(١١٣) علل الغيبة وفلسفتها (١)
علل الغيبة وفلسفتها (1)
الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي
الشيخ الكُليني وعِللُ الغيبة:
صنف الشيخ الكُليني (رحمه الله) الكتاب الكبير المعروف به والمسمّى (بالكافي) في عشرين سنة، وقد توفي (رحمه الله) ببغداد سنة ٣٢٩هـ، كما قال الشيخ النجاشي في رجاله وهو يؤرّخ للشيخ الكليني.
وفي تأليفه للكافي عقد الشيخ الكليني لصاحب الزمان (عجّل الله فرجه) ثمانية أبواب في عشرين صفحة، بابان منها في الغيبة، ومن دون عنوان:
الأول من البابين، باب نادر، فيه ثلاثة أخبار ليس فيها شيء عن عِلل الغيبة، وفي الباب الثاني منهما ثلاثون حديثاً يمكن تصنيفها في ثلاثة أبواب، هي:
١ - حكمة المحنة والتمحيص:
وقد عقد الشيخ الكليني لهذا المعنى باباً مستقلاً بعنوان (باب التمحيص والامتحان) ضمنه ستة أخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
ومنه الحديث الثاني الذي جاء: بسنده عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال (عليه السلام): «إنّه لابدّ لصاحب الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر مَنْ كان يقول به؛ إنّما هي فتنة من الله (عزَّ وجلَّ) امتحن بها خلقه».
والحديث الثالث فيه: جاء بسنده عن أبيه الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال (عليه السلام): «أما والله ليُغيّبنّ إمامكم سنيناً من دهركم (و) لمُتَحَصُنّ حتى يُقال: مات أوهلك بأيّ وادٍ سلك».
والحديث الخامس فيه، جاء بسنده عنه (عليه السلام) أيضاً حيث قال (عليه السلام): «إنَّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، إنّ الله (عزَّ وجلَّ) يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون».
وآخرها كان عن منصور الصيقل حيث قال: كنت أنا والحارث بن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوساً نتحدّث عند الإمام الصادق (عليه السلام) وهو يسمع كلامنا، فقال لنا: «في أيّ شيء أنتم؟ هيهات هيهات، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تُغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحّصوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميَّزوا، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم إلّا بعد إياس، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى من يشقى ويُسعد مَنْ يُسعد».
واختصره في الخبر الثالث: عن منصور الصيقل نفسه إذ قال: قال لي أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «يا منصور، إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إياس، ولا والله حتى تميّزوا، ولا والله حتى تُمحّصوا، ولا والله حتى يشقى مَن يشقى ويُسعد مَن يُسعد». وهذا الخبر هو المرتبط بالموضوع، وما عداه في مطلق التمحيص والامتحان، وقد مرّ أن الكليني لم يُعنون شيئاً من ذلك بعلّة الغيبة أو نحوه، وسيأتي من الشيخ الطوسي التنبيه إلى أن ذلك لا يمكن أن يكون علّة للغيبة.
٢ - حكمة الخوف على النفس:
وأربعة من أخبار هذا الباب هي: الخامس والتاسع والثاني عشر والعشرون عن زُرارة عن الصادق (عليه السلام) ولا أحسبها إلّا خبراً واحداً بثلاثة طرق، أقصرها التاسع والثامن عشر، وأطول منها التاسع والعشرون، وأكملها الخبر الخامس الذى مرّ صدره وذيله، وقال فيه زُرارة: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّ للقائم غيبةً قبل أن يقوم». قلت: ولِمَ؟ قال: «يخاف. وأومأ بيده إلى بطنه».
٣ - علّة أن لا تكون عليه (عجّل الله فرجه) بيعة:
وفي الخبر السابع والعشرين من أخبار باب الغيبة: بسنده عن هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) أيضاً قال: «يقوم القائم وليس في عُنقه عهد ولا عقد ولا بيعة».