البحوث والمقالات

(١٢١) السعادة في لقاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) (٢)

السعادة في لقاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) (2)

السيد منير الخباز

عرفنا من خلال حديثنا في الحلقة الأولى عن هذا الموضوع بأن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو بقية الله، وهو المظهر الباقي لله تبارك وتعالى.
أمّا موضوع هذه الحلقة، فإنه يتمحور حول سؤال يقول:
هل إن هدفنا هو لقاء الإمام (عجّل الله فرجه) أم لا؟
أي: هل نحن نسعى للقاء الإمام؟ أم لا؟
لا إشكال أن الهدف الأسمى والسعادة الكبرى في التشرف بلقاء الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، لكن لكي نفهم هذه النقطة جيداً، هناك ثلاثة أسئلة نطرحها وسنجيب عنها:
السؤال الأول: هل من الممكن لقاء الإمام (عجّل الله فرجه) أساساً أم لا؟!
الجواب:
ربما يقول شخص ويدّعي بأن لقاء الإمام باب مغلق.
ويستند هذا الشخص إلى توقيع الإمام (عجّل الله فرجه) إلى السمري حيث يقول: «... وسيأتي شيعتنا من يدعي المشاهدة ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني وقبل الصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلّا بالله»، فربما يقول هذا الشخص: إن هذا التوقيع يستفاد منه أن لقاء الإمام (عجّل الله فرجه) ممتنع، لأنه يقول من ادَّعى المشاهدة فهو كذاب مفتر، وهنا نقول: إن الأمر ليس كذلك، لأمور هي:
أولاً: أن غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) ليست غيبة انعزالية وإنما هي غيبة اتصالية، والغائب من الإمام (عجّل الله فرجه) عنوانه لا شخصه، فهو يعيش بين ظهرانينا لكنا لا نعرف عنوانه، نقرأ في دعاء الندبة: «بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنَّا، بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نَازِحٍ مَا نَزَحَ (يَنْزَحُ‏) عَنَّا، بِنَفْسِي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شَائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرَا فَحَنَّا»، يتبيّن من الدعاء أن غيبته هي غيبة عنوان لا غيبة شخص وأن لقاءه أمر ممكن جداً وأمر متيسر، فإذا أراد الإمام (عجّل الله فرجه) ذلك فإن بيده تحديد اللقاء، وليس بأيدينا نحن.
ثانياً: تواتر لدى الشيعة الإمامية لقاء الإمام (عجّل الله فرجه) عن كثير من العلماء وبنحو يورث القطع واليقين وبأن لقاءه ممكن وليس باب مغلق ولا مسدود.
ثالثاً: هذا التوقيع الشريف الذي قال: «ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني وقبل الصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلّا بالله»، فهذا الحديث يتحدث عن السفارة لا عن اللقاء، فالممتنع هو السفارة بمعنى أن بعد السفير الرابع لا توجد سفارة وإلى أن يخرج الإمام (عجّل الله فرجه) ويظهر ظهوراً تاماً فالمغلق هو السفارة لا اللقاء.
ولكن يجب أن نعرف بأن الإمام (عجّل الله فرجه) لا يبذل لقاءه لكل أحد، وإلّا لوقع موقع تربص الظالمين وتربص الطغاة، فمقتضى الحكمة هو أن يختار الإمام (عجّل الله فرجه) الأشخاصَ المعروفين بتمام الوثاقة وبتمام الأمانة ليلتقي بهم.
فالإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) عندما يختار شخصاً للقائه فإنه يختار الشخص المعروف بالوثاقة، بالأمانة وبالصدق حتى إذا أخبر بأنه لقي الإمام (عجّل الله فرجه) يكون مورد قبول ويكون مورداً للتصديق ويكون مورداً للإذعان.
السؤال الثاني: ما هي طبيعة لقاء الإمام (عجّل الله فرجه)؟!
الجواب:
لقاء الإمام (عجّل الله فرجه) هو لقاء الله، لأن الإمام (عجّل الله فرجه) مظهر لله.
إن المقصود بلقاء الله هو لقاء الارتباط ولقاء الفناء بمعنى أننا فيه لا نشعر بأنفسنا، فليس هناك وجودان وجود لنا ووجود لله، بل هو وجود واحد لا نشعر فيه إلّا بوجود الله.
والقرآن الكريم يعبّر عن العلاقة الفنائية فيقول: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ هل هم يشعرون بأن يد الله فوق أيديهم، وهل أن كل واحد منهم يشعر أن يد الله تلامس يده ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾؟
فلقاء الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) لقاء الله، لقاء الله هو لقاء الفناء.
السؤال الثالث: نحن نريد لقاء الإمام (عجّل الله فرجه) وأيٌّ منّا لا يريد لقاء الإمام (عجّل الله فرجه)؟! لكن هل الإمام يريد ذلك أم لا؟!
الجواب:
وأن علماء العرفان يقولون: إنَّ هناك فرقاً بين لقاء الأُنس، ولقاء التشريف.
فلقاء التشريف: هو أن يمن عليَّ الإمام (عجّل الله فرجه) ويريني طلعته الرشيدة وغرته الحميدة، كما أقول أنا في الدعاء: «اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واكحل ناظري بنظرة مني إليه وعجِّل فرجه»، وهذا هو لقاء التشريف، ولكن الإمام (عجّل الله فرجه) لا يريد ذلك، بل يريد لقاء الأُنس فكيف يكون ذلك؟!
أي أنه يريد أن يلتقي بنا، وهو أنس بنا، فرح بنا، مبتهج بنا، ولكن كيف يلتقي بنا الإمام (عجّل الله فرجه) لقاء الأنس إذا لم نكن أهلاً لإيناس الإمام (عجّل الله فرجه)، إذا لم نكن أهلاً لتفريح قلب الإمام (عجّل الله فرجه)، إذا لم نكن أهل لإبهاج الإمام (عجّل الله فرجه)، إذن الإمام (عجّل الله فرجه) يريد شيئاً ونحن نريد شيئاً.
نحن نريد أن نبقى على ذنوبنا وأن نبقى على معاصينا ومع ذلك نريد من الإمام أن يشرفنا بلقائه ويكرمنا بطلعته لكننا باقون على ذنوبنا ومعاصينا.
إن الأمر إذن يتوقف على أن ننصهر بالإمام (عجّل الله فرجه) وأن تكون علاقتنا بالإمام (عجّل الله فرجه) علاقة فنائية لا ارتباطية، علاقة انصهارية، أي تكون علاقتنا بمبادئ وقيم الإمام (عجّل الله فرجه).

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٣ : ٤.٠ K : ٠
: السيد منير الخباز
التعليقات:
لا توجد تعليقات.