البحوث والمقالات

(١٢٤) خصائص دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) المرتقبة

خصائص دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) المرتقبة

السيد سامي البدري

إن دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) المرتقبة لا تعني أن الإسلام سوف يبقى معطلاً حتى تقام دولته عند ظهوره (عجّل الله فرجه)، بل تعني قيام دولة خاصة كان نموذجها المصغر هو دولة وملك سليمان (عليه السلام)، فقد كان ملكه مؤيداً بقوى الجن والريح والحيوان فضلاً عن مؤمني الإنس، وأنها تزيد على دولة سليمان (عليه السلام) بأنها تعم الأرض كلها ولا توجد دولة بعدها وتتصل بعهد القيامة الصغرى ثم تختم الحياة على الأرض، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه القيامة الصغرى في آخر الزمان بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾، والدابة هي كل ماشٍ على الأرض كما في قوله تعالى: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾، وهي هنا إنسان ميت يحييه الله تعالى بقرينة قوله تعالى: أخرجنا من الأرض وقوله تكلمهم.
والحاجة إلى هذه الآية هي أن الناس بعد ظهور المهدي والمسيح (عليهما السلام) قد يبقى الكثير منهم على ما ألفه من دين أو مذهب آبائه كما أخبر القرآن عن الناس في زمن الأنبياء:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ (المائدة: 104).
وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾، أي نحشر من كل أُمة جماعة ممن يكذب بآياتنا.
إن القيامة الصغرى التي أشارت إليها الآيات تقوم على فكرة عدم الاكتفاء بإقامة دولة العدل المطلق، وأن ينعم كل إنسان وكل فئة بالأمان والعدل والكفاية الاقتصادية والاجتماعية في ظلها كهدف يستوعب حركة المهدي والمسيح (عليهما السلام) المرتقبة، بل هناك هدف آخر وهو الحوار بين الأديان والمذاهب ومحاكمتها على أساس وسائل الإثبات الواقعية والتاريخية التي تستدعي إحياء شهودها ورجالها التاريخيين الذين كانوا طرفاً أساساً في تلك المذاهب أو الأفكار، وقد ادَّخر الله تعالى رسوله عيسى (عليه السلام) ليقوم بمهمة إحياء هؤلاء الشهود التاريخيين بين يدي الحاكم الأعلى المهدي من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ومن الطريف أن البعض يستنكر على الشيعة قولهم بهذه القيامة الصغرى والتي تسمى بالرجعة، مع أنه يعتقد بأن عيسى بن مريم (عليه السلام) سوف يعود مرة ثانية إلى الحياة الدنيا ويقتدي بإمام المسلمين آنذاك، كما في رواية البخاري «كيف بكم إذا نزل عيسى بن مريم وإمامكم منكم». ألا يسائل هذا البعض نفسه كيف سيعرف الناس أن هذا الشخص هو عيسى (عليه السلام) إذا لم يمارس إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، ثم أن عيسى (عليه السلام) حين يحيي الموتى هل يتصور البعض أنه سيحيي إنساناً مات لتوِّه ليعيش ساعة بإحياء عيسى له، ثم يموت بعدها، أم أن الأكثر تأثيراً والأبلغ في الأمر هو أن يحيي عيسى (عليه السلام) شخصاً ميتاً مضت عليه قرون ويعيش بعد إحيائه سنوات عديدة، والأبلغ منه حين يحيي شخصاً كعلي بن أبي طالب (عليه السلام) مثلاً الذي اختلف المسلمون على موقعه بعد الرسول بين قائل هو كالرسول في موقعه الرسالي والسياسي، إلّا أنه لا نبي بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأنه لا تجوز مخالفته كما لا تجوز مخالفة الرسول، وأنه كتب عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتباً توارثها الأئمة من ولده من بعده ووصلت إلى المهدي (عجّل الله فرجه)، وبين منكر لذلك كله ليجعل منه الشخص الرابع في الفضل.
إن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يخرج للناس الصحيفة الجامعة التي كتبها علي (عليه السلام) على الجلد بخط يده وإملاء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتوارثها الأئمة (عليهم السلام) بنص إلهي من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على واحد واحد منهم، ونشروا ما فيها، وقد كتب الشيعة عن أئمتهم السنة النبوية بهذا الطريق الوثائقي الفريد، حيث معصوم يكتب عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثم يروي المعصوم (عليه السلام) بنفسه من تلك الوثيقة كما في قول الإمام الصادق (عليه السلام): «إنا لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا، لكنا من الهالكين، ولكنها آثار من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أصل علم نتوارثها كابراً عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم».
غير أن البعض قد يبقى على ما عنده لما ألفه عن آبائه، وهنا من أجل توفير حجة حسية تقطع العذر يكون إحياء صاحب الكتاب ليكتب بيده وليعرف أنه الذي كتب وليحدثهم عن مجريات الأمور كما شاهدها وكما جرت، وهكذا حين يقول عيسى للمسيحيين أن المسيحية التي بأيديكم لم تكن مني، بل من بولس مثلاً، ويحيي لهم بولس ليحدثهم كيف حرَّف رسالة المسيح (عليه السلام) من رسالة جاءت تبشر بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) إلى رسالة تجعل من المسيح خاتم الرسل، بل تجعله ثالث ثلاثة.
ويتَّضح من ذلك أن دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ليست لإقامة العدل المطلق في المجتمع البشري حسب، بل للانتقال به إلى الوحدة الفكرية والمذهبية القائمة على أساس الوثائق التاريخية الصحيحة، وهي بذلك تمثل خاتمة المطاف لحركة الأنبياء والرسل جميعاً وانتصار العقل والعلم والتوحيد على الجهل والخرافة والشرك.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٣ : ٤.٢ K : ٠
: السيد سامي البدري
التعليقات:
لا توجد تعليقات.