكان له فيها سفراء أربع يشكلون حلقة الاتصال بينه وبين الناس. أمّا في الغيبة الكبرى فقد أوكل مسألة النيابة العامة إلى الفقهاء العدول ممن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة، ولا خروج للإمام إلّا بإذن الله في الوقت المحدد لتفجير الثورة التي تعمل على استئصال كل جذور الفساد والانحطاط من المجتمع، ومن المفيد أن نذكر آلية بدء غيبة الإمام الصغرى، إذ تذكر الروايات أنه وبعد تسلم الإمام العسكري الوليد (عليه السلام) من السيدة حكيمة، واستنطاقه، وإرساله لأُمّه كي يسلم عليها، أخذته أحد الطيور لعله روح القدس الموكل بالأئمة (عليهم السلام) إلى السماء بينما تبعته سائر الطيور. (تذكر السيدة حكيمة ثم قال لي أبو محمد (عليه السلام): «يا عمة اذهبي به إلى أُمّه ليسلم عليها وآتيني به»، فذهبت به فسلم عليها وردته ثم قال (عليه السلام): «يا عمة إذا كان اليوم السابع فآتينا»، قالت حكيمة: فلما أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد (عليه السلام)، وفتحت الستر لأتفقد السيد (عليه السلام) فلم أره: فقلت جعلت فداك ما فعل بسيدي؟ فقال: «يا عمة استودعناه الذي استودعته أُم موسى»، أمّا الغيبة الكبرى، فقد بدأت بعد وفاة السفير الرابع للإمام (عجّل الله فرجه).
الفرع الثاني: الاختلاف:
اختلف بنو إسرائيل بشأن المسيح (عليه السلام) سواء في ولادته: - فبعضهم قال: إنه ابن الله أو هو الله أو هو نبي الله مبعوث إليهم -، أو في قتله: فقد قيل إنه قتل أو لا لم يقتل، وهكذا تفرق اليهود بشأنه.
ففي رواية بإسناد عن سدير الصيرفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أمّا غيبة عيسى (عليه السلام) فإن اليهود والنصارى اتَّفقت على أنه قتل فكذبهم الباري (عزَّ وجلَّ) بقوله: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾».
وبإسناد إلى محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: «أن في القائم من أهل البيت (عليهم السلام) شبهاً من خمسة من الرسل. وأمّا شبهه من عيسى (عليه السلام) فاختلاف من اختلف فيه، قالت طائفة منهم ما ولد، وقالت طائفة مات، وأخرى قالت قتل وصلب». ذات الشيء نراه في قضية مولانا الغائب (عجّل الله فرجه)، فقد دب الاختلاف في أصل الوجود المقدس للإمام، ذهبت جماعة من أهل العامة إلى أنه لم يولد للإمام العسكري (عليه السلام) ولد. فقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) يقول: «صاحب هذا الأمر من يقول الناس: لم يولد». كما خرج عن أبي محمد (عليه السلام) حين قتل الزبيري: «هذا جزاء من افترى على الله تبارك وتعالى في أوليائه، زعم أنه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله» وولد له ولد سماه م ح م د.
كما روي أنه قال أبو محمد (عليه السلام) حين ولد الحجة (عجّل الله فرجه): «زعم الظلمة أنهم يقتلوني ليقطعوا هذا النسل فكيف رأوا قدرة الله»، وسماه المؤمل. وذهب آخرون إلى القول إن القائم هو الحسن بن علي (عليه السلام) وأنه يعيش بعد موته مستندين إلى ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) «إنما سمي القائم قائماً لأنه يقوم بعدما يموت». وإنما قصد الموت هنا هو موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. ومما لا ريب فيه أن القول بإمامة الإمام العسكري (عليه السلام) قول مردود، لأن الإمام العسكري (عليه السلام) هو حادي عشر أئمة الهدى، والمصلح العالمي ثاني عشر أئمة الهدى. فضلاً عن هذا ما روي عن أبي حمزة الثمالي أنه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) تبقى الأرض بغير أمام؟ فقال: «لو بقيت بغير إمام ساعة لساخت». كما ذهب جماعة إلى القول بإمامة جعفر وهذا بالتأكيد ادِّعاء مرفوض لأن جعفر لم يكن معصوماً وما يشترط في الإمام العصمة فضلاً عن كونه أعلم أهل زمانه بالأحكام.
