البحوث والمقالات

(١٠٦) دراسة في النيابة والنواب (١)

دراسة في النيابة والنواب (1)

ندى سهيل عبد محمد الحسيني

اتبع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) نظاماً جديداً لجأ إليه في غيبته، من أجل إثبات وجوده الشخصي، وأنه هو الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام) أولاً، ولممارسة دوره القيادي ثانياً، وهو كون النواب قنوات الاتصال الدقيقة بينه (عجّل الله فرجه) وبين شيعته.
وكان هذا النظام هو النظام الأمثل الذي أثبت نجاحه على نحو سبعين عاماً تقريباً من عمر الغيبة الصغرى، أي منذ استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) عام (٢٦٠هــ) حتى وفاة النائب الرابع علي بن محمد السمري عام (٣٢٩هـ) وبوجود هؤلاء النواب، لم تستشعر الشيعة الفراغ الناجم من غياب الإمام (عجّل الله فرجه) إبان عهد الغيبة الصغرى.
إن القراءة الدقيقة لحياة أئمة أهل البيت وسيرتهم (عليهم السلام) ترشدنا إلى أن نظام النيابة لم يكن خاصاً بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنه قد تم اعتماد نظام النيابة من عصر الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وانتهاء بالإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) إلى أن استقر وتجلى أمر هذا النظام بشكل أوضح في زمن غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فقد اتخذوا (عليهم السلام) عدداً من الثقات المخلصين من شيعتهم وجعلوهم وكلاءً ونواباً عنهم، يتحركون بإذنهم وبأمرهم ويشكلون قنوات للارتباط بالمؤمنين الموالين.
ويؤيد ما ذكرناه من وجود وكلاء ونواب للأئمة المعصومين (عليهم السلام) ما ذكره الشيخ الطوسي (ت٤٦٠هـ) حيث قال: (... وقبل ذكر من كان سفيراً حال الغيبة نذكر طرفاً من أخبار من كان يختص بكل إمام ويتولى له الأمر على وجه من الإيجاز ونذكر من كان ممدوحاً منهم حسن الطريقة، ومن كان مذموماً سيء المذهب ليعرف الحال في ذلك).
إلّا أن نظام النيابة الذي أنشئ في عصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يختلف عما كان عليه في عصر الأئمة السابقين (عليه السلام)، ونوضح ذلك من خلال الآتي:
أولاً: أن وكلاء ونواب الأئمة (عليهم السلام) كانوا بمنزلة مراجع للناس في المناطق التي كانوا يسكنونها بعيداً عن منطقة سكن الإمام المعصوم (عليه السلام) إضافة إلى أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يقابلون الناس ويشاهدونهم حتى مع وجود هؤلاء الوكلاء، حيث كان موضع سكناهم (عليهم السلام) معلوماً عند عامة الناس، ولم يكن هذا الأمر متوافراً لكافة الناس في مدة الغيبة الصغرى، بل كان محصوراً بالنواب الأربعة وبعض خواص الإمام (عجّل الله فرجه)، الذين يتمتعون بأعلى درجات الثقة.
ثانياً: أن الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) عاشا في ظروف قاسية اقتضت غيابهما عن الساحة العامة نوعاً ما، لذا عملا على تأسيس نظام النيابة، وبأوسع مما كان عليه في عصر الأئمة السابقين (عليهم السلام) بحيث إنهم (عليهم السلام) أرادوا أن يفي هذا النظام بالقيام بجميع مهمات الإمام (عجّل الله فرجه) الاجتماعية والسياسية والفكرية والفقهية، ولكن ليس بالشكل المستقل عن الإمام (عجّل الله فرجه)، وإنما بشكله النيابي، كل هذا من أجل تهيئة عقول الناس لقبول مسألة غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، ولكي لا يكون الأمر مستهجناً، كان الاتصال بهم في كثير من الأحيان يتم عبر بعض الموثوق بهم حتى يعودوا شيعتهم فكراً وسلوكاً على غيبة الإمام (عجّل الله فرجه).
إذن كان نظام النيابة في زمن العسكريين (عليهما السلام) تمهيداً لعصر غيبة الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، بينما كان في زمن الغيبة الصغرى تمهيداً من الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) للغيبة الكبرى.
أقسام النيابة:
كما أن غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) انقسمت إلى مرحلتين (الصغرى والكبرى)، كذلك النيابة فقد انقسمت إلى قسمين:
النيابة الخاصة في الغيبة الصغرى، النيابة العامة في الغيبة الكبرى.
النيابة الخاصة: وهي أن الإمام (عجّل الله فرجه) يتخذ أشخاصاً خاصين نواباً عنه ويحددهم بالاسم والصفات، ويسهم كل منهم في تعريف الأُمة باللاحق له، وهم ينوبون عن الإمام (عجّل الله فرجه) في مختلف المسائل التي خولهم إياها.
ولا يليق بهذا المقام السامي إلّا من تتوفر فيه الصفات المطلوبة والمؤهلات اللازمة والشروط الخاصة التي هي:
أ - الأمانة. ب - التقوى. جــ - الورع. د - كتمان الأمور التي لا ينبغي إفشاؤها. هــ - عدم التصرف في القضايا الخاصة بالرأي الشخصي.
و- تنفيذ الأوامر والتعليمات الواصلة إليه من الإمام (عجّل الله فرجه)، إلى غير ذلك من الشروط.
وهم أربعة وكانوا جميعهم من علماء الشيعة وزهادهم وكبارهم وهم بالتسلسل الزمني لنيابتهم:
١- عثمان بن سعيد العمري.
٢- محمد بن عثمان بن سعيد العمري.
٣- الحسين بن روح النوبختي.
٤- علي بن محمد السمري، وهو آخر النواب الأربعة.
وقد مارس هؤلاء الأربعة مهام النيابة بالترتيب المذكور، فكلما توفي منهم أحد خلفه الآخر الذي يليه، بمعنى أنهم (رحمهم الله) قد حددوا بالأسماء والصفات وثبتت نيابتهم بالنص عليهم من الإمام (عجّل الله فرجه)، وأسهم كل واحد منهم بالتعريف باللاحق له، فكان الشيعة يرجعون إليهم في أمورهم لما ثبت عندهم من نيابتهم بالخصوص عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وقد مارسوا دورهم النيابي ببدء مرحلة الغيبة الصغرى مدة سبعين عاماً تقريباً، استطاعوا أن يتحملوا خلالها أعباء المسؤولية الثقيلة والخطرة، بأحسن وجه، وقد اضطلعوا خلال هذه المدة بمهام نذكر بعضاً منها:
١ - قيادة القواعد الشعبية الموالية للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، من الناحية الفكرية والسلوكية، امتثالاً لأوامره (عجّل الله فرجه).
٢ - إخراج توقيعات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وحل المشكلات وتذليل العقبات التي قد تواجه بعض قواعدهم الشعبية، فكانت المشكلات تحل وفقاً لتعاليم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الواردة في توقيعاته.
٣ - قبض الأموال وتوزيعها وإيصالها إلى حيث يجب دفعها، وهو من واضحات وظائفهم ومهمات أعمالهم، والمال المقبوض يكون عادة من الحقوق الشرعية التي يعطيها أصحابها من الموالين للإمام (عجّل الله فرجه) في مختلف البلاد الإسلامية.
٤ - المساهمة في إخفاء شخص الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، حيث التزامهم بمبدأ التقية مهما أحوجهم الأمر إلى ذلك، فيجعلونها لتهدئة الخواطر، وإبعاد النظر عنهم وعن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه).
إلى غير ذلك من المهام الأخرى التي لا يسعنا ذكرها جميعاً تجنباً للإطالة.
ويجب الالتفات إلى أنه كان للنواب الأربعة وكلاء في كثير من البلاد الإسلامية، يقومون بدور كبير في تسهيل مهمة النواب ووظائفهم. وكان هؤلاء الوكلاء محمودين في سلوكهم، يحققون الاتصال بالناس ومراسلة النواب الأربعة في القضايا والأسئلة الموجهة إلى الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، ويأخذون منهم الأموال ويوصلونها، أو يصرفونها حسب الأوامر الصادرة إليهم في الأمور الخاصة، أو على الشيعة.
ومنهم:
١ - حاجز بن يزيد الملقب بالوشاء (قدس سره).
٢ - إبراهيم بن مهزيار (قدس سره).
٣ - محمد بن إبراهيم بن مهزيار (قدس سره).
٤ - أحمد بن إسحاق الأشعري القمي (قدس سره).
٥ - محمد بن جعفر الأسدي (قدس سره).
٦ - القاسم بن العلاء (قدس سره).
٧ - الحسن بن القاسم بن العلاء (قدس سره).
٨ - محمد بن شاذان (قدس سره).

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٣ : ٤.١ K : ٠
: ندى سهيل عبد محمد الحسيني
التعليقات:
لا توجد تعليقات.