البحوث والمقالات

(٤٧) كيف ننصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟

كيف ننصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟

الشيخ محمد السند

المؤمنون بمقتضى إيمانهم واتّباعهم لأهل البيت (عليهم السلام) ينجذبون ويساهمون في نصرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وينبغي أن يعلم أن الطريق الوحيد لنصرة الإمام (عجّل الله فرجه) هو نشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، لأن الظهور هو إعلان مشروع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من قِبَله (عجّل الله فرجه) بشكل علني أمام البشرية، فإذا كانت البشرية كلها عاصية ومتمردة على مشروع الإمام (عجّل الله فرجه)، فهل يمكن للإمام (عجّل الله فرجه) أن ينتصر؟
مما لا شكّ فيه أن البشرية إذا كانت متمرّدة على مشروع الإمام لا يمكن للإمام (عجّل الله فرجه) حينئذٍ أن ينتصر، لأن الظهور من سنن الله تعالى وأنه تعالى أبى إلّا أن يجري الأمور بأسبابها، وليس بالإعجاز فقط ومحض الغيب، كما بيّن ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
فإنّ الله تعالى كتب لدولة العدل أن تقام على الأرض، لكن متى توفرت الشرائط والمعدات لذلك، وهذه توفرها البشرية بأن تستعد وتتقبل ذلك وتقوم به، ومن أهم صور الاستعداد نشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والقيام به بشكله الصحيح، وإلّا استمر تأخير إقامة تلك الدولة.
وهناك عدّة روايات يظهر منها أن ظهور وإقامة دولة العدل ودولة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كان مقدّراً في زمن الإمام الحسين (عليه السلام) وكذا في زمن الصادق (عليه السلام) أو الكاظم (عليه السلام)، ولكن بدا لله تعالى تأخير ذلك، لأن أتباع أهل البيت (عليهم السلام) توانوا في القيام بالدور المناسب، وما ذلك إلّا لأن الظهور ليس أمراً جبرياً ولا تفويضياً بل هو أمر بين أمرين، فإنّ قاعدة الأمر بين أمرين جارية حتّى في الفعل الاجتماعي والحضاري والسياسي.
وعليه فلما كان الأمر كذلك فلا نتوقع الظهور وقيام دولة الحق مع عدم النصرة وأن النصرة له (عجّل الله فرجه) لابدَّ أن تكون من الأفراد ومن المجتمعات والدول ولا نتصور حصول النصرة له من الأفراد والمجتمعات والدول إلّا إذا انتشر الاعتقاد بمشروع ومنهاج أهل البيت (عليهم السلام) وهو مشروع الظهور ومشروع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وقد ورد في الدعاء: «مؤمن بإيابكم، مصدق برجعتكم، منتظر لأمركم، مرتقب لدولتكم»، فإنّ هذا ترتب تصاعدي، مؤمن، ثمّ مصدّق، ثمّ منتظر، ثمّ مترقّب، ولكل درجة ومرتبة من هذه العناوين شرائط ووظائف خاصة كما له مفهومه الخاص، فالمنتظر هو الذي يباشر العمل، أي من يقوم بإيجاد مقدمات يتوقف عليها تحقيق نتيجة معينة، والمترقب هو من أنجز العمل ووفر وحقق ما هو مطلوب منه كمقدمات لذلك العمل ولم يبقَ له إلّا الحصول على هدفه وأخذ النتيجة.
فإذا كنّا منتظرين لظهور الأمر وتحققه لابدَّ من تحمل المسؤولية والعمل على تحقق مقدمات الظهور وهي نشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لنكون بعد ذلك مترقبين للظهور وإقامة دولة العدل والحق، فالانتظار نوع من التفاعل مع عقيدة الظهور وعقيدة إمامة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وليس إبقاؤها عقيدة تجريدية، بل لابدَّ من تفعيل تلك العقيدة من خلال تفاعل الإنسان بأن عنده مشروعاً مهدوياً.
فإنّ عقائد أهل البيت (عليهم السلام) دوماً واستمراراً تترجم بمشاريع عملية ميدانية اجتماعية سياسية وليست عقائد أهل البيت (عليهم السلام) عقائد تجريدية تظل في السطور والكتب وتحمل في القلوب دون تفعيلها، وليست هي عقيدة فردية يعيشها الفرد في نفسه أو في ظرفه وميدانه الخاص، وإنما هي عقائد تقتضي الارتباط بالمجتمع وتحمل المسؤولية بالموقف السياسي والاجتماعي، فهي عقائد لها تداعيات وتوجهات وتأثيرات خارجية فعلية، فمثلاً العقيدة بالإمام الحسين (عليه السلام) تعني تحمل مسؤولية النهي عن المنكر الاجتماعي والنهي عن المنكر السياسي والنهي عن المنكر المالي وهكذا...
