(١٣٤) أكذوبة السرداب
أكذوبة السرداب
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
إن تلفيق التهم وتسقيط الآخر من أقدم المهن التي امتهنت من أجل تحقيق المكاسب على حساب الحقيقة والواقع.
فالمعروف أن الحقائق تثبت بنفسها، وتقدم عليها الأدلة لمن لا يؤمن بها فيذعن تبعاً للدليل.
لكن المستكبر يلوي عنق الحقيقة ويزيفها، بل ويتهم أصحابها بأقذر التهم وأسفهها لتسقيطهم أمام الآخر إذا عجز عن مقارعة دليلهم بالدليل.
وفي أول حالة حوار كوني جرى برزت نظرية تسقيط الآخر وتلفيق التهم له بديلاً عن الحوار الموزون واتِّباع الأُسس في إثبات الحقائق، فهذا إبليس اللعين يحاول إسقاط آدم (عليه السلام) من خلال الإيحاء بأنه خير منه، وتصوير نفسه على أنه أشرف وأعلى مرتبة من آدم (عليه السلام)، دون أن يعترف لآدم بقدراته الذاتية.
فهذه المحاولة منه جاءت لردم أُفق الحوار وإسقاط الخصم الذي يمثل الحقيقة قبل أن يبين ما لديه.
وعلى هذا المنوال جرت سيرة أصحاب البدع والأهواء، فلكي تشرعن بدعهم وضلالاتهم وانحرافاتهم فإنهم يقومون بتسقيط الآخر، وَكَيْل التهم له، وليس ببعيد عنا تاريخ الأمويين الفاضح في إسقاط الحقيقة الإسلامية العلوية وتلفيق التهم لها من أجل إثبات ضلالهم وبدعهم، أو على الأقل شرعنتها من خلال المقارنة.
ولأولئك السلف خلف طالح، ساروا على نهجهم واقتفوا أثرهم حذو القذة بالقذة.
والوقوف على ذلك ومعرفة تفاصيله لا يحتاج إلى جهد وبذل وسع.
وها قد أطل علينا من هؤلاء شيخ لم يرع حرمة نفسه وشيبته كي يرع حرمة الآخرين، من فضائية مفتضحة نتن ريحها الطائفي أجواء الود والوئام، ليقذف في نفوس أهل الإسلام كذبة جديدة افتراها سلفه وساروا عليها.
إذ يقول متهكماً من على منبر الباطل والضلال أن الشيعة سردبوا المهدي، وحرَّفوا القرآن، فضاع الثقلان.
إن كَيْل التهم بهذه الطريقة هي محاولة واضحة جداً وتؤكد ما تحدثنا من سيرة هؤلاء في طمس الحقائق من خلال إلقاء الشبه وكيل الاتهامات وتزوير الواقع وتزييف الحقائق.
ولكي نقف على حقيقة هذه الكذبة ونبين جذور هذا الافتراء نتحدث في ردها على شكل محاور:
المحور الأول: ما هو السرداب وما هي حقيقته؟
السرداب بيت يتخذ تحت الأرض للوقاية من لفيح الحر، وهو أمر رائج في ذلك الزمان وقائم إلى الآن.
فلكي يتقي الناس حرارة الشمس ولهيبها فإنهم يصنعون السراديب، وينزلون فيها في أوقات الظهيرة، ليأمنوا حرارة الجو، وسامراء وغيرها من بلاد العراق يكثر فيها بناء السراديب لهذا الغرض، ويندر فيها بيت يخلو من سرداب، بل وجود السرداب في يومنا هذا مشهود للعيان في مدينة النجف الأشرف وغيرها من مدن العراق، هذا هو معنى السرداب وحقيقته.
المحور الثاني: أننا نجد ومن خلال أهم المصادر وأوثقها عند السلفية والوهابية أنهم يؤمنون بالسرداب وبوجود شخص مغيب فيه ويكفرون من ينكره، حيث إنهم يؤمنون بوجود الدجال وأنه من الأحياء من قبل زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنه غائب في سرداب الجزيرة ومكبل بالحديد والأغلال وأن له دابة تخدمه وتتجسس لتنقل له الأخبار وقد التقى به تميم الداري ونقل خبره، فرواه مسلم في صحيحه وجعله السلفية والوهابية عقيدة لهم يخرجون من لا يؤمن بها من الملة والدين ويكفرونه.
بل ليس لهم دجال واحد مسردب في الجزيرة إنما يكثر عندهم المسردبون، فهذا ابن باز يفتي بوجود يأجوج ومأجوج على سطح الأرض في بلاد الصين منذ زمن ذي القرنين إلى يومنا هذا، وهم مسردبون محجوبون ممنوعون عن اللقاء بنا، يعيشون أطول غيبة عرفتها البشرية.
لا مصلحة في وجودهم إلّا الشر، ولا يرجى من بقائهم خير، ويكفر من لا يؤمن بهم وبغيبتهم.
