(٨٥) أبعاد علامات الظهور
أبعاد علامات الظهور
الشيخ محمد حسين الأنصاري
إن لعلامات الظهور عدة أبعاد منها:
1) التشرف بذكر كلام آل محمّد (عليهم السلام) وما جاء فيه من دلالات وعبر:
إن هذه الدلالات والعبر كثيرة ذكرتها الروايات، ومنها:
- عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (هما صيحتان، صيحة في أول الليل وصيحة في آخر الليلة الثانية، قال: فقلت: كيف ذلك؟ قال واحدة من السماء، وواحدة من إبليس. فقلت كيف تعرف هذه من هذه؟
فقال (عليه السلام): يعرفها من كان سمع بها من قبل أن تكون).
فمن هذا تبين أن معرفة العلامات لها أثرها الفعال في المحافظة على توازن الشخص في زمن الفتن، فهي أمان من الضلال.
وفي رواية أنه (عليه السلام) سئل عن الندائين: (فمن يعرف الصادق من الكاذب؟ فقال (عليه السلام): يعرفه الذين كانوا يروون حديثاً ويقولون إنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقون الصادقون).
وفي رواية قالو له (عليه السلام): (فما يدرينا أيهما الصادق من الكاذب؟ فقال (عليه السلام): يصدقه عليها من كان يؤمن بها قبل أن ينادي، أن الله (عزّ وجل)، يقول: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾.
2) التصديق بأن هذه الأقوال تدل على صدقهم.
ومن جملة صدقهم التي تأتي مرتبة قبل العلامات هي علامة بحد ذاتها، فإنهم أخبروا أن غيبته ليست بقصيرة بل تطول وتطول، وهذا ما عاشه غيرنا، وعشناه، والله أعلم إلى متى ستكون؟
فهذه من الأدلة المتينة، التي تبين صدقهم ويمكن اعتبارها حجة على الناس.
3) إن ذكر هذه العلامات يفيد وجوده (عجّل الله فرجه) المبارك وطلعته المرتقبة، فإن بعضها الحادث، يدل على بعضها الآخر، فيكون الإنسان صادقاً بانتظاره، ومصدقاً على ذلك.
فإن هذا التوزيع العجيب لهذه الدلالات على مساحات التاريخ الواسعة من أسرارها العجيبة، اذ تحث الناس على الانتظار، فضلاً عن إنها تذكرهم به دائماً. فيرتبط الناس به عند حدوثها أكثر فأكثر، فيكون هذا مدعاة للخير لهم دائماً، وجذباً حقيقياً لهم إلى الدين الحنيف. ومهما قسى الزمان عليهم (عليهم السلام) فلهم الأمل الكبير في تحقق النصر، فها هي طلائعه تظهر لهم وتبرق، بحق ما ذكره الأئمة (عليهم السلام)، وإن كانت غيبته ما زالت مستمرة.
4) ازدياد صبر المنتظرين:
فإنهم يزدادون صبراً من شدة المصائب من جهة، يزدادون يقيناً وإيماناً من جهة أخرى.
ومضمون رواية الإمام الصادق (عليه السلام): إن قدام المهدي (عليه السلام) علامات من الله (عزَّ وجل) للمؤمنين، تبين هذا.
5) دلالتها على إن الذي ينتظر أمراً مهماً، تلوح طلائعه ثم تختفي، ستكون المحافظة عليه - هذا الأمر - وهو الظهور المقدس للإمام (عجّل الله فرجه) أتم عندما يأتي، إذ يشعر الناس ويتلمسون ما اقترف بحق هذه الصفوة التي كان همها سعادة البشرية، وقد فرط الناس بأجداد هذا الإمام وآبائه (عليهم السلام)، فتكون علاقتهم به أقوى، والمحافظة عليه أتم.
وستكون لتلك العلامات الأثر الفعال في أيام الظهور إذا سيشد الناس بعضهم بعضاً للوصول إلى خدمته والكون بين يديه، اقتداء بالإمام الصادق (عليه السلام) إذ قد ورد أنه (عليه السلام) يتمنى أن يكون معه ليخدمه، حيث قال (عليه السلام): (لو أدركته لخدمته أيام حياتي).
وقال سدير الصيرفي: (دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فرأيناه جالساً على التراب، وعليه مسح خيبري، مطوق بلا جيب مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الوالـه الثكلى، ذات الكبد الحرى، فقد نال الحزن وجنيته، وشاع التغير في عارضيه، وقد أبلى - ولعله وبل - الدموع محجريه، وهو يقول: (سيدي، غيبتك نفت رقادي، وضيقت علي مهادي، وابتزت مني راحت فؤادي، سيدي، غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أحس في دمعة ترقى في عيني، وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلا ما لقيني...).
6) بيان كذب المدعين
إذ أن لهذه العلامات الأثر الفعّال في بيان كذب كل من يدعي أنه المهدي قبل ذلك، لأن ظهوره لم يتم بحسب ما جاءت به الروايات عنهم. أن (خروج اليماني والسفياني والخراساني في سنة واحدة، وفي شهر واحد، وفي يوم واحد، ونظام كنظام الخرز، يتبع بعضه بعضاً).
فكيف سينسق ظهوره مع هؤلاء المذكورين؟
ولو ادعى أنه اليماني، فالأيام تثبت كذبـه، لأنه لم يتحقق خروجه مـع السفياني والخراساني.
وهكذا.
لذا فإن فتن هؤلاء وأولئك سوف لن تنطلي على من فهم تلك الدلائل ووعاها، فعرف الحق والتصديق به، فيكون في أمان من هؤلاء الجهال اللعناء.
فإذاً من ظهر، ومن يظهر ممن يدعي هذه المناصب لا حاجة لمعرفة ما عنده، فكفى به أنه لا يجيد اللغة العربية، فإنه يكفي ذلك وحده ليدل على أنه كذاب وضال مضل، وكذا لو احتاج إلى ترجمة في تكملة مع أي أحد.
فضلاً عن معروف النسب ومعلومه.