البحوث والمقالات

(١٦٩) أصحاب القائم (عجّل الله فرجه) شباب لا كهل فيهم‏

أصحاب القائم (عجّل الله فرجه) شباب لا كهل فيهم‏

السيد بلال وهبي‏

أبدع الخالق الحكيم الكون على أساس مراحل متعددة، وأجرى أموره كلها على هذا المنوال أيض، وكانت كل مرحلة تتميز عن غيرها بخصائص ومحددات معينة، حيث مرَّ الكون بمرحلة التكوين فمرحلة الكمال، وها هو -واللّه العالم- يتجه رويداً رويداً إلى مرحلة الشيخوخة والاندثار.
ولما كان الإنسان جزءاً من هذا الكون كان محكوماً بنفس القاعدة إذ ينطلق وجوده في الحياة من نطفة, فَعَلَقة, فمضغة, فطفولة, فشباب, فشيخوخة، ولكل مرحلة خصائصها أيض، فهو في مرحلة الطفولة وما يسبقها يعاني الضعف والوهن, لكنه وهن يسير باتجاه القوة والكمال، ثم هو في مرحلة الشباب يغدو نبعاً فياضاً للقوة ونهراً متدفقاً بالنشاط والعطاء، فكل الاستعدادات التي كانت عنده بالقوة في مرحلة الطفولة صارت فعلية في المرحلة الراهنة ثم ينحدر الإنسان هذا إلى المرحلة الأخيرة من حياته على الأرض, مرحلة الوهن والضعف, وتلاشي القوة وانخفاض الاستعدادات ليصل به الأمر إلى الضعف الأكبر، ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾.
ونلاحظ هنا إن أهم المراحل وأخصبها على الإطلاق هي مرحلة الشباب ولذا كان التعبير القرآني عنها بكلمة (أشدكم) فهي المرحلة الفياضة بالقوة الدفاقة بالعطاء، الخَيِّرَة بالمشاعر والعواطف, وهي مرحلة فعلية جميع الاستعدادات والطاقات التي تحتاجها الحياة سواء بمعناها الفردي أو الإجتماعي. ويقابلها مرحلة الشيخوخة التي هي أسوأ المراحل وأوهنه، ولذا عبر القرآن عنها بأنها (أرذل العمر)، حيث موت كل الطاقات ليصبح المرء في الواقع عالة على الحياة بعد أن كان قوة تهبها وجودها واستمرارها وتقدمها.
والواقع يؤكد بشكل حاسم أهمية مرحلة الشباب للحياة التي لا قيمة لها إلا بالإتكاء على هذه الفئة، فما من كيان إجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو عسكري أو فكري إلا ويحتاج إلى هذه الفئة بالذات، وما من ثورة أو حركة إلا وكان الجيل الشاب رافعتها الأساسية ودعامتها الراسخة، فالإسلام وهو أعظم حركة ثورية في التاريخ إنما تصلب عوده وارتقى بناؤه على أكتاف الشباب من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونموذج هؤلاء الأبرز هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي كانت ضربته يوم الخندق وهو شاب تعادل عمل الثقلين إلى يوم القيامة كما نطق بذلك الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهذه الفئة -أي فئة الشباب- هي التي سينتصر بها الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) وهي التي ستشكل جيشه الرباني الموعود للقيام بالثورة العالمية الكبرى، إذ من المسلم به أنه (عجّل الله فرجه) سيخرج وهو شاب، وهكذا مقاتلوه وجنوده وأعوانه.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (إن أصحاب القائم شباب لا كهل فيهم إلا كالكحل في العين وكالملح في الزاد). وعن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (بينا شباب الشيعة على ظهور سطوحهم نيام إذ توافوا إلى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد فيصبحون في مكة).
وعلى ضوء ما تقدم فإن عملية التمهيد لقيامه (عجّل الله فرجه) تفرض علينا أن نركز على تلك الفئة العزيزة إعداداً وتعبئة، إعداداً معنوياً وعلمياً وفكرياً وبدنياً يجعل منهم جنوداً أخياراً بين يديه (عجّل الله فرجه) ليتحقق ذلك الهدف الإلهي والإنساني المقدس الذي لم ينله إلى الآن أي قائد كبير, وكلما كان الهدف أكبر وأعظم وأنبل إحتاج إلى تركيز في الإعداد والتعبئة ليكون هذا الجيل المبارك مصداقاً صادقاً لما نطقت به الروايات الشريفة وهي تتحدث عن خصائص جند الإمام (عجّل الله فرجه) حيث وصفتهم بأنهم: (رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته، وأنهم: رهبان بالليل ليوث بالنهار، وأنهم: خير فوارس على ظهر الأرض).

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٣ : ٣.٩ K : ٠
: السيد بلال وهبي‏
التعليقات:
لا توجد تعليقات.