البحوث والمقالات

(٩٠) أدلة وجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

أدلة وجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

الشيخ محمد حسين الفقيه (رحمه الله)

تواترت الروايات عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن أن الدنيا لا تنتهي إلّا على يد حجة من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والروايات في ذلك مختلفة اللفظ، منها «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر رجل من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً».
والروايات التي جاءت في كتب المسلمين عن مسألة المهدي (عجّل الله فرجه) متواترة، والخبر - كما هو مبين - في علم الحديث إمّا خبر متواتر وإمّا خبر واحد، أمّا الخبر المتواتر فهو الخبر الذي ينشأ من اجتماع جماعة على شيء يمتنع تواطؤهم على الكذب فيه فيسمونه خبراً متواتراً، فمثلاً أن المكي، الكوفي، البصري، الخراساني، والمدني أو غيرهم يتوافق أنهم يروون الرواية أو الخبر فيكون الخبر متواتراً بمعنى لا يمكن أن يكون هؤلاء مجتمعين على الكذب، ومثال ذلك أيضاً يدخل شخص فيقول فلان حادثة حدثت في الشارع، بعد قليل يدخل شخص ثان ويقول فلان حادثة حدثت في الشارع أيضاً، بعد فترة يدخل ثالث يقول يوجد حادثة حدثت في الشارع، خمسة أو ستة أشخاص لا أحد منهم يعرف الآخر وإن كانوا ضعافاً وليسوا بثقات، لكنهم ينقلون نفس الخبر، فهذا يسمى خبراً متواتراً.
والخبر المتواتر فيه ميزتان، الميزة الأولى هو أنه كالقرآن، بمعنى لا يوجد فرق بين الخبر المتواتر وبين القرآن في لزوم الأخذ بمضمونه. والميزة الثانية هي أن الخبر المتواتر يفيد القطع ويفيد العلم، يعني أن نسبة وقوع الحادثة التي ينقلها هي (100%).
ونحن في مسألة الحجة (عجّل الله فرجه) صاحب الزمان نستدل بالأخبار المتواترة عند المسلمين، وأنها ليست عشرات الروايات، بل مئات الروايات، واردة في ذلك عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أي أنه يوجد إجماع عند المسلمين أن الدنيا لا تنتهي إلّا على يد الحجة من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حتى أن ابن باز - وكان شيخ الوهابيين في السعودية، قبل أكثر من عشرين عاماً - عندما سئل عن مسألة المهدي (عجّل الله فرجه) قال: (نعم نحن نعتقد بالمهدي، والذي ينكر المهدي جاهل).
وإن بعض إخواننا من علماء السنة قد صرح أن منكر المهدي (عجّل الله فرجه) كافر لأن من ينكر المهدي (عجّل الله فرجه) فقد أنكر ضرورة في الإسلام، وإجماع المسلمين يقول بذلك.
أمّا الأدلة على وجود هذا الإمام الهمام (عجّل الله فرجه) فهي:
الدليل الأول:
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.
إن الفخر الرازي إمام أهل السنة يستدل بهذه الآية ويقول: أولاً الآية تقول ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ وأن الصادقين تعني هنا جماعة معينة، وأن هؤلاء معصومون، لأنه لا يجوز اتِّباع غير المعصوم تبعيةً مطلقة، بينما الآية أمرت المسلمين أن يتبعوا الصادقين - بما أنهم صادقون - تبعية مطلقة ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ وهؤلاء الصادقون اتِّباعهم واجب بالآية، فهم معصومون واتِّباع غيرهم تبعية مطلقة حرام.
ومما لا شك ولا ريب فيه أن القرآن نزل ليكون خالداً إلى يوم القيامة، نزل قانوناً للبشرية عموماً وإلى يوم الدين، فمعنى ذلك أن الصادقين هؤلاء - وهم المعصومون - موجودون في كل زمان، وهذا ما يوافقنا عليه الإمام الفخر الرازي لأن القرآن ما نزل لأيام النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبعيده فقط، وإنما نزل إلى يوم القيامة، ومعنى ذلك أن هؤلاء الصادقين الذين يجب تبعيتهم تبعية مطلقة والذين هم معصومون موجودون في كل زمان وإلى يوم القيامة فكلمة ﴿الصَّادِقِينَ﴾ في ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ تنطبق على الإمام الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه) الإمام مهدي آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإن لم يكن المهدي (عجّل الله فرجه) من بين الصادقين، فمن هو المعصوم في هذا الزمان إذن؟
الدليل الثاني:
في حديث الثقلين وهو خبر متواتر ليس فقط عند الشيعة، بل هو متواتر عند السنة أيضاً، وجاء عن طريق السنة بـ35 طريقاً يفيد القطع، وقد قلنا إن الخبر المتواتر مثل القرآن، وفيه يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفي ألفاظ مختلفة: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض لا تقدموهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم»، فالأشخاص الذين قرنهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالقرآن يجب أن يكونوا معصومين مثل القرآن، وهذا أولاً، أمّا ثانياً فإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول أنتم إذا اتَّبعتم القرآن والعترة لن تضلوا، فإذا كان العترة أنفسهم غير معصومين أيمكن أن يعصمونا من الضلال؟ إذن يجب في العترة أن يكونوا معصومين (100%) عن الضلال فيعصموا الأُمة عن الضلال، فلا شك ولا ريب أنّ حديث الثقلين يدل على عصمة العترة (عليهم السلام)، عصمة أهل البيت (عليهم السلام) هذا أمر، والأمر الآخر فإن نفس حديث الثقلين يدل على وجود المهدي (عجّل الله فرجه) بالفعل.
لأنه من العترة كما أسلفنا أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي». فإن النبي ترك هذين العنصرين بعد وفاته حتى يعصمونا من الضلال، وأنه ترك هذين العنصرين إلى يوم القيامة لأن رسالته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاتمة، وحديثه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حقيقة وصدق فلابد من وجود المهدي (عجّل الله فرجه) حتى لا تتحقق الضلالة.
الدليل الثالث:
ما يقوله الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث الثقلين أيضاً: «وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» ويعني أن القرآن موجود مع العترة إلى يوم القيامة وأنهما لن يفترقا، ومعنى ذلك أن القرآن موجود ولكن واحداً من العترة وهو معصوم أيضاً يجب أن يكون موجوداً وأنهما أي القرآن والمعصوم لن يفترقا حتى يردا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحوض يوم القيامة، وهو دليل التلازم.
والدليل الرابع:
هو الحديث النبوي الشريف المعروف بين المسلمين أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»، هناك مصادر لمفكرين، وفي مصادر سنية إسلامية فيها (في الحديث) جاءت فقرة (ولكل زمان إمام) فإذا كان المهدي (عجّل الله فرجه) غير موجود الآن فمن حقنا أن نسأل المسلمين من هو إمام زمانكم الآن؟ إذن إن الإمام الذي إذا لم نكن نعرفه فسنموت ميتة جاهلية هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، محمد بن الحسن المهدي (عجّل الله فرجه).
الدليل الخامس:
وجود نصوص صحيحة في صحيح البخاري وصحيح مسلم، نصوص متواترة أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «لا يزال الدين قائماً أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة وكلهم من قريش عددهم كنقباء بني إسرائيل» وهذا الحديث القطعي الذي ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم لا ينطبق إلّا على أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم محمد المهدي (عجّل الله فرجه).
هذه أدلة قطعية علمية على أن لنا إماماً في هذا الزمان، إماماً معصوماً نصبه الله، عينه الله (عزَّ وجلَّ)، وفي هذا راجع كتاب المجالس للسيد محسن الأمين فقد جاء فيه أن علماء السنة ومنهم ابن طلحة الشافعي ومنهم صاحب الفصول المهمة، وآخرون منهم قد اعترفوا بولادة المهدي (عجّل الله فرجه).
وقد ذكر الشيخ لطف الله الصافي في كتابه (منتخب الأثر حول الإمام المنتظر) خمسةً وستين عالماً من إخواننا علماء السنة، يعترفون أيضاً بولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في ليلة النصف شعبان سنة 255هـ في مدينة سامراء.
اللهم ثبتنا على ولاية وليك الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه)، اللهم ارزقنا رأفته ودعاءه، اللهم اجعلنا من أنصاره وجنده، اللهم عجل فرجه بالقريب العاجل.
والسلام على أجداده الطاهرين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٢ : ٦.١ K : ٠
: الشيخ محمد حسين الفقيه
التعليقات:
لا توجد تعليقات.