(١٠٤) الآثار الأخلاقية للانتظار (٢)
الآثار الأخلاقية للانتظار (٢)
الشيخ محمد علي العباد
إنَّ من صور الانتظار الإيجابي الأخرى للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عند الأفراد والمجتمعات هو السعي للتمهيد للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تمهيداً عملياً، وهذا التمهيد يكون بشتى الوسائل منها التمهيد الفردي بأن يجهز الإنسان نفسه وأن يعدها فعلاً لظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
فعندما نقرأ في دعاء الافتتاح «اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك»، فمعنى هذا أنه لابد أن يكون للمنتظر طموح إلى المستوى الذي يهيئ نفسه لمستوى القيادة، ولمستوى الدعاة في دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، بمعنى أنه لا ينتظر فقط لأجل أن يستمتع بمكتسبات الدولة التي ستأتي وستقام.
ومعنى «تجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك» الواردة في الدعاء هو أن يهيئ الفرد نفسه من الآن، فلو ظهر الإمام (عجّل الله فرجه) فعلاً فهو - أي الفرد - سيكون بالمستوى الذي يكون فيه من الدعاة ومن القادة في دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
ومن الدور الإيجابي لانتظار لدولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تمهيداً عملياً هو التطوير العلمي - إن صح التعبير -، فهناك مسؤولية العقل ودور العلم ومؤهلات الفرد، أي الأسباب الطبيعية.
وهذا هو السر الذي تشير فيه الروايات إلى وجود دولة ممهدة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأن يكون التمهيد تمهيداً على كل الأصعدة، بما في ذلك الصعيد العلمي العملي والصعيد التكنولوجي.
والأمر الآخر الذي يعتبر من الانتظار الإيجابي أيضاً هو أن الإنسان لابد أن يتحمل دفع ضريبة المعاناة، والروايات عندما تتحدث عن المنتظرين لدولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تتحدث عن المعاناة، وتتحدث عن المآسي، وتتحدث عن الصعاب التي تمر على هؤلاء المنتظرين، فقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إن أجر الرجل منهم كأجر خمسين من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والسر في ذلك هو ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنكم لو حملتم ما حملوا لم تصبروا صبرهم». بمعنى أن الفرد المنتظر عليه أن لا يستسلم لأية مواجهة مهما كان نوعها، وهذا هو معنى الضريبة.
وإن أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) المنتظرين للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عموماً يواجهون فعلاً شتّى وسائل صور المواجهة من قبل أعداء الأُمة وأعداء الإسلام، وهذا كله ضريبة، تصب في مصب الانتظار الإيجابي، فكلما كان الانتظار الإيجابي أقوى كلما أثبت وجوده بقدر ما توُجه هؤلاء المنتظرون بشتى وسائل المواجهة، سواء السياسية أو الإعلامية أو العسكرية أو غير ذلك، فهم سائرون في طريق التمهيد لظهور الإمام الحجة (عجّل الله فرجه).
ولا ننسى أن للانتظار ناحية أخرى هي ناحية المشاعر والعواطف، فحالة الانتظار حالة قلق واضطراب وعدم استقرار، وهي في الفكر المهدوي تختلف اختلافاً كبيراً عمّا في غيرها، فهي هنا سبب في الارتقاء المعنوي والقرب من الله سبحانه، بمعنى أن الإنسان يبني نفسه بها ويقترب أكثر من الله سبحانه وتعالى. فالانتظار من أهم عوامل الارتقاء المعنوي والروحي للإنسان الفرد المسلم، لهذا ذكرت الأحاديث «بأن أفضل أعمال أُمتي انتظار الفرج»، «أفضل جهاد أُمتي انتظار الفرج» وقد عبرت الأحاديث بعبارة الانتظار لأنّه جهاد، وهذا أيضاً يحمل الإنسان مسؤولية، فالأحاديث أو الروايات التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) والتي تعطي المنتظِر صفة القمة في الرقي المعنوي، فعندما يقول الإمام الصادق (عليه السلام) ويتحدث عن أصحاب الإمام (عجّل الله فرجه) بأنهم «رهبان بالليل ليوث بالنهار» فالرهبنة تعني الانقطاع التام إلى الله (عزَّ وجلَّ)، ففي الليل تجد هذا الإنسان المنتظر الممهد من أعبد الناس لله سبحانه وتعالى، وفي النهار تجده الفاعل الحركي القوي الذي يؤدي دوره في ميادين الجهاد، وهذه الرواية تشير إلى المعنى القرآني الذي يقول فيه ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ إشارة إلى أن التعبد في الليل مما يعطي الإنسان الطاقة في النهار للقيام بالدور الحركي والعملي.
إن أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أو الممهدين له هم هكذا، من الرقي المعنوي، فهذا عمار الساباطي أحد أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) يسأله: أي العبادة أفضل، مع الإمام الظاهر بالحق أو الإمام المستتر؟ وإذا بالإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «الصلاة مع الإمام المستتر أفضل من الصلاة مع الإمام الظاهر بالحق». وهذه إشارة إلى وجود هذا الرقي المعنوي لأثر الانتظار على الفرد المنتظر.
فهو إيمان بالغيب وهو من أهم صفات المؤمن ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾.
ومن الآثار الإيجابية للانتظار هو أن المنتظر للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أيضاً يجب أن يكون في أرقى صور التمثل بالأخلاق ومحاسنها، وهناك رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) تقول بأن نعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، التي لابد أن تكون سلوكاً للإنسان بطبيعته وهو يمهد الأرضية عند الإنسان ويهيئ النفس لأن يكون من أنصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهي تعتبر من أهم المناهج للدعوة لدولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فالروايات تقول كونوا «دعاة لنا بغير ألسنتكم، كونوا دعاة لنا صامتين»، هذه الدعوة هي دعوة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وفي هذا الزمن يجب أن يكون سلوك الفرد الموالي لأهل البيت (عليهم السلام) بالأخص سلوكاً ينسجم مع الدعوة كمنهج دعوة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فالفرد الموالي لأهل البيت (عليهم السلام) سواءً كان في محيطه الموالي أو في محيط آخر عليه أن يتمثل بأسمى الأخلاق ليجسد معنى الانتظار الواقعي للإمام المهدي (عجّل الله فرجه).