بالإضافة إلى كل هذه الآراء المطروحة، نجد أن اللامهديين جنحوا بدعاوى المهدوية السابقة إلى إنكار عقيدة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في آخر الزمان، من خلال الادِّعاء بمهدوية عمر بن عبد العزيز، أو مهدوية محمد بن عبد الله، والمهدي العباسي. ونحو ذلك من الادِّعاءات التي لا تجد لها أساس من الصحة.
المبحث الثاني: الهدف المشترك:
يحمل هذا العنوان العديد من المواضيع التي لها من الأهمية الشيء الكثير بحيث تستوقف الفرد أمامها، ليزيل الستار عما قد يحيط بها من غموض لاسيما أنها تتعلق بشخصين أحدهما، من يطبق الأطروحة العادلة على الأرض، والآخر نبي لله ذخر لمهمة إلهية ألا وهي مشاركة الإمام في إقامة تلك الدولة.
المطلب الأول: استلام المهمة الإلهية:
لعل ما يلتقي به الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مع المسيح (عليه السلام) هو استلامهم للمهمة الإلهية في وقت مبكر، بمعنى إتيانهما الحكمة، واعتلائهم لهذا المنصب الجليل في وقت الصغر، فالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) استلم ولاية العهد وهو ابن خمس سنوات، صبي لم يبلغ الحلم. هذه النقطة تعد من الشبه التي قد يطرحها المقابل على معتقدات الشيعة في إمامة الغائب المبكرة. إلّا أنه يمكن الرد عليها وبكل سهولة، لاسيما إذا أكدنا أن هذه المسألة الكلامية يمكن أن تفسر في أن أمر الرسالة والإمامة والنبوة والخلافة بيد الباري جل وعلا، وليس لأحد من الناس أي دخل أو اختيار فيها، إذ يجوز أن يكون النبي صغيراً لم يبلغ الحلم، ولا مانع عقلي يحول من دون ذلك لأن الباري جل شأنه قادر على أن يجمع في الصبي شرائط الرسالة والإمامة.
إذ العقل لا يستبعد من الباري أن يتخذ أحد ولياً ويجعله رسولاً أو نبياً. فقد ورد عن يزيد الكناسي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كان عيسى (عليه السلام) حين تكلم في المهد حجة الله جلت عظمته على أهل زمانه؟ قال: «كان يومئذٍ حين تكلم وعبر عنها نبياً وحجة على من سمع كلامه في تلك الحال، ثم صمت، ثم تكلم حتى مضت له سنة، وكان زكريا (عليه السلام) الحجة على الناس بعد صمت عيسى (عليه السلام) بسنتين مات زكريا فورثه عيسى (عليه السلام) الكتاب والحكمة وهو صبي صغير، فلما بلغ عيسى (عليه السلام) سبع سنين تكلم بالنبوة حين أوحى الله إليه وكان عيسى (عليه السلام) الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين.
لعل هذا أصدق دليل وأبلغ شاهد على قدرته جل وعلا في اتِّخاذه الأولياء والرسل صغاراً، فقد يجوز أن يعطى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يعطى الحكمة وهو ابن أربعين سنة. كما ذكر ابن حجر في صواعقه المحرقة بعد ذكر وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) قال: ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة (عليه السلام) كان له عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة.
