(١١٠) كيف تنفذ الأمة مشروع الانتظار؟
كيف تنفذ الأمة مشروع الانتظار؟
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
إدارياً، لابد في كل دولة ناجحة من ثلاث سلطات، تتحمل مهمة التقدم بالدولة شعباً ومسؤولية، هذه السلطات هي:
١. السلطة التشريعية:
وهي سلطة إعطاء الأوامر، ومهمتها النظر في أمور الدولة، ومعرفة ما تحتاجه من مشاريع ضرورية للحياة، فتصدر أوامرها بتنفيذها.
٢. السلطة التنفيذية:
وهي سلطة تنفيذ أوامر السلطة التشريعية، ومهمتها تحويل الأوامر النظرية للسلطة التشريعية إلى أعمال مرئية على أرض الواقع، ولابد لها من الاعتماد على أصحاب الاختصاص كما في السلطة التشريعية كذلك.
٣. سلطة المراقبة:
وهي سلطة متابعة أعمال السلطة التنفيذية، ومهمتها متابعة الأعمال التي تقوم بها السلطة التنفيذية ومعرفة مدى مطابقتها للأوامر التي أصدرتها السلطة التشريعية، ومدى مطابقة المشاريع للشروط الموضوعية للمشروع.
وهنا فإن أكثر ما نحتاجه هو النزاهة والإخلاص، لأنه مهما كانت المشاريع التشريعية كثيرة، فإنه من دون مراقبة نزيهة لن نضمن مشروعاً مفيداً مطابقاً للمواصفات الواقعية! ولا أعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى أكثر من النظر إلى الواقع المعاش!
وانتظار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مشروع حيوي كبقية المشاريع الحياتية، وإذا أريد له أن يكتمل فلابد أن تكتمل عناصره الثلاثة: التشريعية والتنفيذية والمراقبة، أمّا التشريع فقد تقدم الكلام عنه وهو أن هدف رسالات السماء كان التمهيد والدعوة للقضية المهدوية، وآخرها الجهود المركزة التي بذلها النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذلك، فالتشريع من هذه الجهة قد اكتمل على أحسن وجه، خصوصاً وإن القائم به معصوم.
واليوم دعونا نتكلم عن عنصر التنفيذ الذي هو مهمة الأُمة، فكيف تنفذ الأُمة مشروع الانتظار؟
إن ذلك يتم عبر عدة مراحل:
المرحلة الأولى: معرفة خلفيات الانتظار:
ويمكن تلخيصها بـ:
١. إن الانتظار يمثل عملاً عبادياً مهماً، فإذا اقترن بالنية الخالصة ترتب عليه الثواب العظيم، وما يستتبعه من لطف إلهي خفي وظاهر، وتوفيق للعمل وفق فطرة الدين.
٢. والانتظار - حاله في ذلك حال بقية العبادات - يصب في عملية بناء الفرد بناءً متكاملاً، وليس الفرد فقط بل والمجتمع، فإن الدين عموماً جاء من أجل هذه الغاية، خصوصاً عندما تعرف المعنى الصحيح للانتظار.
٣. والانتظار - بمعناه الصحيح - يمثل شعلة أمل تبث في النفس قوة العمل، وهو وهج نور ينير الطريق بالاتجاه الصحيح، ذلك أن المؤمن المنتظر لابد وأن يتعايش مع المجتمع المنحرف، ذلك المجتمع الذي يكون المؤمن فيه (كالقابض على جمرة بيده)، والكل يعرف حالة من يقبض على جمرة! خصوصاً إذا علمنا أنه لا يمكنه الاستغناء عن تلك الجمرة، إذ إنه لا يرى وجوده وكيانه إلّا بالقبض عليها.
ورد عن يمان التمار قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) جلوساً فقال لنا: «إن لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد - ثم قال هكذا بيده - فأيكم يمسك شوك القتاد بيده»؟ ثم أطرق ملياً، ثم قال: «إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه». (الكافي - ج١ - ص٣٣٥-٣٣٦).
وإنسان بهذه الصفة يعيش حالة من الاضطراب والألم، وصراعاً نفسياً عظيماً، بين اتجاهين في وجوده، اتجاه يناديه: ألق ما في يدك، وعش بحرية مع الناس، وفق مبدأ (حشر مع الناس عيد)، واتجاه يناجيه: اثبت على مبدئك، ولا تخش الناس، إن الله معك.
في صراع كهذا، يأتي الانتظار ليلقي بالصبر والأمل في قلب المؤمن، ليجعله ليس فقط يتحمل أذى الجمرة، وإنما يجعله يعيش حالة من اللذة والفرح بقبضه عليها، ذلك عندما يرى كثرة الساقطين في الطريق، وهو يرى نفسه ثابتاً في خطواته على طريق الحق.
إن من الآثار المهمة للاعتقاد بوجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو شحن طاقات الأُمة وبعث روح الأمل فيها، ففرق بين من يسير وليس له هدف مرجو ومحدد، وبين من يسير ويحدوه الأمل الكبير بأن نهاية النفق الطويل المظلم هو النور والفلاح، ومن هنا تأكد الأمر بانتظار الفرج وأنه أفضل الأعمال، ومن الواضح أن المراد بانتظار الفرج هو تهيئة الأسباب لقدوم من ننتظر فرجه، وإلّا فمجرد الشوق لا يعد من مصاديق انتظار الفرج.