(٣٩) مهدي الوهابية الباريلية
مهدي الوهابية الباريلية
سعد محمد حسن
دفعت النزعة الوهابية في الهند حفيداً للحسن بن علي، هو السيد أحمد بن محمد الباريلي على القيام برسالته الإصلاحية، وادعائه المهدية، وقد ولد صاحبنا هذا بمدينة (بربلي) في غرة المحرم عام 1210هـ = 24 اكتوبر عام 1786م، وتلقى دروسه الأولى بمدينة (لكنهو)، ثم حداه تعطشه للعلم وشغفه به إلى التوجه إلى (دهلي) حيث درس عام 1222هـ = 1807م على الشاه عبد العزيز الصفوي، المتمتع إذ ذاك بنفوذ علمي واسع، وهو الابن الأكبر للصوفي الكبير الشاه ولي الله، الذي كان من أشد الناس تأسفاً على حالة الإسلام في الهند، وشوقاً إلى تطهيره من أدران الوثنية الهندية، حتى ليقال أنه هو الذي أوحى للسيد أحمد الباريلي، بأن يقوم بدعوته بعد أن مال إليه وأنس منه الإخلاص للدين، وصدق العزيمة في الجهاد.
وقد تمكن ذلك الصوفي الكبير من اقناع الشاب -كما يقول الرواة- بانه (صاحب الزمان) و (المهدي (عجّل الله فرجه)) المنتظر، الذي يتم على يديه صلاح حال المسلمين في الهند، فبادر السيد أحمد وادعى المهدية، وسرعان ما ذاع صيته، وامتد نفوذه، واعتنق آراءه الوهابية آلاف المسلمين، وبويع له في كل مكان على إنه (المهدي) المنتظر.
وقد عمل هذا المهدي الجديد خلال الربع الأول من القرن التاسع عشر، على نشر المذهب الوهابي في بقاع مختلفة من الهند الإسلامية، كما جد في تنقية الدين الإسلامي الحنيف من ادران الوثنية الهندية، التي غشيته غشيانا ظاهراً، بصورة صارخة في عبادة الأولياء وما يتصل بها من التقاليد الاسطورية، مما يأباه الإسلام الصحيح وتنكره الوهابية – بحق- أشد الإنكار. ولم يدّخر (الباريلي) جهداً في القيام بدعاية تبشيرية دينية واسعة النطاق بين الهنود، لترغيبهم في اعتناق الديانة الإسلامية، حتى ليقول بعض المؤرخين في هذا الصدد: إن نيفا وأربعين ألفا من الهندوس قد اعتنقوا الإسلام تحت تأثير دعوته القوية.
وفي عام 1232هـ = 1821م اعتزم مهدي الوهابية الهندية زيارة الأقطار الحجازية لأداء فريضة الحج، وفي طريقه اليها عرج على (كلكتا) فأقام عدة أشهر يبث فيها دعوته الإصلاحية، وقد كانت في جملتها ترمي إلى إعادة الحياة الإسلامية إلى بساطتها الأولى، ثم توجه إلى الحجاز حيث أدى فريضة الحج، وبعد عامين أي حوالي 1823م عاد إلى الهند وهو أكثر حماسا لمبادئه، وأشد غيرة وأمضى عزما.
وأكبر الظن أنه رأى أن الوسائل السلمية لا تجدي في نشر دعوته، رغم ما أحرزه من نجاح، فأخذ يعد العدة لإعلان الجهاد في (البنجاب) متذرعاً بتحرير المسلمين القاطنين في ذلك الإقليم من نير السيخ، ولما وثق السيد أحمد من معاونة مسلمي (كابل) و (قندهار) قام بحملته عام 1241هـ = 1826م، وسار في جيش لجب وجموع غفيرة من أنصاره المتحمسين، واشتبك مع (السيخ) في معارك دامية، وبعد عدة أعوام كانت الحرب فيها سجالا بين الفريقين.
نشبت المعركة الفاصلة في (بالكوت) عام 1246هـ = 1831م، وفيها دارت على المهدي الدوائر فلاقى مصرعه، وفرت فلول جيشه المتحطم لا تكاد تلوى على شيء، ومع إن مغامرة الجهاد، وما ارتبط بها من محاولات سياسية، قد انتهت -كما يقول العلامة (جولدزيهر) Goldziher_ بهذه النهاية المؤلمة، إلا ان الحركة الدينية التي ابتعثها المهدي الوهابي (أحمد الباريلي) بين الجماعات الإسلامية، ظلت بعد وفاته قوية الأثر في الاسلام الهندي.