على أية حال، فإن مولانا الغائب (عجّل الله فرجه) خلف أباه في إمامة المسلمين، وهذا يعني أنه كان إمام بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وبكل ما تحويه من محتوى فكري وروحي في وقت مبكر. فالإمامة المبكرة ظاهرة سبقه إليها عدد من آبائه، فالإمام الجواد (عليه السلام) تولى الإمامة وهو في الثامنة من العمر، والإمام الهادي (عليه السلام) تولاها وهو في التاسعة من عمره. أمّا الإمام العسكري (عليه السلام) فقد تولى منصب الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره الشريف. يلاحظ من هذا أن الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في إمامنا المهدي (عجّل الله فرجه) والإمام الجواد (عليه السلام)، ونحن نسميها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة إلى عدد من آبائه تشكل مدلولاً حسياً جلياً عاشه المسلمون ورعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل آخر.
المطلب الثاني: صلاة النبي عيسى (عليه السلام) خلف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه):
دلَّت الروايات أن المسيح (عليه السلام) يصلي خلف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأن الإمام هو من يتقدم في الصلاة. وله رتبة التقدم في الجهاد، ولعل هذه الأخبار مما ثبتت طرقها وصحتها عند الشيعة، وكذلك ترويها السنة على حد سواء، فقد ورد في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: صلِّ بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أُمراء، تكرمة الله لهذه الأُمّة»، فهذا الإجماع من أهل الإسلام كافة، وما عدا هذا الإجماع فقوله مردود، فقد ورد عن الحسن بن علي (عليه السلام): «ما من أحد إلّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلّا القائم الذي يصلي روح الله عيسى (عليه السلام) خلفه».
وهكذا قد يطرح تساؤل أيهما أفضل، الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أو المأموم المسيح (عليه السلام) في الصلاة والجهاد معاً؟ يمكن الرد على هذا السؤال أنهما قدوتان نبي وإمام وإن كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما وهو الإمام إذ يكون قدوة للنبي في تلك الحالة وليس فيها من تأخذه في الله لومة لائم وهما أيضاً معصومان من ارتكاب القبائح كافة والمداهنة والرياء والنفاق ولا يدعوا الداعي لأحدهما لموضع ورد الشريعة المحمدية بذلك بدليل قول الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يؤم القوم أقرأهم، فإن استووا فأعلمهم، فإن استووا فأقدمهم، فإن استووا فأقدمهم هجرة، فإن استووا فأصبحهم وجهاً»، فلو علم الإمام أن عيسى (عليه السلام) أفضل منه لما جاز له أن يتقدم عليه، وكذلك قد تحققت لعيسى أن الإمام أعلم منه لما صلّى خلفه ولولا ذلك لم يسعه الاقتداء بالإمام.
هذه هي درجة الفضل في الصلاة ثم الجهاد وهي بذل النفس بين يدي من يرغب إلى الله تعالى بذلك. ولولا ذلك لم يصح لأحد الجهاد بين يدي الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا بين يدي غيره، والدليل على صحة هذا قوله تعالى: ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم﴾، ولأن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يُعد نائباً عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أُمّته، لهذا لا يبرر للمسيح (عليه السلام) أن يتقدم على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكذلك نائبه.
المطلب الثالث: دور عيسى (عليه السلام) في دولة الإمام (عجّل الله فرجه):
لا ريب أن للمسيح (عليه السلام) دور في أكثر من مجال في دولة الإمام الموعودة في القرآن ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
ويمكن أن نلمس هذا الدور في أكثر من مجال.
الفرع الأول: تخفيف حالة الاحتقان السياسي بين الإمام (عجّل الله فرجه) وحكومات الغرب:
نحن نشهد لا بل نعيش اليوم حالة التخبط والتهتك التي تعيشها دول العالم الغربي. وبالتأكيد فإن هذا الخط يمثل الخط المخالف لمعالم الدين الإسلامي الحنيف، وخط أهل البيت الذي ينتهجه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عند ظهوره الشريف، ومن المؤكد أن الإمام سيعمل على نشر الدين الإسلامي في ربوع العالم، هذا الدين الذي تصفه الروايات بأنه إسلام جديد، بمعنى أنه سيظهر ويدعو إلى الدين الإسلامي الذي جاء به الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا الذي تم التلاعب به لخدمة مصلحة دنيوية.
