(١٧١) خروج الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أمر متفق عليه إسلامياً
خروج الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أمر متفق عليه إسلامياً
السيد محسن الأمين العاملي
اعلم إنه قد اتفق جميع علماء الإسلام وتواتر النقل عن سيد الأنام (صلى الله عليه وآله وسلم) على انه سيخرج آخر الزمان رجل من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا, وإنه سَمي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصاحب كنيته.
واختلفوا فمن قائل: انه لم يولد بعد وسيولد في وقت غير معلوم وهو آخر الزمان وهم أكثر علماء أهل السنة.
ومن قائل وهم الإمامية الإثنا عشرية وجماعة من علماء أهل السنة: انه ولد ثم غاب عن الأبصار بقدرة العزيز الجبار خوفاً من الأشرار, وربما ظهر لمن يعرفه أو لا يعرفه من أوليائه وغيرهم, وإن اسمه كاسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), وأبوه الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإن مولده الشريف على المشهور بينهم كما دلت عليه بعض الروايات للنصف من شعبان خمس وخمسين ومائتين من الهجرة. وقيل سنة ست وخمسين ومائتين لثمان ليال خلون من شعبان.
وإنه يطول عمره إلى أن يظهر في آخر الزمان كما طال عمر الخضر (عليه السلام), والدجال وغابا عن الأبصار وكما طال عمر المسيح (عليه السلام) ورفع إلى السماء كما اعترف بذلك كله جميع علماء الإسلام -إلا من شذ- ونطقت به الأحاديث الشريفة عند الفريقين, كما اعترفوا جميعاً ونطقت أخبارهم أيضاً بان عيسى بن مريم (عليه السلام) ينزل من السماء حين ظهوره ويصلي خلفه.
وحاصله أنه لا مانع من أن يكون الاختفاء بأمر الله تعالى وإذا لم يظهر لنا وجوده المصلحة في ذلك فليس لنا أن نحكم بعدمه لجواز وجود مصلحة خفيت علينا إذ لا يحيط علما بالمصالح إلا علام الغيوب, وليس لنا أن نسأل الله تعالى لم أمر وليه بالاختفاء فانه تعالى ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾.
ومن ذا الذي أمسى بكل مصـالح الأمور محيطاً غير رب له الأمر
ولا يسـأل الرحمـن عن فعلـه ولا يحيط بما في علمه أبداً فكر
واعلم إن استبعاد الخصم لأمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يقع أما من جهة طول العمر, لكل هذه المدة, وأما من جهة الغيبة عن الأبصار, وأما من جهة عدم الفائدة في وجود إمام مستور.
أما رفع الاستبعاد من الوجه الأول فبالإمكان طول العمر, ووقوعه في البشر كثير, وتصريح القرآن الكريم به بالنسبة إلى نوح (عليه السلام).
وأما رفعه من الوجه الثاني فبالإمكان وقدرة الله تعالى عليه أيضاً, ووقوع مثله في حق بعض الأنبياء (عليه السلام) وفي حق الخضر (عليه السلام) والدجال:
وأنكرتم طول الحياة وقلتم إلى مثل هذا لا يطول به العمر
وعمّر نوح بعد شـيت وآدم وعيسى والياس وإدريس والخضر
وعاش ابن عاد وعمر سبعة أنسر ثمانون عاما ما يعمره النسر
وقصة أهل الكهف أعجب والذي على قرية قد مر أمرهما أمر
فقد صح مما مر أن وجـوده خفيا عن الأبصار ليس به خطر
وفيما خلق الله تعالى واظهر من عجائب مقدوراته ما هو أعظم من ذلك, وقد ضرب بعض العلماء لذلك مثلاً. وهو انه لو حضر رجل إلى بغداد وقال أنا امشي على الماء, فانه يجتمع لمشاهدته جميع أهل بغداد, فإذا مشى على الماء ونظروا إليه تعجبوا كثيراً, فإذا جاء آخر قبل أن يتفرقوا وقال أنا أمشي على الماء أيضاً, فان التعجب منه يكون أقل وربما تفرق كثير من الحاضرين قبل أن ينظروا إليه, فإذا جاء ثالث وقال أنا أمشي على الماء أيضاً فربما لا يقف للنظر إليه إلا القليل, فإذا مشى على الماء سقط التعجب من ذلك, فإذا جاء رابع وذكر انه يمشي على الماء فربما لا يبقى أحد ينظر ولا يتعجب منه.
أقول: بل يصير حاله حال السفينة التي تمشي على وجه الماء ولا يتعجب منها احد.
وهذه حال الإمام المهدي (عجّل الله فرجه), فقد رويتم إن ادريس (عليه السلام) حي موجود في السماء منذ زمانه إلى الآن, وإن الخضر (عليه السلام) حي موجود منذ زمان النبي موسى (عليه السلام) أو قبله إلى الآن, وإن النبي عيسى (عليه السلام) حي موجود في السماء وانه يرجع إلى الأرض مع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه). هؤلاء ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم, وسقط التعجب من طول العمر.
ولما قيل لنا بوجود آلات يحصل بها التخاطب من الأماكن البعيدة بدون اتصال بينها كدنا نقطع بكذب ذلك حتى تكرر واشتهر وصار عندنا كسائر الأمور العادية.
وأما رفع الاستبعاد أو الامتناع من الوجه الثالث فبأنه:
أولاً: من أين نقطع بعدم الفائدة في وجوده وهو مستور؟
وأنى لنا بالعلم بأنه (عجّل الله فرجه) لا يتصرف بما فيه المصلحة والمنفعة للخلق وهم لا يعلمونه بشخصه؟
وقد ورد في الحديث (أهل بيتي أمان لأهل الأرض أو لأمتي).
وقد ورد عن آبائه (عليهم السلام): إن مثله في غيبته مثل الشمس بحجبها الغمام.
وثانياً: لو سلمنا ذلك أو قلنا بفوات الفائدة الكاملة بسبب غيبته, نقول لا مانع من ذلك, ولا قبح فيه إذا كان سبب الغيبة من العباد, كما أن الرسل والأنبياء (عليهم السلام) إذا كذبوا ولم يؤمن بهم أحد وقتلوا حين أظهار الدعوة أو بقوا, أو اخفوا أنفسهم خوفاً زمانا طويلاً أو قصيرا لم يكن لنا أن نقول: ما الفائدة في إرسالهم؟ فعلى الله تعالى أن يقيم الحجة ويقطع المعذرة بإرسال الأنبياء (عليهم السلام) ونصب الأوصياء (عليهم السلام), فإذا لم يقبل منهم أو حال بعض العباد بين الناس وبين الانتفاع بهم (عليهم السلام) لم يكن في ذلك قبح ولا إخلال بالمصلحة.