هذه هي الحقيقة التي أراد السلفية والوهابية دفع الناس عنها من خلال اختلاق كذبة السرداب واتهام الشيعة بها زوراً وبهتاناً، فلكي يبعدوا أنظار الناس عن حقيقة ما يعتقدون به قاموا بتلفيق التهم على شيعة أهل البيت (عليهم السلام) محاولة يائسة بائسة منهم في إظهار هذا المذهب وأتباعه على أنهم يعتقدون الخرافات وما يجانب العقل والواقع، وها قد تبين لك أن هؤلاء يعتقدون بأكثر من مغيب، وفي أكثر من سرداب، ويكفرون من لا يعتقد به مع أنه شر محض.
المحور الثالث: هل يوجد عندنا سرداب؟
وقد تبين مما سبق أن الشيعة من هذه الكذبة براء، وهي عليهم محض افتراء، وأنهم لا يقولون بوجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في السرداب أو أنه يخرج عند ظهوره منه، بل هو عندهم حي موجود يعيش في البلاد دون أن يكون له مكان محدد، يحضر الموسم في كل عام يرى الناس ولا يرونه، وحين يظهر فإنما يظهر من مكة المكرمة، وأن السرداب عندهم لا يعدو كونه غرفة تحت الأرض من البيت الذي كان يسكنه الإمام (عجّل الله فرجه) مع أبيه وعائلته، وقد سكنه من قبل جدّه الإمام الهادي (عليه السلام)، وأنه لم يغب في السرداب، ولا يظهر منه، وإنما غاب في بيته وبيت أبيه وجدّه (عليهم السلام).
وإنه يكفي لبطلان أكذوبة السرداب وأنها من أقبح المفتريات على الشيعة، الاختلاف الكبير الذي وقع بين من كذبها علينا بهتاناً وزوراً، فهذا ابن تيمية يفضح نفسه بنفسه من خلال ما يزعم ويفتري علينا في قضية السرداب، إذ يقول إن الإمام باق في السرداب وأن الشيعة يقيمون هناك ويضعون بغلة أو فرساً أو غير ذلك ليركبها الإمام عند خروجه، وأن الشيعة ينادون عليه بالخروج ويصيحون يا مولانا أخرج، بل إنه يدعي أن سبب جمع الشيعة بين الظهرين والمغربين إنما هو لانتظار الشيعة الإمام (عجّل الله فرجه) عند السرداب، فيؤخرون الظهر والعصر إلى قريب غروب الشمس، فإذا يئسوا من ظهوره جمعوا بين الصلاتين، وكذلك يفعلون في المغربين.
ويتابعه على ذلك محمد بن عبد الوهاب شيخ الوهابية إذ يقول إن الشيعة مرابطون عند السرداب ولا يصلّون خشية أن يخرج وهم في الصلاة وأنهم ينادونه بأصوات عالية ويطلبون خروجه، وعلى هذا الكذب والافتراء جرت سيرة خلفهم، فلكي يغطوا على عقيدتهم في غيبة الدجال ويأجوج ومأجوج وسردبتهما أطلقوا هذه الكذبة وروجوا لهذا الافتراء.
ويكفي لرد هذا الافتراء واقع الشيعة المعاش، فهذه بلدان الشيعة ودولهم رغم تسليط الأضواء عليها ومتابعة كل صغير وكبير صدر منها إلّا أنه لم يسجل أحد على الشيعة أنهم يفعلون هذه الأفعال عند السرداب لا قديماً ولا حديثاً، بل إن سامراء لا تصنف على أنها مدينة شيعية حتى يفعل الشيعة فيها هذه الأفعال.
ونحن نتحدى الجميع بأن يأتوا لنا بقول أو دليل واحد نقول به وندين الله على أساسه أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في السرداب وأن الشيعة يفعلون هذه الأفعال عند السرداب وأنه يخرج منه ولا يخرج من مكة المكرمة.
والخلاصة: أننا نقول إن هذه الكذبة المفتراة على الشيعة - في أن مهديهم يعيش في السرداب ويخرج منه وأن الشيعة يقومون بهذه الأفعال عند هذا السرداب - لا واقع لها ولا أصل، وأن الشيعة لا يؤمنون بخروج المهدي (عجّل الله فرجه) أو بقاءه في السرداب فضلاً عن غيبته فيه، وأن إطلاق هذه الكذبة على أيدي السلفية والوهابية إنما هو لأجل التضليل ودفع الناس عن حقيقة سرداب الدجال ويأجوج ومأجوج الذي يصرح السلفية والوهابية بأنهما غائبان فيه وسيخرجان منه، فلكي يغطوا على هذه الخرافة والتي هي من أصول عقائدهم ويكفروا من لا يعتقد بها، رموا الشيعة بهذا الاتهام وكذبوا عليهم جهاراً نهاراً.