لذا سيقضي على حالة الاحتقان الطائفي والتعصب المذهبي، إذ سيجعل دول العالم الغربي وبعض الدول العربية التي تعيش اليوم عظمتها على الأرض تدين بالمذهب الاثني عشري. لهذا فإن دول العالم الغربي ستعمل جاهدة على القضاء على الثورة وإخمادها والحيلولة من دون وصول نور الإسلام إلى تلك البلدان القابعة تحت الفكر والإلحاد والزندقة، لهذا نجدها ستقف بوجه الإمام وتحاول جاهدة إشعال فتيل الحرب بينها وبينه، لذا فإن توقيت نزول المسيح (عليه السلام) من السماء وصلاته خلف الإمام سيكون وسيلة لامتصاص هذه النقمة وتخفيف حدة العداء الحاصل، وعندها سيشارك المسيح (عليه السلام) في عقد هدنة بين الإمام والروم تستمر حسب الروايات إلى سبع سنين، إلّا أن الغرب وبالتعاون مع اليهود وتحريضهم سيغدرون بالإمام بعد ثلاث سنين أو سنتين. وبعض الروايات تذكر أن الهدنة تنقض في حمل امرأة، على أية حال بعد نقض الهدنة ستقع المعركة العظيمة التي ستكون أعظم من معركة تحرير القدس، إذ سيحاول اليهود الذي هربوا من القدس تأليب حكومات الغرب ضد الإمام، إلّا أنه وفي هذه المعركة سيتم القضاء على اليهود برمتهم.
الفرع الثاني: هداية البشرية:
لا شك أن فكرة ظهور المنقذ هذه فكرة آمن بها أهل الأديان كما أسلفنا في فقرات سابقة واعتنقتها معظم الشعوب. وبناء على هذا سيكون لظهور المسيح في العالم الغربي الوقع الأكبر، لاسيما أنه سيظهر في مرحلة حاسمة في العالم. إذ إن وجوده يؤثر في تلك الدولة وفي مرحلة التخطيط اللاحق للظهور إذ سيؤدي إلى إيمان اليهود والنصارى.
وهم يمثلون قسماً كبيراً من البشرية إذ يثبت لهم بالحجة الواضحة أنه المسيح يسوع الناصري وأن الإنجيل والتوراة إنما هي هكذا وليست على شكلها الذي كان معهوداً، وأن الدولة التي بشر لها في الكتب المقدسة إنما هي دولة المهدي، لذا فإن المسيح (عليه السلام) سيلعب دوراً مهماً، إذ سيعمل على زيارة تلك الدولة، وإظهار المعاجز والكرامات والآيات، وعندئذٍ سيقع على عاتقه مهمة التبليغ، وإيصال الدين الإسلامي إلى تلك الدول. ومن الطبيعي أن لظهور منقذ البشرية الموعود في الديانة المسيحية ما يؤدي إلى انتشار الفرح والسرور في شعوب تلك المنطقة لأنه المخلص لهم من الظلم والاضطهاد، وسيدخل العالم المسيحي في الدين الإسلامي إذ سيتيسر الفتح العالمي من دون قتال، بل نتيجة إيمان بالحق والإذعان له سيما أن الجانب الفكري في الفتح العالمي سيكون أوسع بكثير من الجانب العسكري.
الفرع الثالث: قتل الدجال:
لا شك أن للمسيح دور في القضاء على حركة الدجال، فقد ورد عن جعفر بن محمد الفزاري رفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال: «يا خيثمة، سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله ما هو والتوحيد حتى يكون خروج الدجال وحتى ينزل عيسى بن مريم من السماء ويقتل الله الدجال على يديه». يظهر من هذه الرواية وغيرها التي تبشر بحركة الدجال أن ظهوره إنما يكون بعد مدة غير قصيرة من قيام دولة الإمام، وعموم الرفاهية لدول العالم وظهور العلم والتقنية الحديثة، لذلك فحركته تعد حركة إباحية ناتجة من الترف والبطر.
