(٨٤) سبل الاستعداد لظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وكيفيتها
سبل الاستعداد لظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وكيفيتها
السيد علي الحكيم
ماهي السبل والطرق التي يمكن إتباعها بحيث يعتبر الإنسان منتظراً ومهيأ لظهور الإمام (عجّل الله فرجه) والالتحاق به؟
وفي هذا الخصوص لا بد أن نذكر هنا جملة من الأمور:
1. الالتزام بخط المراجع العظام:
لما كان الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يدع الناس دون دليل يدلهم ويرشدهم إلى طريق الحق والخير، فقد بعث الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، وجعل من بعدهم الأوصياء (عليهم السلام) هم القادة الهداة الدالين على طريقه، الآخذين بيد الناس لإيصالهم إليه سبحانه وتعالى، وفي زمن غيبة إمامنا (عجّل الله فرجه) فإن الحجة لا يمكن أن تسقط عن الناس، ولا بد من وجود من يقيم عليهم الحجة ويبين لهم التكاليف الشرعية.
إن الإمام (عجّل الله فرجه) جعل العلماء الحجة الواجب إتباعها والأخذ بقولها، لأنهم سيكونون حجة له على الناس، ويكون هو حجة الله كما ورد ذلك في التوقيع الشريف الصادر عنه (عجّل الله فرجه): (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله).
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام) في مسألة الرجوع إلى رواة الأحاديث والتحاكم عندهم: (... فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله).
وهنا لا بد من الالتفات إلى ضرورة التقيد بالموازين الشرعية المقررة في الرجوع إلى العلماء، لا أن تكون العاطفة والإعجاب والحب والبغض وهوى النفس الميزان الذي نتخذه في انتخاب مرجع التقليد، فالمسألة ليست اختيارية بحيث يكون للإنسان الحق في انتخاب من يشاء، بل لا بد من الرجوع إلى الموازين المقررة كالأعلمية والعدالة والذكورة، وغيرها من الأمور المذكورة في شروط مرجع التقليد، وإلاّ فيكون عمل الإنسان حينئذ باطلاً، وحاله حال اليهود الذين كانوا يقبلون من الأنبياء ما يوافق آراءهم وأهواءهم، ومع طرح النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لما يخالف أهواءهم يكذبونه ويقتلونه أحياناً، كما حكى لنا القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَريقاً كَذَّبْتُمْ وَفَريقاً تَقْتُلُونَ﴾.
فالإنسان إذا لم يكن قادراً على السلوك والانسجام مع مراجع الدين، فإنه سيكون أكثر في عدم الانسجام مع الإمام (عجّل الله فرجه) الذي سوف يطرح فكراً جديداً ويلغي أعرافاً باطلة كنا نعيش عليها سنين طويلة، كيف يمكن لهذا الإنسان أن يتقبل من الإمام (عجّل الله فرجه) عملية التغيير الكبرى التي تتضح فيه معالم الدين، ويزول فيها كل ما هو باطل في الدين؟
2. البناء الروحي والعقائدي للإنسان:
إن عملية انتظار الفرج والاستعداد لذلك اليوم المبارك، تفرض على الإنسان بناء نفسه بناء روحياً وتقوية روحية وعقائدية كبيرة؛ لأن الإمام (عجّل الله فرجه) يحتاج إلى المناصرين الأقوياء في عقيدتهم وسلوكهم، الذين يحملون إرادات صلبة لا يمكن أن تتم إلا عبر البناء الروحي المستمد من تعاليم الدين الحنيف.
فالروايات الشريفة تصف هذه الثلة من الناس بأوصاف تبين أهميتهم وعظمتهم وتمجد بهم، كما في الرواية: (إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره، أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة العيان، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالسيف، أولئك المخلصون حقاً... والدعاة إلى الله سراً وجهراً).
وروى الشيخ في الغيبة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم. قالوا: يا رسول الله، نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين وأنزل فينا القرآن، فقال: إنكم لو تحملون لما حملوا، لم تصبروا صبرهم).