وكذا تحمل مسؤولية الأمر بالمعروف الاجتماعي والسياسي والمالي و...
لذلك تقول بعض الدراسات الغربية: إن عقيدة الإمام الحسين عقيدة خطرة لأنها تمنع وتمانع وتقاوم الذوبان في الثقافات الأخرى فإنّ هذه العقيدة فيها خصائص وصفات تمنع التأثر بالغير، حيث إن كل المسلمين ذابوا في الغرب إلّا أتباع أهل البيت (عليهم السلام) والسبب الرئيس هو الاعتقاد بالإمام الحسين (عليه السلام) ووجود المرجعيات الدينية المتعاقبة التي تحمل هذا الفكر والناشرة له والعاملة به، فهو منهج مفعل وعقائد وثقافة تطبيقية لا يمكن القفز عليها، لذا فهي مبادئ غير قابلة للتأثر بالغير لأنها مبادئ عملية تطبيقية.
إذن مشروع الإمام الحسين (عليه السلام) خطر عليهم ويقلقهم لأنه مشروع حيوي ميداني.
وهكذا الكلام في العقيدة بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فهي إحدى عقائد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) المهمّة وعموم المسلمين، فليست هي عقيدة قلبية بين الفرد ونفسه فتبقى حبيسة السطور وإنما هي عقيدة فعلية عملية اجتماعية تبني صرح الدولة الإسلاميّة الصحيحة المستقيمة وفي نفس الوقت تهدم كل مخططات الكفر والكافرين.
يقول الخبير والباحث الاستراتيجي (فرانسو) توال في الجغرافية السياسية: (إن عقيدة الإمام المهدي عند الشيعة ليست عقيدة تجريدية جمودية، بل هي عقيدة مشروع دولي عولمي أُممي)، ويضيف هذا الكاتب القول: (والمشكلة أن هذا الطموح الخطير لا نجده في أيّ ملّة ولا نحلة ولا جماعة أخرى)، ثمّ يحذّر بالقول: (فلذلك يجب على المراقبين الدوليين أن يلتفتوا إلى خطورة هذه العقيدة فإنّها ليست عقيدة وحسب، بل هي مشروع عالمي متكامل. لاسيّما أن هذا المشروع أكبر شعار لكل مؤمن بالعدالة وهي العدالة المطلقة)، ومعلوم أن العدالة هي أنشودة كل البشرية على طول التاريخ، إذ مذهب أهل البيت (عليهم السلام) يحمل شعار العدالة المطلقة وينفي العرقية والعشائرية والتمييز الطبقي والاجتماعي... والمقياس هو: «كلكم لآدم وآدم من تراب»، و﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ﴾ وهذه ليست موجودة في المدارس الإسلاميّة الأخرى، بل ولا الملل والنحل الأخرى.
إذن نحن لابدَّ أن نتحمّل المسؤولية إذا كنّا ننتظر الظهور، وذلك بأن نسعى للإعداد للظهور وهذا الإعداد لا يكون إلّا بوسيلة وحيدة وهي الأولى والأخيرة في تحقيق الظهور وهي نشر مذهب وعقائد أهل البيت (عليهم السلام)، لأن نشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) يعني نشر شروط وقواعد العدل ونظم العدل الحقيقي وكيفية برمجة العدل والعدالة والحرية والقسط والقسطاس، فإنّ أبرز مهام الإمام (عجّل الله فرجه) عند ظهوره ونهضته وإقامة دولته هي أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
فإنّ هذه الميزات هي من خصائص ومنهاج آبائه وأجداده الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) وهنا أكبر برهان قانوني واجتماعي على كون نشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) هو طريق الإعداد للظهور حيث يقول علماء القانون وعلماء الاجتماع وعلماء العلوم السياسية الأكاديمية، أنه إذا أُريد تطبيق نظام معيّن وإقامته على الواقع الخارجي فلابدَّ أوّلاً وفي الدرجة الأساس من تثقيف المجتمع على تعاليم ذلك النظام، بل لابدَّ من التشدد في تعليمهم ذلك النظام نظرياً أي لابدَّ من التهيئة النظرية والتي هي عبارة عن الاعتراف والاعتقاد بذلك النظام أوّلاً ومعرفة بنوده وإرشاداته.
وهكذا في دولة الإمام (عجّل الله فرجه) فإنّ المنشود منها هو إقامة دولة الحق والتي هي على طبق منهج أهل البيت (عليهم السلام) فلابدَّ أوّلاً من التهيئة والإعداد لذلك بأن يعتنق الناس مذهب الحق ومعرفة عقائده وإرشاداته وبنوده وأمثليته وأمثولته الموجودة في الكمال كي تأتي المرحلة الثانية وهي التطبيق العملي وإنجاز العمل وهو الظهور.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٢ : ٣.٧ K : ٠
: الشيخ محمد السند
التعليقات:
لا توجد تعليقات.