صفوة القول حركة الدجال تعد حركة متطورة وذات أبعاد عقائدية وسياسية، إذ يستخدم الدجال أحدث الوسائل في ادِّعاءاته وسيكون أكثر متبعيه من اليهود والنساء والمراهقين والمراهقات، وعندها ستحدث فتنة عند المسلمين. سنرى من هذه الرواية أن الضربة التي تقضي على الدجال إنما تكون بأحدث الأسلحة العسكرية التي يستخدمها المسيح (عليه السلام) وليست بأسلحة تقليدية كما يدعي البعض.
الفرع الرابع: المسيح (عليه السلام) ضمن التشكيلة الحكومية للإمام (عجّل الله فرجه):
يعد عيسى المسيح (عليه السلام) أحد أقطاب دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إذ سيكون وزير في تلك الدولة، ومن الطبيعي أن يكون للشخصيات العاملة في الدولة الموعودة الوزن، والثقل الأكبر سيما أنهم سيكونون من بين الأنبياء وخلفائهم والأتقياء من صالحي العصر والأمم السابقة. بمعنى أنها تركيبة حكومية خاصة تتألف - فضلاً عما ذكر- من عدد من أصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم). تذكر الروايات أن لعيسى (عليه السلام) دوراً في دولة الإمام (عجّل الله فرجه)، إذ سيكون إمّا وزيراً ويقصد بالوزير في تعبير الهيكلية القديمة للدول رئيس الوزراء بلغة اليوم، أو نائباً للوزير أو عاملاً على بيت المال. يعني أنه سيكون بتعبير اليوم وزير للمالية في دولة الإمام المرتقبة والله العالم.
عن كعب أن عيسى (عليه السلام) يقول للقائم: «فإنما بعثت وزيراً ولم أبعث أميراً» وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «وهو - أي عيسى (عليه السلام) - الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه» من جملة ما ذكر في المطلب السابق نجد أن للنبي عيسى (عليه السلام) دور لا يمكن التنصل عنه أو إغفاله ولو للحظة لأنه مشارك وعنصر فعال في دولة الإمام، وعامل مساعد في إقامة دولة تعد آخر الدول وخاتمتها على الأرض تلك الدولة التي وعد الله بها المتقون.
الخاتمة:
تم استعراض جملة من المشتركات بين الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) والنبي عيسى (عليه السلام). وقد تجاوزنا عن بعض نقاط الشبهة التي تركناها خوفاً من الوقوع في بعض الروايات غير الدقيقة. لهذا توقفنا على ما وجدناه فقط، وبعد إكمال فقرات هذا البحث الموجز نجد من المفيد الخروج بعدة نتائج منها:
١ - أن ظهور المسيح (عليه السلام)، وصلاته خلف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إنما يكون في زمن يكون الإمام (عجّل الله فرجه) بأمس الحاجة إلى مساعد ألا وهو المسيح (عليه السلام)، بمعنى أن لتوقيت نزول المسيح من الفائدة الشيء الكثير، فضلاً عما يحمله من الجنبة الإلهية. ولاسيما أن البعض يسأل لماذا لم يكن نزول المسيح (عليه السلام) قبل ظهور الإمام أو في وقت يقترب من ظهور الإمام؟ لماذا لم يكن ضمن المبايعين في مكة؟
٢ - إن التصدي لمسألة غيبة المسيح (عليه السلام) والتعرف عليها والإيمان بها تفتح ذهنية الفرد المسلم، وتبعد عن ذهنه أي شبهة قد تطرح في موضوع غيبة مولانا المنتظر (عجّل الله فرجه) أو طول عمره الشريف، لاسيما أن المسيح (عليه السلام) غاب غيبة واحدة وهو مرفوع إلى السماء. وهذا ما اعترف به الفكر الإسلامي التقليدي، وإذا كان هو حياً لم يمت وأنه يعيش في السماء إذن فإن بقاء من هو أصغر منه سناً أولى بالبقاء، سيما وأن الإمام الغائب معنا في الأرض وله غيبتان: في الأولى كان يلتقي بالناس عن طريق أساليب معينة، وكان له سفراء خاصين. أمّا في الغيبة الكبرى- التي أوكل أمر الشيعة إلى الفقهاء العدول - فالمشاهدة متعذرة. لهذا فإن التصديق بغيبة عيسى (عليه السلام) وطول عمره، سيما أن عمره أطول من عمر مولانا الغائب (عجّل الله فرجه) سيجعل من غيبة مولانا المهدي (عجّل الله فرجه) أو طول عمره شيء بديهي، إذ إن الحكمة من غيبة عيسى هي ذات الحكمة من بقاء الخضر حياً، إذ إن عمره يزيد على عمر المسيح والإمام المهدي (عليهم السلام).