إن الاستعداد الحقيقي يعني شعور الإنسان بالمسؤولية المضاعفة في زمن غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) في بناء المجتمع الصالح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبناء النفس وتربيتها وتهذيبها وبناء الحالة العقائدية، كل ذلك يجعل الإنسان أقدر على استيعاب التغييرات الهائلة التي سيحدثها الإمام (عجّل الله فرجه) حين ظهوره، كما ورد في كثير من الروايات حيث سيخرج من الدين الكثير من الشوائب الدخيلة عليه، وسيقوم بتغييرات اجتماعية وفكرية هائلة لا يستطيع أي إنسان تفهمها ما لم يكن منسجماً مع الله سبحانه وتعالى انسجاما كاملاً قوياً في دينه، صلباً في عقيدته لا تهزه الهزائز، ولا تؤثر فيه الفتن، فإن الناس كما تحدث الروايات الشريفة سيفتنون حين ظهوره كما فتنوا في زمن غيبته.
فالإنسان الضعيف روحياً وعقائدياً لا يستطيع قبول تصرفات الإمام ويبدأ بالتشكيك بإمامته، كما أن البناء الروحي والعقائدي يجعل الإنسان قوياً في مواجهة الصعاب والإشكالات والسخرية التي تواجهه زمن غيبته (عجّل الله فرجه)، أمام الإنسان الضعيف فسرعان ما يدب اليأس إلى نفسه، والشك في وجوده (عجّل الله فرجه) وتبدأ الشبهات تفعل فعلها في قلبه.
3. عدم التعلق بالدنيا وتكثير الروابط:
من المسائل التي ينبغي الالتفات لها والعمل على وفقها - لكي يكون الإنسان مستعداً ومتهيئاً لظهور الإمام (عجّل الله فرجه) - هو العمل على عدم التعلق بالدنيا وزخارفها وتقليل التعلق والارتباط بالأمور المادية، لأن هذه الأمور التي قد تكون سبباً للانحراف عن الإمام (عجّل الله فرجه). فهو مقبل على أعظم تغيير عرفته البشرية من يومها الأول، وهذا يستدعي تفرغاً كاملاً من المؤمنين لهذه المهمة العظيمة، فكثرة ارتباط الإنسان وتعلقه بالمال والأهل والولد وزينة الحياة المرفهة والعيش الرغيد يعد من المعوقات للانطلاق معه (عجّل الله فرجه) في حركته، وهذه حقيقة عاشها السابقون ونبه إليها القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في سَبيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَليلٌ﴾.
فكلما ازدادت علائق الإنسان بالدنيا، كلما كانت التضحية بها أصعب وأشد، وقد يحرم الإنسان من التوفيق بالالتحاق بركب الإمام (عجّل الله فرجه)، لذلك نلاحظ الإمام الصادق (عليه السلام) ينبه إلى هذه الحقيقة كما ورد في رواية أبي بصير عنه (عليه السلام) أنه قال: (ما تستعجلون بخروج القائم، فو الله ما لباسه إلا الغليظ، ولا طعامه إلا الجشب وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف).
بل أشد من ذلك، لربما كانت هذه الأمور سبباً للوقوف في وجه الإمام (عجّل الله فرجه) أو تكذيبه (والعياذ بالله - فما هو موقفنا لو أمرنا أن نخرج من أموالنا لأنها ليست لنا بحق؟ وما هو موقفنا لو طلب منا البراءة من بعض أحبائنا وأعزائنا لأنهم ليسوا على الحق؟ وما هو موقفنا لو طلب منا ممارسة ما نستشعر معه بالثقل في تنفيذ أوامره؟ وبالتالي فالتعلق بالدنيا ربما يكون سبباً للفتنة والخروج عن طاعته والتي هي الكفر بعينه.
لذا لا بد للإنسان من أن يقلل ما استطاع من التعلق بأمور الدنيا والارتباط بها، استعداداً وتهيؤاً للارتباط بخليفة الله (عجّل الله فرجه) وحجته على خلقه.