3 - يمكن القول وبشكل مختصر جداً إن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والمسيح (عليه السلام) شخصان ادَّخرهما الباري لمهمة إلهية، جليلة الأهداف، متعددة الجوانب، تلك هي عملية تغيير شاملة للحياة الإنسانية على وجه الأرض، وإقامة مرحلة جديدة بكل ما تعنيه وتحمله هذه الكلمة من معاني، هي مرحلة الانفتاح على العوالم الأخرى.
المصادر:
أولاً: القرآن الكريم.
ثانياً: الكتب:
١ - ابن طاووس، علي بن موسى متوفى عام ٦٦٤ ه. ق: الملاحم والفتن، (مؤسسة الأمير / النجف: ٢٠٠٥).
سعد السعود، (مطبعة الحيدرية / النجف ١٩٥٠).
٢ - الاربلي، علي بن علي متوفى عام ٦٩٣هـ: كشف الغمة في معرفة الأئمة (دار الأضواء، بيروت).
٣ - البحراني، هاشم: مدينة المعاجز، متوفى عام ١١٠٧هـ، (بهمن: ١٤١٣ هـ. ق).
٤ - الجزائري، نعمة الله: النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين (بهمن ٢٠٠٥).
٥ - الحسني، هاشم معروف: سيرة الأئمة الاثني عشر، (شريعت:١٤٢٤ هـ.ق).
٦ - الراوندي، قطب الدين متوفى عام ٥٧٣ هـ: قصص الأنبياء.
٧ - الصدر: صدر الدين: المهدي، (قم:١٤٢٤ هـ.ق).
٨ - الصدوق، محمد بن علي متوفى عام ٣٨١هـ: إكمال الدين وإتمام النعمة.
٩ - الطبري، محمد جرير من إعلام القرن الخامس الهجري: دلائل الإمامة، (البعثة).
١٠ - الطبرسي، نجم الدين: في رحاب حقوق الأمام المهدي، (نكارش:١٤٢٥هـ.ق).
١١ - الطوسي، محمد بن الحسن متوفى عام ٤٦٠ هـ: الغيبة، (بهمن: ١٤١٥ هـ.ق).
١٢ - القرطبي، محمد: تفسير القرطبي الجامع الأحكام القرآن، (دار إحياء التراث العربي/ بيروت ١٩٨٢).
١٣ - القمي، علي بن بأبويه المتوفى عام ٣٢٩ هـ.ق: الإمامة والتبصرة.
١٤ - المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، (مؤسسة الوفاء/ بيروت ١٩٨٣).
١٥ - النيسابوري، الفتال: روضة الواعظين.
١٦ - عبد الوهاب، حسين من إعلام القرن الخامس: عيون المعجزات، (الحيدرية/ النجف:١٩٥٤كوراني، علي: عصر الظهور، (دار الهدى:٢٠٠٤).